الثورة نت:
2025-05-29@03:45:11 GMT

الحرب النفسية: اليمن يُعيد تعريف معادلة الصراع

تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT

 

في قلب الحروب الحديثة، قد تصبح الكلمة أكثر فتكاً من القذيفة. الحرب النفسية، التي كانت تاريخياً أحد أذرع القوى الكبرى، باتت اليوم في متناول الفاعلين غير التقليديين، ليس فقط كوسيلة ردع، بل كأداة لبناء توازنات معنوية وميدانية جديدة.

في هذا السياق، برز اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من معركة الإسناد لغزة، كحالة لافتة في تطوير وتوظيف أدوات الحرب النفسية، ليس فقط عبر استنساخ أساليب العدو، بل عبر تنويعها وإعادة تشكيلها ضمن منظومة ردع متكاملة.

من أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار في الأداء الإعلامي والعسكري للقوات المسلحة اليمنية كان استخدام أسلوب التحذير المسبق، بطريقة تعكس ما اعتادت إسرائيل فعله مع خصومها.

فبينما كانت تل أبيب ترسل رسائل تحذيرية عبر الناطقين باسم جيشها موجهة إلى سكان مناطق مثل غزة أو جنوب لبنان واليمن، بدأ الأخير بتوجيه تحذيرات مشابهة -شكلاً لا مضموناً- إلى مطارات ومواقع استراتيجية إسرائيلية، مثل مطار بن غوريون.

هذه الصيغة لم تكن مجرد محاكاة بل تمثل نقلة في الخطاب النفسي: تحويل التحذير من أداة تحييد إلى أداة تهديد. بذلك، لا يكون التحذير اليمني عملاً أخلاقياً بقدر ما يكون رسالة صلبة: نحن نملك القدرة على الإيذاء، ونمنحكم وقتاً للتفكير في العواقب.

من أدوات الحرب النفسية الأكثر بروزاً، اللجوء إلى تسمية العمليات العسكرية بأسماء ذات رمزية، كالإصرار اليمني على تسمية المدن والبلدات الفلسطينية بأسمائها الأصلية، لا تلك اليهودية، وهي خطوة تعكس رسالة محمّلة بدلالات دينية وتاريخية وسياسية.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن اليمن بما يمتلك من قدرات، إلا أنها ليست كافية -كقدرة نارية واسعة نتيجة البعد الجغرافي- للتأثير الفعلي الكبير على المرافق الحيوية في الكيان، ولذلك، كان استهداف البنية التحتية للملاحة الجوية الاسرائيلية خياراً عمليّاً، وبصاروخ واحد. وبهذا استطاعت صنعاء أن تثبت في وعي الاحتلال ومستوطنيه أن السماء لم تعد آمنة، وأن المعركة اقتربت من العصب الحيوي للكيان. وهنا تتضح القوة النفسية للتسمية: إنها تجعل من كل إعلان عن عملية، تهديداً مركّباً يتغلغل في الإدراك الجمعي للمستوطنين.

يُعد التوقيت في الضربات اليمنية أيضاً جزءاً من تكتيك الحرب النفسية، لا مجرد قرار عسكري. فقد اختارت صنعاء توقيتات دقيقة لتنفيذ ضرباتها، غالباً ما تكون متزامنة مع أحداث إسرائيلية داخلية أو تطورات إقليمية حساسة. في بعض الأحيان، كان التوقيت يحمل رسالة مبطّنة: «نحن نراقب، ونستطيع مفاجأتكم في اللحظة التي تظنون فيها أنكم في أمان».

هذا الاستخدام الذكي للتوقيت لا يسبب فقط أذى ميدانياً، بل يبني حالة من الترقب والقلق الدائم. كل ساعة تمر، هي احتمال لصفعة نفسية جديدة.

بيانات القوات المسلحة اليمنية تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتصبح أداة حرب نفسية قائمة بذاتها. اللغة المستخدمة في هذه البيانات واثقة، حادة، تنطوي على تهديد مباشر ومدروس. لم تعد البيانات مجرد إعلانات بل رسائل موجهة لا إلى الداخل اليمني فحسب، بل إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى جمهورها، وإلى محيطها الإقليمي.

يضاف إلى ذلك نشر مشاهد مصورة للعمليات أو لمرحلة ما بعد التنفيذ، كتوثيق استهداف سفن في البحر الأحمر أو لقطات لطائرات مسيّرة في الأجواء. هذه الصور لا تكتفي بالإخبار، بل تبث رسائل ميدانية ذات طابع نفسي صارم: نحن نملك اليد، والعين، والسلاح.

من أكثر التحولات اللافتة في الحرب النفسية اليمنية، الاتجاه نحو مخاطبة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مباشرة، أحياناً باستخدام اللغة العبرية أو رموز معروفة في الخطاب الإسرائيلي. هذا النوع من الخطاب يكسر الحاجز النفسي التقليدي بين المقاتل العربي والشارع الإسرائيلي، ويضعه وجهاً لوجه مع خصم يعرفه، ويخاطبه، ويهدده بلغته.

