العرب ودورهم في حماية العروبة والإسلام..!
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
يؤكد لنا التاريخ وأحداثه، أن العرب كأمة لم يكن لهم الفضل في حماية هويتهم العربية -الإسلامية إلا في عهد رسول الله ومن بعده عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، رغم ما رافقت عهود الخلفاء من أحداث إلا انهم حافظوا على سيادتهم كعرب ومسلمين في مواجهة أخطار الآخر الحضاري المعادي لهم.
بعد الخلفاء الراشدين الأربعة، كان هناك (أمويان) هما الخليفة (عبدالملك ابن مروان) والخليفة (عمر بن عبدالعزيز)، وهناك (عباسيان اثنان) هما الخليفة (أبو جعفر المنصور) والخليفة (هارون الرشيد) وبعدهما تمتد معاناة إذلال العرب والمسلمين حتى بروز نجم (الناصر صلاح الدين الأيوبي – الكردي) الذي دافع عن العروبة والإسلام.
خلفاء وأمراء (الناصر صلاح الدين) بعد رحيله تعاملوا بطريقة الحكام العرب اليوم صراع فيما بينهم ومن كان يحكم الشام أراد أن يخضع حاكم مصر ومن كان يحكم مصر كان يريد إخضاع حاكم العراق وهكذا، حتى ذهبوا يستعينون بأعداء الأمة من (ملوك الصليبين) ضد بعضهم لدرجة أن حاكم الشام الأيوبي أقدم على تسليم (بيت المقدس) التي حررها صلاح الدين (للصليبين) مقابل أن يناصروه ضد حاكم مصر الأيوبي..!
خلفاء صلاح الدين أعادوا تجسيد مواقف (أبناء عقبة بن نافع) الذين كبروا وذهبوا (للأندلس) يطالبون بحقهم في حكمها والولاية عليها، لأن والدهم هو (فتحها) ولم يترددوا في التآمر مع (الصليبيين) على موسى بن نصير، وطارق بن زياد، مقابل أن يمكنوهم من حكم الأندلس ..!
في مواجهة حملات (المغول بقيادة هولاكو)، سقط كل الأمراء العرب وسقط (الخليفة المستعصم) في بغداد وسقطت عاصمة الخلافة الإسلامية وتسابق الأمراء العرب من حكام بعض الأمصار حاملين هداياهم إلى هولاكو يقبلون يديه ويطلبون رضاه عنهم مبدين استعدادهم (الجزية له) مقابل أن يبقيهم أمراء حكاما على إماراتهم..!
كان الحكم الأيوبي قد سقط في مصر لصالح (المماليك) وهذه الشريحة من البشر كانوا بمثابة (خدم) عند العرب، وكان ينظر لهم بكثير من الانتقاص والازدراء من قبل العرب والمسلمين، إذ تم شراؤهم من – أسواق النخاسة في دول وسط آسيا كعبيد -غير أن هؤلاء تشربوا قيم العروبة والإسلام وأصبحوا أكثر غيرة على العروبة والإسلام من أبناء العرب والمسلمين الذين كانوا يتفاخرون في أنسابهم، لكنهم عاجزون على الدفاع عن أنفسهم وعن عروبتهم وإسلامهم..!
استطاع المماليك -عبيد العرب -استعادة -بيت المقدس- التي سلمها حفيد صلاح الدين الأيوبي لهم مقابل دعمه ضد حاكم مصر الأيوبي، غير انهم سقطوا معا وانتهي عهدهم بسبب المؤامرات التي حاكوها ضد بعضهم..؟!
بعد استشهاد (قطز)، اعتلى عرش المماليك في مصر (الظاهر بيبرس) المملوكي والذي يعد المؤسس الحقيقي للعصر المملوكي، وكان قد اعد جيشا قويا من شباب المماليك وكان أسلافه من المماليك مثل (قطز) وآخرون عمدوا إلى استقدام شباب وأطفال صغار من المماليك ومنهم أو غالبيتهم تم شراؤهم من (أسواق النخاسة) من دول وسط آسيا، وفي معسكرات خاصة كان يتم تأهيلهم بقيم وتعاليم الدين الإسلامي، وتدريبهم على القتال وإعدادهم للجهاد في سبيل الله.
من بغداد عاصمة الخلافة بعث (هولاكو) الذي دانت له الأرض، كيف لا وهو على رأس جيش لا يقهر في ذلك العصر، بعث برسالة (للظاهر بيبرس) يطلب منه تسليم مصر دون قيد أو شرط..!
