أكتب لك في أول يوم من الشهر، وتمامًا في الساعة الرابعة صباحًا، وفي يوم يشبه اليوم الذي التقينا فيه، ومن المكان ذاته الذي اعتدناه.
أكتب لك مع يقيني أنك لن تقرأ.. وأني لن أصل إليك، ولكني قررت الكتابة قبل أن أفقد الذاكرة، وقبل أن تفعل السنون ما فعلته بي مرارًا وتكرارًا.
ذات يوم حين رن صوت هاتفي، والرقم الذي يعلو الشاشة لا أذكر منه إلا تكرار الرقم ٤ مرتين، ليصطادني من غرقي في العمل، كان المتصل صامتا لثوان معدودة شعرت بها كساعات طويلة، وصوت الأنفاس يعلو، ليبادر بالسلام كغريب لا يعي إن كان الرقم المتصل به صحيحا أم لا.
كان الصوت هو ذاته، الذي يدخل دونما قيود ليصل للقلب فيحدث به زلزلة جنونية، لتحديد موعد للقاء، في غضون ساعة، وفي موقع لم أستطع التركيز ما إذا كنت أعرفه أم لا..
جريت كطفلة حان معادها أن تذهب لتلعب في الملاهي، أفتح الدولاب فأبحث عن ثوب أنيق لأرتديه على عجالة، أقف أمام المرآة وأفكر بما أضعه من مكياج، هل أخفي هالاتي السوداء تحت العين لأبدو جميلة، أم أبقيها لأترجم حجم السهر الذي عانيته منذ رحيله!
هل أضع أحمر الشفاه بلون غامق ليطغى على لون بشرتي الباهتة؟ أم أكتفي بوضع لمعة خفيفة لأكون بطبيعتي التي لم يعتد أن يراها؟ وضعت عطري المفضل، ولبست عباءتي السوداء، وحذائي الأسود أيضا، وانطلقت بسيارتي دون هدىً.
كنت في حيرة كبيرة؟ هل أنا في لقاء غرامي؟ أم اجتماع عمل؟ أم لحظة وداع؟
في الطريق وصلتني رسالة مفادها: «أنا في الطريق المؤدي إلى الجبل، أسير على قدميّ، إن استطعتي إيجادي دون «اللوكيشن» سنلتقي، وإلا فليغادر كل منا من حيث أتى». ضحكت في داخلي، كنت أعلم أنه من السهل إيجاده في بقعة صغيرة كتلك، ولكن الصعب كان إيجاده كل تلك السنوات الماضية، وأنا أطمس الذكريات لمحاولة نسيان كل الطرق المؤدية إليه..
ومع هذا لم أجده، ربما لأن قلبي كان يثير الصخب من حولي، فيحرمني من التركيز..
وما إن شعرت باليأس حتى تراءى لي ظله مقتربا مني.
كان يرتدي الثوب الذي أحب لونه، وقفت صامتة لبرهة، أتأمل فيها محاسن وجهه، فلم تكن سواد عينيه هي فتنتي، بل أهدابها الطويلة، لم يكن شعر لحيته، بل حدها الفاصل بين الذقن والرقبة، لم يكن كتفاه، بل ذراعاه، ولم أخرج من حيز التأمل إلا حين استنشقت عطره، ليقلب كياني، ويستفز أنفاسي للتسارع ..
ناديته بأحرف اسمه الرباعية.. لأكسر الصمت الطويل الذي كان بيننا، أو هكذا يخيل لمن يرانا.. إنه صمت اللسان فقط، أما القلوب فهي تتحدث وتضحك وتحلق عاليا. كان لقاءً غلبه الصمت، وكثر فيه التأمل، وحضر فيه حديث العينان، كان يشبه الوقت الذي نقضيه في معارض الفنون، نقف أمام اللوحات لوقت طويل، نقرأها دون أن نتحدث، ونتأملها دون أن نفصح، نعبر عن إعجابنا بجمالها، ونحن على يقين أن الفنان اكتفى أن تكون للعرض لا للبيع، فلا حق لنا بامتلاكها، ولن نجدها معلقة مجددا في معرض آخر، لذا نفرغ كل طاقة النظر في تلك اللحظة، نرفض أن نغمض العينان، ونتمنى أننا لو كنا قادرين على نقل نسخة من الصورة وطباعتها في أعيننا..
لا أعلم متى وصلنا بخطواتنا لشاطئ البحر، بدأنا في السير بأقدام حافية على الرمال، وبت مؤمنة أنها قادرة على خلق كيمياء جسدية بين البشر، وأن صوت الأمواج يستطيع تهييج الصوت الداخلي لنقول ما حفظناه سرا، ويفضح ما نخفيه كتمانا..
