أسطرلاب «البطوطي».. مغامرات عبر الكون
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
يُعد أسطرلاب «البطوطي» دليلاً حياً على مدى تطور المعرفة العلمية في المغرب، ويُظهر كيف ارتبط العلم بالحياة اليومية والدينية في آنٍ واحد.
ويُشكل هذا الأسطرلاب نموذجاً هندسياً للقبة السماوية بصورة مسطحة، حيث يحمل لوحات تُمكّن مستخدميه من حساب الوقت وتحديد الموقع الجغرافي عبر قياس ارتفاع النجوم فوق الأفق.
وتُشير نقوش صفائحه إلى إمكانية استخدامه في مدن عديدة، مثل مكة، المدينة، القاهرة، القدس، تونس، وإسطنبول، إضافة إلى مدن مغربية كفاس، مكناس، مراكش، سجلماسة، ودرعة.
ويأخذ متحف الأطفال في اللوفر أبوظبي بالمنطقة الثقافية في السعديات، زوّار معرضه «مغامرات عبر الكون» في رحلة تثقيفية وترفيهية إلى أعماق الفضاء، ضمن تجربة لا تُنسى تمزج بين الفن والألعاب التفاعلية، وتروي قصصاً تنبض بالحياة عن علاقة البشر بالكون عبر الزمن والثقافات، مع تسليط الضوء على الاختراعات والاكتشافات العلمية التي ساعدتهم على فهم الفضاء بشكل أفضل.
ويحتضن المعرض أعمالاً فنية وقطعاً من ثقافات وحضارات مختلفة، منها «أسطرلاب» نحاسي منسوب إلى العالِم الفلكي محمد بن أحمد البطوطي، وصُنع غالباً في مكناس بالمغرب خلال القرن الثامن عشر.
وتؤكد هذه القطعة النادرة المكانة الكبيرة لعلم الفلك والرياضيات في المغرب العربي، وجهود علماء هذه الحقبة التاريخية المهمة، ودورهم الكبير في ابتكار الآلات الفلكية وتطويرها، كما تعكس أيضاً حجم التبادل العلمي بين الحضارات في فترات زمنية مختلفة.
مرحلة انتقالية
وتوضح فاخرة الكندي، مساعد أمين متحف أول في اللوفر أبوظبي، أن النقوش الموجودة على الأسطرلاب تُظهر استخداماته بطرق مختلفة كحساب مواقيت الصلاة، مما يربطه بالعبادات الدينية اليومية، مبينة أهمية التفاصيل الفنية المميزة للأسطرلاب، كأداة تضع مدارات النجوم في متناول اليد، بما في ذلك لوحة «العنكبوت» التي تحتوي على 27 نجماً، بتصميمها الذي يُضفي على القطعة بُعداً جغرافياً وثقافياً واضحاً.
وأشارت إلى أن الأسطرلاب يُعرض ضمن تسلسل زمني يبدأ من أدوات فلكية قديمة، ويصل إلى تقنيات فضائية معاصرة، مما يسلط الضوء على موقعه كمرحلة انتقالية أساسية في تاريخ أدوات الملاحة والفلك.
ومن الناحية التاريخية، يُجسّد الأسطرلاب الخبرات والمعارف التي انتقلت وتطورت عبر قرون، بدأت من الدراسات اليونانية القديمة، مثل أعمال بطليموس وثيون الإسكندري، التي ترجمها وطوّرها العلماء العرب، ومنها انتقلت لاحقاً إلى أوروبا وأسهمت في نهضتها العلمية، ورغم أن هذه القطعة تعود إلى القرن الثامن عشر، فإنها تمثل خلاصة مسار معرفي طويل ممتد من المشرق إلى المغرب.
تجارب تفاعلية
وفي متحف الأطفال في اللوفر أبوظبي، يكتسب هذا الأسطرلاب زخماً تعليمياً وتفاعلياً أكبر، ويقول أمين خرشاش، مدير التفسير والمحتوى الإبداعي في متحف الأطفال، أن الأسطرلاب يُعرض ضمن قسم «احْسُبْ»، ويُقدّم كجزء من سلسلة أدوات فلكية تشمل ساعة شمسية، وقبة سماوية، وآلة السّدس، وصولاً إلى مجسّم مسبار الأمل، مضيفاً: «نحاول تبسيط العلوم من خلال تجربة تفاعلية تشجع الأطفال على التأمل والتعلّم عبر اللعب».
وأشار خرشاش إلى أن التجربة لا تستهدف الطفل فقط، بل تُشجع كل أفراد الأسرة على المُشاركة، فبينما يُتابع أحد الوالدين تفاصيل القطعة، يُساعد الآخر الطفل على استكمال التحدي التفاعلي، مما يخلق نوعاً من التواصل المُشترك حول القطعة الفنية.
ومنذ افتتاح معرض «مغامرات عبر الكون» في يوليو 2023، استقبل متحف الأطفال أكثر من 650 ألف زائر، معظمهم من العائلات.
وأكد خرشاش أن هذا الإقبال يعكس مدى اهتمام الزوّار بالتجارب التفاعلية التي تُعيد تقديم التراث العلمي والفني بطريقة معاصرة.