فرفع الملك المملوكي، شعار و”إسلاماه” وحشد جيشه وفي (عين جالوت) أسقط (بيبرس) أسطورة هولاكو والمغول والدولة المغولية وعلى يديه تحرر المشرق العربي من الوجود الصليبي..!!
لماذا أتحدت عن هذا التاريخ؟ لأن التاريخ يعيد نفسه، بصورة (مأساة أو مهزلة – على رأي كارل ماركس) وتاريخنا العربي يعيد نفسه اليوم في فلسطين من خلال معركة (طوفان الأقصى) والمشهد الرسمي العربي يجتر ذات مواقف الأمراء والحكام العرب في العصور الوسطى، فالكل يفكر بالسلطة والحكم وإن على حساب الدين والهوية ولم يتردد أي حاكم عربي اليوم عن التضحية بالدين والهوية وشعوب الأمة مقابل أن يبقى حاكما على قطره أو دولته..!
لهذا يأتي الله- كما وعد عند اشتداد الأخطار بالأمة- بقوم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ).. واليوم هناك من لا ينتمون للعرب والعروبة أكثر إخلاصا وصدقا في دعم فلسطين وشعبها من بعض العرب أنظمة وشعوب..!!
ويمكن الاستشهاد في العصر الحديث بموقف ومشروع الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، الذي واجه مشروعه القومي مؤامرة العرب قبل الآخر الحضاري والاستعماري، ونعلم جيدا كيف تآمر العرب وتحالفوا مع المستعمر ضد عبدالناصر ومشروعه، بل إن العرب هم من شجعوا المستعمرين والصهاينة على مواجهة عبدالناصر ومشروعه القومي، فعلوا هذا حفاظا على كراسيهم ومن أجل ديمومة تسلطهم على شعوبهم..!
وهكذا ستظل هذه الأمة تجلد ذاتها، لأن الله جعل بأسها بينها لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.. وبالله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محطات فى تاريخ الإسلاميين في السودان: علاقاتهم الخارجية ودورهم في النزاعات وتدمير الدولة
بقلم: م. جعفر منصور حمد المجذوب
منذ منتصف القرن العشرين، بدأت ملامح التيار الإسلامي السياسي في السودان بالتشكل، قبل أن يتحول لاحقًا إلى القوة السياسية الحاكمة عبر انقلاب 1989. غير أن تجربته الطويلة – الممتدة من الدعوة إلى الدولة – لم تُفضِ إلا إلى الخراب: تمزيق البلاد، تفجير النزاعات، تحويل الدين إلى أداة للسلطة، وتدمير مؤسسات الدولة
.
البدايات: الحزب الاشتراكي الإسلامي 1949
بدأ العمل السياسي الإسلامي المنظم في السودان مع تأسيس الحزب الاشتراكي الإسلامي عام 1949 بقيادة الاستاذ بابكر كرار، كأول محاولة للجمع بين العدالة الاجتماعية والرؤية الإسلامية. ورغم قصر عمر الحزب، فقد كان نواة لنمو الفكر الإسلامي السياسي، خصوصًا وسط الطلاب والشباب
.
الإخوان المسلمون وجبهة الميثاق:
في الخمسينيات، نشطت جماعة الإخوان المسلمين في السودان، بقيادة شخصيات مثل صادق عبد الله عبد الماجد، وركزت على النشاط الدعوي والتربوي. ثم جاء تحالف صادق مع حسن الترابي في 1964 (عام ثورة أكتوبر الشعبية) لتشكيل جبهة الميثاق الإسلامي كأول كيان سياسي علني للحركة.
الجبهة الاسلامية القومية:
سرعان ما ظهرت الانقسامات بين الطرفين؛ حيث كان الترابي يميل إلى التنظيم البراغماتي وبناء نفوذ أوسع، بينما تمسك صادق بالرؤية الإخوانية التقليدية. انشق صادق وأعاد إحياء اسم "الإخوان المسلمون"، بينما أسس الترابي لاحقًا الجبهة الإسلامية القومية بعد سقوط نظام نميري.
