حسام مصطفى يكتب: «مسار إجباري».. عن دراما المدينة وإشكاليات القدر
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
انتهت حكاية ابنَى عمر البرنس «على وحسين»، أو ابنى القدر، الذى لا يُحاكم ولا يُسأل ولا يتهم، الأخوين غير الشقيقين اللذين جمعهما التورط، أحد أهم فصول رواية القدر، واختارت الحياة ألا يفترقا بمحض إرادتهما الحرة، بعد أن وجد كل منهما فى الآخر الجانب المفقود وعلاجاً للنتوءات التى خلفتها الحياة، وملأً لكل ثغرة أو نقص فى شخصيتهما، تلك العلاقة هى إحدى عطايا الأقدار التى تمنحها وتسلب الحق فى رفضها أو ردها، تلك العلاقات القدرية الناتجة عن فعل التورط.
تلك المعانى الفكرية والضمنية تولدت مما انطوت عليها التجربة الدرامية «مسار إجبارى»، التى انطلقت من داخل غرف أحد المستشفيات، حيث يرقد «عمر البرنس»، الموظف البسيط بالطب الشرعى، على فراش المرض، والذى قرر أن يتخلص مما يثقل ضميره، بجمع ابنه الكبير «على» من زوجته الأولى «إحسان»، و«حسين» ابنه من زوجته «عنايات» لينهال على الشابين بخفايا آخر العمر، بأنه متزوج من أخرى منذ عشرين عاماً، ونتج عن هذا الزواج ابنه «حسين» أو «السونس»، ولم يفرغ الأب من مفاجأته، بل فاجأ الأبناء بأنه متورط فى القضية التى شغلت الرأى العام، وهى مقتل الباحثة «حبيبة الكردى»، والمتهم فيها الأستاذ الجامعى «د. صفوت مصباح»، وأنه ينتوى أن يعترف بجريمة تزوير الأدلة بمجرد خروجه من المستشفى، لكن الجهة التى اتفقت مع عمر البرنس لم تترك له مجالاً لتحقيق ما أراد وتزهق روحه، ليجد الأبناء أنفسهم مطاردين ومحملين بإرث ذنب الأب وقراراته وإراحة ضميره بعد أن التقاه الموت، وتبرئة متهم ينتظره الموت فى غرفة الإعدام، مما لا يدع لهما فرصة للالتفات إلى المعاداة أو الافتراق، كما يجدون أنفسهم متورطين فى اختبارات الدنيا والنفس بشكل جبرى، تهدم هزائم تلك الاختبارات ما بداخلهما من حواجز خراسانية حالت بين أرواحهما وبين الحياة، وتطبب ندبات مشاعرهما، ليكتشفا ما كان خفى داخلهما.
قدر «مسار إجبارى» كقدر الحكايات البسيطة التى تحمل بين طياتها كُنى تفوق بساطتها، ومجازات فكرية وفنية تستحق تأملها ومحاولة قراءتها، فبداية من عنوان الحكاية «مسار إجبارى» وما يحمله من دلالة مباشرة تتسق مع طبيعة الرحلة الجبرية لبطلى المغامرة «على وحسين»، ومن ناحية أخرى، هو اسم إحدى أهم الفرق الموسيقية الثائرة التى عبرت عمّن هم فى نفس الفئة العمرية لبطلَى الحكاية، مروراً بشارة المسلسل التى غناها «طارق الشيخ» وما يمثله من صورة ذهنية مرتبطة بالشعبوية والشجن، يقاسمه الغناء هانى الدقاق، صوت فرقة مسار إجبارى، وما يثيره صوته من اختلاف وحضور خاص، هذا المزيج الصوتى مهد لحالة التداخل بين عوالم «على وحسين» المتنافرة داخل المدينة، تلك المدينة الغريبة التى أسلمت روحها إلى رجل القانون «مجدى حشيش»، يضع فلسفتها ويسن قوانينها ويكتب دستورها، ويسير مصائر أبنائها، حسبما شاء بأفكاره ومبادئه مجهولة المصدر، تلك المدينة التى لفظت أبناءها من داخلها إلى هامشها، وولدت بداخلهم شعور الاغتراب، فطالب الحقوق «على عمر البرنس» يجد خلاصه فى السفر إلى فرنسا لاستكمال مشواره العلمى، كما يتمحور طموح «حسين» فى نقل مشروعه إلى مكان آخر غير المكان الذى ترسو على أحد أرصفته عربته، حيث لا تسأله الزبائن عن أسعار ما يبيعه، كلاهما غير راضٍ عن مكانه فى المدينة، يتعايشان معها مع افتقاد الرضا، ما يجعلهما يلجآن إلى التحايل كوسيلة لمقامهما المؤقت، فالأخ الأكبر «على» رغم تفوقه الدراسى فإنه يؤجل تخرجه فى الجامعة حتى لا يقع تحت طائلة التجنيد، ويمارس التدريس فى مركز خاص للطلبة الذين سبقهم دراسياً، ويتولى القضايا من الباطن بهدف ادخار مصروفات المنحة، وحتى لا يطلب من والده نقوداً بسبب علاقتهما المتوترة، ولا يتردد «حسين» فى استخدام وسيلة الرشوة والإكراميات من أجل الإبقاء على المشروع الذى يمثل له كل ما يملك فى تلك المدينة التى تحولت تحت إدارة المخرجة نادين خان إلى بطل وتجربة بصرية، وليس مجرد مكان تدور فوق سطحه الأحداث، بل تمظهرت المدينة كشاهد على الأحداث وأبطالها، تتعكر وتصفو، تهدأ وتغضب، تشرق وتغرب، يبطئ إيقاعها ويسرع، يختنق قمرها وراء قضبان سمائها ويتحرر منها حسب حالة الأحداث وحالة أبطالها الظاهرية والنفسية.
