أكاديميون: للمؤسسات التعليمية الدور الأكبر في تعزيز الهُوية وقيم المواطنة
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
العُمانية: تقوم المؤسسات التعليمية في سلطنة عُمان بدور مهم في تعزيز الهُوية الوطنية من خلال ما تقدّمه من برامج ومناهج في مختلف المراحل التعليمية، لدعم قيم التمسك بمفهوم المواطنة؛ تعزيزًا للانتماء للوطن.
وفي ظل ما تتعرض له المجتمعات عامةً في التوجهات المعرفية والفكرية، من خلال تنوع القضايا والتحولات الاجتماعية تأتي أهمية المؤسسات التعليمية التي تدعم التمسك بالهوية الوطنية لدى الطلبة، لإيجاد جيل واع يجمع بين الموروث والحداثة.
وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد بن علي الشحري مساعد رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة: "تقوم الجامعات بدور ملموس في تعزيز جوانب الهُوية الوطنية لطلابها واعتزازهم بموروثهم وتاريخهم، وذلك من خلال عدة مجالات من بينها طرح البرامج الدراسية التي تتناول التاريخ العُماني، ومنجزات النهضة العُمانية، والخطط المستقبلية لـ"رؤية عُمان ٢٠٤٠"، إلى جانب تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تُعزز هذا الجانب، بالإضافة إلى الخطط السنوية الثابتة لتنظيم الأنشطة والاحتفالات الوطنية".
وأضاف أنَّ جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة اعتمدت المتطلبات الدراسية التي تتعلق بالتاريخ والثقافة الوطنية مواد إلزامية، إلى جانب إقامة الأنشطة الطلابية الوطنية التي من بينها المسابقات والندوات التي ترفع الوعي بالقضايا الوطنية وتشجع على المشاركة المجتمعية، بالإضافة إلى التأكيد على العمل التطوعي والخدمة المجتمعية من خلال دعم مشاركة الطلاب في المشروعات التطوعية التي يكون لها دور ملموس في خدمة المجتمع ويعزّز الانتماء الوطني.
وأكّد على أنّ تنظيم المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية يُعزّز من مسار الهُوية الوطنية من خلال محاورها التي تبرز النشاط العلمي والبحثي للكوادر الوطنية العُمانية، ودورها في دعم خطط سلطنة عُمان الطموحة في التنوع الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية.
ووضّح الدكتور أحمد بن علي الشحري مساعد رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة أنَّ الجامعة ومن خلال منصات التواصل والإعلام تركز على المناسبات الوطنية والفعاليات الداعمة لها؛ وذلك بهدف تعزيز الهوية الوطنية لدى الطلبة في الجامعة.
وتُمثل الهوية الوطنية أهمية قصوى في رفعة الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها يُفقد وجودها واستقرارها، إذ يستمد الأفراد انتماءهم إلى جملة من الرموز والمعايير التي تجعلهم يرتبطون ببعضهم البعض، وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد بن عبد الرحمن بالخير أستاذ الدراسات اللغوية المشارك بجامعة ظفار: "إنَّ ما يشهده العالم الآن من تحولات كبرى طالت كل مجالات الحياة الفكرية والمادية والبيئية" يعني أنَّ عالمًا جديدًا يجري صنعه، وتلعب التقنية والعلم الحديث الدور الأخطر فيه، نظرًا للتحولات التي لامست البعد النفسي والفكري للإنسان، مما يعني أنَّ هناك ثقافة جديدة يجري إنتاجها.
وأضاف أنَّه في ظل ما تتعرض له المجتمعات عامة من أزمة متعددة الأبعاد في سياق التغيرات الناتجة عن التحولات الاجتماعية والمعرفية التي دعمت الرفاهية وتوافر البدائل، وتنوع طبيعة القضايا الفكرية حول نوع الإنسان الذي يستطيع مواكبة المتطلبات المتجددة يبرز دور المدرسة كمؤسسة اجتماعية تسعى إلى ترسيخ الهُوية الوطنية، إذ تقوم بدور كبير ومهم في تنمية قيم الهُوية وأركانها من خلال المناهج التربوية التي تُعد عنصرًا أساسيًّا في تشكيل هُوية المجتمع، إلى جانب دورها في تعميق الانتماء والولاء لدى الطلبة والعمل على تأصيله لديهم من خلال غرس القيم الوطنية ومعتقدات المجتمع، وربطهم بلغتهم ودينهم وتاريخهم وحضارتهم.