المصالحة مع نميري وتطبيق الشريعة:
في عام 1977، أبرم الإسلاميون مصالحة مع الرئيس جعفر نميري، ما سمح لهم بدخول مؤسسات الدولة وعين حسن الترابي فى منصب النائب العام وبحلول 1983، أعلن نميري تطبيق الشريعة الإسلامية فيما عُرف بـ"قوانين سبتمبر"، تحت إشراف مباشر من الترابي، لتبدأ مرحلة النفوذ العميق.
شهدت تلك الفترة أيضًا قبل اعلان قوانين سبتمبر تأسيس بنك فيصل الإسلامي الذى صار أحد الأذراعة المالية للحركة الإسلامية، إضافة إلى هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، التي استُخدمت كواجهة للنفوذ المجتمعي والتمويل السياسي، ما أسس لنموهم الاقتصادي. كما بدأت الحركة ببناء مؤسساتها الموازية: المدارس، الجمعيات الخيرية، الإعلام الإسلامي.
انقلاب ما يسمى بثورة الإنقاذ 1989: السيطرة على الدولة
في 30 يونيو 1989، نفذت الجبهة الإسلامية انقلابًا عسكريًا قاده العميد عمر البشير، بينما تولى الترابي هندسة المشروع من الخلف. بدأت بعدها خطة التمكين للسيطرة على كل مفاصل الدولة: القضاء، الإعلام، الجيش، الاقتصاد، التعليم، والخدمة المدنية.
أنشأوا جهاز أمن واسع الصلاحيات، وسيطروا على الإعلام، ونفذوا حملات فصل تعسفي ضد المعارضين، وأدخلوا "بيوت الأشباح" للتعذيب. استُخدم المال العام في تمويل مشروعهم السياسي عبر تفكيك القطاع العام وتخصيصه لحلفائهم.
مفاصلة الإسلاميين؛ الترابي ضد البشير:
في عام 1999، اندلع صراع داخلي عنيف بين الترابي والبشير حول النفوذ، فيما عُرف بـ"المفاصلة". نتج عنه انقسام الإسلاميين إلى:
المؤتمر الوطني بقيادة البشير الذى استمر فى السلطة
المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي، الذي تحوّل إلى المعارضة.
لكن الترابي لم يكتف بالعمل السياسي، بل دعم وساهم فى تشكيل حركات دارفورية مسلحة، أبرزها حركة العدل والمساواة بقيادة د. خليل إبراهيم، أحد أبرز كوادر الحركة الإسلامية سابقًا، والتي شنت هجومًا شهيرًا على أمدرمان عام 2008. وبعد مقتله، تولى شقيقه جبريل إبراهيم قيادة الحركة.
تحالفات خارجية مشبوهة:
عمل الإسلاميون على بناء علاقات إقليمية ودولية مثيرة للجدل
استضافوا أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة في التسعينيات، وساهموا في تمكينهم من إنشاء استثمارات وشبكات دعم لوجستي في الخرطوم.
أقاموا تحالفًا استراتيجيًا مع إيران، وشكّلوا قناة دعم لحماس وحزب الله، ودعموا مشروع الهلال الشيعي في المنطقة.
لاحقًا، انتقلوا إلى محور قطر–تركيا، مستفيدين من تمويله السياسي والإعلامي.
تفجير الحروب وتقسيم السودان:
من أبرز نتائج سياسات الإسلاميين
فرض الشريعة على الجنوب، مما أشعل حربًا دينية انتهت بانفصال الجنوب عام 2011.
إشعال الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، حيث استخدموا سياسة الأرض المحروقة، والتطهير العرقي، واستقطاب القبائل عبر التسليح والولاءات السياسية.
تغذية الصراعات القبلية، وإنشاء مليشيات محلية موالية.
وقد أضعفوا الجيش لصالح قوات خاصة حزبية، وهو ما خلق بيئة خصبة للتفكك الأمني لاحقًا.
إمبراطورية التمكين والفساد الاقتصادي:
أنشأ الإسلاميون نظامًا اقتصاديًا موازٍ
سيطروا على البنوك الإسلامية (مثل بنك فيصل، بنك الشمال، بنك التنمية).
أسسوا شركات تجارية وأمنية مرتبطة بجهاز الأمن.
استخدموا المنظمات الخيرية كأذرع تمويل واستقطاب سياسي.
هذا النظام خلق طبقة من الأثرياء المرتبطين بالسلطة، بينما عانى غالبية الشعب من الفقر والبطالة، وانهار الجنيه السوداني، وتضاعفت الديون الخارجية.
