قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن الأردن سيتصدى لاية صواريخ إسرائيلية تعبر أجواء الأردن، في إشارة لرد إسرائيلي محتمل على الهجوم الإيراني الكبير.

إقرأ المزيد مصادر عبرية: المنظومة العسكرية الإسرائيلية على شفا الهاوية!

وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، أوضح أيمن الصفدي قائلا: "الهجوم الإيراني كان ردا على الاستهداف والهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق.

. قال الإيرانيون إنهم فعلوا ما يتعين عليهم القيام به، ولا يوجد المزيد".

وأضاف الصفدي: "أعتقد الآن أن الضغط يقع على إسرائيل حتى لا تصعّد، وأن تعمل على تحقيق الهدف الذي نتقاسمه جميعا، وهو خفض تصعيد الصراع، والخطوة الأولى نحو خفض التصعيد هي وقف العدوان على غزة وإنهاء الإجراءات غير القانونية في الضفة الغربية والسير على المسار الذي سيؤدي إلى سلام عادل ودائم على أساس حل الدولتين الذي نعتقد جميعا أنه الطريق الوحيد للسلام والأمن".

وتابع وزير الخارجية: "بالنسبة للأردن، ما فعلناه كان يتعلق بسياستنا القائمة منذ فترة طويلة تجاه أي مقذوفات أو طائرات مسيرة أو أي شيء يدخل مجالنا الجوي، تاريخيا، ومستمرون في التعامل مع ذلك لأنه يشكل خطرا على الأردن.. نحن في مرمى النيران، فأي صاروخ أو مقذوف يمكن أن يسقط في الأردن سيسبب الأذى للأردن.. لذلك قمنا بما يتعين علينا القيام به، واسمحوا لي أن أكون واضحا جدا، سنفعل الشيء نفسه بصرف النظر عن مصدر تلك الطائرات بدون طيار، من إسرائيل أو من إيران، أو من أي شخص آخر.. أولويتنا هي حماية الأردن وحماية المواطنين الأردنيين والقيام بكل ما في وسعنا ضد أي تصعيد من شأنه أن يضر الجميع".

وردا على سؤال: "هل الأمريكيون أم الإسرائيليون هم من طلبوا من الأردن اعتراض المقذوفات؟ أم كان قرار الأردنيين أولا قبل كل شيء ومن جانب واحد؟"

قال الصفدي: "سياستنا القائمة منذ فترة طويلة، أي جسم يدخل إلى سمائنا ينتهك مجالنا الجوي ونعتقد أنه يشكل خطرا على الأردن، فسنفعل كل ما في وسعنا لإنهاء هذا التهديد وهذا ما فعلناه".

وأردف: "أعتقد أن ما حدث كان علامة على مدى فظاعة الأمور ومدى خطورة الوضع الذي يمكن أن تتدهور إليه ما لم نتعامل مع سبب كل هذا التوتر وهو العدوان الإسرائيلي على غزة واستمرار غياب الآفاق السياسية لحل الصراع نتيجة للسياسات الإسرائيلية.. ردت إيران على الهجوم ونرى أن هذا قد انتهى.. الأن علينا النظر إلى المستقبل وأن ننظر فعليا ونتأكد من عدم وجود أي مسببات أخرى للتصعيد".

هذا وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر کنعاني اليوم الاثنين، على العلاقات الودية مع الأردن، مبينا أن الاتصالات مستمرة بین مسؤولي البلدین، وأنه جرت خلال الأشهر الماضیة مشاورات جیدة بین وزیري الخارجیة.

المصدر: "سي إن إن" + RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أخبار إيران أسلحة ومعدات عسكرية أيمن الصفدي الحرب على غزة القضية الفلسطينية تل أبيب تويتر صواريخ طائرة بدون طيار طهران عمان غوغل Google فيسبوك facebook قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

المسيرات من أجل فلسطين.. معركة الوعي في وجه التخذيل وقمع الضمير الجمعي

في خضم الإبادة الجارية في غزة، وتحول القضية الفلسطينية إلى معيار أخلاقي عالمي، تطفو إلى السطح معركة موازية لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية، إنها معركة الوعي الجمعي والتخذيل المنهجي للشعوب، حيث تُشوَّه المسيرات الشعبية، ويُبخَّس أثرها، وتُحاصَر إرادة الجماهير باسم النظام، الأمن، العقلانية، أو "عدم الجدوى"، لتُخنق كل مبادرة تتجاوز هامش التعبير المسموح، ويُعاد إنتاج الصمت الشعبي كفضيلة، لا كعار.

