الإستشفاء في لبنان: بين صمود الأطباء وصعود نجم المستوصفات
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
كغيره من القطاعات، انتهج القطاع الطبي في لبنان مبدأ الدولرة الذي قلب الحال الاستشفائية للبنانيين "غير المقتدرين" رأسا على عقب.. فـ"لإخر نفس" بات حرفيًا بعض اللبنانيين يحرقون صحتهم، ويعضون على جراحهم قبل أن يتخذوا القرار بزيارة الطبيب، بسبب الكلفة والتعرفة التي هي ، وبكل بساطة، بمتناول فئة معينة من المواطنين، أي الذين يستطيعون الدخول ودفع فواتير الإستشفاء من دون أخذ ورد ودعاوى واشتباكات.
وبمعدل وصل إلى حدود الأربعين في المئة، انخفضت نسبة زيارات المرضى إلى العيادات الطبية التي بعدما كانت تعجّ باللبنانيين وغير اللبنانيين أصبحت صندوقا مغلقا، لا يسمع صوت أي أحد داخلها إلا في حالات الطوارئ، أو إذا كان المريض ميسورًا، وهذا ما يبرهن حجم الإنحدار الكبير بعدد العيادات الطبية في لبنان، التي وبعدما كان عدد الأطباء مقارنةً بعدد السكان الأعلى في المنطقة، اختلفت الأرقام اليوم، بعد هجرة قاسية، حرمت اللبنانيين من أشهر الأطباء وأكثرهم احترافية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، يشير طبيب القلب عادل أمهز لـ"لبنان٢٤" إلى أن عمله على سبيل المثال استمر بعد الأزمة بحدود ٢٠٪ فقط، وفي حالات الذروة قد يبقى إلى الساعة ٢ بعد الظهر، بعدما كان قبل عام ٢٠١٩ يغلق عيادته ليلاً.
يقول أمهز أنّ كلّ شيء تغير، المرضى، العمل، والحال التي نعيشها، فبلكاد يزورني ٣ أو ٤ مرضى في اليوم، وإن التزم كل من يتصل بعد أن يستفسر عن بدل المعاينة فإنّك تكون"شيخ الكار".
في واقع الحال لا يمكن لوم الأطباء على تسعيرتهم الأخيرة التي صدرت عن النقابة، إلا أن أمهز يوضح أن القانون وتعرفة النقابة هي استرشادية، أي غير ملزمة للأطباء، وهذا ما يبرّر فعليا سبب اختلاف التعرفة بين طبيب وآخر من نفس الاختصاص حتى داخل المستشفى الواحد، إذ إن مصادر نقابة الأطباء أكّدت أن النقابة وضعت تسعيرتها كي لا يكون هناك منافسة غير شريفة، بالاضافة إلى عدم استغلال المرضى داخل العيادات الخاصة.
فعلى سبيل المثال، تختلف تسعيرة طبيب الأعصاب بين طبيبين داخل المستشفى نفسه في لبنان حوالي ٢٥ دولارًا، وحسب المصادر، فإن سبب هذا الاختلاف مرده الى شهرة واسم الطبيب والطابق الذي يتواجد فيه، إذ إنّ هذه العوامل لها تأثيرها الكبير على التعرفة.
الأمر نفسه حسب المصادر ينسحب إلى خارج المستشفيات، إذ إن التسعيرة تختلف بين مناطق الاطراف، وعيادات المدن، فكل منطقة لها تسعيرتها، حسب أسماء الأطباء، ومستوى العيادات، وبطبيعة الحال مستوى الأفراد.
وعلى الرغم من الأزمة لا يزال لبنان أرضا خصبة لجذب المرضى الأجانب الذين خسر نسبة كبيرة منهم، ليس بسبب الأزمة إنّما بسبب هجرة نخبة واسعة من الأطباء الذين تم اللحاق بهم من قبل المرضى الأجانب إلى البلد الذي هاجروا إليه، وتحديدا إلى الدول الخليجية، حيث بات الطبيب اللبناني هناك نجم المستشفيات على اختلافها.