الثورة وسقوط النظام:
في ديسمبر 2018، اندلعت ثورة شعبية سلمية أطاحت بالبشير في أبريل 2019. لكنها لم تسقط الدولة العميقة التي زرعها الإسلاميون، وظلت شبكاتهم تعمل داخل:
القضاء.
الإعلام.
الأجهزة الأمنية.
الاقتصاد
النقابات والدعوة.
ما بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٩:
استمر الإسلاميين فى تخريب الانتقال الديمقراطي عبر التحريض، والتمويل، والتحالفات الخفية، ودعم قوى الثورة المضادة والسيطرة على الجيش والتحالف مع الدعم السريع
فض اعتصام القيادة العامة (يونيو 2019):
فض الاعتصام الذي أودى بحياة أكثر من 100 شخص نُسب تنفيذه إلى قوات الدعم السريع بتخطيط مشترك مع المجلس العسكري الانتقالي.
يُعتقد أن عناصر من التيار الإسلامي/الفلول شاركوا أو حرّضوا عليه بشكل غير مباشر، بهدف ضرب قوى الثورة وإضعافها.
انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة البرهان:
الانقلاب أعاد السيطرة الكاملة للعسكر، وأضعف القوى المدنية.
رغم إنكار العسكر أي تحالف مع الإسلاميين، إلا أن كثيرين رأوا أن الانقلاب مهّد لعودتهم إلى الدولة تدريجيًا.
البعض يتهم الإسلاميين بدعم الانقلاب لتصفية حسابهم مع قوى الثورة.
التحالف غير المعلن مع الدعم السريع ثم العداء
خلال الفترة التي سبقت الحرب (قبل أبريل 2023)، لم يكن هناك عداء واضح بين الإسلاميين والدعم السريع.
كثير من الإسلاميين استفادوا من حالة السيولة لعودة نشاطهم السياسي والإعلامي، بل وتغلغل بعضهم داخل مؤسسات الدولة تحت حماية العسكر، ومن ضمنهم حميدتي نفسه.
لكن حين اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع، أصبح الدعم السريع العدو الأول، وتحول الخطاب الإسلامي إلى خطاب تعبوي ضد حميدتي.
روج الإسلاميون لمعادلة "الجيش حامي الدين والهوية ومعركة الكرامة والوطن مقابل "الدعم السريع أداة للمشروع الصهيوني/الغربي".
طهور كتائب الظل كالبراءون
التحالف مع أعداء الأمس من ميليشيات :
في سياق الحرب، ظهر تحالف الجيش مع بعض الحركات المسلحة التي كانت تقاتل النظام السابق، مثل:
حركة مناوي
حركة جبريل
حركة تحرير السودان/عبد الواحد (بشكل غير مباشر)
رغم أن هذه الحركات كانت معادية للإسلاميين، إلا أن العدو المشترك (الدعم السريع) جعل التنسيق العسكري ممكنًا.
الإسلاميون صمتوا أو باركوا هذه التحالفات على قاعدة "عدو عدوي صديقي"، خاصة أن الجيش هو المنصة التي يأملون العودة من خلالها.
الوضع الحالي:
التيار الإسلامي في السودان اتبع تكتيكًا براغماتيًا خلال السنوات الأخيرة:
دعم العسكر ضد المدنيين،
غض الطرف عن الدعم السريع حين كان حليفًا،
ثم الانقلاب عليه حين تحوّل إلى تهديد،
والتقارب مع خصوم قدامى حين اقتضت المصلحة.
هذه البراغماتية ليست جديدة على السياسة السودانية، لكنها اليوم تتجلى في أكثر صورها حدة وخطورة، في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي، ومأساة إنسانية متفاقمة.
خاتمة:
إن تجربة الإسلاميين في السودان ليست مجرد فشل سياسي، بل جريمة وطنية كبرى. لقد حوّلوا الدين إلى أداة استبداد، واستعملوا الدولة كغنيمة، وأشعلوا الحروب، وأهدروا الموارد، وأدخلوا البلاد في عزلة دولية عميقة.
ولن يُكتب مستقبل مستقر للسودان دون تفكيك تام لبنية الإسلاميين السياسية والأمنية والاقتصادية والدينية، وإرساء دولة تقوم على العدالة، والشفافية، والمواطنة المتساوية، والمحاسبة الجنائية على جرائم الماضي.
gaafar.hamad@gmail.com