تقرير: حسن أسحق

يري المراقبون، أن هناك أهمية لدور المحاكم الدولية في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وأن الغرض من إنشائها يجب أن يحقق أهدافاً إنسانيةً ساميةً، كي لا تكرّر المأسّاة عليهم مرة أخري، وفي حال التزام هذه المؤسسات بالقوانين الدولية والواجبات المتعلقة بالمحاكمات، هنا يتوقف الدور الإيجابي للحقوقيين، والناشطين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، في انجاز مراحل الرصد، والمتابعة، والتحقيق في هذه الانتهاكات، تسهيلا لرفعها إلـى الجهات ذات الاختصاص في الأروقة الدولية والإقليمية في الوقت المناسب.

في الحالة السودانية، يأمل السودانيون أن يجد الأطفال الحماية الكافية أثناء الحرب الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وألا يكونوا عرضة للانتهاكات المباشرة وغير المباشرة من طرفي الصراع.

يجب اعطاء اعتبار لدور مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، كتجنيدهم للمشاركة في الحرب، إضافة إلى ذلك يجب عدم إغفال جانبا من وجود تحديات محتملة في إحالة القضايا إلى المحاكم الدولية، تتمثل في عدة أشياء، منها، الآثار السياسية، ومعايير الإثبات، والاختصاص القضائي، في وقت لا يزال الأطفال السودانيون معرّضين لإساءات وانتهاكات جسيمة؛ مثل: القتل، والتشويه والاختطاف، والتجنيد كمقالتين، والعنف الجنسي، والحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسية تعليمية ورعاية وصحية.

إن الدور المحوري للمحاكم الدولية، هو حماية حقوق الأطفال ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم، لأنهم يتمتعون بحماية خاصة أثناء النزاعات المسلحة، حيث تعتبر اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية استهداف الأطفال وتجنيدهم من الانتهاكات الجسيمة. كما يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم المرتكبة ضد الأطفال بأنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.

القانون … وتوفير الحماية

تركز المحكمة الجنائية الدولية الضوء على أهمية تسليط الضوء على الأطفال والاستماع إلى أصواتهم، على أمل أن يعزز ذلك عمل جميع الذين يسعون إلى تحقيق العدالة للأطفال المتضررين من الفظائع في جميع أنحاء العالم، وتدعو إلى الاعتراف  بالأخطار التي يتعرّض لها الأطفال، والتأكد من أن القانون قادر على توفير الحماية لهم. تؤكد هذه السياسة على وجهة نظر المحكمة بجميع الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، التي قد تُرتكب ضد الأطفال أو تؤثر عليهم.  تؤثر النزاعات على الأطفال بطرق مختلفة اعتمادًا على خصائصهم الشخصية، بما في ذلك العمر، والجنس، والإعاقة، والانتماء العرقي، والدين، والمستوى التعليمي والمعيشي. وفي مواجهة النظرة المتجانسة تقليديًا للأطفال، تهدف السياسة الجديدة إلى التفكير، والتكيّف بشكل فعال مع القضايا المتعلقة بمراحل نموهم المختلفة، وقدراتهم العقلية المتطورة.

ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية ضد الأطفال

توضح كريستين بيكر - وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الدولي العام من معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا، والمهتمة في أبحاث حقوق الإنسان - أن المحكمة الجنائية الدولية تعترف بشناعة جريمة تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراع المسلح، ويجب العمل علي محاكمة مرتكبيه، مشيرة إلى تأكيد التهم في قضية المدعي العام ضد توماس لوبانغا دييلو في الدائرة التمهيدية الأولي للمحكمة الجنائية الدولية في يناير ٢٠٠٧ حينما قررت الدائرة بوجود أدلة كافية لإقامة أسس جوهرية بأن توماس لوبانغا دييلو مذنب، باعتباره شريكا في ارتكاب جرائم الحرب المتمثلة في تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في الجبهة الشعبية لتحرير الكونغو(الجناح العسكريي لاتحاد الوطنيين الكونغوليين)، واستخدامهم في المشاركة في الأعمال العدائية.

