شارك مجمع اللغة العربية بالشارقة في فعاليات الدورة السابعة من “المهرجان الدولي للغة والثقافة العربية” في مدينة ميلان الإيطالية، الذي نظمته كلية العلوم اللغوية والآداب الأجنبية ومركز أبحاث اللغة العربية بالجامعة الكاثوليكية، تحت عنوان “اللغة والذكاء الاصطناعي: قيد للماضي أم أفق للمستقبل”، برعاية هيئة الشارقة للكتاب ممثلة في رئيسها سعادة أحمد بن ركاض العامري، وبحضور سعادة محمد حسن خلف عضو مجلس أمناء مجمع اللغة العربية في الشارقة مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، والدكتور امحمد صافي المستغانمي، أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة.


ونظّم المهرجان، الذي شارك فيه 35 باحثاً من 18 دولة، جلسة حوارية بعنوان “جهود رقمنة اللغة العربية” استعرض خلالها الدكتور امحمد صافي المستغانمي ورقة عمل حول “المعجم التاريخي للغة العربية والذكاء الاصطناعي: التقنيات المستعملة والنتائج المحققة”، إلى جانب الدكتور وليد غالي، من جامعة الآغا خان بلندن، والذي تناول في حديثه “الفيلولوجيا القديمة ورقمنة الإنسانيات”، وأدارتها ماريا تيريزا زانولا، رئيس المجلس الأوروبي للغات، في الجامعة الكاثوليكية.

نظام آلي يعزز فهم العربية
وثمَّن الدكتور امحمد صافي المستغانمي الأيادي البيضاء لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في إخراج مشروع “المعجم التاريخي للغة العربية” إلى النور، مشيداً بجهود سموه اللامحدودة في خدمة اللغة العربية ضمن حدودها الجغرافية وفي فضاءاتها العالمية، مشيراً إلى أن المعجم يعتمد على نظام ذكي يعزز فهم اللغة العربية بشكل أعمق، ويسهم في معالجة البيانات وتحليلها بكفاءة عالية، ويساعد الآلة على التفاعل بذكاء مع قواعد بيانات اللغة العربية.
وذكر المستغانمي أن الذكاء الاصطناعي يُسهم بشكل فعال في مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، حيث تم تزويد المشروع بقارئ ذكي يتميز بخوارزميات متطورة وقدرة على التعلم الذاتي والتطوير المستمر، مما يُمكّنه من التعرف على الحروف العربية بدقة عالية. كما تم استخدام ماسح ضوئي ذكي بدقة تصل إلى 99.9%، وهو قادر على فهم الحروف بمختلف أشكالها، ويعمل على تنقية الصور الضوئية تلقائياً لضمان جودة المخرجات.

خوارزميات متطورة مع إشراف بشري
وأضاف المستغانمي أن منصة المعجم مجهزة بنظام بحث ذكي يعتمد على معطيات ديناميكية، مما يساعد في الوصول إلى نتائج دقيقة بأقل زمن ممكن، لافتاً إلى أن محرك التعلم الآلي للمشروع يركز على البيانات والخوارزميات لتقليد طريقة تعلم البشر وتحسين الدقة بشكل تدريجي، مع التأكيد على أهمية الإشراف البشري في جميع مراحل العمل لضمان الجودة والكفاءة.

ميدان بحثي ذو أبعاد تنموية
وفي سياق متصل، أضاء أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة خلال الجلسة، على ما يمثله الذكاء الاصطناعي اليوم من ميدان بحثي خصب، له أبعاد علمية واقتصادية وتنموية. وفي إجابته حول تساؤل “هل استطاعت الآلة فهم اللغة على كافة مستوياتها: تحليلاً وتوليداً، وإبداعاً للأنساق التعبيرية؟”، قال المستغانمي: “اللغة العربية قابلة للمعالجة الآلية، ومهيأة للوصول إلى مستويات متقدمة بشروط ومعايير، ذلك لأن العربية قياسية في كثير من ألفاظها وتراكيبها، وهي لغة معربة، بمعنى أن لها نظاماً اشتقاقياً توليدياً وكتابياً دقيقاً”.

تحديات الآلة في قطاع اللسانيات
وتحدث المستغانمي في الجلسة حول أهم التحديات التي تواجه اللغة في ميدان الذكاء الاصطناعي، فقال: “الخيال جزء أساسي في التفكير البشري، ويتمثل التحدي في كيفية استطاعة الآلة ملء هذه الفجوة، كما أن المجاز جزء أصيل من اللغة، وهو لا يخدم أغراضها الشعرية والإبداعية والتصوير الأدبي فقط، وإنما لا يكاد ينفصم عن صلب أي موضوع أو غرض، والمجاز يبعث في الرسالة اللغوية عاملاً من الالتباس المقصود، الذي لا سبيل إلى إزالته آلياً، أو نقله للمتلقي”.
وأضاف: “المتحدث بلغة طبيعية يضمّن رسالته التي يرسلها إلى المخاطب المعلومات المضافة إلى السياق العام؛ لأنه يفترض أن السامع يشترك معه في معرفة سياق رسالته، وتبقى المادة المكتوبة؛ نصاً كانت أو كلاماً منطوقاً، فارغة من السياق، وبذلك تكون المعلومات المتاحة للآلة، والتي تحاول معالجة اللغة الطبيعية ناقصة نقصاً فادحاً”.