تحفيز الإبداع
وعبر عرض قطعة أثرية مُهمة مثل الأسطرلاب، الذي سيبقى ضمن معروضات متحف الأطفال إلى جانب قطع أثرية فريدة أخرى، يمضي اللوفر أبوظبي في تحفيز الإبداع وتعزيز الشغف والفضول والتعلم، بما يتماشى مع أهداف المنطقة الثقافية في السعديات، أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم، والتي تروي القصص الملهمة لدولة الإمارات والمنطقة والعالم، وتسهم في ترسيخ مكانة أبوظبي كمركز ثقافي رائد.
وتُشكل المنطقة الثقافية في السعديات منارة للتعارف والحوار وتبادل المعرفة من خلال متاحفها وبرامجها ومجموعاتها الفنية، ترجمةً لرؤية أبوظبي وقيمها القائمة على الاحترام والتعايش والتسامح.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأسطرلاب المغرب الفلك علم الفلك اللوفر أبوظبی متحف الأطفال الثقافیة فی التی ت
إقرأ أيضاً:
محمد مندور يكتب: ثقافة الإصغاء وتحقيق العدالة الثقافية
في خطوة مهمة تعكس روح الشفافية والمسؤولية المجتمعية، أطلقت وزارة الثقافة مبادرة "أنت تسأل ووزير الثقافة يُجيب" وهي منصة رقمية تتيح للمواطنين توجيه أسئلتهم ومقترحاتهم مباشرة إلى الوزير والحصول على إجابات واضحة في نهاية كل شهر.
قد تبدو الخطوة بسيطة في ظاهرها لكنها في جوهرها تحمل معاني عميقة تتجاوز قطاع الثقافة لتصل إلى جوهر علاقة المواطن بالحكومة .
هذه المبادرة ليست مجرد وسيلة تواصل بل هي ممارسة إدارية حقيقية تعيد تعريف مفهوم الخدمة العامة من كونها علاقة عمودية إلى علاقة أفقية تقوم على الحوار والمساءلة والشفافية.
والمثير للتساؤل هنا: لماذا لا تطبق هذه المبادرة في سائر الوزارات؟
فقد اعتدنا في الإدارات الحكومية سواء وزارات او محليات على نهج أحادي الاتجاه، الوزارة تقرر وتخاطب الجمهور، بينما تبقى أصوات المواطنين وملاحظاتهم وتطلعاتهم في الزاوية. لكن فكرة هذه المنصة تقلب المعادلة. فحين يسأل المواطن ويجاب عليه يشعر أنه شريك لا متلق فقط، وأن صوته ضرورة لاكتمال الخدمة الحكومية .
والأهم أن هذا النوع من التفاعل يخلق سجلا عاما من القضايا المطروحة، ويساعد على رسم خريطة اهتمام الناس وتحديد أولويات السياسات من منظور القاعدة لا القمة.
لكن السؤال .. لماذا وزارة الثقافة تحديدا؟
ربما لأن وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو يدرك أن الثقافة لا تبنى بقرارات فوقية أو فعاليات نخبوية فحسب بل تنمو حين يشعر الناس أنهم جزء من المشهد الثقافي.
والحقيقة أن هذه الرؤية تواكب متطلبات "العدالة الثقافية" التي تقتضي توزيعا عادلا للفرص والموارد والخدمات واستماعا حقيقيا لتجارب المواطنين في المدن والمراكز والنجوع والقرى لا فقط في العواصم.
وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال آخر .. ماذا لو طبقت هذه المبادرة في وزارات أخرى؟
تخيل لو طبقت وزارات مثل التعليم والصحة والنقل والزراعة مبادرة مشابهة. ما النتيجة لو استمعت وزارة التربية والتعليم إلى أسئلة أولياء الأمور؟ أو فتحت وزارة النقل باب الحوار بشأن الطرق ووسائل المواصلات العامة؟
سنكون أمام تحول جذري في علاقة المواطن بالدولة، من مواطن يتلقى الخدمة إلى مواطن يشارك في صياغتها ، ومن بيروقراطية منفصلة عن الناس إلى منظومة تصغي وتستجيب وتتطور .
قد يقال إن بعض الوزارات تواجه ملفات أكثر تعقيدا و أن الأمور لا تسمح بمثل هذا الانفتاح. لكن الواقع أن التحدي الحقيقي ليس في التقنيات بل في الإرادة الإدارية. وزارة الثقافة أثبتت أن الإرادة وحدها كفيلة بفتح الأبواب وأن بناء الجسور مع الناس لا يتطلب ميزانيات ضخمة بل نوايا صادقة.
مبادرة "أنت تسأل ووزير الثقافة يُجيب" ليست حدثا عابرا بل دعوة لنموذج جديد للإدارة يقوم على المشاركة والشفافية. نتمنى لها النجاح وان تحقق أهدافها نحو التواصل الفعال مع الجمهور .
فمن يريد النجاح يدرك جيدا أن التواصل مع الناس ليس عبئا بل فرصة لتنمية حقيقية وتحسين الخدمة، فالادارة الرشيدة تقاس بقدرتها على الاستماع لا على إصدار البيانات فقط .