شهد تاريخ السودان المعاصر أطولَ الحروب الأفريقية، وهي حرب جنوب السودان، والتي استمرت زهاء الخمسين عامًا. توقفت خلالها لعقد من الزمان (1973 – 1983)، حيث تم توقيع اتفاق أديس أبابا بين حركة أنانيا 2، وحكومة جعفر نميري في العام 1972.
وما لبثت أن اندلعت الحرب مرة أخرى بالجنوب في العام 1983، واستمرت لأكثر من ثلاثة عقود، وتوقفت في أعقاب توقيع اتفاق السلام الشامل في العام 2005، بضاحية نيفاشا بجمهورية كينيا.
في الحروب السابقة كان الجيش السوداني يخوض معاركه ضد مجموعات وحركات متمردة سواء في جنوب السودان أو غربه، وتلك الحركات المتمردة كانت دائمًا تعتمد في تسليحها وتمويلها للحرب على الخارج، فاعتمدت حركات دارفور، مثلًا، على الدعم الليبي أيام القذافي وما بعده، وإلى ما قبل نشوب الحرب في أبريل/نيسان من العام الماضي.
المتغير الذي سيكون له تأثير كبير في المستقبل القريب والبعيد، هو الأبعاد الإثنية والجهوية لهذه الحرب. الصراعات والحروب التي شهدها السودان في تاريخه، لم يكن الاصطفاف القبلي والإثني حاضرًا فيها بمثل ما هو حاضر في هذه الحرب
كما اعتمدت أيضًا على دعم الحكومات التشادية المختلفة في صراعها المستمر مع السودان. كما اعتمد الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق في حربه عبر أزمنة مختلفة، على الدعم الغربي بشكل أساسي، وعلى دعم الأنظمة الأفريقية المتعاطفة معه.
الحرب الحالية شهدت عدة متغيرات؛ أولها: أن القوات المتمردة هذه المرة (الدعم السريع) كانت قوات نظامية لها وضعها الدستوري والقانوني المنصوص عليه في قانون القوات المسلحة، وجرى تمويلها وتسليحها من قبل الدولة، مما يعني أن الجيشين المتقاتلين الآن يخوضان حربهما بموارد الدولة السودانية.
صحيح أنه بعد اندلاع الحرب بحث الطرفان عن وتمويل وتسليح خارجي، إلا أن قوات الدعم السريع، تلقت بعد اندلاع الحرب دعمًا خارجيًا مقدرًا وتمويلًا وأسلحة متنوعة ومتطورة من عدة دول خارج الإقليم الأفريقي، والذي أصبح دوره ميسرًا ومعبرًا للعتاد والتشوين. لأول مرة في تاريخ الحروب في السودان تكون الدولة مولت من مواردها متمردين عليها وعلى جيشها النظامي.
أهم متغيرات حرب أبريل/نيسان التي قاربت العام الآن، أنها اندلعت في قلب العاصمة الخرطوم لأول مرة في تاريخ التمردات المتعددة التي شهدها السودان، ثم امتدت شرارتها لثماني ولايات: خمس ولايات بالغرب، وثلاث بالشمال: (كردفان والخرطوم والجزيرة) .
كانت الحركات المتمردة غالبًا ما تبدأ حروبها من مناطق الهامش البعيد، ونادرًا ما تمتد تلك الحروب إلى قلب العاصمة الخرطوم. المرة الوحيدة التي وصلت شرارة حروب الهامش إلى الخرطوم كانت في 2008، حين استطاعت قوات حركة العدل والمساواة الوصول إلى أم درمان، قادمة من الحدود الغربية للسودان.
في تجربة حرب أبريل/نيسان الماثلة، القوات المتمردة لم تأتِ إلى الخرطوم غازية، إنما كانت جزءًا من المنظومة الأمنية المؤتمنة على تأمين العاصمة السودانية الخرطوم، ولذا تسلّمت كل المقار الحكومية الإستراتيجية دون مقاومة منذ الساعات الأولى للحرب، ووجدت قيادة الدولة متمثلة في الرئيس البرهان، وقيادات الجيش، أن مؤسسات الدولة تم ابتلاعها من قبل المكلفين بحراستها (قوات السريع).
لم يحدث أن اقتربت أي قوات متمردة على الدولة على مدى خمسين عامًا من القصر الجمهوري، أو القيادة العامة طيلة سبعين عامًا، هي عمر الحركات المتمردة في السودان.
