المساعدات الإنسانية تلهب جذوة الحرب في دارفور
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
مع اقتراب الحرب التي تفجرت في السودان يوم 15 أبريل 2023 من إكمال عامها الأول، يبدو أن المساعدات الإنسانية التي ينتظرها الكثير من المدنيين تزيد من قسوة الصراع بدلاً من تخفيف آثاره.
حيث تسبب إعلان الحكومة السودانية عن مسارات لدخول المساعدات الإنسانية في عمليات تحشيد لقوات الدعم السريع في إقليم دارفور، إذ تتهم الدعم السريع الجيش السوداني بمحاولة إدخال إمدادات عسكرية لقواته تحت ستار المساعدات.
أولى المواجهات
فقد تطورت عمليات التحشيد لتقوم "الدعم السريع"، أمس الجمعة، باحتجاز شاحنات مساعدات إنسانية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كانت في طريقها لمدينة الفاشر، وفق ما أكدت الخارجية السودانية.
في حين أشارت قوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو إلى أنها اعترضت شاحنات تحمل عتاداً حربياً.
وبحسب مراسل "العربية/الحدث"، فقد شهدت منطقة مليط شمال الفاشر المواجهات الأولى بين القوة المشتركة للحركات المسلحة والدعم السريع، بسبب شحنات المساعدات التي تقوم الأولى بتأمينها.
من جهتها قالت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور إن قوة من الدعم السريع هاجمت مجموعة من قواتها عند مدخل الفاشر، ما أدى إلى مقتل وإصابة وأسر عدد من منسوبي الحركة.
كما دانت هجوم الدعم السريع ودعتها لإطلاق سراح الأسرى وممتلكاتهم فوراً، مضيفة: "نحذرهم ونحملهم المسؤولية وما يترتب عليها" حيال تكرار مثل هذا الهجوم.
تحذير من ارتفاع وتيرة الصراع
يذكر أن الخارجية السودانية كانت أعلنت في السادس من مارس موافقة الحكومة على استخدام عدد من المسارات لدخول المساعدات الإنسانية على رأسها معبر الطينة من تشاد إلى الفاشر.
ومع رفض الدعم السريع لمسارات دخول المساعدات لإقليم دارفور، حذر مراقبون من ارتفاع وتيرة الصراع في الإقليم لاسيما مع دخول بعض الحركات المسلحة ضمن دائرة الصراع لجهة قيامها بعملية تأمين المساعدات الإنسانية تحت تحالف القوة المشتركة للحركات المسلحة - مسار دارفور.
لا وقف للنار
يشار إلى أنه كان من المفترض أن يشهد شهر رمضان الحالي وقفاً لإطلاق النار في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، إلا أن المساعي باءت بالفشل على الرغم من أن مجلس الأمن أقر مطلع الشهر الحالي (مارس 2024) مشروع قرار يدعو إلى هدنة برمضان، وأيدته 14 دولة.
وأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 إلى مقتل آلاف السودانيين ونزوح نحو 8 ملايين آخرين.
"انعدام أمن غذائي كارثي"
فيما يواجه بالمجمل نحو 18 مليون سوداني خطر المجاعة، أي بزيادة 10 ملايين شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويعاني 730 ألف طفل من سوء التغذية الحاد.
وفي وثيقة إلى مجلس الأمن الدولي بوقت سابق من الشهر الحالي، حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث من أن 5 ملايين سوداني قد يواجهون في غضون بضعة أشهر "انعدام أمن غذائي كارثياً" بسبب الحرب الدائرة في بلادهم.
المصدر: الحدث.نت
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة
إقرأ أيضاً:
الحرب النفسية: اليمن يُعيد تعريف معادلة الصراع
في قلب الحروب الحديثة، قد تصبح الكلمة أكثر فتكاً من القذيفة. الحرب النفسية، التي كانت تاريخياً أحد أذرع القوى الكبرى، باتت اليوم في متناول الفاعلين غير التقليديين، ليس فقط كوسيلة ردع، بل كأداة لبناء توازنات معنوية وميدانية جديدة.
في هذا السياق، برز اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من معركة الإسناد لغزة، كحالة لافتة في تطوير وتوظيف أدوات الحرب النفسية، ليس فقط عبر استنساخ أساليب العدو، بل عبر تنويعها وإعادة تشكيلها ضمن منظومة ردع متكاملة.
من أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار في الأداء الإعلامي والعسكري للقوات المسلحة اليمنية كان استخدام أسلوب التحذير المسبق، بطريقة تعكس ما اعتادت إسرائيل فعله مع خصومها.
فبينما كانت تل أبيب ترسل رسائل تحذيرية عبر الناطقين باسم جيشها موجهة إلى سكان مناطق مثل غزة أو جنوب لبنان واليمن، بدأ الأخير بتوجيه تحذيرات مشابهة -شكلاً لا مضموناً- إلى مطارات ومواقع استراتيجية إسرائيلية، مثل مطار بن غوريون.