هذا النص الذي كتبه الدكتور عبد الرزاق مقّري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، وتنشره "عربي21" يُحاكم بعمق تلك الشبهات، ويفكك دوافعها السياسية والنفسية، كاشفاً أن المسيرات ليست فقط فعل تضامن، بل تجلٍّ للكرامة، وركن في معركة طويلة ضد التطبيع والاستبداد والخنوع، حيث يصبح الصمت تواطؤاً، والكلمة الحرة شظية مقاومة.


                                                             د. عبد الرزاق مقري

تابعت العديد من التعليقات في الوسائط الاجتماعية عن المسيرات من أجل فلسطين فأحصيت عددا من  الأفكار المضللة والشبهات المخادعة بشأنها، متشابهة في العديد من الدول العربية، مصدرها الذباب الإلكتروني للأنظمة العربية المستبدة والخلايا الإلكترونية الصهيونية الذكية،  التي تبني مفاتيح خطاب لكل شكل من أشكال الدعم بأساليب معقدة ومتناقضة، ويعينهم في نشرها ويضيف عليها المتخاذلون والمخذّلون والسذج من المسلمين، من حيث دروا أم لم يدروا ، ومن ذلك قولهم: "المسيرات عمل غير قانوني ويجب طلب الرخصة، لا فائدة من المسيرات في دعم القضية الفلسطينية، الصراخ في الشوارع لا يحرر فلسطين، المسيرات تؤدي إلى الانفلات الأمني، المسيرات مزايدات سياسية من تجار القضية الفلسطينية، السلاح وحده هو الحل، جمع المال والإغاثة فقط المطلوب، لكل بلد ظروفه وأولوياته في دعم القضية، موقف الدولة جيد، بلدنا موقفه جيد من القضية فلماذا المسيرات، نترك التعبير في المسيرات لنحافظ على المتاح"..

إن كل هذه الشبهات أفكار مضللة نرد عليها واحدة واحدة في المحور الأول، ثم نتطرق في المحور الثاني إلى الأسباب الحقيقية التي تجعل السلطات الرسمية تمنع المسيرات والخلفيات التي تدفع بالمتخاذلين والمخذّلين والسذج لضرب عزائم الأبطال الذين يواجهون المخاطر في الخروج للشوارع تعبيرا عن غضبهم مما يحدث من قهر وتجويع وإبادة لأشقائنا في غزة، وفي المحور الثالث نبين الفوائد الإستراتيجية العظيمة للمسيرات في الشوارع والوقفات أمام السفارات.

أولا ـ الرد على الشبهات:

1 ـ شبهة طلب الرخصة:

هناك بعض الدول العربية تمنع مبدئيا أي عمل شعبي لصالح فلسطين، بل هناك من يمنع لبس الكوفية في الأماكن العمومية بشكل منهجي في بعض الدول، ووقع عندنا في الجزائر في بعض الأماكن العمومية، بل أصبح إدخال الأعلام الفلسطينية للملاعب ممنوعا، بل هناك في دول مشرقية من يمنع الدعاء لغزة، ومنع المسيرات يندرج ضمن هذه الحساسية الكبيرة تجاه تطورات الطوفان، أما عن طلب الرخصة، فقد قدمت بعض الأطراف طلبا للمسيرة الشعبية عهدنا ورُفض الطلب، ولا أريد ذكر هذه الأطراف لعدم الإحراج، وأنا شخصيا حين ألقي علي القبض بعد خروجي للشارع على اثر أول مجزرة مروعة في المستشفى المعمداني، لم يقدم إلي اللوم على عدم طلب الرخصة، بل ذكرت لي أسباب أمنية (سأتحدث عنها لاحقا) لرفض المسير في الشارع.

