«Superman: Legacy».. حين تصبح القوة عبئاً
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
علي عبد الرحمن
منذ عرضه في صالات السينما، بدا فيلم «Superman: Legacy»، أكثر من مجرد إعادة إطلاق لواحدة من أشهر أيقونات الثقافة الشعبية، لقد جاء محمولاً على وعيٍ سردي جديد، يبتعد عن الاستعراض البصري، ليغوص في البنية النفسية والوجودية لشخصية البطل الخارق، ولا يسعى مخرجه جيمس غَن إلى تمجيد القوة، بل إلى تفكيكها، ولا يُعيد إحياء المجد الأسطوري لسوبرمان، بل يعرّيه من زيف الصورة، ويضعه وجهاً لوجه مع هشاشته الداخلية.
إنه ليس بطلاً تقليدياً يحلّق في السماء بحثاً عن خطر ليقضي عليه، بل شخصية قلقة، يسكنها الشك أكثر مما تحركها القدرة، ويقف على تخوم الهويّة وهو يسأل نفسه: من أكون؟، وما الذي يُنتظر مني؟، بهذا المعنى، يتحول الفيلم إلى سردية تأملية عميقة، تنظر إلى البطل لا كحلّ، بل كعلامة استفهام في عالمٍ يزداد تعقيداً.
جاء اختيار عنوان الفيلم بدقّة واعية، لا بوصفه تسمية شكلية، بل كبوابة دلالية تُفضي إلى عمق الحكاية فـ«Legacy»، لا يُحيل ببساطة إلى «الإرث» في معناه الوراثي أو التاريخي، بل إلى المأزق الثقيل المتضمَّن فيه، وما الذي يعنيه أن يرث الإنسان لا مجرد قوة هائلة، بل رمزاً متضخماً، وتاريخاً مكتظاً بالتوقعات، وصورة مسبقة عن البطولة لم يصنعها بنفسه.
«كلارك كينت»، أو من سيُعرف لاحقًا بسوبرمان، لا يدخل الحكاية كبطل مُكتمل، بل كوريث لحكاية لم يخترها، ولدور كُتب له مسبقاً قبل أن يعي رغبته الخاصة، وكأن العالم قد قرر من يكون، من دون أن يسأله عمّا يريد أن يكونه.
الهاجس الأخلاقي
في الفيلم، لا يقوم البطل على أكتاف القوة، بل على ثقل السؤال الذي يطارده في كل حركة: هل يجب أن أتدخل؟، المسألة لا تتعلق بالقدرة، بل بالواجب، لا بما يستطيع فعله، بل بما ينبغي عليه أن يمتنع عنه. هنا، تتحوّل البطولة من فعلٍ خارجي إلى أزمة داخلية، ومن ردّ فعل إلى مواجهة مع الضمير، في عالم تتداخل فيه المصالح، وتختلط فيه النيات بالنتائج، يصبح التدخل حتى حين يكون بدافع الخير فعلاً محفوفاً بالشك، ويقترب الفيلم من الفلسفة الوجودية في مقاربته فـ«كلارك» ليس بطلاً بمقاييس جاهزة، بل إنساناً حُرّاً تُلقى على عاتقه قرارات بلا خرائط، ويُترك وحيداً أمام احتمالات لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
في أحد أكثر مشاهد الفيلم صمتاً، نراه يتأمل مدينة نجاها من الدمار، لكن تعابير وجوه سكانها لا تحتفل، بل تتساءل. وعندما تُواجهه بطلة العمل «لويس لاين» تؤدي دورها الأميركية راشيل بروسنان بالسؤال: «أنقذت المدينة، لكن ماذا عن الفكرة؟»، يتكشّف التوتر الأخلاقي الحقيقي: هل تُقاس الأفعال بما تحققه من نتائج؟، أم بما تتركه من أثر رمزي؟، وهل يمكن للقوة، حتى لو كانت في جانب الخير، أن تُحدث توازناً من دون أن تخلق شرخاً أعمق؟.
صمت بين الجمل
عرف الجمهور المخرج جيمس غَن من خلال أفلام تمزج بين الفانتازيا والكوميديا والمفارقة البصرية، لكن «Superman: Legacy» يكشف عن جانب آخر من صوته الإخراجي، أكثر نضجاً وتأملاً. ولا يعتمد غَن، في هذا العمل على التفجيرات أو المعارك الضخمة، بل يستبدل الضجيج بالصمت، والحركة بالثقل الرمزي، والمباشرة بالتماهي البصري، ويقود الكاميرا لتراقب لا لتُلاحق، لتسكن في المشهد لا لتُحرّكه. اللقطات طويلة، مُحمّلة بالانتظار، تُركّز على ما لا يُقال، على الملامح قبل الحدث، وعلى الصمت بين الجمل.
