يصف الكاتب الإسرائيلي شارول كوهين في مقال له موقع "العين السابعة" قرار إغلاق مكتب قناة الجزيرة في إسرائيل بكونه "درس في الشعبوية"، في إشارة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورغم كون هذا الإجراء يعد حدثا دعائيا فهو يشكل سابقة خطيرة، بحسب تعبيره.

بسوابق التاريخ، لا يصعب فهم القرار الإسرائيلي بإغلاق مكتب قناة الجزيرة، كانت هنالك مؤشرات لهذا القرار الذي يتزامن مع حدة الارتباك السياسي والعسكري في تل أبيب.

درجت إسرائيل دائما على محاولة طمس الحقائق واختلاق سرديتها الخاصة، التي بات من المؤكد أن العالم كله يرفضها بمثابرة إعلام ينقل الواقع الميداني والسياسي لا أكثر.

لم تعد الروايات الإسرائيلية تصمد كثيرا بحقائق التطور الإعلامي وبمفاعيل توسع الإعلام الحر والمهني والموضوعي وبوطأة ما تقترفه من جرائم غير مسبوقة في حربها على غزة. وكانت شبكة الجزيرة بضرورات الإعلام الحر والمهني وبقوة ما تنقله بمهنية من حقائق على الأرض نقيضا لتلك الروايات التي تريد لها إسرائيل أن تسود.

وأصدر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ما عرف بـ"قانون الجزيرة" الذي يمنح الحكومة صلاحيات مؤقتة لمنع شبكات الأخبار الأجنبية من العمل في إسرائيل، إذا رأت الأجهزة الأمنية أنها تضر بالأمن القومي، وتم تمرير القانون بأغلبية 71 صوتا مقابل 10 في القراءتين الثانية والثالثة خلال جلسة للكنيست، كان المقصود بالإضمار والإصرار قناة الجزيرة، دون مواربة في التسمية.

لحقبة طويلة، وفي غياب إعلام حر فاعل ومؤثر، استفادت إسرائيل من تغليب سردياتها المضللة بقوة هيمنة جزء كبير من الإعلام الغربي التابع، وبقوة تأثير ذلك على المنظمات والمؤسسات الدولية وعلى الرأي العام الغربي وبالضرورة على القرارات الدولية. وكانت حدة الجرائم الإسرائيلية -كما يتجسد ذلك في غزة- تستمر بإغراء الصمت العالمي والتضليل الإعلامي وبضعف القانون الدولي وأدوات إنفاذه.

بسوابق التاريخ نفسه، سعت إسرائيل ومنظّروها وسياسيوها إلى إسكات التاريخ الفلسطيني كله -على حد قول المفكر الراحل روجيه غارودي– ولم يكن من الصعب عليها إسكات وسائل الإعلام بالمنع والإغلاق وبالتصفية والقتل أيضا، وبإصدار قوانين خاصة تناقض سردية الديمقراطية وحرية الإعلام والتعبير التي تتبناها.

جندي إسرائيلي يهدد صحفيين أثناء عملهم في إحدى المستوطنات بالضفة الغربية (مواقع التواصل) العداء للإعلام

نظريا، تتبنى إسرائيل مقولات الديمقراطية وحرية التعبير والإعلام الحر والتعددي، لكن في أكتوبر/تشرين الثاني 2023 أصدرت قانونا ينص على إغلاق كل جهة إعلامية تهدد ما يسمى أمن إسرائيل، ومضت بإصدار قانون خاص بالجزيرة، في سابقة خطيرة على مستوى العالم وفق تعبير نقابة الصحفيين الفلسطينيين التي اعتبرت أنه "يأتي في سياق سياسة رسمية ممنهجة تستهدف الإعلام الفلسطيني والعربي والدولي، ويتزامن مع الاستهداف الممنهج لقتل الصحفيين وتدمير مؤسساتهم الإعلامية".

ودعت منظمة مراسلون بلا حدود من جهتها "إلى إلغاء القانون الإسرائيلي الذي يسمح للحكومة بإغلاق وسائل الإعلام الأجنبية في إسرائيل مستهدفا قناة الجزيرة".