ولو رجعنا إلى الدستور فإن المادة 52 تؤكد "أن حرية التعبير مضمونة، وأن حرية الاجتماع وحرية التظاهر السلمي مضمونتان، وتمارسان بمجرد التصريح بهما". ولا شك أن سبب تأخر صياغة القانون الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق وفق نفس المادة الدستورية أن الصيغة اللغوية للمادة لا تسمح لهم بمنع المسيرات بمجرد التصريح إلا بقانون يناقض الدستور. مع أنه لا حرج لديهم أن يدوسوا على الدستور حسب ما كان يقوله الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله: "يكتبون الدساتير بأيديهم ويدوسون عليها بأرجلهم" فلو راعى المسؤول الدستور، في نصه وروحه، لأمكننا تنظيم المسيرات دون أي عناء ودون أن تحدث أي مشكلة.

العجب كل العجب أن كل الأسباب التي خرجنا من أجلها للشارع نبين للعالم مواقفنا تجاهها لا تساوي في شيء الأوضاع المهولة التاريخية التي تحدث لأهلنا في غزة، وإنما الذي تغير أمران: تغوّل الاستبداد في العالم العربي وطأطأة أغلب النخب لرؤوسهم أمامه، خوفا أو طمعا، ولكن هيهات أن يستمر الحال على ما هو عليه، فسيتشكل تيار شعبي يكسر السقوف المفروضة وتظهر أجيال قيادية جديدة ترفع رأسها للمعالي، وستَبِين أساليب متعددة لقهر الاستبداد وكسر غروره..وفي كل الأحوال فإن نضالنا هذا من أجل تجسيد هذه المادة الدستورية نضال دستوري، سواء من أجل فلسطين أو من أجل مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا بد للنضال أن يحقق نتائج، ومن ذلك أن المسيرة الأخيرة التي أقيمت في الجزائر العاصمة والعديد من الولايات في 2023 بعد الطوفان تضامنا مع غزة التي سمحت بها ونظمتها السلطات عن طريق أحزابها كانت نتيجة الضغط الشديد الذي قام به النشطاء من قبل بخروجهم للشوارع دون رخصة، وبكل تأكيد سيؤدي الضغط الجديد أمام مآسي التجويع التي يعيشها أهلنا إلى تحرك السلطات، عن طريق بعض أدواتها الحزبية والمجتمعية، لتنظيم مسيرة. وإن تحقق ذلك فهو خير، لصالح أهلنا الغزيين ولشرف الجزائريين، حتى وإن نسب هؤلاء المسخّرين الفضل لأنفسهم، فإن الله المصدر يعرفه الله تعالى ثم الشعب الجزائري، المهم أن يستمر النضال السلمي بالاعتماد على المادة 52 من الدستور.

2 ـ شبهة الخوف من الانفلات الأمني:

هذه شبهة مردودة على أصحابها، فقد بقينا في الشارع لمدة عامين في الجزائر العاصمة وفي أغلب الولايات أثناء الحراك الشعبي ولم يحدث أي انفلات أمني، بل حتى حين خرج الحراك عن أهدافه الشعبية وتحول إلى ميدان صراع بين أجنحة داخل السلطة بقي هادئا، وقمنا بمسيرات عديدة غير مرخصة، ضد غزو العراق ولمناصرة القضية الفلسطينية وضد التزوير وضد استغلال الغاز الصخري، ولمقاطعة الانتخابات الرئاسية عام 20014، ومن أجل الانتقال الديمقراطي عدة مرات، وشارك في مختلف هذه المسيرات زعماء سياسيون كبار من مختلف التيارات والأحزاب، ومنهم الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله في بعض منها، وفي إحداها ضربنا بالعصي على مقربة منه، وحتى حينما كانت تكون المواجهة بين النشطاء والأجهزة الأمنية قوية (كما في الصورة المرفقة التي يظهر فيها المتحدث والشيخ ابو جرة وعدد من قادة الحركة) لم يحدث في أي مرة انفلات بل تم التعامل من قبل جميع الأطراف بالمسؤولية وضبط النفس. كما أننا شاركنا كنواب في البرلمان في العهد السابقة بوقفات احتجاجية غير مرخصة أمام السفارة الأمريكية وأوصلنا رسالتنا لهم وكان لها تأثير جيد، سواء على مستوى التوعية الشعبية أو الرسالة التي وصلت للمعنيين، أو الأجر والرمزية وراحت الضمير التي كسبها النشطاء.