الإضاءة أيضاً ليست حيادية، بل تشارك في بناء ازدواجية البطل، فالمَشاهد «الكريبتونية» تغمرها الإنارة الباردة، الحادة، المعدنية، في حين تتسم لحظاته الأرضية بضوء دافئ، متردد، يتسلل كما لو أنه يبحث عن معنى داخل العتمة، هكذا لا يصنع المخرج فيلمًا عن بطل، بل عن ما يعنيه أن تكون بطلًا في زمن ينهار فيه المفهوم من الداخل.
في آخر المطاف، لا يتعامل الفيلم مع «سوبرمان» كشخصية فردية فقط، بل كأيقونة ثقافية تحمل في داخلها أسئلة حضارية كبرى، والبطل هنا ليس شخصية فوقية، بل استعارة للذات المعاصرة التي تواجه قلق السلطة والمسؤولية والمعنى في آن، ونحن أمام شخصية لم تعد تمثل الحلّ، بل تُجسّد الحيرة، أمام عالم تتلاشى تتحوّل فيه الأسطورة إلى عبء رمزي.
معضلة العدالة
لم يعُد «سوبرمان» في هذا الفيلم تجسيداً مطلقاً للعدالة، بل حاملاً لتناقضاتها، لقد غادرت العدالة منطقة النقاء الأخلاقي، ودخلت حيز الجدل، حيث تتنازعها التأويلات والمعايير المتضاربة، هو الآن شخصية تتحرك بين قيم موطنه الأصلي «كريبتون»، التي تقوم على التفوّق والصرامة، وتقاليد أميركية مشحونة بالإرث السياسي، وسياقات أممية تتطلّب الحياد، وذاكرة عائلية إنسانية تربّى في ظلّها على اللطف والرحمة، ولم يعُد الصواب واضحاً، ولا يكون الشر مجرّد عدوّ خارجي، بل يصبح كل قرار مساحة اشتباك بين وعيه الشخصي وتوقّعات العالم من حوله.
لا يكتفي «Superman: Legacy» باستعراض القوة عبر مشاهد الحركة، رغم إتقانها وتصاعد إيقاعها، بل يؤسّس عمقه الحقيقي على التوتر النفسي، الذي يسكن الجسد الخارق، في أول تجسيد له لشخصية «سوبرمان»، يبتعد الممثل الأميركي ديفيد كورينسويت عن نمط الأداء البطولي المعتاد، ويختار بناء شخصية محكومة بثقلٍ داخلي، لا بالقوة الاستعراضية، ويتحرك جسده ببطء محسوب، خطاه مثقلة، ونظراته غائرة، كما لو أن القوة نفسها أصبحت عبئاً لا منحة.
مرآة البطل
لا تظهر شخصية «لويس لاين» وتلعب دورها في الفيلم الأميركية راشيل بروسنان، بوصفها تابعاً عاطفياً أو حضوراً هامشياً، كما جرت العادة في كثير من النسخ السابقة، بل تتقدّم كمرايا حادة للبطولة ذاتها، تؤدي الدور ببراعة هادئة، وهي ليست المرأة التي تنتظر منقذها، بل التي تطرح على المخلّص نفسه الأسئلة الصعبة، إنها صوت الواقع، وعين الصحافة، وضمير العالم، لا تجامل، ولا تتورّع عن الشك، ولا تخاف من مواجهة الهيبة. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: السينما الأفلام السينمائية السينما الأميركية الأفلام سوبرمان الذی ی
إقرأ أيضاً:
تايم تختار مهندسي الذكاء الاصطناعي شخصية العام
اختارت مجلة "تايم" الأمريكية مؤخرًا "رواد الذكاء الاصطناعي" شخصيات العام، مُسلطةً الضوء على الأثر الهائل للذكاء الاصطناعي في عام 2025، وأشارت المجلة إلى التأثير الكبير الذي يُحدثه الذكاء الاصطناعي اليوم في العديد من مجالات حياتنا، من الاقتصاد إلى التعليم.