لغة تعكس الفكر والمشاعر
وشدد المستغانمي على أن الإنسان مخلوق دقيق معقّد المواهب والمهارات، وهو أعقد الكائنات الحية على الإطلاق، ودراسة لغته ومحاكاتها ونمذجتها صعب يكاد يصل إلى المستحيل، نظراً لأن لغته تعكس فكره ومشاعره، وهي صدى لوجوده، موضحاً أن المتكلم عادة يفترض أن يكون المتلقي قادراً على استكمال كثير من المحذوفات في رسالته، وملء العديد من الفجوات لامتلاكه معرفة وتحليلاً فطريين، وهذا يعد بدوره تحدّياً كبيراً أمام الآلة.
وحول أهمية تزويد الحواسيب بالبيانات اللغوية القديمة الأصيلة، قال المستغانمي: “كثير من البيانات والنصوص التي تم تغذية الحواسيب بها مكتوبة بلغة معاصرة سهلة ممزوجة باللغات الدارجة والأجنبية، من صحافة وإعلام وأدب حديث، وهذا يجعل ما يتدرب عليه الذكاء الاصطناعي بعيداً عن فهم جماليات استعمال اللغة الفصحى التي نزل بها القرآن الكريم، وقيل بها الشعر العربي القديم”.
واختتم المستغانمي الجلسة بقوله: “البيان والإبانة والتبيين عطاء رباني للإنسان؛ لأن عمليات كبرى تقع في ذهن المتكلم وهو يختار بين البدائل المتاحة، ويتكلم ويصوغ الرسائل اللغوية، وإن طلبنا من الآلة أن تفصح وتبين فقد ظلمناها، وكلفناها عنتا، وحسبها أن تساعدنا في جمع المادة وتخزينها وتحسين وتسريع عرضها”.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: مجمع اللغة العربیة بالشارقة الذکاء الاصطناعی المعجم التاریخی

إقرأ أيضاً:

إطلاق “معجم الفجيرة الفلسفي” بحضور نخبة من المفكرين

شهِدَ بيت الفلسفة مؤخرا حفلَ إطلاق معجم الفجيرة الفلسفيّ بحضور نخبة من الفلاسفة والمثقّفين من دولة الإمارات العربيّة المتّحدة والعالَم العربيّ.
استُهِلّ الاحتفال بكلمةٍ لمدير بيت الفلسفة والمشرف الإداريّ على المعجم الأستاذ أحمد السّماحيّ الّذي أكّد أنّ المشاريع الّتي يضطلع البيت الثقافيّ النهضويّ هذا بالقيام بها مشاريع تجديديّة، وابتكاريّة، والأهمّ من ذلك كلّه أنّها مشاريع تحافظ على هويّتنا العربيّة الإبداعيّة المنفتحة على الجميع والمحتفظة بخصوصيّتها وإبداعها. وتابع قائلًا: “هذا المشروع المتفرِّد ليس وليد اللّحظة أو الحماسة بل هو مشروع طويل الأمد سيمتدّ ليخرج في خمسة أجزاء تعقبها تصويبات وتطويرات. إنّ ربط هذا المعجم الفلسفيّ بالفجيرة لهو ربط يُعبِّر عن انتمائنا واعتزازنا بهويّتنا وبدورنا الرياديّ في صناعة الحضارة وابتكار القول الفلسفيّ”.
ومن ثمّ تحدّث مُحرِّر المعجم وعضو لجنته العلميّة د. باسل الزّين موضحًا جملة عناصر أساسيّة انعقد عليها تحرير المعجم أبرزها: أزمة توحيد المصطلحِ وَرَسْمه، والتّعويل على فكرةِ الخروجِ بهوّيّةٍ مصطلحاتيّةٍ جديدةٍ تكونَ محلَّ توافقٍ واتّفاق. وضروة التحرّر من المركزيّة الأوروبيّة وما يستتبعه هذا الأمر من ضرورة صوغ موادّ هذا المعجم صوغًا عربيًّا سليمًا، وإلباسه لبوسًا عربيًّا أصيلًا، وجعله غايةً معرفيّةً عربيّةً في ذاتِها وليس وسيلةً لِنَقْلِ أفكارِ الأغيارِ بلغةٍ هزيلةٍ مُفَكَّكةٍ تُحاكي البنيانَ التركيبيَّ الأعجميَ. فضلًا عن مراعاة فرادَته الّتي تتأتّى من أنَّه كُتِبَ بِلِسانٍ عربيٍّ وذهنيّةٍ عربيّةٍ في آنٍ معًا.
وأكّدَ عميد بيت الفلسفة الدكتور أحمد البرقاوي أنّ فرادةَ معجمِ الفجيرةِ الفلسفيِّ تتأتّى من كونِهِ أوّلَ معجمٍ عربيٍّ يضمُّ نخبةً كبيرةً من أهمّ الفلاسفة والمشتغلين بالفلسفةِ من معظم الأقطار العربيّة؛ ومن كونه أوّلَ معجمٍ يُكتَبُ بذهنيّةٍ عربيّةٍ بعيدًا من الحمولات الإيديولوجيّة والتصوّرات القَبْلِيَّة، ويحتفي بالإرث الفلسفيّ العربيّ الّذي طوَّر واقع الإنسان فكريًّا وسيّاسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وعزّز روح البحث المستمرّ، والحريّة الفكريّة والتّسامح العقليّ. ناهيك بفرادة تقسيمه، ذلك بأنّه لم يشتمل على أبرز المفاهيم الفلسفيّة فحسب، بل اشتملَ كذلك على أبرز المدارس الفلسفيّة، وعرضَ لأمّات الكتب الّتي وَسَمَت تاريخَ الفكر الفلسفيّ، وتناولَ أهمّ المشكلات الفلسفيّة العربيّة الرّاهنة، وأسهبَ في ذكر أبرز الأعلام منذ فجر الفلسفة اليونانيّة حتّى يومنا هذا. وتابع قائلًا: إنّ معجمَ الفجيرة الفلسفيّ نتاجُ مجهوداتٍ جبّارة، وسنوات من العمل المشترَك والبحث والدّراسة المستفيضة، وهو إضافة قيّمة من شأنها أن تُغنيَ المكتبة العربيّة؛ وهو استمرارٌ لنشاط العرب المعجميّ الّذي أنتج معجم الجرجانيّ، ومعجم الكليّات لأبي البقاء الكَفويّ”.
أمّا الدكتور الزّواوي بغورة عضو اللجنة العلميّة، فتحدّث عن الآليّة التي جرى بموجبها اختيار الباحثين، وتحكيم المواد، بدءًا من الإلمام الفطِن بالمادّة المُسنَدة إلى الباحث، مرورًا بالإضافة أو الجديد الّذي وجب على كلّ مشارك أن يأتي، فضلًا عن الإحاطة والدقّة والقراءة الخاصّة والتّأويليّة والتفحّص النقديّ للمشكلات الفلسفيّة، والرصد التاريخيّ لتكوّن المفهوم وتطوّره، ورصد التباينات في داخل المدرسة الفلسفيّة الواحدة، وتبيان الإضافات التي أتت بها الكتب الفلسفيّة المذكورة.
وركّز الدكتور محمد محجوب عضو اللجنة العلميّة على الاقتبال العربيّ للفلسفة والمفاهيم والمشكلات الغربيّة الواردة في المعجم، مُبيّنًا أهميّة أن ينطوي معجم على آراء الفلاسفة العرب الّذين تبّنوا منهجيّات بحث أو مدارس فلسفيّة غربيّة وبِمَاذا افترقوا عنها وأضافوا إليها، كلّ ذلك في سبيل التمهيد لفلسفة عربيّة أصيلة تكون نتاج مجتمعاتنا وفلاسفتنا وتعكس هويّتنا ومشكلاتنا.


مقالات مشابهة

  • خبراء ومختصون: دبي مؤهلة لتكون مختبراً عالمياً لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
  • آبل تدمج الذكاء الاصطناعي ” “ChatGPT في أجهزة الآيفون
  • انتخاب سلطان الجابر رئيسا لمجلس إدارة “بريسايت”
  • لينكدإن: كيف ستعيد تقنيات الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل في 2024؟
  • “آبل” تطرح منتجات جديدة بالذكاء الاصطناعي التوليدي
  • النائب حازم الجندي يطالب بتشريع خاص للذكاء الاصطناعي وتعزيز الاقتصاد الرقمي
  • إطلاق “معجم الفجيرة الفلسفي” بحضور نخبة من المفكرين
  • “موارد الشارقة” تعلن عطلة يوم عرفة وعيد الأضحى للدوائر الحكومية
  • فاروق الباز: الإمارات أصبحت من رواد الفضاء إقليمياً وعالمياً
  • روشتة برلمانية لتعظيم دور الذكاء الاصطناعي لدفع عجلة التنمية الاقتصادية