وفي كل هذه الفترات كانت الأوضاع الأمنية سيئة جدا، وكان الإرهاب لا يزال كائنا، وصراعات الأجنحة داخل السلطة على أشدها، والتحرشات الأجنبية أخطر من الوقت الحالي، في عهد زروال وفي عهد بوتفليقة.

فكيف يعقل أن تكون المسيرات البارحة، عند أغلب النخب، مطلوبة وعمل مشرف لأصحابه، ولا تتعامل معها السلطات بحساسية مفرطة، وتصبح اليوم تحمل كل المخاطر وتتعامل معها السلطات كمعادلة صفرية يجرّم من يدعو لها ويشارك فيها، وتشكل له ملفات أمنية ويلاحق بعدها، وتبالغ بعض النخب المتزلفة للسلطة في إنكارها والتهوين منها أو التخويف بها.

والعجب كل العجب أن كل الأسباب التي خرجنا من أجلها للشارع نبين للعالم مواقفنا تجاهها لا تساوي في شيء الأوضاع المهولة التاريخية التي تحدث لأهلنا في غزة، وإنما الذي تغير أمران: تغوّل الاستبداد في العالم العربي وطأطأة أغلب النخب لرؤوسهم أمامه، خوفا أو طمعا،  ولكن هيهات أن يستمر الحال على ما هو عليه، فسيتشكل تيار شعبي يكسر السقوف المفروضة وتظهر أجيال قيادية جديدة ترفع رأسها للمعالي، وستَبِين أساليب متعددة لقهر الاستبداد وكسر غروره، وما رأيناه من بطولات رجال  أحرار  وشباب أبطال في سفن كسر الحصار وقافلة الصمود، وما نراه من عبقرية الشباب في غلق السفارات المصرية في العديد من دول العالم، وما نلحظه من إصرار أجيال جديدة في فرض إرادتها في الساحات  إلا شاهد على ذلك. ولن يكون غدا كاليوم وأمس أبدا.

مقولة: "حين تكبر الأمور يكبر لها رجال ويصغر بها آخرون".

3 ـ شبهة المزايدات:

هناك من لا يكتفي أن يكون متخاذلا بخصوص الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في غزة، ومخططات تصفية القضية الفلسطينية كلها، بل يعمل على تخذيل الآخرين، فهو بمثابة تلك المرأة التي دخلت النار في قطة حبستها فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومن أساليب هؤلاء أنهم يتهمون النشطاء في القضية الفلسطينية  بسقوف عالية، بما يتناسب مع حجم المأساة بقدر استطاعتهم، بأنهم يزايدون على غيرهم بما يقومون به، بعضهم يتهمونهم بأن مزايداتهم سياسية حزبية، بعضهم يتهمونهم بالرياء والنوايا السيئة، وبعضهم يتهمونهم بأنهم يقصدون الإساءة لمن لا يقتنع بآرائهم ومن لا يعمل بعملهم. وهذه الاتهامات قديمة استعملها دوما الذين يعادون ثوابت الأمة باتهام المدافعين عنها بأنهم يحتكرون الإسلام ويستعملون الدين واللغة العربية للمزايدة السياسية والحزبية، ولإظهار أنفسهم بأنهم أفضل من الآخرين ولتغليط عوام الناس.

وكان جوابنا المُسكت لضلالهم: "اعملوا انتم كذلك لصالح الثوابت حتى لا نحتكرها".

إن مقاصد هؤلاء المُخذّلين شتى، منهم من يعادي الثوابت ويحاربها ويريد أن لا يعمل أحد لها، ومنهم من لا يعاديها ولكن لا يلتزم بها وبالدفاع عنها، انحرافا أو عجزا أو خوفا ممن يعاديها،  فينظر إلى من يعمل لها  بأنه يكشفه حتى وإن كان هذا المجتهد لا يقصده البتة.

