اتسعت دائرة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ودخلت في المعارك ولايات كانت بمنأى عن القتال الذي اقترب من دخوله عامه الثاني، ما يهدد بزيادة معاناة النازحين الذين اتخذوا من تلك الولايات ملاذا من جحيم الحرب، وفق مختصين وناشطين.

وفي أحدث تطور ميداني، تعرضت ولاية القضارف، الواقعة شرقي البلاد، لقصف بطائرات مسيرة، وذلك بعد أيام من هجوم مماثل على إفطار رمضاني في مدينة عطبرة بشمال السودان، أقامته "كتيبة البراء بن مالك" التي تقاتل إلى جانب الجيش.



وفي حين لم يصدر اتهام رسمي من الناطق باسم الجيش، لقوات الدعم السريع بالوقوف وراء عمليات القصف، اتهم ناشطون ومنصات إعلامية مقربة من الجيش، قوات الدعم السريع بالتورط في الهجوم.

وفي المقابل، نفت قوات الدعم السريع أي علاقة لها بالهجوم الذي جرى في عطبرة، ولاحقا في القضارف والفاو، بحسب ما قاله مستشار قائدها، الباشا طبيق، لموقع الحرة في وقت سابق.

قلق على النازحين
ورفع تمدد القتال إلى ولايات، كانت خارج دائرة المعارك، مستويات القلق المحلي والدولي على النازحين الذي هربوا إلى تلك الولايات تفاديا لنيران القتال.

ويشير عضو غرفة الطوارئ في مدينة القضارف، عمر مصطفى، إلى أن "تمدد القتال إلى الولاية سيضع النازحين وسكان الولاية أمام خطر نزوح جديد".

وقال مصطفى في حديثه لموقع الحرة، إن "ولاية القضارف تضم آلاف النازحين الذين وصلوا إليها هربا من الحرب في الخرطوم وكذلك من الحرب في الجزيرة".

ولفت إلى أن "ولاية القضارف تعد أكبر الحواضن التي تأوي لاجئين من دول الجوار السوداني، كونها تضم أكثر من 3 معسكرات قديمة، بجانب عشرات دور الإيواء الجديدة".

وتقدر إحصاءات غير رسمية عدد النازحين في مدينة القضارف بنحو نصف مليون شخص، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد النازحين يقترب من 2 مليون نازح في ولاية نهر النيل، في الحدود الشمالية لولاية الخرطوم.

حرب الأطراف
ولم تتوقف المعارك التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل 2023، على العاصمة، الخرطوم، وحدها، إذ سرعان ما انتقلت إلى دارفور، بغرب السودان.

وأرجع المختص في شؤون دارفور، عمر إسحق، تمدد القتال إلى ولايات دارفور إلى "الأوضاع الأمنية الهشة، والصراع المجتمعي والقبلي في الإقليم".

وقال إسحق لموقع الحرة، إن "انتقال حرب الخرطوم إلى دارفور يبدو منطقيا لأن الإقليم لايزال يعاني من آثار الحرب الطاحنة التي نشبت في 2003 واستمرت تداعيتها لنحو 20 عاما".

ولفت إلى أن "هناك صراعا قبليا بين مكونات الإقليم، إذ تساند القبائل العربية قوات الدعم السريع، بينما تساند القبائل غير العربية الحركات المسحلة والجيش، ما عجل بانتقال الحرب إلى دارفور".

المعارك العسكرية مستمرة في الخرطوم ومناطق أخرى
"متشددون ومرتزقة".. هل يُخرج المقاتلون الجدد أزمة السودان عن السيطرة؟
مع اقتراب الحرب في السودان من إكمال عامها الأول، اتسعت دائرة المعارك بصورة غير مسبوقة، ودخلت تشكيلات قتالية جديدة على خط القتال، بينما يخطط الوسطاء لاستئناف المحادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع في جدة بالسعودية
ومع انتقال الصراع إلى دارفور، كثفت قوات الدعم السريع عملياتها العسكرية، وتمكنت من السيطرة على ولاية جنوب دارفور، وتبع ذلك سيطرتها على ولاية غرب دارفور، ثم وسط دارفور، وشرق دارفور، لتبسط سيطرتها على أربع من أصل خمس ولايات في دارفور.