المتغير الذي سيكون له تأثير كبير في المستقبل القريب والبعيد، هو الأبعاد الإثنية والجهوية لهذه الحرب. الصراعات والحروب التي شهدها السودان في تاريخه، لم يكن الاصطفاف القبلي والإثني حاضرًا فيها بمثل ما هو حاضر في هذه الحرب.
حاولت قواتُ الدعم السريع، منذ الأيام الأولى للحرب أن تخلق اصطفافًا قبليًا وجهويًا من خلال تعبئة حواضنها الاجتماعية في غرب السودان، بمقولات عدائية ضد المواطنين الشماليين مثل الجلابة: (التجار الشماليين بغرب السودان)، ثم لاحقًا الفلول: (أنصار النظام السابق)، ثم أخيرًا تسمية بعض القبائل في شمال السودان وتصنيفها عدوة. ونجحت قوات الدعم السريع في استمالة بعض القبائل للاصطفاف معها ضد الجيش السوداني. ورغم أن مجهوداتها لم تحقق نجاحًا كاملًا، فإنها نجحت في استقطاب بعض المكونات القبيلة على أساس إثني وجهوي.
حروب السودان المتطاولة كانت تدور بشكل رئيسي خارج المدن، وكان الريف السوداني أو مناطق الهامش هي الأكثر تأثرًا، ولكن حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023 دارت في أكثر من ولاية ومنطقة، ولذا كان أثرها كبيرًا على السكان.
ورغم أنّ المناطق الريفية والولايات البعيدة، كانت مسرحًا أساسيًا لتلك الحروب، وشهدت انتهاكات كبيرة في الحروب، فإن ما حدث في الحرب الحالية من فظائع، غيرُ مسبوق من حيث اتساع نطاقها وتعدد أنواع جرائمها من قتل ونهب واغتصاب واحتلال. وهذه الجرائم عمت القرى والحضر، ولم يترك التمرد شبرًا في أي منطقة دخلها بلا انتهاكات جسيمة، وصلت في بعض المناطق حد الإبادة الجماعية، كما حدث في مدينة نيالا إحدى أهم مدن غرب السودان، حيث جرى قتل أكثر من خمسة عشر ألف شخص في يوم واحد، وبعضهم دفن حيًا، كما شهدت ذات المدينة وجرى قتل واليها خميس أبكر كأبشع جريمة ترتكبها قوات الدعم السريع في حربها الحالية.
كان لكل الحروب في تاريخ السودان أثرها الاقتصادي المدمر وتأثرت بها كافة القطاعات وظلت الدولة تمول تلك الحروب من ميزانيتها بالعجز وبالديون الخارجية، مما أدى لتدهور مستمر في قيمة العملة، وبالتالي وضع الاقتصاد الكلي.
الأثر الاقتصادي للحرب الجارية الآن كان الأكثر دمارًا وتخريبًا للاقتصاد السوداني بما لا يقاس بما جرى في الحروب السابقة. هذه الحرب دمرت المؤسسات الاقتصادية القائمة بكل أنواعها: (صناعية، زراعية، خدمية)، عبر النهب والحرق والتدمير المباشر. وتقريبًا كل مؤسسات القطاع الاقتصادي من بنوك وشركات ومصانع تخص الدولة أو القطاع الخاص أو الاستثمار الأجنبي، تعرضت للدمار الشامل، وهي حالة غير مسبوقة أيضًا، وذلك بسبب اندلاع الحرب في العاصمة، المركز المالي والاقتصادي الذي تتركز فيه كل المؤسسات الصناعية والخدمية والشركات الكبرى.
صدرت تقارير متعددة حول حجم الخسائر التي سببتها الحرب الحالية، ولكن كانت التصريحات الصادرة من الفريق إبراهيم جابر- أحد أهم قيادات الجيش في الجانب الاقتصادي- لافتة للنظر، إذ قدر الخسائر الاقتصادية للحرب حتى الآن بمبلغ 150 مليار دولار، وهي تعادل تقريبًا كل عائدات دخل النفط منذ استخراجه في خواتيم تسعينيات القرن الماضي، مضافًا إليها عائدات الذهب خلال ربع قرن من الزمان. إضافة إلى ذلك أن هذه الحرب التهمت أغلب مدخرات السودانيين بالخارج، وقضت على كثير من ممتلكاتهم بالداخل.