هناك من لا يكتفي أن يكون متخاذلا بخصوص الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في غزة، ومخططات تصفية القضية الفلسطينية كلها، بل يعمل على تخذيل الآخرين، فهو بمثابة تلك المرأة التي دخلت النار في قطة حبستها فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.وكذلك الشأن في القضية الفلسطينية، هناك من يحارب القضية الفلسطينية ومن يعادي المقاومة ومن يقودها فيحارب تبعا لذلك من يعمل لها بأساليب شتى منها الاتهام بالمزايدة، وهناك من يقصر في العمل للقضية الفلسطينية فيشكك في من يعمل لها، فإن تخلف في بذل المال لصالح القضية يشكك في من يجمع لها، وإن كان مقصرا في المقاطعة يشكك في جدواها، وإن كان مقصرا في المسيرات والوقفات أمام السفارات يشكك في أهميتها ويتهم من يقوم بها بالمزايدة. وهناك من يرغب في مناصرة القضية ولكن في الحدود السهلة المتاحة للجميع التي لا تحّمله التضحية بأي شيء، أو في إطار ما تقبل به السلطات الرسمية فقط، فإن أصرّ غيرهم على القيام بما لا يقومون به شككوا كذلك في عملهم واتهموهم بالمزايدة حتى وإن علموا في قرارة أنفسهم  بأن تلك الأعمال نافعة جدا لفلسطين.

لا يهمنا هنا الذين يبغضون القضية الفلسطينية والمقاومة وقادتها، من المدخليين الموالين لأنظمة الظلم والخيانة والعلمانيين المتطرفين الموالين للغرب، فهؤلاء الصراع معهم مبدئي، والصراع معهم يندرج ضمن صراع أهل الحق ضد باطلهم. ولكن الذي نوجّه لهم اللوم وندعوهم للتوبة والإنابة هم أؤلئك الذين يعلنون التزامهم بالعمل للقضية الفلسطينية ولكن يخذلّون العاملين ضمن السقوف التي لا يقدرون عليها، كالمسيرات والوقفات امام سفارات الأعداء والعملاء،  فيتهمونهم بالمزايدة لا لشيء إلا للتغطية على عجزهم وكسلهم وأهوائهم وخوفهم وتقصيرهم، وتزداد حساسيتهم ويكثفون اتهام المجتهدين بالمزايدة حين يدعوهم  هؤلاء إلى رفع  سقف النضال من أجل القضية وركوب المخاطر من أجلها، كما يفعل أي داعية إلى الخير ضمن ما يراه خيرا، وكان يكفي أن يقول العاجزون عن المسيرات والوقفات أمام السفارات "لا نستطيع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، فالذي يحاسبهم حقا ليس الذي يدعوهم إلى الخير ولكن الله وحده هو الحسيب الرقيب الذي يعرف دون غيره مقدار الوسع وحدود الاستطاعة.

كان يكفي هؤلاء أن يدعوا لمن يعمل بالمستويات العليا للاستطاعة في القضية، لعل الله يعذرهم، أو يفرحوا فقط بأعمال العاملين حتى يأخذوا معهم الأجر، ولا يتهموا الناس في النوايا التي لا يعلمها إلا الله العليم السميع البصير، كان عليهم أن يسكتوا فقط، حتى لا يأثموا!

4 - شبهة "السلاح أو لا شيء":

لا شك أن القتال في سبيل الله هو ذروة "ج" ، وبغيره لا يكون التحرير ، ولكن ليس هو وحده المطلوب، وحين يوجب ولا يكون متاحا  لا يُعفى المؤمنون من العمل في غيره لذات المقصد، أو مما يدخل في الإعداد له.