وتعيش ولاية شمال دارفور، العاصمة التاريخية للإقليم الذي كان مستقلا عن السودان حتى عام 1916، وضعا استثنائيا، وخاصة عاصمتها الفاشر، إذ توجد قوات الدعم السريع، في أحياء شرق المدينة، بينما توجد الحركات المسلحة والجيش في الأجزاء الأخرى.

كانت قوات الدعم السريع حشدت مسلحيها للهجوم على مدنية الفاشر، لكنها تراجعت بعد تفاهمات مع قادة الحركات المسلحة التي كانت تقف على الحياد، حسبما ذكر نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في وقت سابق.

لكن في مارس الماضي غيّرت حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان، الرئيسيتان في دارفور، موقفها المحايد، وشاركتا في القتال إلى جانب الجيش، ما جعل الدعم السريع تعلن ولاية شمال دارفور هدفا لعملياتها العسكرية.

ويرى إسحق أن "الهجوم على الفاشر، عاصمة ولاية دارفور، سيضع ملايين النازحين أمام خطر كبير، على اعتبار أن المدينة تضم ضحايا الحروب الطاحنة التي عاشها الإقليم".

ولفت إلى أن "قوات الدعم السريع حشدت أعدادا ضخمة من عناصرها، في ما بدا أنه استعداد للهجوم على الفاشر، وفي المقابل رفعت الحركات الدارفورية المسلحة والجيش وتيرة الاستعداد لصد أي هجوم على المدينة".

ونفذ سلاح الجو التابع للجيش السوداني، الاثنين، غارات جوية مكثفة على تمركزات قوات الدعم السريع بمدينة الفاشر، في محاولة لإضعاف قوتها وتحركاتها للسيطرة على كامل المدينة.

معارك الوسط
في الشهور الأولى للحرب، شنت قوات الدعم السريع موجات هجومية مكثفة للاستيلاء على عدد من مقار للجيش في وسط الخرطوم، لكن محاولاتها فشلت، إذ بسط الجيش سيطرته على مقر قيادته العامة التي تضم وزارة الدفاع والوحدات العسكرية الرئيسية.

وبسط الجيش أيضا سيطرته على منطقة الشجرة العسكرية، في جنوب الخرطوم، وسلاح الإشارة، وسلاح الأسلحة في الخرطوم بحري، بجانب سلاح المهندسين في أم درمان.

ويسيطر الجيش كذلك على منطقة "وداي سيدنا"، التي تقع في أم درمان، وتعد من أهم القواعد العسكرية، كونها تضم قيادة سلاح الجو، وزادات أهميتها مع اندلاع المعارك الحالية في السودان.

ولعب سلاح الجو التابع للجيش دورا محوريا في العمليات القتالية الدائرة حاليا، إذ كثف طلعاته الجوية على تمركزات قوات الدعم السريع، منذ الساعات الأولى لتفجر القتال بين الطرفين.

ولاية الجزيرة شهدت حالات من النزوح عقب استيلاء الدعم السريع على مدينة ود مدني
إدارة مدنية في الجزيرة وتحالف عسكري بالخرطوم.. هل دخل السودان مرحلة التقسيم؟
تزامنا مع تحركات يقودها الجيش، لتنفيذ عملية عسكرية في الولاية، نشرت منصات إعلامية تابعة لقوات الدعم السريع، معلومات عن تشكيل إدارة مدنية، لإدارة شؤون ولاية الجزيرة، بوسط السودان.
في المقابل، سيطرت قوات الدعم السريع على القصر الجمهوري، وعلى مقار عدد من الوزارات، وكذلك المنطقة العسكرية الاستراتيجية في وسط الخرطوم، بجانب مقر التصنيع الحربي، ومطار الخرطوم الدولي، ومنطقة جبل الأولياء العسكرية في جنوب الخرطوم.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، منتصر مأمون، أن "الحرب ستشهد في عامها الثاني تحولات كبيرة، لأن الطرفين أدخلا عناصر جديدة على خط الصراع، ما ينذر بمعارك ضارية"، مشيرا إلى "صعوبة التكهن بمآلات القتال والغلبة الميدانية".