فهم العالم طبيعة القانون الإسرائيلي في سياق المعارك الكثيرة الموازية التي تخوضها ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على هامش حربها على غزة، بدءا من كيل الاتهامات إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورؤساء وزعماء ومفكرين ودول رفضوا سردياتها، ثم معظم المنظمات الإنسانية الدولية إلى قناة الجزيرة وصحفيي غزة والعالم. كان الهدف كل من يرصد وينشر نقيض تلك الروايات من الميدان، وجاء قانون الجزيرة في هذا السياق.

وعطفا على ذلك، يقول الكاتب والباحث السياسي الإسرائيلي ريف أوبنهايمر على منصة إكس (تويتر سابقا) "يجب أن نتساءل عن توقيت "قانون الجزيرة"، القانون سيئ للغاية. من غير الضروري منح صلاحيات لإغلاق وسائل الإعلام في يد السياسيين". ويضيف الكاتب في موقع "العين السابعة" الإسرائيلي:

"لأول مرة يمكن لوزير في الحكومة أن يأمر بشكل مباشر بتقييد بث القنوات التلفزيونية.. وحتى قبل تمرير "قانون الجزيرة"، كنا جميعا نعيش في بلد يتم فيه استخدام أدوات مضادة للديمقراطية بشكل جماعي"

بواسطة الكاتب الإسرائيلي ريف أوبنهايمر

من جهته، اعتبر رئيس مكتب منظمة مراسلون بلا حدود في الشرق الأوسط، جوناثان داغر أن "إسرائيل تستخدم جميع الوسائل الممكنة في محاولة لإسكات قناة الجزيرة، بسبب تغطيتها واقع مصير الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة"، وطالب إسرائيل "بإنهاء مضايقاتها العدوانية لقناة الجزيرة".

تحيط بالصحفيين العاملين في قطاع غزة والضفة الغربية مخاطر جمة جراء التضييقات والاعتداءات الإسرائيلية (الفرنسية) ضد الأعراف والقوانين

تخالف الإجراءات الإسرائيلية وآخرها "قانون الجزيرة" بشكل صارخ المواثيق الدولية التي تضمن حرية العمل الصحفي والحق في المعلومة، وبينها نص المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 حول القانون الدولي الإنساني على أن الصحفيين الذين يؤدون مهامهم في النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل أشكال الهجوم المتعمد.

ويكفل القانون الدولي الإنساني للصحفيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين، طالما أنهم لا يشاركون في الأعمال العدائية، وينطبق الشيء نفسه على حالات النزاع غير المسلح بمقتضى القانون الدولي العرفي.

وتؤكد المادة 34 من الفصل 10 من دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني لعام 2005 على أنه "يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية بمناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية".

ونص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لسنة 2006 على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة، وكذلك اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعيانا مدنية لا يجوز أن تكون هدفا لأي هجمات أو أعمال انتقامية.

وشدد إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات على الحق في الوصول للمعلومات، باعتباره من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير. وهو ما أكدته أيضا المواثيق الدولية الكبرى كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية.

لكن إسرائيل تخالف بشكل مستمر كل تلك الأعراف والمواثيق الدولية حول حرية الإعلام وضرورة حماية الصحفيين واحترام عملهم، وينسحب ذلك على وسائل الإعلام ومؤسساته.

الاحتلال الإسرائيلي يستهدف بشكل مستمر الصحفيين الفلسطينيين والأجانب الذين لا يتوافقون مع سردياته (الجزيرة) استهداف الحقيقة أم الجزيرة؟

لم تأت الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بمعزل عن سوابق تاريخية تستهدف العمل الصحفي والقائمين عليه. فوفقا لمؤسسة "منتدى الحرية" ومقرها واشنطن، يفوق عدد الصحفيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية خلال عدوانها المستمر على غزة عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وحرب فيتنام (1955-1975) والحرب الكورية (1950-1953)، يضاف إليها الحرب الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/شباط 2022 وكل الحروب الأخرى التي نشبت خلال العقود الماضية.