إن غياب التفسير والأسباب وراء ما عليه شخصيات «مسار إجبارى»، مسح العمل الدرامى بالطابع الروائى الذى يفتح آفاقاً للتخييل والتوقع، والنسج لما هو مبهم وغير مرئى، فنحن لا نعرف أسباباً ما جعلت مجدى حشيش فيما هو عليه، ولا نعرف ما الذى حمل «عمر البرنس» على الزواج من «عنايات» رغم أنه متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ولا نعرف أسباب تقارب «إحسان وعنايات» رغم الطبيعة الأنثوية وتباين المستوى الفكرى والاجتماعى والتعليمى بينهما، فالخروج من إطارات السببية فى العلاقات واندفاعية قرارات الشخصيات هى ما أخرجت دراما العمل من إطار استهلاك الحدث واستهلاكية نمط الشخصيات. غلب على استراتيجية سرد «مسار إجبارى» النمط الخطى، إلا من بعض مواضع الأحداث، حيث لجأت نادين خان إلى أسلوب التقديم والتأخير وتوتير المشاهد وتسجيلية الصورة الصامتة، ما خلق انفعالات جمالية.
إن الطواف حول فكرة قوة الظلم فى مواجهة قوة الضعف واستنفارها فكرة أبدية مضمونة بلا تاريخ صلاحية، هذه الفكرة خلقت حالة ملامسة الموضوع لدى المتلقى والالتفاف حول العمل، ليس فقط الفكرة، وإنما الفئة العمرية لأبطال الأحداث «على وحسين»، هى ما ساعدت على تشكيل توجه واستهداف العمل الدرامى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما السباق الرمضانى مسار إجبارى مسار إجبارى عمر البرنس على وحسین
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: " العشوائيــــــات " فى عقول المصريين
أصبحت العشوائيات من سمات المحروسة،ولا أقصد بعشوائياتنا فى الأحياء السكنية،مثل الدويقة،ومنشية ناصر،والمجاورين، وباب الوزير، والمغربلين، والسلام،والعرب بالمعادى،وبولاق الدكرور ( الصين الشعبية) وطره وبقية 68 حى عشوائى بالقاهرة،تضم أكثر من 4 مليون نسمه، بما فيهم المقابر بحى الجمالية،ومدينة نصر،وكذلك إمتداد العشوائيات على كل الطرق المنشئة بما فيها الطريق الدائرى والدولى من غرب مصر إلى شرقها!!إلى أن إتجهت الدولة بعملية قيصرية إزالة هذه التشوهات ضمن برنامج تحديث البنية التحتية فى أرجاء المعمورة.
ولكن مازالت هناك عشوائيات القرارات الإدارية،وعشوائية السياسات فى قطاعات مثل المرور والمرافق والمياه،والصرف الصحى،والطرق والتراخيص وتشغيل وتراخيص مبانى،وإدارات صحية،وتموين ومواصلات … الخ.
وإستمرت هذه العشوائية منذ الستينيات من القرن الماضى إلى الحاضر فى القرن الواحد والعشرين وحتى بعد قيامنا بإنتفاضات شعبية وثورتين.
والمصيبة الأكبر أن أكثر ما يضير الأمة،أن العشوائية إنتقلت من القدم إلى الركبة،إلى الجسد،ووصلت إلى رأس الأمة،وأقصد به "التعليم الجامعى "وما بعده فى مراحل "الدراسات العليا "من ماجستير ودكتوراه،فأصبحت سمة العشوائية فى كل ما تتناوله رأس الأمة،من بحوث علمية غير ذى قيمة أو ذى فائدة تعود على الجميع.
وترجع خطورة إنتقال هذه السمة إلى هذا الجزء من "جسد الأمة " إلى المثل القائل بأن "السمكة تفسد من رأسها !!
والخوف كل الخوف،بأن ما يتم، وما نأمل فيه من إصلاح سياسى وإقتصادى، يقابله إستهتار إجتماعى شديد الضراوة،والشراسة،وتزداد سمة العشوائية ترسيخًا،فى وجدان هذه الأمة،مما يجعلنى أستصرخ الناس والقادة،والمسئولين عن ثقافة هذه الأمة بأن العشوائيات ستكون سببًا فى إنهيارنا.
ماذا لو أغلقنا كل الأبواق المزايدة،على مصالح ضيقة وخلافات حزبية،ووهم دينى متعصب أعمى فى المجتمع،وواجهنا جميعًا،إدارة وشعب،ما وصلنا إليه من هذا المرض العضال وهو " العشوائية فى مصر" وما السبيل إلى الإستشفاء حتى لو كان ذلك بتدخل جراحى،وإن إستدعى الأمر إستجلاب أطباء غير مصريين لإنقاذ جسد الأمة من الإنهيار،إذا كنا قد فقدنا الثقة فى أطباء وعقلاء هذا الوطن!!.
فلنا أن نستعين بأجانب للمساعدة مثما نفعل فى ( كرة القدم ) على سبيل المثال،ومثلما نفعل فى إدارة شئون الإقتصاد فى الدولة، حيث نستعين بمن يرى أننا نستحق المساعدة من العرب والأصدقاء.
نحن فى أشد الإحتياج للإهتمام بعقول هذا الوطن، وعشوائيات البشر حيث هؤلاء هم الذين نعمل على تنمية إقتصادهم ووسائط حياتهم، ولكن نسينا الإهتمام بعقولهم وهذا الأهم !!