وقال مأمون لموقع الحرة، إن "الجيش تمكن من إقناع حركات دارفور المسلحة التي كانت تقف على الحياد، واستمالها إلى جانبه، وأصبحت جزءً من صفوفه القتالية، ما يشير إلى أن الجيش ربما يحقق ما عجز عن تحقيقه خلال العام الأول للحرب".

وأضاف: "في المقابل، حصلت قوات الدعم السريع على طائرات بدون طيار بقدرات قتالية متقدمة، مكنتها من شن هجمات على مناطق بعيدة، ما يعني أن الولايات التي كانت في مأمن من القتال، ربما تفقد هذا الوضع الآمن".

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "القتال سيكون أشد ضراوة، إذا فشلت جولة المحادثات المرتقبة بين الجيش والدعم السريع، في 18 أبريل، بمدينة جدة في السعودية".

وفي ديسمبر الماضي، بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولاية الجزيرة، بوسط السودان، ما أدخل ولايات الوسط في دائرة المعارك، وخاصة ولاية سنار وولاية القضارف الحدودتين مع الجزيرة.

ولايزال الجيش يسيطر فعليا على الولايتين، بينما تشن قوات الدعم السريع هجمات للسيطرة عليهما، لتأمين وضعها في ولاية الجزيرة، وفق أستاذ العلوم السياسية.

ويسيطر الجيش على عدد من الولايات، التي لم تشهد أي عمليات عسكرية، مثل ولاية البحر الأحمر، وولاية كسلا في شرق السودان، وولاية النيل الأزرق في الجنوب الشرقي، بجانب ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، بشمال السودان.

وفي إقليم كردفان في غرب البلاد، تشهد ولاية شمال كردفان هجمات مستمرة من قبل الدعم السريع لإنهاء سيطرة الجيش على الولاية.

بينما شهد الصراع في ولاية جنوب كردفان دخول طرف ثالث، هو الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي هاجمت عددا من مواقع سيطرة الجيش.

ولا ترتبط الحركة الشعبية، وهي حركة كانت تقاتل نظام الرئيس السابق، عمر البشير، بأي تحالف معلن مع قوات الدعم السريع، ما أوجد تساؤلا عن دخولها في مواجهات مع الجيش.

ويقول إسحق، إن "الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، لا تساند أي طرف من أطراف الحرب في السودان، وهدفها هو توسيع مناطق سيطرتها، بما يضمن لها أن تكسب أكثر في مائدة التفاوض، إذا قررت الدخول إلى المسار التفاوضي".

وأضاف: "ليس من المستعبد أن تكون الحركة الشعبية تخطط لزيادة رقعة سيطرتها ونفوذها، حتى إذا ما قررت الانفصال عن السودان، وهو خيار مطروح عند عدد من قادها، تكون مهدت لقيام دولتها في رقعة جغرافية أكبر وأوسع".

ومنذ أكثر من شهرين، تشن قوات الدعم السريع هجمات على مقر قيادة الجيش في مدينة بابنوسة، بولاية غرب كردفان، في محاولة للاستيلاء على الولاية الخاضعة لسيطرة الجيش بدرجة كبيرة.

وأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان "حميدتي"، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص. وأسفر عن نزوح نحو ثمانية ملايين آخرين، بينهم أكثر من 1.5 مليون لجأ إلى الدول المجاورة، بحسب الأمم المتحدة.

وتسبب النزاع بكارثة إنسانية، إذ يحتاج حوالي 25 مليون شخص، أي ما يعادل أكثر من نصف السكان، إلى المساعدات، بينهم نحو 18 مليونا يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي، وفق بيانات الأمم المتحدة.

الحرة / خاص - واشنطن  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الحرکة الشعبیة ولایة القضارف ولایة الجزیرة لموقع الحرة فی السودان إلى دارفور القتال إلى فی المقابل بین الجیش فی مدینة الحرب فی أکثر من عدد من إلى أن

إقرأ أيضاً:

السودان: إطلاق حملة تطالب بإعادة الاتصالات للجزيرة

أرجع ناشطون في السودان، تزايد وتيرة الانتهاكات بواسطة الدعم السريع والقصف الجوى لطيران الجيش، للتعتيم الإعلامي والصعوبة البالغة في التواصل مع الأهالي.