وفي عام ٢٠١٢، قضت المحكمة الجنائية الدولية بالسجن ١٤ عاما على قائد الميليشيا الكونغولي السابق توماس لوبانغا، الذي ثبتت عليه تهم ارتكاب جرائم حرب في شمال شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٣.  وكان لوبانغا قد أُدين باستخدام أطفال كجنود خلال الحرب الأهلية في إيتوري في نفس الفترة، وفي قتها قال القاضي أدريان فولفورد خلال جلسة علنية في لاهاي إن "لوبانغا حُكم عليه بعقوبة السجن ١٤ عاما"، موضحا أن مدة توقيفه الاحتياطية منذ العام ٢٠٠٦ سيتم احتسابها من العقوبة، وبذلك، تكون المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت أول حكم في تاريخها في عملية ذات صلة بالمشاركة في الأعمال العدائية.

في ذات السياق، توضح كريستين، إن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية قدمت تفسيرا تفصيليا وواسعا للقضية إلى حد مّا، فمصطلح " المشاركة في الاعمال العدائية"، لا يقتصر علي المشاركة في القتال، تري الدائرة، إن قرارها بشأن لوبانغا وتأكيد الاتهامات ضده، اُتخذت بنفس النهج الذي اتبعته المحكمة الخاصة لسيراليون، بما في ذلك استخدام الأطفال للتجسس، والاستطلاع والتخريب؛ هذا التفسير الواضح يؤكد علي تحمل المتهم مسؤولية جريمة استخدام الأطفال في المشاركة بنشاط في الأعمال العدائية.

الجرائم المرتكبة في سياق النزاع ضد الأطفال

يقول المحامي والباحث القانوني عبدالباسط الحاج، "إن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال في سياق النزاع، تُصنّف على أنها جرائم حرب، وربما تكون جرائم إبادة جماعية، وإذا كان الاستهداف للأطفال بشكل محدد، يمكن أن يكون جريمة إبادة جماعية" مضيفا "عندما هاجمت ميليشيا الجنجويد مدينة الجنينة، في الأحياء التي تسكن فيها القبائل الإفريقية (المساليت) والمجموعات العرقية الأخرى، كان الاستهداف ضد الرجال والأطفال الذكور، وهذه الاعمال تُصنّف على أنها جرائم، ويمكن تقديم مرتكبيها إلى محاكمات دولية، والتقاضي فيها دوليا، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الخاصة، والولاية القضائية العالمية.  وفي إطار حديثه عن الانتهاكات، يوضح عبدالباسط، إن من ضمن الانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال في دارفور خلال حرب ٢٠٠٢ - ٢٠٠٣، التهم الموجهة لعلي كوشيب، والمتهمين الآخرين بشأن الانتهاكات التي وقعت هناك وخاصة على الأطفال، مضيفا، إن الوقت الراهن تقع جرائم ضدهم، كالتجنيد االقسري، والاجبار على القتال، والتعذيب، مضيفا أنه في حال توثيقها بشكل كافي، يمكن أن يجد أطفال السودان فرصة سانحة في المحاكم الدولية.

التوثيق والرصد في سبيل المحاكمة الدولية

يري الناشط في المجتمع المدني آدم يعقوب، إن العاملين في منظمات المجتمع المدني السودانية، والحقوقيين، يقع علـى عاتقهم عمل كبير في سبيل الرصد والتوثيق في ملف الانتهاكات، التي تقع علـى الأطفال السودانيين، ويجب أن تُرفع هذه الملفات إلى المحاكم الدولية والإقليمية، وكشف المتورطين في هذه العمليات غير الإنسانية، وذلك في ظل وجود أطراف عديدة متورطة ومنخرطة في عمليات مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة. ويطالب آدم، بمحاسبة جميع الأطراف المتورطة في الانتهاكات، سواء كانت قيادات أهلية، أو طرفي صراع، وكل من ثَبتَت مشاركته في حملات التجنيد الاجبارية أو الاختيارية أمام المحاكم الدولية. وبحسب آدم، فإنه من الضروري أيضا أن تكون محاسبة المتورطين من الأجندة الجوهرية ما بعد إيقاف الحرب. ويعتقد آدم، بأنه لم تتم محاسبة المتورطين في الانتهاكات ضد الأطفال السودانيين منذ عقود، ويجب أن يكون الأمر مختلفا هذه المرة، ومقنع لهؤلاء الضحايا في نفس الوقت.

يري ادم أيضا، إن هناك تحديات وعقبات محتملة، خاصة في حال رفض النظام الحاكم في الدولة المعينة التعاون مع تلك الجهات المختصة، فيما يعتبر النظام تحركاتها أغلب الأحيان تدخلا سافرا في الشأن الداخلي للبلاد، وتقويضا للسيادة الوطنية؛ مثل ما حدث في السودان، عندما رفض الرئيسي السودان السابق عمر البشير التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة في إقليم دارفور (غربي السودان). فكل هذه العوامل وغيرها، تمثل تحديا واضحا أمام تحقيق أي نوع من المحاسبة لتحقيق العدالة، أو لحماية للأطفال سواء في السودان أو في أي دولة أخري، لاسيما وأن الحكومات المستبدة دائما ما ترفض ذلك تحت ذريعة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وأن أجهزتها قادرة على القيام بواجبها تجاه المواطنين من دون إملاءات خارجية.

ضمان اشراك الأطفال في المحاكم ضحايا وشهود

يقول المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إن مكتبه أطلق سياسة جديدة بشأن اشراك الأطفال في المحاكم كضحايا وشهود لمعالجة النقص التاريخي في تمثيلهم، وعدم مشاركتهم في عمليات العدالة الجنائية الدولية، ويوضح خان، بأن هذه السياسة تمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق منهج يراعي الطفل في التحقيقات، والملاحقات القضائية من خلال النظر بشكل صريح إلى تجاربهم في جميع القضايا التي تتبعها المحكمة الجنائية الدولية.

وبحسب خان، تعمل المحكمة على ضمان اشراك الأطفال كضحايا وناجين وشهود، مؤكدة التزامها بإنشاء بيئة مؤسسية تساهم في تسهيل التحقيق، والملاحقة القضائية الفعالة للجرائم المرتكبة ضد الأطفال من خلال التدريب، والتعاون الخارجي، والتنفيذ الهادف، وتدابير الرصد والتقييم، لاتباع نهج حقوق الطفل الذي يراعي احتياجات الأطفال، بهدف معالجة وجهة النظر التي تتمحور حول البالغين في المحاكم، بحيث يتم استبعاد الأطفال الى حد كبير من عملية العدالة.

أوضح مكتب المدعي العام أيضا، إن تحقيقاتهم بشأن الملاحقة القضائية للجرائم المرتكبة ضد الأطفال، تتضمن مناطق ودول مختلفة من بينها إقليم دارفور في السودان، وأفغانستان وبنغلاديش، وميانمار، ودولة فلسطين، مضيفا أن المحكمة أحرزت تقدما في تنفيذ هذا النهج، كما هو الحال في لوائح الاتهام بالترحيل غير القانوني، ونقل الأطفال.

تجنيد الأطفال جريمة حرب

يقول الكاتب والباحث رحيم كمال في ورقة بحثية له بعنوان "دور المحكمة الجنائية الدولية في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة الداخلية" إن وجود المحكمة الجنائية الدولية تمثل آلية دائمة من أجل وضع حد للإفلات من العقاب، مشيرا إلى أن مرتكبي الجرائم عليهم أن يعرفوا مسبقا بأن إقدامهم على مثل هذه الأفعال سوف تُعرّضهم للمثول أمامها، لذا، فإن تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة جريمة من جرائم الحرب، وعلي المحكمة ممارسة اختصاصها على هذه الجريمة بعد توافر الشروط. وتطرق رحيم المطلب الأول من ورقته إلى شروط إدماج جريمة تجنيد الاطفال، والمطلب الثاني إلى شروط تحريك الدعوي الي المحكمة الجنائية الدولية.

يوضح رحيم في المطلب الاول فيما يتعلق بشروط إدماج جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات الداخلية ضمن اختصاص المحكمة، بالرجوع إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن هذا التجنيد جريمة حرب وفقا لما تنص عليه المحكمة في الفقرتين ب وهـ من المادة ٠٨ من النظام الأساسي للمحكمة، حيث تعتبر تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشر من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة في الأعمال الحربية يشكل انتهاكا خطيرا للقوانين والأعراف الدولية السارية.

الاطفال أكثر عرضة للانتهاكات

في ورقة للدكتورة بختة لعطب الطيب، بعنوان "جرائم الحرب المرتكبة في حق الأطفال وفقا للنظام الأساسي لمحكمة روما"، تري بأن الأطفال هم الأكثر عرضة للانتهاكات؛ بسبب إشراكهم في النزاعات من قبل الأطراف المتصارعة، وعلى هدا، عدّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لروما في مادته الــ ٠٨ تجنيد الأطفال من قبيل جرائم الحرب المستوجبة للمسؤولية والعقاب. تشير بختة إلى أنواع جرائم الحرب المرتكبة في حق الأطفال خلال النزاع المسلح وفقا لنظام روما الأساسي في مبحثها الأول" جريمة تجنيد الأطفال واستغلالهم لهدف حربي"، يستدعي تضافر الجهود الدولية من أجل تنظيم حقوق الأطفال في زمن النزاعات المسلحة، وحظر اشتراكهم في العمليات العسكرية، ويُقصدُ بالطفل المجند المرتبط بقوة مسلحة أو جماعة مسلحة دون الثامنة عشر من عمره.

فاعلية المحكمة الجنائية الدولية

في ورقة بعنون " فاعلية المحكمة الجنائية الدولية في حماية الأطفال من التجنيد" في المحور الأول، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، نظرا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بصفة عامة والأطفال بصفة خاصة، تم انشاء المحكمة الجنائية الدولية كأول هيئة قضائية تعني بحماية هذه الحقوق؛ نظرا لما تمتاز به من سمات تميزها عن غيرها من المحاكم، حيث تمارس الأخيرة اختصاصها في الجرائم الواردة في نظامها الأساسي وفقا لشروط محددة، من بينها أن تكون الجريمة داخلة ضمن اختصاصها الموضوعي، وهو ما ينطبق علي جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة.

إضافة إلى ذلك، يجب معرفة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية للنظر في جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، وتعتبر جرائم الحرب من أقدم الجرائم الدولية التي حاول المجتمع الدولي تحديدها من خلال المواثيق الدولية، ومن أهمها اتفاقيات لاهاي من ١٨٩٩ أو عام ١٩٠٧، وأيضا اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩، وكذلك البروتوكولات الإضافية لعام ١٩٧٧، حيث وضعت قواعد يتعين احترامها من أطراف القتال، وهناك العديد من الأفعال التي تشكّل جريمة حرب ومن بينها تجنيد الأطفال دون سن الـــ ١٥ في النزاعات المسلحة.

في الختام

حسب مبادي باريس ١٩٩١ التي تم اعتمادها في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٣، إن القواعد والمبادئ التوجيهية بشأن الأطفال المرتبطين بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، يحق لجميع الأطفال الحصول علي الحماية بموجب مجموعة كبيرة من الصكوك الدولية والإقليمية والقومية، وتعد اتفاقية حقوق الطفل لعام ١٩٨٩، من بين صكوك حقوق الإنسان، باعتباره صك حظي بالتصديق على أوسع نطاق، وتظل الدول المسؤولة بصورة رئيسية عن حماية جميع الأطفال الخاضعين لولايتها.

تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بسلطة قضائية لمحاكمة الأفراد على الجرائم المرتكبة ضد الأطفال أثناء النزاع في السودان، كما أن السودان ملزما بقانون حماية الأطفال أثناء النزاعات، باعتبارها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في أغسطس ١٩٩٠ مع تجدد التزامها العام بدعم حقوق جميع أطفال السودان، حتى ينموا ويتمتعوا بحقوقهم ويساهموا في بناء مجتمعاتهم.

 

ishaghassan13@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة للمحکمة الجنائیة الدولیة الجنائیة الدولیة فی النزاعات المسلحة المحاکم الدولیة الأساسی للمحکمة حقوق الإنسان المدعی العام فی النزاعات جرائم الحرب المرتکبة فی المشارکة فی فی السودان فی المحاکم الأطفال فی فی الأعمال فی النزاع

إقرأ أيضاً:

موقع بريطاني: بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة كل الطرق تؤدي لمواصلة إبادة غزة

قال موقع ميدل إيست آي البريطاني إن محاولة أعلى محكمتين في العالم دعم القانون الدولي وإنهاء الفظائع في غزة، حوّل إسرائيل إلى "عدو عنيد"، وبعد أن كان من المفترض أن تؤدي الإعلانات المنفصلة الصادرة عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية إلى إجبار إسرائيل على وقف هجومها الحالي على مدينة رفح، ردت بتكثيف فظائعها.

وسرد الموقع -في تقرير بقلم جوناثان كوك- بعض ما قامت به إسرائيل من فظائع أطلق عليها مسؤولو الأمم المتحدة اسم "الجحيم على الأرض"، وقال إنها هي التي حذر منها الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أشهر عندما أشار إلى أن الهجوم الإسرائيلي على رفح سيشكل "خطا أحمر"، ولكن الخط الأحمر الأميركي تبخر لحظة تجاوز إسرائيل له، ووصفت واشنطن الصور من رفح بأنها "تفطر القلب".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وول ستريت جورنال: لا يصرخ ولا يهدد.. بيرنز في مهمة دبلوماسية شاقة وطويلة المدىوول ستريت جورنال: لا يصرخ ولا يهدد.. ...list 2 of 2أكاديمي أميركي: عندما ينتهك القادة القانونأكاديمي أميركي: عندما ينتهك القادة ...end of list آلية ذات سلطة

وأضاف أنه قبل أيام من طلب محكمة العدل الدولية بأن توقف إسرائيل هجومها على رفح، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بدورها تتحرك، وأعلن كريم خان كبير المدعين العامين، أنه سيسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بالإضافة إلى 3 من قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وكلا القياديين الإسرائيليين متهمان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منها محاولات إبادة سكان غزة من خلال التجويع المخطط له، حيث منعت إسرائيل تسليم المساعدات لعدة أشهر، مما أدى إلى حدوث مجاعة، وهو الوضع الذي تفاقم بعد استيلائها مؤخرا على المعبر الذي كان يتم من خلاله تسليم المساعدات بين مصر ورفح.

ونبه الكاتب إلى أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة "ذات أسنان" وهي أكثر خطورة على إسرائيل من محكمة العدل الدولية، لأن أحكامها تفرض التزاما على أكثر من 120 دولة بموجب نظام روما الأساسي، باعتقال نتنياهو وغالانت إذا وطئا أراضيها.

"محكمة معادية للسامية"

ولهذا السبب، اتهمت إسرائيل المحكمة بأنها "معادية للسامية" وهددت بإيذاء مسؤوليها، ووقفت واشنطن بعضلاتها إلى جانبها -كما يقول الكاتب- وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ردا على سؤال بمجلس الشيوخ عما إذا كان سيدعم اقتراحا جمهوريا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، "نريد العمل معكم لإيجاد الرد المناسب".

وتابع التحقيق أنه من المرجح أن تكون الأعمال الانتقامية الأميركية، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز، على غرار العقوبات التي فرضها سلف بايدن عام 2020 بعد أن هددت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأفغانستان على التوالي.

وقد اتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب آنذاك المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب "فساد مالي ومخالفات على أعلى المستويات"، وهي اتهامات لم يتم إثباتها قط، ولكن مُنعت المدعية العامة وقتها فاتو بنسودا، من دخول الولايات المتحدة، كما تعهدت الإدارة باستخدام القوة لتحرير أي أميركيين أو إسرائيليين يتم اعتقالهم.

الحرب السرية

وأشار جوناثان كوك إلى أن تحقيقا أجراه الموقع الإسرائيلي 972 وصحيفة غارديان البريطانية كشف هذا الأسبوع أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، كانت تدير حربا سرية على المحكمة الجنائية الدولية منذ فترة ليست بالقصيرة، بدأت منذ أن أصبحت فلسطين طرفا في المحكمة الجنائية الدولية عام 2015، وتكثف بعد أن بدأت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا تحقيقا أوليا في جرائم الحرب الإسرائيلية.

وجدت بنسودا نفسها وعائلتها مهددين، وزوجها يتعرض للابتزاز عندما انخرط رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين شخصيا في حملة ترهيب، شبهها مسؤول مطلع على سلوكه "بالمطاردة".

وبالفعل حاول رئيس الموساد تجنيدها إلى جانب إسرائيل، قائلا لها "يجب أن تساعدينا وتسمحي لنا بالعناية بك. أنت لا تريدين التورط في أشياء يمكن أن تعرض أمنك أو أمن عائلتك للخطر".

وتدير إسرائيل أيضا -حسب التحقيق- عملية تجسس معقدة على المحكمة، وتقوم باختراق قاعدة بياناتها لقراءة رسائل البريد الإلكتروني والوثائق، وقد حاولت تجنيد موظفي المحكمة الجنائية الدولية للتجسس على المحكمة من الداخل.

ولأن إسرائيل تشرف على الوصول إلى الأراضي المحتلة، فقد منعت مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق بشكل مباشر في جرائم الحرب التي ترتكبها، وقامت بمراقبة جميع المحادثات بين المحكمة الجنائية الدولية والفلسطينيين الذين يبلغون عن الفظائع، وسعت لإغلاق المنظمات الحقوقية الفلسطينية وصنفتها "منظمات إرهابية".

وأشار التحقيق إلى أن مراقبة المحكمة الجنائية الدولية استمرت خلال فترة ولاية خان، وعلمت أن مذكرات الاعتقال قادمة، وبالفعل تعرضت المحكمة، وفقا لمصادر تحدثت إلى صحيفة الغارديان وموقع 972، "لضغوط هائلة من الولايات المتحدة" لمنعها من المضي قدما في إصدار أوامر الاعتقال، بل إن مجموعة من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في الولايات المتحدة أرسلت رسالة تهديد إلى خان تقول "استهدف إسرائيل وسوف نستهدفك".

حبل المشنقة القانوني

وعلى الرغم من الترهيب، فإن الحبل القانوني يضيق بسرعة حول عنق إسرائيل، منذ أن أصبح من المستحيل على أعلى السلطات القضائية في العالم أن تتجاهل المذابح التي ترتكبها منذ 8 أشهر في غزة والدمار شبه الكامل للبنية التحتية، من المدارس والمستشفيات إلى مجمعات المساعدات والمخابز.

ولأن دور المحكمة الدولية ومحكمة جرائم الحرب هو على وجه التحديد وقف الفظائع وأعمال الإبادة الجماعية قبل فوات الأوان، فإن هناك التزاما على أقوى دول العالم بالمساعدة في فرض مثل هذه الأحكام، وبالتالي على مجلس الأمن أن يصدر قرارا لتنفيذ القرار.

وقد دعمت واشنطن بقوة، رغم أنها ليست طرفا في نظام روما الأساسي، مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ضد الزعيم الروسي فلاديمير بوتين عام 2023، وفرضت مع حلفائها عقوبات اقتصادية على موسكو، وزودت أوكرانيا بأسلحة لا حصر لها، ولكنها الآن لا ترى القيام بذلك في حالة إسرائيل.

الانقسامات في أوروبا

ولأن دور الولايات المتحدة لا يقتصر على ترك إسرائيل تواصل الإبادة الجماعية في غزة -كما يقول الكاتب- بل هي تساعد بشكل نشط من خلال تزويد إسرائيل بالقنابل، وقطع التمويل عن وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة التي تعد شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة، ومن خلال تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل، ورفض استخدام نفوذها لوقف المذبحة، فإنه يعتقد بشكل جازم أنها سوف تستخدم حق النقض ضد أي قرار ضد تل أبيب.

ونبه الموقع إلى أن ازدراء واشنطن لأعلى السلطات القضائية في العالم صارخ لدرجة أنه بدأ يؤدي إلى توتر العلاقات مع أوروبا التي ألقى منسق سياستها الخارجية جوزيب بوريل بثقله خلف المحكمة الجنائية الدولية، ودعا إلى احترام أي حكم ضد نتنياهو وغالانت.

القوة تصنع الحق

ونبه الكاتب على أن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تدركان تماما المخاطر المترتبة على التعامل مع إسرائيل، وهما لذلك تتحركان ببطء شديد وحذر في التعامل مع الفظائع الإسرائيلية.

وذكر أن حملة القصف "الصدمة والرعب" وسنوات الاحتلال الوحشي للعراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية، والاحتلال الأطول والأكثر دموية لأفغانستان، هي التي مزقت كتاب قواعد القانون الدولي ورفعت فوقه نظاما، القاعدة الوحيدة المهمة فيه هي أن القوة هي التي تصنع الحق.

ولهذا السبب، بذل خان كل ما في وسعه لعزل نفسه عن الانتقادات، وذلك بحرصه على وضع اتهامات ضد حماس أكبر من إسرائيل، وفي لائحة الاتهام ورط كلا من جناحي حماس السياسي والعسكري في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حين تجاهل تماما دور الجيش الإسرائيلي الذي ظل ينفذ رغبات نتنياهو وغالانت حرفيا على مدى الأشهر الثمانية الماضية.

والجدير بالذكر أيضا أن خان اتهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، مع أن كل الأدلة تشير إلى أنه لم يكن لديه علم مسبق بالهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبالتأكيد لم يكن له أي دور في العمليات.

كما تجاهل خان الكثير من جرائم الحرب الإسرائيلية التي يسهل إثباتها، مثل تدمير المستشفيات ومرافق الأمم المتحدة، والقتل المستهدف لأعداد كبيرة من عمال الإغاثة والصحفيين، وحقيقة أن 70% من المساكن في غزة قد تم تدميرها وأصبحت غير صالحة للسكن.

مواجهة جالوت

ومن خلال رفع القضية ضد إسرائيل، عرف خان بوضوح أنه كان يواجه خصما شرسا، نظرا للدعم القوي الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة، حتى إنه قام بتعيين لجنة من الخبراء القانونيين على أمل أن يوفر له ذلك بعض الحماية من الانتقام.

وفي مقابلة حصرية مع شبكة "سي إن إن"، بدا خان حريصا على استباق الهجمات القادمة، وأشار إلى أن سياسيا أميركيا كبيرا لم يذكر اسمه حاول بالفعل ردعه عن توجيه الاتهام إلى القادة الإسرائيليين، وأشار إلى وجود تهديدات أخرى خلف الكواليس.

وخلص الكاتب إلى أن الولايات المتحدة والدولة العميلة المفضلة لديها لا تبديان أي علامة على استعدادهما للخضوع للقانون الدولي، وهم يفضلون مثل شمشون هدم البيت، على احترام قواعد الحرب الراسخة، لتصبح القوة وحدها هي التي تصنع الحق في عالم بلا قوانين، وسيكون الجميع خاسرا في نهاية المطاف.

مقالات مشابهة

  • نتانياهو يعرب عن خيبة أمله بشأن موقف بايدن من الجنائية الدولية
  • كاتب بريطاني: “إسرائيل” تتحدى القوانين الدولية بدعم من أمريكا
  • ميدل إيست آي : هل ترغب واشنطن حقا في إنهاء مجازر غزة؟
  • موقع بريطاني: بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة كل الطرق تؤدي لمواصلة إبادة غزة
  • خلفيّات تراجع لبنان عن مطالبة الجنائيّة الدوليّة التحقيق بجرائم حرب...
  • جرائم ضد العدالة.. خبراء قانونيون ينتقدون استهداف الاحتلال لـالجنائية الدولية
  • بعد عصابة التيك توك.. جرائم جنسية مروعة ضد الأطفال تهز لبنان
  • نواب هولنديون يطالبون بمحاسبة إسرائيل بعد تجاوزها مع «العدل الدولية»
  • خبراء قانونيون: الحملة الإسرائيلية ضد “الجنائية الدولية” تعد جرائم ضد العدالة
  • «قانون غزو لاهاي».. ثغرة «بايدن» لحماية إسرائيل من قرارات الجنائية الدولية