قبل أن تندلع الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954 كان ثمة نضال وطني وعمل إصلاحي علني لإعداد الإنسان  لأكثر من ثلاثة عقود (الإنسان الذي كان قد  طحن الاستعمار  إرادته بعد فشل المقاومة الشعبية)، ثم إعداد سري  للثورة من 1947 إلى 1954. وحين اندلعت الثورة النوفمبرية   لم تقتصر على القتال بالسلاح، بل اعتمدت على جمع المال والاشتراكات، والمسيرات والمظاهرات، والعمل السياسي والدبلوماسي، والعمل الفني والغناء والمسرح، والرياضة، وغير ذلك. وذلك شأن كل الثورات ضد الاحتلال في تاريخ البشرية. إنه من حالات التخاذل الخطيرة التي بيّنها مالك بن نبي في مسيرة النهضة وبعث الحضارة الزيادة على الشيء من أجل تمييعه وإنهاء أثره. كالذي يدعوك إلى ما ليس بيدك لكي يصرفك عمّا تقدر عليه، أو كالذي يدعوك بالبدء بالنتيجة لكي يصرفك عمّا يُحقق النتيجة.

ومن هؤلاء، أولئك الذين كلما دعوتهم لعمل شيء ما لصالح القضية الفلسطينية، كالمساعدات وجمع المال، أو المقاطعة، أو العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي، أو المسيرات والوقفات، يقول لك أن كل هذا مضيعة للوقت ولا حل مع الصهاينة إلا السلاح.

وفي العادة هؤلاء ضد القضية أصلا فيكون هدفهم التثبيط وتعظيم الحمل لكي تموت القضية، أو أنهم لا يعملون شيئا  للقضية فيحاولون تسكين أوجاع ضمائرهم وإعاقة أي عمل بالزيادة غير الممكنة فيه للتغطية على قعودهم وعجزهم.

ولو سألت هؤلاء كيف نوصل ما تقصدونه إلى غزة، في ظل الغلق الكامل من الصهاينة والدول العربية يعجزون عن الجواب، وإذا سئلوا هل لكم اقتراحات في ذلك لا يجيبون.

وثمة من هؤلاء من إذ جد الجد في ما يَدعون إليه غيرَهم تخلّفوا، ويحق فيهم ما قاله الله تعالى في بني إسرائيل: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ �[ البقرة: 246]

وأتذكر حادثة طريفة قصّها لنا الإخوة من مدينة بجنوب البلاد  وقعت في بداية الثمانينيات مع أحد مؤسسي وقادة الحركة رحمه الله، من الجنوب، بالغ أحد الشباب في لومه على عدم إرساله إلى "ج" في "أف.." فحاك له سيناريو وهميالكي يتوقف عن المزايدة إذ أرسل إليه ليلا أحدا يقول له بأن الشيخ محفوظ وصله حرصُك على ال"ج" وهو يريدك أن تصعد فورا إلى العاصمة ليرسلوك إلى "أف.." فاضطرب الرجل وأسقط في يده وقدم ألف عذر  ثم لم يعد يزايد على أحد. وإني لأظن، من خلال معرفتي ببعض من يثبطون على العمل لفلسطين بدعوى "القتال أو لا شيء" أنهم مثل صاحبنا لو ابتلوا. والله نسأله لنا ولهم العافية.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأردنية تدين حملات التحريض.. و5 إنزالات جوية في غزة
  • عاجل | الخارجية الأردنية تدين الاعتداءات والتحريض على دورها في غزة
  • حماس ترد على تصريح ويتكوف بشأن "التخلي عن السلاح"
  • عاجل | يسرائيل هيوم: بعض المواقع الإسرائيلية توقفت إثر الهجوم السيبراني وأخرى نشرت فيها رسائل سياسية
  • بالفارسية.. الخارجية الأمريكية تحذر رعاياها من السفر إلى إيران
  • تصريح جديد لترامب بشأن لقائه بوتين قبل انقضاء المهلة
  • المسيرات من أجل فلسطين.. معركة الوعي في وجه التخذيل وقمع الضمير الجمعي
  • إيران: الاتهامات الأمريكية بشأن مخططات الخطف والاغتيال مضحكة
  • ترامب: على إيران تغيير نبرة تصريحاتها بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • باكستان تكرّم قائد الهجوم الأمريكي على إيران بالتزامن مع زيارة بزشكيان