وحسب معلومات "لبنان24" فإن عددًا لا يستهان به من الأطباء باتوا يفكرون جديًا بعدم تجديد عقودهم مع مستشفيات الخارج والعودة إلى لبنان مع استقرار الأوضاع، إذ توضح مصادر متابعة أن العمل قائم على وضع خطط متلاحقة لإعادة زخم السياحة الطبية في لبنان.
تعرفات متفاوتة
وبالأرقام، رصد "لبنان24" تكلفة المعاينة فقط في أهم المستشفيات اللبنانية، فعلى سبيل المثال وصلت معاينة طبيب القلب إلى 100$ كأحد أقصى، وانخفضت تباعًا لتصل إلى 75، 70، و60$ في 4 مستشفيات مختلفة. الأمر نفسه بالنسبة إلى العيادات الخاصة لهؤلاء الأطباء، إذ إنّ التسعيرة قد ترتفع بين 10 و15 دولارًا فقط. وهذه الأرقام تشكل عند البعض من المواطنين ثلث الراتب حرفيًا، من دون احتساب سعر الأدوية، والمعاينات المتتالية وتكلفة التنقل للوصول إلى الطبيب وإضافات أخرى كثيرة قد تطرأ.
بالتوازي، تؤكّد مصادر وزارة الصحة أن الوزارة تقوم بما عليها، وهي تنتظر التزام المستشفيات الخاصة بقرارها الاخير، وتحديدًا بالتعرفات إذ إنّ المرضى سيتحملون فقط 35% في المستشفيات الخاصة من قيمة إجمالي التعرفة، ويقول المصدر أن هذا الأمر يبقى أفضل وأرحم مما كان يتم اعتماده خلال الأزمة، إذ وصلت آنذاك كلفة تغطية وزارة الصحة إلى 10% فقط من إجمالي ما يتحمله المواطن، حيث ارتفعت اليوم 70% لتغطي الوزارة نسبة وصلت إلى 80%.
ويشدّد المصدر لـ"لبنان24" على أنّ خطة الوزارة هذه تبقى معلّقة على شرط اقتصادي بالمرحلة الأولى وهو استقرار سعر صرف الدولار، فطالما أن الدولار يراوح مكانه، فإن الوزارة سيكون لديها المقدرة على الإستمرار بالتغطية على ما تم الإتفاق عليه.
ويشدّد طالما أن الوزارة تدفع ما عليها للمستشفيات الخاصة، فإن الأخيرة ستُجاري الوزارة بواجب الإلتزام، طالما أنّها تحصل على الأموال اللازمة لتغطية نفقاتها وشراء المواد اللازمة من الموردين التي تُدفع حصرًا بالدولار.
المستوصفات إلى الواجهة
ومع إقرار التعرفات الأخيرة، وعجز العدد الأكبر من المواطنين عن تحملها، اضطر الأطباء، وعلى قاعدة "مُجبر أخاك لا بطل" أن يلتزموا مع مستوصفات متعددة، بعدما فرغت عياداتهم من المرضى، وذلك بعد الإقبال الكبير من قبل المواطنين الذين تمكنوا من الاستفادة من دعم "الأحزاب" في بعض المناطق لهذه المستوصفات.
فعلى سبيل المثال، تواصل "لبنان24" مع أحد هذه المستوصفات، حيث أوضح المسؤول عنه أنّه منذ بدء الأزمة في لبنان، ارتفع عدد المرضى الذين كانوا يزورون المستوصفات بشكل قياسيّ، وهذا ما لم نكن نشهده قبل الأزمة، إذ إنّ المواطنين كانوا يفضلون اللجوء إلى العيادات الخاصة لسبب أن القدرة الشرائية كانت تسمح لهم بذلك، والأطباء لم يكونوا على استعداد أصلاً للإلتزام بمواعيد يومية مع المستوصفات، إذ إن مواعيد العيادة كانت تشكّل أرباحًا أكبر.