العنصر الجديد في هذه الحرب أيضًا، هو دخول التكنولوجيا بكثافة في أعمال هذه الحرب بصورة لم تشهدها الحروب السابقة. فلأوّل مرة تستخدم أسلحة نوعية لم تستخدم على الإطلاق في حروب سابقة، أهمها المسيرات القادرة على إصابة الهدف بدقة والطيران في الأجواء لساعات طويلة.
كان لتكنولوجيا المسيرات الحديثة أثرها الفعال في إحداث الفارق في الميدان، إذ استطاعت القوات المسلحة باستخدامها بكثافة وبراعة، إحداث الفارق وفي وقت وجيز بأغلب ميادين القتال، وكان لها دورها الأبرز في معركة الإذاعة السودانية مطلع شهر مارس/آذار الحالي والتي كسبها الجيش مؤخرًا. لولا تدخل تلك المسيرات في المعارك لكانت الحرب الجارية في أرجاء ولاية الخرطوم أكثر تعقيدًا ولطالَ زمان حسمها بأكثر مما يجري الآن بأضعاف.
المتغيرات الخارجية كثيرة: أهمها أنه لأول مرة يقف المجتمع الدولي والدول العربية والأفريقية مجتمعين موقفًا سلبيًا من حرب شنتها قوات تمردت على الدولة السودانية. في كل التجارب السابقة كانت مواقف الدول تختلف بين داعمين للتمرد ومعادين له، وداعمين للدولة السودانية وسلطتها الشرعية.
في هذه الحرب دعمت أغلب الدول الأفريقية التمرد، بل ودعمته بشتّى السبل، من تمرير الأسلحة، لفتح المعسكرات للتدريب، للدعم المالي المباشر.
فيما كانت مواقف الدول العربية سلبية للغاية تجاه ما يجري في السودان، فبعض الدول تولت الدعم المالي والعسكري وتمويل الحرب بالكامل، وأخرى لاذت بالصمت، وثالثة تبنت دور الوسيط، في حين كان موقف المجتمع الدولي منحازًا منذ بداية الحرب وداعمًا للتمرد.
بدأت تحركات المجتمع الدولي باكرًا من الشهر الثاني للحرب عبر تأسيس منبر جدة إلى ما قبل شهرين فيما عرف بلقاء المنامة الذي أنكر السودان كل ما ترتب عليه من نتائج. وتجلى موقف المجتمع الدولي أيضًا في دعوات وقف الحرب، وهي في أيامها الأولى. تم استخدام مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية لفرض تسوية تعيد تموضع قوات الدعم السريع في الحياة السياسية والعسكرية السودانية مجددًا.
هذه الحرب بكثافة المتغيرات التي حدثت فيها والآثار التي ترتبت عليها، ستقود إلى متغيرات على كل المستويات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية. سودان ما بعد الحرب سيشهد تغيرات في بنية السلطة الحاكمة وطرائق إدارتها للفترة الانتقالية، كما سيقود اصطفافات جديدة بين الأحزاب والتحالفات السياسية، وسيدفع بلاعبين جدد للمسرح السياسي، متمثلين في منظمات المجتمع المدني، والأحزاب الشبابية الجديدة، إضافة إلى مكوّنات المجتمع الأهلي الصاعد الآن.
كما سنشهد تغيرات في بنية الاقتصاد وترتيبًا جديدًا للمؤسسات الاقتصادية من حيث توزيعها الجغرافي، وتنوع نشاطاتها، وطرائق تمويلها. كما ستشهد العلاقات الخارجية تغيرًا وتصنيفات جديدة على ضوء المواقف المتباينة من الحرب على كافة المستويات. كما أن الاصطفاف الإثني والجهوي الذي شهدته هذه الحرب، سيحتاج لوقت طويل حتى يتعافى السودانيون من جروحه الغائرة التي تسبّبت فيها تداعيات الحرب.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات قوات الدعم السریع المجتمع الدولی فی هذه الحرب أبریل نیسان فی تاریخ
إقرأ أيضاً:
أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:24 صبقلم: فاروق يوسف تخلى حزب العمال الكردستاني عن خيار الكفاح المسلح معلنا نزع سلاحه. فهل يعني ذلك اعترافا بالهزيمة؟كان عبدالله أوجلان زعيم الحزب واضحا في كلامه. الاستمرار في ذلك الخيار يعني المشي في طريق مسدودة.لقد سبق للزعيم الكردي الذي تم اعتقاله عام 1999 في سياق صفقة سياسية مبتذلة على المستوى الأخلاقي أن دعا غير مرة من سجنه إلى طي صفحة الحرب.كان من الصعب على الحزب الذي تأسس عام 1984 أن يطوي تلك الصفحة التي انطلق منها من غير أن تتغير المعادلات السياسية في تركيا. تلك المعادلات المتحجرة التي كانت قائمة على عدم الاعتراف بوجود الأكراد جزءا من التركيبة الوطنية في تركيا.
لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة قاوم الأكراد تحجّر العقل السياسي التركي بطريقة تعبّر عن معرفة عميقة بتعثر إمكانية الحوار تحت مظلة وطنية جامعة. فبغض النظر عن نوع النظام الحاكم في أنقرة، دينيا كان أم مدنيا فإن الاعتراف بحقوق الأكراد القومية كان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى أن تركيا لم تكن تعترف بوجود الأكراد قومية مستقلة وكانت تسمّيهم بأتراك الجبل.
وعلى الرغم من أن الحرب على الساحة الكردية قد كلفت تركيا خسائر بشرية ومادية هائلة فإن دولة أتاتورك كانت مستعدة لخرق القانون الدولي واحتلال أجزاء من سوريا والعراق من أجل مطاردة المتمردين الأكراد.كان خيار السلم على الأراضي التركية التي يقيم فيها الأكراد مُستبعدا حتى بعد اعتقال أوجلان. ذلك لأن حزب العمال وقد وجد له حاضنة في شمال العراق كان يأبى أن ينضم إلى زعيمه في معتقله ويستسلم. وإذا ما كان حزب العمال قد استفاد من الاستقلال النسبي للإقليم الكردي في شمال العراق فإنه استفاد أيضا من الظرف الإقليمي المضطرب بحيث كانت تركيا حائرة في أن تحارب على أيّ جبهة، في سوريا أم في العراق أم في الداخل التركي.ولا يخفى على تركيا وهي الضليعة بمؤامرات الناتو التي هي جزء منه ما تخطط له الولايات المتحدة وهي تعمل على تأثيث وجودها في المنطقة بأسلوب استعماري جديد. كل تفكير بتركيا قوية يبدو ساذجا في ظل استضعافها محليا من خلال المسألة الكردية. ولأن تركيا بدت عاجزة عن حل مشكلة محلية فقد بات الحل الدولي قريبا. فعلى الرغم من أن تركيا كانت حاضرة في المعالجة الدولية للمسألة السورية فإن ذلك لم يضمن لها انحياز الجانب الأميركي.يملك الأكراد اليوم تمثيلا قويا في الحياة السياسية التركية. ذلك ما يعني أن تركيا قد تغيّرت. ولأن تركيا قد تغيّرت فقد آن للأكراد أن يتغيّروا.من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية من المؤكد أن أكراد حزب العمال لم يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح إلا بعد أن ضمنوا أن هناك حياة وطنية عادلة في انتظارهم.
من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية. وكما يبدو فإن تركيا تغيرت عبر الزمن. لذلك صار على الأكراد أن يتغيّروا ويغيّروا نهجهم وطريقتهم في التلويح بمطالبهم. والأهم من ذلك أن مبدأ الكفاح المسلح لم يعد مقنعا للكثير منهم، أولئك الذين انخرطوا في الحياة السياسية التركية من خلال الأحزاب التي صار لها صوت في الشارع. كان عبدالله أوجلان حكيما ورجلا مسؤولا حين صارح شعبه بأهمية الاستجابة لتلك التغيّرات والتفاعل معها بطريقة إيجابية. فالمهم بالنسبة إليه وإلى شعبه أن يكون الهدف الذي اختاروا من أجله اللجوء إلى الكفاح المسلح قد تحقق أو في طريقه إلى أن يكون واقعا وليس الكفاح المسلح هدفا في حد ذاته. هنا تكمن واحدة من أهم صفات الزعيم العاقل. ليس من المعلوم حتى الآن ما هي الصفقة التي تخلّى حزب العمال بموجبها عن سلاحه منهيا الحرب التي أضرّت بالأكراد مثلما أضرّت بتركيا.لكن اللافت هنا أن رجلا لا يزال قيد الاعتقال منذ أكثر من ربع قرن كان قادرا على أن يقول كلمة النهاية. وهو ما يعني أن الطرفين، الكردي والتركي، يثقان بذلك الرجل الذي وهب شعبه الجزء الأكبر من عمره.لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة.