أن أكتب اليوم، ولو كلمة رثاء في رحيل زياد الرحباني، وكأنني أكتب رثاء في رحيلي وفي رحيل جيل بأكمله، في رحيل تطلعاته وأحلامه ونضالاته وثقافته التي حاولت مخالفة السائد منذ انطلاقتها، قبل أن تتبلور وترسم مساراتها المتشعبة. أن نختصر زياد الرحباني بكونه سليل العائلة الرحبانية، وابن السيدة فيروز فقط، فيه الكثير من التجني وعدم النظر جيدا إلى العمل الكبير الذي قدّمه، ما يقودنا بالتالي إلى عدم إدراك ووعي كلّ هذا الفن الهائل والمتنوع، الذي لا يشبه إلا زيادًا؛ بل على العكس، لقد كان فنّه في أغلب الأحيان، نقدا للمدرسة الرحبانية التي عرفها عند أهله، وحتى الأغاني التي كتبها ولحنها للسيدة فيروز، في مرحلة متأخرة، لم تكن سوى نقد للعديد من أغانيها التي سمعناها، ومحاولة لتقديم صورة فنانة مختلفة عبر كسر الإطار الذي وضعت فيه.
بداية زياد، كمشروع مستقل بذاته، بدأت مع «سهرية» وقد بقي يرفض لغاية أيامه الأخيرة اعتبارها مسرحية أو «أوبريت» وفقا للمفهوم الذي عمل عليه الثلاثي التاريخي (عاصي ومنصور وفيروز)، بل كان يعتبرها سهرة غنائية وفنيّة، عادية، قائلا إن الحوارات الموجودة فيها، ليست سوى روابط بين الأغاني والموسيقى؛ لذا لم يكن يُعدّها «في العمق» واحدة من أعماله، بل محاولة لإظهار قدرته المبكرة على التأليف والتلحين. من هنا قد تشكل مسرحية «نزل السرور» البداية الأولى الحقيقية لمشروع زياد المتشعب: هو ليس مشروعا موسيقيا فقط، بل هو أيضا مشروع ثقافي واجتماعي وسياسي، ومحاولة نقد نظام لبناني يستحق الثورة عليه. ربما خدمت «حركة التاريخ» زياد، إذ لم تمض أشهر على عمله هذا حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان. لم تكن نبؤة تلك التي قدمها زياد، مثلما حاول البعض وصف العمل، بل أنه بحسّه العالي، نجح في قراءة الواقع الذي نعيشه، وهو واقع كان سيقود حتما إلى حرب داخلية وثورة، قبل أن تتحول هذه الحرب، بفعل التدخلات الخارجية، لتصبح حربا قذرة ووسخة وطائفية، ما زلنا نعاني من آثارها لغاية اليوم. وربما هنا، يمكن القول، إن ثمة امتدادا لهذا المشروع، وهي الحلقات الإذاعية التي قدمها كلّ ليلة، خلال «حرب السنتين» (1975 ــ 1976) من على أثير إذاعة لبنان، وهي بعنوان «بعدنا طيبين، قول الله»، مع المخرج السينمائي جان شمعون. ففي «قفشاته» ونكاته وسخريته ونقده الجاد، استمر في قراءة هذا الواقع، ولكن على طريقته، أي بعيدا عن أي «عملية مثاقفة»، إذ كان هدفه الأساس، إيصال فكرته إلى الشريحة الأوسع من الجمهور، لكن من دون السقوط في الإسفاف. من هنا، يبدو فنه وكأنه جمع هذا المزيج السحري الذي يصعب على كثيرين: أن تقدم عملا جماهيريا (بالمعنى النبيل للكلمة) من دون السقوط في نوافل الأمور وتوافهها، أي في المحافظة على فن كبير، يبقى مع مرور الزمن.
