عن العزة القومية الروسية والفصل الأول من نضال روسيا ضد الهيمنة الأمريكية، كتب ألكسندر فيدوروسوف، في "إزفيستيا":
يذكّر كاتب المقال بما قام به رئيس الوزراء الروسي الراحل يفغيني بريماكوف في محاولة لتقويم الطبيعة الكارثية لقرار واشنطن الأحادي الجانب قصف يوغوسلافيا وآثاره في الاستقرار والأمن الدوليين. فعلى خلفية إدراكه عقم محاولات منع الأميركيين من التدخل الإجرامي، اتخذ بريماكوف القرار الصحيح الوحيد- قطع زيارة الوفد الروسي إلى واشنطن ورفض الاجتماع مع الرئيس الأميركي.
قبل خمسة وعشرين عاماً، كانت روسيا لا تزال ضعيفة وناقصة السيادة إلى الحد الذي جعلها غير قادرة على منع الأميركيين من انتهاك القانون الدولي بشكل صارخ، والاستغناء عن التفويض من الأمم المتحدة، باللجوء إلى إجراءات أحادية الجانب من حلف شمال الأطلسي. لكن، لحسن الحظ، لم نصبح شريكًا في جرائم حلف شمال الأطلسي في يوغوسلافيا. وفي وقت لاحق، حاولنا مرارا إقامة حوار ندي وبنّاء مع الأميركيين بشأن مكافحة الإرهاب الدولي، ونظام الأمن الجماعي في أوروبا، والمنافسة العادلة داخل منظمة التجارة العالمية، ولكن الغرب لم يكن وما زال لا ينوي التفاوض بجدية مع من يعدهم أدنى منه في التسلسل الهرمي العالمي.
وعلى نحو ما، كنا محظوظين لأن الأميركيين لم يَدَعونا نندمج في نظامهم العالمي الأحادي القطب، بشروط غير مهينة. يبدو أن هذا هو ما أنقذنا من الاختناق في أحضان الغرب.
ولكن من المؤسف أن الساسة الروس آنذاك كانوا مفتونين بالأفكار الرومانسية حول الغرب وبقول كذلك فترة أطول مما ينبغي. وهذا كلف بلادنا أثمانًا باهظة. لكن الأميركيين، لم يتركوا لنا طوال هذا الوقت أن ننسى تلك الشخصيات التي وجب علينا التعامل معها.
كان انعطاف بريماكوف الرمزي فوق المحيط الأطلسي بمثابة الإلماحة الأولى لنهضة روسيا، بعد العار الوطني الذي عاشته في أعوام التسعينيات.
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أوروبا الاتحاد الأوروبي حلف الناتو
إقرأ أيضاً:
تقليب المواجع
#تقليب_المواجع
د. #هاشم_غرايبه
أذكر برنامجا شاهدته في التلفزيون الأردني يتحدث عن قصة المهندس الأردني “محمد عيد” الذي درس في إيطاليا، وبقي هناك ليحقق طموحاته العريضة، لأنه يعلم أن الأنظمة العربية جميعها بعيدة عن الاهتمام بمواطنيها، طاردة للكفاءات محطمة لأحلام الشباب.
وقد توج نجاحه هناك بتأسيس شركة تصنع القطارات الخفيفة، يعمل بها 350 موظف، سماها “بلو انجنيير”. لكنه لم ينس وطنه، فقدم للحكومة مشروعا لإنشاء خطوط قطارات تبدأ بخط بين الزرقاء وعمان، وانشاء مصنع يكون الأول في المنطقة العربية، وظل سنة كاملة ينتظر الموافقة، لكن ذلك لم يتم، فهنالك دائما في الخفاء معيقات تعيق المشاريع وتمنع التطور.
بعد أن شعر باليأس تحول الى تركيا كونها بلدا إسلاميا، هنالك تحمس المسؤولون للفكرة، وأنشأ المصنع في “بورصة”، وخلال عامه الأول انتج مائة قطار، وذهب مقدم البرنامج التلفزيوني الأردني لحضور افتتاح أول خط للقطار الخفيف.
هذه القصة تنفع برهانا على أن تقدم الدول لا يحتاج الى معجزات ربانية، وليس سبب التخلف الذي ترتع فيه دولنا العربية كسل شعوبها كما يدّعي الحكام، ولا هو رجعية عقيدتها كما يشيع العلمانيون، بل الأنظمة الحاكمة فيها، ومنهج الفساد والإفساد الذي يطبقونه.