هذه الصيغة لم تكن مجرد محاكاة بل تمثل نقلة في الخطاب النفسي: تحويل التحذير من أداة تحييد إلى أداة تهديد. بذلك، لا يكون التحذير اليمني عملاً أخلاقياً بقدر ما يكون رسالة صلبة: نحن نملك القدرة على الإيذاء، ونمنحكم وقتاً للتفكير في العواقب.
من أدوات الحرب النفسية الأكثر بروزاً، اللجوء إلى تسمية العمليات العسكرية بأسماء ذات رمزية، كالإصرار اليمني على تسمية المدن والبلدات الفلسطينية بأسمائها الأصلية، لا تلك اليهودية، وهي خطوة تعكس رسالة محمّلة بدلالات دينية وتاريخية وسياسية.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن اليمن بما يمتلك من قدرات، إلا أنها ليست كافية -كقدرة نارية واسعة نتيجة البعد الجغرافي- للتأثير الفعلي الكبير على المرافق الحيوية في الكيان، ولذلك، كان استهداف البنية التحتية للملاحة الجوية الاسرائيلية خياراً عمليّاً، وبصاروخ واحد. وبهذا استطاعت صنعاء أن تثبت في وعي الاحتلال ومستوطنيه أن السماء لم تعد آمنة، وأن المعركة اقتربت من العصب الحيوي للكيان. وهنا تتضح القوة النفسية للتسمية: إنها تجعل من كل إعلان عن عملية، تهديداً مركّباً يتغلغل في الإدراك الجمعي للمستوطنين.
يُعد التوقيت في الضربات اليمنية أيضاً جزءاً من تكتيك الحرب النفسية، لا مجرد قرار عسكري. فقد اختارت صنعاء توقيتات دقيقة لتنفيذ ضرباتها، غالباً ما تكون متزامنة مع أحداث إسرائيلية داخلية أو تطورات إقليمية حساسة. في بعض الأحيان، كان التوقيت يحمل رسالة مبطّنة: «نحن نراقب، ونستطيع مفاجأتكم في اللحظة التي تظنون فيها أنكم في أمان».
هذا الاستخدام الذكي للتوقيت لا يسبب فقط أذى ميدانياً، بل يبني حالة من الترقب والقلق الدائم. كل ساعة تمر، هي احتمال لصفعة نفسية جديدة.
بيانات القوات المسلحة اليمنية تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتصبح أداة حرب نفسية قائمة بذاتها. اللغة المستخدمة في هذه البيانات واثقة، حادة، تنطوي على تهديد مباشر ومدروس. لم تعد البيانات مجرد إعلانات بل رسائل موجهة لا إلى الداخل اليمني فحسب، بل إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى جمهورها، وإلى محيطها الإقليمي.
يضاف إلى ذلك نشر مشاهد مصورة للعمليات أو لمرحلة ما بعد التنفيذ، كتوثيق استهداف سفن في البحر الأحمر أو لقطات لطائرات مسيّرة في الأجواء. هذه الصور لا تكتفي بالإخبار، بل تبث رسائل ميدانية ذات طابع نفسي صارم: نحن نملك اليد، والعين، والسلاح.
من أكثر التحولات اللافتة في الحرب النفسية اليمنية، الاتجاه نحو مخاطبة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مباشرة، أحياناً باستخدام اللغة العبرية أو رموز معروفة في الخطاب الإسرائيلي. هذا النوع من الخطاب يكسر الحاجز النفسي التقليدي بين المقاتل العربي والشارع الإسرائيلي، ويضعه وجهاً لوجه مع خصم يعرفه، ويخاطبه، ويهدده بلغته.
إنها رسائل قصيرة، لكنها موجّهة بدقة: «نحن نراكم»، أو «نحن نعرف مفاتيح التأثير عليكم». وهذا النوع من التواصل يشكل ضغطاً على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تجد نفسها ملزمة بالرد أمام جمهور بات يشعر أن جبهته الداخلية لم تعد بمنأى عن الخطر.
في معركة الإسناد لغزة، أثبت اليمن أن الحرب النفسية ليست فقط سلاحاً تكميلياً، بل ركيزة استراتيجية في بناء معادلة ردع جديدة. لقد تجاوزت صنعاء مرحلة استنساخ أدوات العدو إلى مرحلة إعادة إنتاج أدوات نفسية متعددة الوظائف: تهدد، وتربك، وتحفّز، وتخترق.
وإذا كان ميزان القوى العسكري ما زال يميل لصالح إسرائيل، فإن المعركة النفسية باتت مفتوحة، وقابلة للتطوير، وبعيدة عن الحسم. في هذا السياق، يمثل اليمن اليوم مختبراً متقدماً في الحرب النفسية السيادية، يعيد تعريف معادلة الصراع في المنطقة.