مدني: التغيير

أطلق ناشطون بولاية الجزيرة- وسط السودان، مناشدة لإطلاق حملة إعلامية واسعة لإعادة الاتصالات والإنترنت إلى الولاية بعد انقطاعها لعدة أشهر جراء الأوضاع الأمنية التي تمر بها.

وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة الجزيرة في 18 ديسمبر الماضي عقب انسحاب الجيش السوداني، في سياق الحرب التي اندلعت بينهما بالعاصمة الخرطوم منتصف ابريل 2023م، وسرعان ما غزت قرى ومحليات الولاية وتمددت إلى الولايات المجاورة، وصاحبت هجماتها عمليات سلب ونهب وتقتيل وترويع كثيرة للسكان.

وناشدت لجان مقاومة مدني في تعميم، يوم الاثنين، بإطلاق حملة إعلامية واسعة يشارك فيها “المواطنون، لجان المقاومة، منظمات المجتمع المدني والفاعلين بالداخل والخارج ومن يُهمهم أمر مواطن ولاية الجزيرة المكلوم الذي ذاق الأمرين للشهر الخامس توالياً”، لإعادة الاتصالات والإنترنت لولاية الجزيرة.

وأطلقت اللجان الهاشتاق “#اعيدوا_شبكات_الاتصالات_للجزيرة”.

وكانت اللجان قالت في تعميم سابق، إن مواطني محليات ولاية الجزيرة- عدا المناقل- لازالوا يعانون نتيجة لانقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت للشهر الرابع على التوالي.

وأضافت: “تتزايد وتيرة الإنتهاكات بواسطة مليشيا الجنجويد تارة وبواسطة القصف الجوي لطيران قوات الجيش تارة أخرى؛ نتيجة التعتيم الإعلامي والصعوبة البالغة في التواصل مع الأهالي والمواطنين”.

ونبهت إلى أن مدينة ود مدني شهدت انقطاعاً للتيار الكهربائي والمياه لثلاثة أيام، مما فاقم معاناة مواطني المدينة المتواصلة.

وتوقفت خدمة شبكات الاتصالات والإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد، في فبراير الماضي، جراء الحرب بين الجيش والدعم السريع، قبل أن تعود في العديد من الولايات، عدا مناطق في كردفان والخرطوم والجزيرة ودارفور.

وتواجه قوات الدعم السريع اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بولاية الجزيرة، ومناطق أخرى، تشمل العنف الجنسي المتصل بالصراع والقتل والإبادة الجماعية، علاوة على نهب وسرقة موارد المدنيين وإذلالهم واحتلال منازلهم وتشريدهم، مستغلة في ذلك التعتيم الإعلامي وغياب شبكات الاتصالات وإمكانية التواصل مع الأهالي لمعرفة ما يجري على الأرض.

الوسومإنتهاكات قوات الدعم السريع الإنترنت الاتصالات الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان حرب 15 ابريل 2023م دارفور كردفان لجان مقاومة مدني

مقالات مشابهة

  • معارك في الخرطوم والفاشر والجنائية الدولية تجمع معلومات عن جرائم دارفور
  • الأمم المتحدة تدرج الجيش السوداني والدعم السريع في القائمة السوداء لإلحاق الأذى بالأطفال
  • مدعي الجنائية يطلق حملة لتقديم المعلومات بشأن مزاعم ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور
  • السودان: إطلاق حملة تطالب بإعادة الاتصالات للجزيرة
  • الأمم المتحدة تعبر عن استيائها من الهجوم على مستشفى بالسودان
  • أطباء بلا حدود: القتال في السودان يغلق آخر مستشفى في مدينة دارفور
  • السودان.. خروج مستشفى الفاشر الرئيسي عن الخدمة
  • نيران الفاشر تطال المرضى.. والنزوح الآن بين الأحياء
  • السودان.. مستشفى الفاشر الرئيسي يخرج عن الخدمة
  • "الدعم السريع" تطلق سراح 537 من أسرى الشرطة السودانية