وللمقارنة، قتلت إسرائيل -حتى منتصف فبراير/شباط الماضي- 140 صحفيا في غزة لوحدها- وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة- بينما قُتل 69 صحفيا خلال الحرب العالمية الثانية و63 صحفيا في حرب فيتنام، و17 صحفيا في الحرب الكورية و17 خلال الحرب الروسية الأوكرانية. وفي تحقيق نشر في 11 فبراير/شباط 2024، أكد موقع ميديا بارت الفرنسي أنه

"لم يحدث قط أن قُتل هذا العدد الكبير من الصحفيين في مثل هذا الوقت القصير، لا في الحربين العالميتين، ولا أثناء الحروب في فيتنام والبوسنة والعراق وأفغانستان، ولا حتى في أوكرانيا".

بواسطة  موقع ميديا بارت الفرنسي

وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد تقدمت بشكوى بشأن جرائم حرب ارتكبت ضد صحفيين فلسطينيين في غزة. واعتبرت أن حجم الجرائم التي تستهدف الصحفيين وخطورتها وطبيعتها المتكررة تندرج في نطاق جرائم الحرب، وتستدعي إجراء تحقيق من قبل مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما وأن إسرائيل قد منعت الصحفيين من الدخول على غزة أصلا.

وفي خضم "حربها على الصحفيين"-وفق توصيف مراسلون بلا حدود- تستهدف إسرائيل قناة الجزيرة بوصفها الأكثر مهنية وتأثيرا وانتشارا ومتابعة، وبرر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هذا الاستهداف بكونها "تعرض من إسرائيل للخطر"، وبكونها "شاركت فعليا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحرضت على جنودنا"، حسب تعبيره.

ووصفت قناة الجزيرة هذا الإجراء في بيان بكونه يأتي "ضمن سلسلة من التعديات الإسرائيلية الممنهجة لإسكات الجزيرة" واعتبرت الاتهامات "كذبة خطيرة ومثيرة للسخرية".

ورغم أن الصحفيين يتمتعون بالحصانة بموجب القوانين الدولية في سعيهم إلى إيصال حقائق السياسة والميدان- بما فيها جرائم الحرب وهجمات الإبادة الجماعية في غزة إلى العالم- كما وصفتها دول منظمات دولية معترف بها- فإن إسرائيل تمعن في وصف الصحفيين ومؤسساتهم بكونهم إرهابيين، فيصبحون بالتالي هدفا لجنود الجيش الإسرائيلي.

وهكذا غّرد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قائلا إن "الصحفيين إذا كانوا على علم مسبق بمذابح السابع من أكتوبر/تشرين الأول فهم لا يختلفون عن الإرهابيين، ويجب معاملتهم على هذا النحو"، مبررا بذلك قتل صحفيي الجزيرة حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا في السابع من يناير/كانون الثاني 2024 باتهامهما بأنهما "عملاء إرهابيون"، وهكذا تصبح كل كاميرا وكل صوت وكل تقرير وكل معلومة يسعى إليها الصحفي أدوات وأفعالا إرهابية بالمنظور الإسرائيلي.

من هذا المنظور الإسرائيلي -وقبل الحرب على غزة- جاء استهدف مراسلة قناة الجزيرة الراحلة شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/أيار 2022 برصاص قوات الاحتلال أثناء تغطيتها لاقتحامه مخيم جنين، وقد أقرت الهيئة التابعة للأمم المتحدة بأن القوات الإسرائيلية استخدمت "القوة المميتة بدون مبرر" في استهدافها للراحلة، ووصفت منظمات حقوقية دولية قتل الراحلة شيرين أبو عاقلة بأنه "عملية اغتيال مدبرة".

أخذت قناة الجزيرة الحيز الأكبر من الاستهداف الإسرائيلي، بحكم أنها الأكثر فاعلية وقدرة على تقصي الحقيقة، لكن إسرائيل كانت تلاحق أيضا كل من ينقل تلك الحقيقة، ففي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قتلت مراسلة قناة الميادين ومصورها بقصف إسرائيلي جنوبي لبنان، وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قتل مصور تلفزيون رويترز عصام عبدالله، وأصيب 5 صحفيين، بينهم مصور قناة الجزيرة عصام مواسي في استهداف إسرائيلي مباشر.