بدءا من تلك اللحظة الفنيّة شبه المتكاملة، عمل زياد الرحباني على تطوير مسرحه وموسيقاه، بل حتى على تطوير لغته المسرحية. فجاءت مسرحيات «بالنسبة لبكرا شو» و«فيلم أمريكي طويل» (تدور أحداثها في مصح للمجانين والأمراض النفسية، أو في «العصفورية» كما نطلق في لبنان هذا الاسم على تلك الأماكن المشابه) التي سبقت «اجتياح الكيان» للبنان العام 1982، وكأنه مرة جديدة، كان يستشرف «بقراءته» ما ستؤول إليه الأوضاع. هذه الأوضاع التي أعاد تقديمها على المسرح عقب هذا الاجتياح، مع مسرحية «شي فاشل». الفشل هنا، في عدم قدرة مخرج مسرحي غنائي «كما تروي القصة» في ضبط إيقاع عمل أراد منه أن يقدم صورة عن وحدة اللبنانيين، بعد الحرب، لكنه فشل في ذلك فشلا ذريعا، بسبب أعضاء الفرقة أولا الذين ينتمون إلى طوائف مختلفة، حيث بدأت النعرات فيما بينهم، وثانيا، بسبب الظروف المحيطة بالبلد، حيث القوى العسكرية المختلفة، التي تريد حصتها من قالب الحلوى. ليطرح عبر ذلك كله، علاقتنا بالماضي والتراث ولحظتنا الراهنة وداء الطائفية وعراك المذاهب فيما بينها، والأنكى أن الجمهور كان يستمع ويصفق لزياد، وهو في الصالة، وحين يغادر يعود ليشكل «أي الجمهور» جزءا من هذا الصراع المتفلت. أعتقد أن زياد نجح هنا في إيصال رسالته: لا يمكن لنا بناء بلد (في العمل، لا يمكن لنا بناء مسرحية) إلا إذا راجعنا كلّ تاريخنا الذي أفضى إلى هذه اللحظات الدامية.
هذا التاريخ، الماضي والحاضر، كان أيضا في قلب مسرحيتيه الأخيرتين (في بداية تسعينيات القرن الماضي) وكانتا تحملان عنوانين دالين: «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» و«لولا فسحة الأمل». عن أي أمل كان يتحدث زياد؟ في الواقع عن اللا أمل، إذ عمل أيضا على مفهوم الطائفية وصراعات القوى في لبنان، والأجرأ أنهما جاءتا في لحظة، كان البلد يذهب فيها إلى عملية إعادة الإعمار، بعد مجيء الرئيس الحريري. لكن زياد قرأ الواقع بطريقة مختلفة، بعيدا عن كل «الأهازيج الفولكلورية» التي رافقت تلك العملية، ليقول إن ذلك غير ممكن، فالمشكلة ليست في إعمار ما تهدم، بل علينا بناء إنسان جديد قبل ذلك كله. اليوم وبعد مضي عقود على تلك اللحظة، ما زلنا فعلا، ننتظر هذا البناء الإنساني الجديد، الذي من دونه لا يمكن للبنان أن يستمر.
وعلى الرغم من أن كثيرين، لم يوافقوا زياد لحظتها على خطابه السياسي، إلا أن جمهوره كان يتزايد، إذ كانوا يرون فيه، خطابا يستحق التفكير فيه، وأنه يقدم مشروعا آخر. لذلك، لم يكن أحد يتفاجأ حين يرى أن جمهوره هذا، المخلص له، حتى عند أكثرهم خصومة له، يبدو مستسلما، بمعنى أنه كان يدخل عميقا في هذه اللعبة، وكأنه يعرف مسبقًا ماذا ينتظره، أو ربما، يأتي ليشاهده لأنه يعرف أن ما سيسمعه ويراه يمسه فعلًا، ويعبّر عنه، ويتكلم بصوته. من هنا، غالباً ما نجد أن زياد لم «يشكل» جمهورًا، بل «أنجب» شعبًا حقيقيًا يسير وراءه، ويستعيد كلماته، وحتى يقلّد طريقته في الكلام. وإن دلّ ذلك كلّه على شيء، فهو يدل فعلا على هذا الاتحاد الكبير بين الفنان وبين المتلقي، الذي يبحث عن «معانيه» الخاصة في كلّ كلمة أو تعبير.