غلاف مجلة تايم: شخصية العام 2025 الذكاء الإصطناعي ورواده..#الذكاء_الاصطناعي pic.twitter.com/iaukKHi6Ji — محمد العضاضي (@Malodadi) December 12, 2025
ولم تكن شخصية العام 2025 لمجلة "تايم"فردًا واحدًا، بل اختارت المجلة مجموعة من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في العالم هذا العام تحت عنوان "معماريو الذكاء الاصطناعي"،وظهر على غلاف المجلة كل من جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة نفيديا، ومارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، وإيلون ماسك، مالك منصة إكس، وفاي-فاي لي المعروفة بـ "عرابة الذكاء الاصطناعي".
وقال رئيس تحرير المجلة سام جاكوبس عند الإعلان عن غلافي 2025: "لا أحد كان له تأثير أعظم من الأفراد الذين تخيلوا وصمموا وبنوا الذكاء الاصطناعي"، مضيفًا أن البشرية ستحدد مسار هذه التقنية، ويمكن لكل شخص أن يلعب دورًا في تشكيل بنيتها ومستقبلها.
وتشير المجلة إلى أن عام 2025 شهد تحول النقاش حول الذكاء الاصطناعي من مسؤولية الاستخدام إلى السباق لنشر التقنية بأسرع وقت ممكن، مع تأكيد أن الابتعاد عن المخاطر لم يعد في مقعد القيادة، وأضافت أن "بفضل هوانغ، وسو، وألتمان، وغيرهم من عمالقة الذكاء الاصطناعي، تتسارع البشرية الآن نحو مستقبل شديد الأتمتة وغامض، يحمل في طياته فرصًا وتحديات غير مسبوقة.".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة TIME (@time)
ويعكس هذا الاختيار اعترافًا بالسرعة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل المجتمعات والاقتصادات، بحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، كما ويأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه الذكاء الاصطناعي ازدهارًا غير مسبوق منذ إطلاق OpenAI لروبوت الدردشة "شات جي بي تي" في أواخر عام 2022، والذي أعلن مؤخرًا رئيس الشركة سام ألتمان أن حوالي 800 مليون شخص يستخدمونه أسبوعيًا.
ويحتوي غلافي المجلة لهذا العام على عمل فني يبرز اختصار AI محاطًا بالعمال، في حين يركز الغلاف الثاني على قادة التكنولوجيا أنفسهم، الذين لعبوا أدوارًا محورية في توجيه هذه الثورة، وفي شركة ميتا، ركّز مارك زوكربيرغ على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك روبوت الدردشة الخاص بالشركة ودمجه في تطبيقاتها الشهيرة.
أما جنسن هوانغ، فقد ساهم في تعزيز قدرات الحوسبة اللازمة لتشغيل هذه التطبيقات بكفاءة عالية، فيما يواصل إيلون ماسك تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي على منصة إكس لتعزيز التفاعل الرقمي، كما يظهر على الغلاف كل من ليزا سو، رئيسة شركة تصنيع الرقائق AMD، وداريو أمودي، رئيس شركة الذكاء الاصطناعي Anthropic، وديميس هسابيس، رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي في Google، ما يعكس الجهود الجماعية لتطوير بيئة تكنولوجية متكاملة ومترابطة.
وأكد الخبراء أن عام 2025 يمثل نقطة تحول في انتشار الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح جزءًا من الحياة اليومية للمستهلكين، ويشير توماس هوسون، محلل شركة Forrester، إلى أن "الذكاء الاصطناعي يُدمج الآن في الأجهزة والبرامج والخدمات بشكل أعمق وأسرع من أي تقنية سابقة، سواء كانت الإنترنت أو الهواتف المحمولة."
وتبرز هذه الثورة التكنولوجية تأثيرات واضحة على مختلف جوانب الحياة، حيث يستخدم الناس روبوتات الدردشة لتخطيط الرحلات، والعثور على هدايا، واكتشاف وصفات الطعام، بينما يختار آخرون تجنب استخدامها بسبب مخاوف تتعلق بالطاقة، والخصوصية، وتأثيرها على الوظائف.
يأتي هذا الإعلان في وقت تتصاعد فيه النقاشات حول تنظيم الذكاء الاصطناعي، وحماية البيانات، وتأثيره على سوق العمل، حيث تحاول الحكومات والمؤسسات الدولية وضع أطر تضمن الاستفادة من التقنية مع الحد من مخاطرها المحتملة، وفي الوقت نفسه، يشير الخبراء إلى أن الدور الريادي لشركات مثل OpenAI وMeta وNvidia وAnthropic يمثل نقطة ارتكاز رئيسية لتشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.