كانت الخطوات بطيئة، وكأن تلك الرمال تسحبنا للغرق فيها، وهي المثقلة بملح البحر..
بدأت الذكريات تعود، لتعود معها قصص كثيرة، لم أظن أنني ما أزال أحفظها، ولم يقطع ذاك الحديث إلا رسمه على رمال البحر المبتلة، كما كنا صغارا نفعل «الحرف الأول من اسمي والحرف الأول من اسمه وفي وسطهما شكل قلب يخترقه سهم في المنتصف.. لتعلو ضحكاتنا حين همت موجة لتمحو ما رسم على صفحة الرمل من «شخبطة» مراهقين من «جيل الطيبين».
كانت أطول مسافة سرتها دون أن أشعر بالتعب، وددت لو أن الطريق امتد أكثر، وأن الوقت لم يمض، ولكن كانت عقارب الساعة تقترب من الثانية عشرة ليلا، حيث موعد انتهاء السحر، وعودة الحياة للواقع، ولكن يبدو أن عقارب الساعة كانت أسرع مما هو معتاد، التفت يمينا فإذا بالبحر يختفي، لا أكاد أفهم ما يحدث، حتى تلاشت صورته فجأة، وأُنتزع أنا من عمق المشهد، فأستيقظ من نومي لأستوعب أنه كان ذات يوم حلما.
شذى البلوشية من أسرة تحرير «عمان»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
باسم الجمل: مصر كانت ولا تزال قلعة العرب الحصينة
قال المهندس باسم الجمل، القيادي بحزب الجبهة الوطنية، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال انعقاد فعاليات القمة العربية بالعاصمة العراقية بغداد، أمس، السبت، لاقت قبولًا وترحابًا واسعًا من مختلف الأوساط السياسية والشعبوية، نظرًا لأنها عكست الضمير العربي تجاه القضايا العربية والإقليمية، وأكدت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن الدولة المصرية تبقى دائمًا مهمومة بقضايا أمتها، وتسعى حثيثًا لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار في دول المنطقة أجمع، والتي يعاني بعضها من أزمات حادة تستدعي التكاتف العربي والدولي ورؤية صادقة في مساعي تحقيق السلام.
وأكد القيادي بحزب الجبهة الوطنية، أن حديث الرئيس السيسي في القمة أثلج صدور الجميع ممن يحمل هموم القضية الفلسطينية علي عاتقه، وبعثت رسالة طمأنة قوية للشعب الفلسطيني الشقيق الذى مازال صامدًا، رغم استمرار الحرب والجرائم الإسرائيلية، وسط صمت المجتمع الدولي، الذى يغض البصر عن المجازر الدامية التي ترتكب كل يوم في خرق واضح وصريح للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ودون تحرك فعلي وجاد، مؤكدًا أن مصر ستظل هي حائط الصد الأول للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومصر كانت ولا تزال قلعة العرب الحصينة.
وبحسب المهندس باسم الجمل، فإن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حملت عددًا من الرسائل الحاسمة والواضحة للعالم أجمع، مفادها أن موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت لا يتغير ولن يتغير، ويستند إلى مبادئ راسخة تترأسها رفض أي محاولات لتقويض الحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني، وعدم قبول أي حلول مؤقتة أو جزئية لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية
ولفت القيادي في حزب الجبهة الوطنية، إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في معرض حديثه عن الأزمة الفلسطينية، وجّه رسالة واضحة للجميع، بأن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتحقق عبر الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل أو التطبيع معها، وإنما عبر معالجة واضحة لجوهر الصراع، وهو الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، مؤكدًا أن الاستقرار الحقيقي لن يحدث ما لم يتم رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق وتمكينه من إقامة دولته المستقلة.
وأشاد المهندس باسم الجمل، بحرص الرئيس السيسي على تحقيق التكامل العربي العربي لحل الأزمات العربية العالقة، وحرصه كذلك على التأكيد على ضرورة تكثيف الجهود والمساعي الدولية التي تقر السلام في الأراضي الفلسطينية وتضمن تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثات لإنقاذ الأهالي في غزة، ولاسيما الأطفال، ومواجهة سلاح التجويع الذي تتخذه إسرائيل ذريعة في حربهم الدامية، لافتًا إلى أن مصر تعمل على قدم وساق على التنسيق المشترك لتحريك المجتمع الدولي نحو الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة التي باتت تهدد أمن واستقرار المنطقة بشكل كامل ومستقبلها التنموي.