ويشير المسؤول لـ"لبنان24" الى أن انعدام الطبقة الوسطى، و تآكل القدرة الشرائية للبنانيين خلال السنوات الأخيرة دفع بالمواطنين والأطباء معًا إلى اللجوء إلى المستوصفات؛ فالمواطن استفاد من التعرفات البسيطة، والطبيب بالتوازي ضَمن لنفسه تغطية العمل الذي فقدَهُ داخل عيادته الخاصة.
من ناحية أخرى، علم "لبنان24" أن العدد الأكبر من الأطباء الذين يتواجدون في مناطق تُعتبر القدرة الشّرائية فيها ضعيفة، عمدوا إلى استئجار عيادة واحدة، حيث يتناوبون على العمل فيها، وهذا الأمر يساعد في تقليل كلفة الإيجار والكهرباء وغيرها من التكاليف التي لا يستطيع الطبيب الواحد في المناطق المذكورة أن يتحملها. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
تحالف "صمود" يستعد لإطلاق قافلة سفن مدنية نحو غزة
غزة - صفا يستعد تحالف "صمود" لإطلاق إحدى أكبر القوافل البحرية المدنية نحو قطاع غزة، بمشاركة زوارق من نحو 39 دولة، في تحرك مدني واسع يحمل طابعًا رمزيًا وإنسانيًا. ويهدف للتنديد بـ"صمت الحكومات" تجاه ما يحدث في غزة وللمطالبة بوقف الإبادة الجماعية وإدخال المساعدات إلى القطاع. وحسب موقع "الجزيرة نت"، يشارك ناشطون من الولايات المتحدة في الإعداد والتنسيق لإرسال زورقين يحملان العلم الأميركي، وينتظر أن يُبحرا من مواقع في البحر الأبيض المتوسط، ضمن التنسيق العالمي لقافلة "صمود". ويأمل المنظمون أن تكون هذه المشاركة الأميركية ذات رمزية تعبّر عن الغضب الشعبي الأميركي من دعم حكومتهم الرسمي لسياسات الحصار والإبادة الجماعية في غزة. ويأتي تحالف "صمود" -الذي ينسق على مستوى دولي لهذه الخطوة- بعد فشل "المسيرة العالمية إلى غزة" في يونيو/حزيران الماضي، وهي محاولة سابقة سعت للوصول إلى القطاع برّا عبر مصر، بمشاركة مئات الأشخاص من 80 دولة. ومنذ ذلك الحين تطورت الفكرة إلى تنظيم تحرك بحري واسع، يسعى لإطلاق أكبر قافلة مدنية من القوارب تجاه غزة تحمل ناشطين ومساعدات إنسانية. وأفاد المنظمون في الفرع الأميركي لتحالف "صمود" العالمي بأن عددًا من المشاركين حول العالم ينتمون لتحالف "أسطول الحرية" الذي قام بتنظيم كثير من سفن كسر الحصار في البحر الأبيض المتوسط منذ 2007. وأشار إلى أن الفرع الأميركي يستعد لإرسال قاربين مدنيين: الأول يقوده محاربون قدامى خدموا سابقًا في الجيش الأميركي، والثاني يضم نشطاء مدنيين وأكاديميين متضامنين مع القضية الفلسطينية. ويقول منظمو الحملة إن هذا التقسيم يحمل رمزية مزدوجة، فهو يعبّر من جهة عن رفض شخصي من داخل المؤسسة العسكرية الأميركية نفسها للسياسات التي تموّل الحرب، ومن أخرى عن امتداد شعبي مدني واسع النطاق لا يُختزل في جالية أو تيار واحد. وتجري حاليًا عملية اختيار المشاركين في القاربين بما يشمل طاقما فنيا يقود السفينة، إلى جانب البحث عن شخصيات وأسماء معروفة، يأمل المنظمون