فمع أنه منذ قرن، لم يصل إسلامي الى سدة الحكم في أي قطر عربي، بل كل الأنظمة الحاكمة علمانية، ومع أن الكل يشهد على فشلها وفسادها، إلا أن العلمانيون العرب يصرون على أن سبب فشلنا هو الإسلام، وأن تطبيقه في أنظمة الحكم سيؤدي بنا الى التخلف، متناسين الحقيقة القائلة بأن من كان مستقرا في القعر لا سبيل لسقوطه أكثر.
ومع ذلك سنلاحق العيّار لباب الدار، ولكي نعرف صدق رأيهم من كذبه، سأعرض لتجربة الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمكن الإسلاميون فيها من الوصول الى الحكم، وهي تركيا.
نالت تركيا اهتماما خاصا من معادي منهج الله، كونها كانت زعيمة لآخر صورة للدولة الإسلامية، لذلك كان زرع العلمانية فيها على أشده، وتعاون يهود الدونمه والإنجليز من خلال (جمعية تركيا الفتاة)، باختراق المثقفين الأتراك والقيادات العسكرية، فنخر الإفساد الفكري الدولة، لتسرع في انهيارها الى جانب الترهل السياسي – الاقتصادي، عندها أصبح سهلا إيصال صنيعتهم (أتاتورك) الى الحكم، والذي سرعان ما كشف عن ولائه للغرب تحت مسمى إقامة دولة علمانية حديثة.
وكما الأنظمة العربية، فلم تتحقق وعوده ولا وعود من خلفوه في بناء دولة حديثة تحقق الرخاء والتقدم، إن تم قطع الصلة بالإسلام، فلبثت سبعين عاما مثقلة بالديون وغارقة في الفساد.
الأتراك من أكثر الشعوب الإسلامية اعتزازا بانتمائهم لعقيدتهم، لأنهم يعلمون أن بلادهم ظلت طوال التاريخ خاضعة للأوروبيين، لكن العقيدة الإسلامية هي التي جعلت بلدهم القوة العظمى في العالم طوال خمسة قرون.
وثبت لهم بالتجريب أنه لا يمكن لأتباع الغرب وأدواته، أن يحققوا خيرا لبلدهم، فهم لا يريدون غيرهم إلا أذيالا وليسوا أقرانا، فظل الغرب ينبذهم ويرفض انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة، في كشف وقح عن كذب ادعائهم العلمانية واحترام معتقد الآخر.
حاول المتمسكون بالإسلام أكثر من مرة استعادة بلادهم من عملاء الغرب بالوسائل السلمية، وفشلوا بسبب حرس العلمانيين الشديد، في المحاولة الأولى نجح الإسلاميون بالانتخابات من الوصول للسلطة، لكن العلمانيين قمعوها بوحشية وأعدموا الشهيد “عدنان مندريس”، وفي المحاولة الثانية أقصوا “أربكان” وأعوانه بطريقة استبدادية.
لكن في المحاولة الثالثة تعلم الإسلاميون الدرس، وعرفوا أن الغرب وأعوانه المحليين لن يسمحوا للإسلام بالوصول للحكم مهما كلف الأمر، فاخفوا هويتهم، بل أعلن زعيمهم “أردوغان” بداية أنهم علمانيون، الى أن أتيحت لهم الفرصة لإثبات إخلاصهم و قدرتهم على حسن الإدارة، عندها عرف مواطنوهم الأتراك صدقهم، وأدركوا الفارق الكبير في صلاح الحكم بين من لا يخاف إلا الله، وبين الذي لا يخاف إلا الغرب وتنفيعاته.
لذلك وبعد أن نظم الغرب انقلابا عسكريا عليهم عام 2016 ، حماهم الشعب وأفشلوه.
من هذه القصة يتأكد لنا أنه لا يمكن أن يكتب النجاح لبلادنا إن بقيت أنظمتنا السياسية متبعة للنموذج الأتاتوركي البغيض، فها هي تركيا عندما استعادت هويتها الإسلامية، ورغم أنف الغرب وتآمر العربان وإرجاف العلمانيين، نجت من الفساد، وخطت خطوات واسعة نحو التقدم والريادة العالمية.