وفي حروبها الأخيرة على غزة دمرت إسرائيل بالاستهداف المباشر، كل مكاتب ومقرات مؤسسات الإعلام الدولية في أبراج غزة، ووثقت لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين مئات الاعتداءات ضد الصحفيين في الضفة الغربية بالضرب والسحل والاستهداف بالرصاص الحي والمطاطي، ومازالت إسرائيل تعتقل 44 صحفيا فلسطينيا، بينهم 29 صحفيا مسجونين قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتبرز هذه الحقائق أن إسرائيل تعتبر الإعلام "الأجنبي" المخالف لرواياتها -خاصة الإعلام الفلسطيني والعربي- عدوا. ورغم التعددية الإعلامية الظاهرة في إسرائيل، فإن وسائل الإعلام تبقى تحت رقابة وسيطرة النخبة السياسية والأمنية المهيمنة على المؤسسات الرسمية والفضاء الوجودي للمجتمع الإسرائيلي، ويأتي تصنيف الإعلام المعادي تبعا لذلك -وبينها قناة الجزيرة – وفق أهوائها وتصوراتها وحدة مشاكلها الداخلية وارتباكها العسكري.

وفي هذا السياق، يتساءل النائب العربي في البرلمان الإسرائيلي سامي أبو شحادة "لماذا تخاف إسرائيل من قناة الجزيرة؟ لأن هذا هو رد فعل المجرم الخائف من أن تتكشف الحقيقة، إن الخوف من الحقيقة هو المشكلة الحقيقية في إسرائيل، وهذا (القرار) لن يغير الحقائق، الحل ليس في إسكات الجزيرة، الحل في وقف الحرب وجرائمها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات أکتوبر تشرین الأول مراسلون بلا حدود القانون الدولی قانون الجزیرة وسائل الإعلام قناة الجزیرة فی إسرائیل على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

زيارة مستشار ترامب.. جديد السياسة الأمريكية تجاه ليبيا

حل مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وأفريقيا، ضيفا على طرابلس وبنغازي، ومع زياراته تعدد التكهنات حول أسباب الزيارة، ونوايا البيت الأبيض حيال الأزمة الليبية، وظلت تلك التكهنات رهينة القبول والرفض، ذلك أن تصريحات بولس أثناء الزيارة لم تتعد المتعارف عليه من المسائل التي تتقدم أجندة معالجة النزاع الليبي من منع الانزلاق للعنف ودعم المسار السياسي وتوحيد الميزانية...ألخ.

في ظل عدم الإفصاح عن أسباب الزيارة والتعتيم حول ما نقله بولس للساسة الليبيين في الغرب والشرق، فإن تلمس ملامح الموقف الأمريكي تجاه الأزمة الليبية في العهد الثاني من حكم ترامب يمكن أن يستجلى من خلال الرؤية والسياسات والخيارات التي تحكم سلوك ومواقف البيت الأبيض من مختلف القضايا خارج الحدود الامريكية، والتي يمكن أن تستنطق من تصريحات المسؤولين الأمريكين بداية من الرئيس ثم وزارئه ومستشاريه.

عاد بولس إلى واشنطن محملا بتقييمه النهائي واستشاراته إلى ترامب والمسؤولين الأمريكيين حيال النزاع، وإذا كانت مواقف ترامب ومساعديه على ما هي عليه فإن البصمة الأمريكية ستظهر بشكل جلي في خارطة الطريق التي ستعلن عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام لليبيا الشهر القادم، وهذا يعني أن تطورات مهمة في الأزمة الليبية قد تطفوا على السطح قريبا.في تصريح للرئيس الأمريكي حول زياره بولس لليبيا ذكر بشكل صريح أنه لا يقبل بالوضع الراهن في البلاد، وأن هناك ضرورة للتقدم في المسار السياسي باتجاه التغيير على أسس ديمقراطية، وأن قادة جدد ينبغي أن يكونوا في مقدمة هذا التغيير.

بولس نفسه في كلام له عن تقييم الحالة الليبية سبق الزيارة بفترة أشار بوضوح إلى الحاجة لتغيير شامل يقلب المشهد الراهن رأسا على عقب، بداية من عدم قبول الطبقة السياسية الراهنة، مرورا بألية فعالة لدفع المسار السياسي إلى الامام، وصولا إلى تصدر قيادات مستقلة ليست متورطة في عبث السنوات الماضية للمشهد.