لكن ماذا عن زياد الإنسان والصديق والموسيقي؟ من دون شك، يستحق الأمر وقفة أخرى، لذا، للحديث صلة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رحيل لاعب جديد عن الأهلي بعد قرار الفيفا.. من هو؟
في تطور جديد يشهده النادي الأهلي، أعلن مجلس الإدارة برئاسة محمود الخطيب عن رحيل أحد لاعبي الفريق بشكل رسمي خلال الساعات القليلة المقبلة.. فمن هو اللاعب وما سبب رحيله؟
جدير بالذكر أن النادي الأهلي قد شهد سابقة تاريخية في عدد الراحلين عن صفوفه والتي بلغت 14 لاعبا بالإضافة إلى اللاعب الجديد الذي سيرحل عن الفريق خلال ساعات.
تضم قائمة الراحلين عن الفريق الأول بالنادي الأهلي مجموعة من اللاعبين الذين كانوا متواجدين حتى نهاية الموسم الماضي، وجاءت الأسماء كالتالي:
1. علي معلول
2. وسام أبو علي
3. عمرو السولية
4. رامي ربيعة
5. كريم الدبيس
6. كريم نيدفيد
7. أكرم توفيق
8. خالد عبد الفتاح
9. يحيى عطية الله
10. حمزة علاء
11. عمر الساعي
12. رضا سليم
لاعبين على قائمة الرحيل
13. أحمد نبيل كوكا
14. أحمد عبد القادر
رحيل لاعب جديد عن الأهلياللاعب الجديد المعني هو محمد الضاوي كريستو، والذي يتجه إلى الدوري التونسي عبر بوابة فريق النجم الساحلي.
جاء هذا التحول بعد أن أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قرارًا رسميًا برفع إيقاف قيد النجم الساحلي، مما سمح للنادي التونسي بالتوقيع مع كريستو بعد التوصل إلى اتفاق رسمي بين الناديين. يمثل هذا القرار انفراجة كبيرة لمسؤولي الأهلي حيث يمنحهم حرية أكبر في التعامل مع ملف اللاعبين الأجانب.
من المتوقع أن يتم الإعلان بصورة رسمية عن الصفقة خلال ساعات قليلة. وأبدت جماهير النادي الأهلي اهتمامًا كبيرًا بهذا الشأن، حيث يعتبر كريستو من اللاعبين الذين يمتلكون مهارات فنية عالية. لذا، قد يؤثر رحيله على تشكيل الفريق.
مع خروج كريستو ومن قبله رضا سليم من الأهلي، سيبقى في صفوف النادي 5 لاعبين أجانب فقط، وهم: محمد علي بن رمضان، وأشرف بن شرقي، وأشرف داري، ونيجك جراديشار، وأليو ديانج، ورضا سليم. وبالتالي، سيتعين على إدارة الأهلي النظر في خيارات جديدة لتقليل عدد المحترفين الأجانب خلال الميركاتو الصيفي الجاري.
صفقات الأهلي الجديدةيتعين على إدارة الأهلي، البحث عن محترف آخر لتعويض رحيل كريستو، حيث يتبقى حوالي 7 أيام قبل غلق الميركاتو الصيفي لاستكمال التعاقدات اللازمة، مما يضع الضغط على الإدارة للعثور على الحل المناسب لإنهاء أزمة اللاعبين الأجانب.
وانطلقت الفترة الأولى للقيد الصيفي 2 يونيو الماضي، وتستمر حتى 6 أغسطس المقبل 2025، وتعتبر هذه الفترة مخصصة لتسجيل اللاعبين الجدد وقيدهم في القوائم الأساسية للأندية.
وصلت صفقات الأهلي خلال فترة الانتقالات الجارية حتى الآن (صيف 2025) 9 صفقات وهي كالتالي:
1- محمود حسن تريزيجيه: انتقال من نادي طرابزون التركي
2- محمد علي بن رمضان: انتقال من نادي فرينكفاروزي المجري
3- أحمد رمضان بيكهام: انتقال من نادي سيراميكا
4- أليو ديانج: عائد للفريق بعد انتهاء أعارته لنادي الخلود السعودي
5- محمد أحمد سيحا: انتقال من المقاولون العرب
6- أحمد مصطفي زيزو: صفقة انتقال حر بعد انتهاء عقده مع الزمالك
7- محمد شريف: صفقة انتقال حر بعد انتهاء عقده مع الخليج السعودي
8- ياسين مرعي: انتقال من نادي فاركو
9- محمد شكري: انتقال من نادي سيراميكا