إنها رسائل قصيرة، لكنها موجّهة بدقة: «نحن نراكم»، أو «نحن نعرف مفاتيح التأثير عليكم». وهذا النوع من التواصل يشكل ضغطاً على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تجد نفسها ملزمة بالرد أمام جمهور بات يشعر أن جبهته الداخلية لم تعد بمنأى عن الخطر.

في معركة الإسناد لغزة، أثبت اليمن أن الحرب النفسية ليست فقط سلاحاً تكميلياً، بل ركيزة استراتيجية في بناء معادلة ردع جديدة. لقد تجاوزت صنعاء مرحلة استنساخ أدوات العدو إلى مرحلة إعادة إنتاج أدوات نفسية متعددة الوظائف: تهدد، وتربك، وتحفّز، وتخترق.

وإذا كان ميزان القوى العسكري ما زال يميل لصالح إسرائيل، فإن المعركة النفسية باتت مفتوحة، وقابلة للتطوير، وبعيدة عن الحسم. في هذا السياق، يمثل اليمن اليوم مختبراً متقدماً في الحرب النفسية السيادية، يعيد تعريف معادلة الصراع في المنطقة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

صنعاء تفرض معادلة جديدة والاحتلال الإسرائيلي يعاني إفلاس الأهداف

الجديد برس| بعد أسابيع من الضربات اليمنية ، قرر الاحتلال الإسرائيلي  أخيرا الرد ، لكن طبيعة الأهداف  توحي بانه يعاني افلاس في الأهداف.. قبل أيام قررت اليمن توسيع بنك أهدافها في الأراضي المحتلة فأضافت حيفا إلى جانب مطار بن غوريون  وعززت الصواريخ بالقدس ، كاشفة عن امتلاكها بنك اهداف لا ينضب في الأراضي المحتلة بفلسطين،  بينما ظل الاحتلال  يحاول الدفاع تارة بتسويق مزاعم حول اعتراض الصواريخ مع ان تأثيراتها سواء المباشرة بهروب المستوطنين للملاجئ وتعطل الحياة او غير المباشرة المتعلقة بتعليق مزيد من الرحلات الجوية إلى تل ابيب كانت ماثلة للعيان. اليوم وبعد ضربات يمنية قاسية للاحتلال ، يقرر تحريك طائراته  للرد ، وقد حرك عشر منها بينها طائرة تزود بالوقود جوا،  والهدف كان ضرب طائرة مدنية  كان بإمكانها احتجازها في الأردن حيث عادت منه توا. لا شيء حققه الاحتلال من عدوانه الأخير على اليمن فقط مجرد محاولة لحفظ ماء الوجه، لكن  بخسائر كبيرة وفاتورة اعظم من ذي قبل. فعليا لا يملك الاحتلال رغم اشهر المواجهات الطويلة مع اليمن اي بنك اهداف فكل غارات لا تتجاوز منشات مدنية مفتوحة امام الجميع وليست سرية سواء مطار صنعاء او ميناء الحديدة وحتى خزنات نفط لمحطات كهرباء ومعامل اسمنت تم استهدافها ضمن خارطة عدوانه على اليمن. قد يكون قادة الاحتلال على راسهم رئيس الحكومة حاولوا استغلال العدوان الأخير لتسويقه كإنجاز لكن نتائج ذلك لا تقتصر عن محاولة استعادة ثقة الصهاينة بحكومتهم مع فقدانهم  ذلك في ظل استمرار تساقط الصواريخ اليمنية وفشل الاحتلال بصدها او حتى الرد عليها. صحيح ان الاحتلال دمر ما تبقى من طائرات مدنية في اليمن، لكن في المقابل يعجز عن تشغيل اسطوله الجوي في مطار بن غوريون وهي معادلة نجحت اليمن بفرضها حتى قبل ان يقدم الاحتلال على عدوانه الأخير.

مقالات مشابهة

  • الحكومة اليمنية: الحوثيون يغامرون بمقدرات اليمن خدمة لأجندات إيران
  • صنعاء تفرض معادلة جديدة والاحتلال الإسرائيلي يعاني إفلاس الأهداف
  • أهمية بحر الصين الجنوبي في الصراع الأمريكي الصيني (1-3)
  • بوتين يطرح معادلة السلام: أوكرانيا خارج الناتو وروسيا بلا عقوبات
  • سوريا.. لقطة تأثر أحمد الشرع وما سببها بخطاب حلب يثير تفاعلا
  • من إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.. رسائل متضاربة عن الهدنة
  • وقف ترامب الحرب ضد الحوثيين.. هل استراحة تكتيكيةٍ في حرب باتت تتجاوز جغرافيا اليمن؟ (ترجمة خاصة)
  • من دمشق الى بيروت: المنطقة تتشكّل.. وإيران خارج المعادلة!
  • «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ».. المملكة تطبق معادلة الإدارة الاحترافية لموسم الحج