أن توفر حماية رمزية للسفن من أي اعتداء محتمل من القوات الإسرائيلية. وقال المنسق الفلسطيني الأميركي للحراك في واشنطن هيثم عرفات: إن "المبادرة امتداد رمزي لسفن سابقة -مثل مادلين وحنظلة- وتستند إلى تحرك شعبي لا مركزي". وأضاف "للجزيرة نت" أن المبادرة "تعبر عن فقدان الثقة التام في الحكومات، وتُعد ردًا على صمت الأنظمة تجاه الإبادة الجماعية في غزة، ولذلك لا بد من تحرك مدني مباشر، بهدف إنساني بحت: وقف الإبادة وإيصال المساعدات". ويشكّل الفلسطينيون الأميركيون المشاركون في القافلة صوتا مركزيا بهذا التحرك، ليس فقط بسبب انتمائهم السياسي، بل لما يحملونه من قصص شخصية مرتبطة مباشرة بما يجري في غزة. وقال الكاتب والناشط الفلسطيني الأميركي المقيم بمدينة سياتل، طارق رؤوف، إن مشاركته بهذه المبادرة تأتي بعد فقدانه 44 فردًا من عائلته في القطاع خلال العامين الماضيين، كان آخرهم قريبته التي استُشهدت قبل أسابيع في أثناء محاولتها الحصول على كيس دقيق من إحدى نقاط توزيع المساعدات. وأضاف رؤوف "للجزيرة نت"، "لا يمكنني البقاء مكتوف اليدين، عليّ أن أفعل كل ما في وسعي لإحداث تغيير، وهذه القوارب ليست مجرد وسائل نقل، إنها رموز للصمود والعزيمة، ومهما كان مصيرها، ستظل تنطلق حتى ينال الفلسطينيون حريتهم". ومن ولاية نيفادا، قالت الناشطة والمنظمة الفلسطينية الأميركية لينا قدورة إنها انضمت للوفد الأميركي لقافلة "صمود"، لأن "الشعوب يجب أن تتحرك عندما تفشل الحكومات". وأشارت إلى أنها أمضت وقتًا في الضفة الغربية العام الماضي ضمن حركة التضامن الدولية، وشاركت في "المسيرة العالمية إلى غزة"، معتبرة أن هذه القافلة البحرية تمثل "الخطوة المنطقية التالية" في مسارها النضالي الشخصي. وتضيف "أنا فلسطينية أميركية وأعي تمامًا أن حكومتي متورطة بالكامل في تجويع مليوني إنسان، وسنُبحر من بلدان عديدة في العالم لنطالب بوقف التطهير العرقي الممنهج وإيصال المساعدات، لأن حكوماتنا ترفض أن تفعل ذلك". وتحمّل لينا المسؤولية أيضًا للأنظمة العربية قائلة: "آمل أن تنهض الشعوب، خاصة في الدول العربية المجاورة، ويطالبوا بإنهاء هذه الجرائم ونظام الفصل العنصري وبِحرية فلسطين". ويعوّل منظّمو أسطول "صمود" على الزخم الدولي المتصاعد في ظل استمرار المجازر في غزة، ويأملون أن تصل المشاركة إلى نحو 50 سفينة مدنية، تنطلق من موانئ مختلفة وتصل إلى سواحل غزة بشكل متزامن. ورغم التهديدات الإسرائيلية المتكررة بعدم السماح لأي قارب بالوصول إلى شواطئ غزة، فإن القائمين على الحملة يؤكدون أن هذه القوارب -حتى وإن تم اعتراضها- تحمل رسائل سياسية وإنسانية لا يمكن احتجازها. وكذلك يراهنون على الضغط الشعبي في الدول الغربية، وعلى تغطية إعلامية أوسع من تلك التي رافقت قوارب سابقة، خاصة بعد الاهتمام الدولي الذي أثارته سفينتا "حنظلة" و"مادلين".