وتبدوا تصريحات الساسة الأمريكان جانحة لمصلحة ليبيا والليبية، غير أن هذا لا يلغي حقيقة دامغة وهي أن أي مقاربة لواشنطن لتسوية أزمة أو تفكيك نزاع تحركها أولا المصالح الأمريكية، والساسة الأمريكيون لا يسوسون بدافع إنساني بحت، فالولايات المتحدة متورطة في الكارثة التي تواجهها غزة، وتجويع سكان غزة هو ضمن خطة تقرها واشنطن.

في لقاء متلفز عقب زيارة مسعد بولس لخمس دول في القارة الأفريقية، وبالتركيز على النزاع بين الكنغو وروندا، والدور الذي لعبته الإدارة الأمريكية في التوصل إلى إعلان مبادئ بين الطرفين والدفع باتجاه اتفاقية سلام شامل، عرج بولس على المعادن التي تمتلك منها الكونغو مخزونا كبيرا، وحاجة الولايات المتحدة لهذه الثروة المعدنية، وكيف أنها تنافس الصين المستفيد الأكبر من خيرات القارة السمراء.

بولس في حديثه الحماسي حول ما تمتلكه أفريقيا من ثروات هائلة، إنما يعكس المنطق والتفكير الذي يؤطر عقل ترامب ونزوعاته، الرجل الذي يندفع في اختياراته بدافع مصلحي اقتصادي بحت، ولا يجد حرجا في التصريح بذلك، وبالتالي فإن الاقتراب من ليبيا لن يخلو من مصالح لا تخرج عن البعدين الاقتصادي والأمني.

بولس أشار في أكثر من مناسبة إلى ثنائية القوة والشراكات الاقتصادية لمعالجة الأزمات في المناطق التي تعتبرها الولايات المتحدة حيوية بالنسبة لها، فالقوة تفرض الحل وتبعد كل العراقيل أمامه، والشراكات تعززه وتكون أداة قطف الثمار بالنسبة لواشنطن، وهذا سيكون المسار ذاته في حال استمرت الولايات المتحدة في الدفع باتجاه تحريك المسار السياسي في ليبيا الذي أصابه الموات، واتجهت إلى تنفيذ خطتها للتغيير في البلاد، ذلك أن أي تطورات خطيرة تتعلق بقضايا كبرى كالحرب الروسية الأوكرانية والمواجهة المبطنة مع الصين والحرب على غزة قد تدفع البيت الأبيض إلى صرف النظر عن المسألة الليبية.

عاد بولس إلى واشنطن محملا بتقييمه النهائي واستشاراته إلى ترامب والمسؤولين الأمريكيين حيال النزاع، وإذا كانت مواقف ترامب ومساعديه على ما هي عليه فإن البصمة الأمريكية ستظهر بشكل جلي في خارطة الطريق التي ستعلن عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام لليبيا الشهر القادم، وهذا يعني أن تطورات مهمة في الأزمة الليبية قد تطفوا على السطح قريبا.

مقالات مشابهة

  • رئيس لجنة تنسيق الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة: إسرائيل تتجاهل الأعراف الدولية
  • قناة عبرية: إسرائيل ترحل الثلاثاء اثنتين من ناشطات "حنظلة"
  • رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: وضع إسرائيل في انهيار ويجب تغيير الحكومة المدمرة في أسرع وقت ممكن
  • مأزق الحرب في غزة.. هدنة إسرائيل المؤقتة لتخفيف حدة الانتقادات الدولية .. نتنياهو سيقبل اتفاق وقف إطلاق النار فى هذه الحالة
  • انطلاق ندوة بالجامعة العربية حول دور المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة المسؤولين عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يهاجم السفينة «حنظلة» في المياه الدولية لمنع كسر حصار غزة
  • إسرائيل تهاجم السفينة «حنظلة» في المياه الدولية لمنع كسر حصار غزة
  • المجموعة الدولية لإدارة الأزمات: إسرائيل تمارس سياسة تجويع ممنهجة
  • زيارة مستشار ترامب.. جديد السياسة الأمريكية تجاه ليبيا
  • بيرس مورجان ينتقد إسرائيل: تمنعون الإعلام من دخول غزة وتدّعون الشفافية