وأردف أنَّ هناك العديد من المؤسسات التي تُسهم في بناء مفهوم الهوية الوطنية، وتنمية الشعور به لدى الفرد ومنها الأسرة والمؤسسات الدينية والرفاق ومجموعة العمل والمدرسة التي تنفرد عن غيرها بالمسؤولية الكبيرة في تنمية هذا المفهوم، وتشكيل شخصية المواطن والتزاماته، وتنجز المدارس تلك المسؤولية من خلال المناهج الدراسية في شتى المراحل التعليمية.
ووضّح أنَّ المناهج التربوية تمثل الإطار العام للتعليم الذي يتم بموجبه تأهيل الدارسين بالقيم والأنماط السلوكية والمهارات والمعارف اللازمة لحياة الإنسان كمواطن يمتلك شخصية فعّالة في مجتمعه، إذ تُعد المناهج التربوية حلقة وصل بين التربية كفلسفة وأطر نظرية وفكرية تبنى على أسس قيمية واجتماعية وثقافية ونفسية ومعرفية، وبين التعليم بوصفه الجانب التطبيقي الذي من خلاله يمكن أن يتحقق ما يسمى بالأهداف التربوية التي تعرف على أنَّها توجيه الناشئة نحو السلوك المرغوب فيه؛ لتحقيق تكيف الفرد مع ذاته ومحيطه وتكوين ما يسمى بالمواطنة الصالحة.
وأشار إلى أنَّ المؤسسات التربوية الأولية -المدارس- تُعد حجر الأساس لحياة الإنسان كلها، لهذا فقد اكتسبت أهمية عظيمة في تطوير الأفراد وتأهيلهم، لافتًا إلى أنَّ المدرسة تُسهم في عملية التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي وإعداد الشباب للمستقبل وإكسابهم معايير وقيم مجتمعهم، وتعمل على توثيق الصلة بين المجتمع والمدرسة من خلال توجيه الطلبة إلى التأثير في المجتمع، وتمكينهم من المساهمة في الخدمة الاجتماعية، إلى جانب العمل على نقل التراث الاجتماعي والاحتفاظ به وتطويره وتبسيطه.
وأكّد الدكتور أحمد بن عبد الرحمن بالخير أستاذ الدراسات اللغوية المشارك بجامعة ظفار أنَّ التعليم هو القاعدة الصلبة التي تبني الدول عليها مشروعاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وتحقق من خلاله مستقبلها الذي تتطلع إليه، إذ يتم من خلاله تنمية مكونات الهوية الوطنية وغرس القيم المعرفية والخلقية في مؤسساته التربوية، مُشيرًا إلى أنَّ المؤسسات التعليمية هي المكان الأهم في تشكيل الهُوية الوطنية وصناعتها.
ووضّح أنَّ للوعي بالهوية الوطنية والالتزام بها آثارًا عظيمة تنعكس على الفرد والمجتمع والوطن بشكل عام، وتتمثل في قوة النسيج الاجتماعي، إلى جانب النهضة في العلم والمعرفة، والقوة في الاقتصاد، والاستغلال الجيد للعقول المبدعة، والتطوير الدائم والبناء للوطن، وهيبة للوطن والمواطن إذا اعتز الكل بهويته الوطنية، فأحسن فهمها، وأجاد لغة التعبير عنها.
إنَّ الهُوية الوطنية في سلطنة عُمان بُنيت على مرتكزات أساسية هي الدين الإسلامي واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، ويقول الدكتور عامر بن أزاد الكثيري محاضر أول لغة عربية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة "إنَّ كل مرتكز من هذه المرتكزات ينبغي أن يكون حاضرًا في وعي الطالب وإدراكه، وهذا ما تعمل المؤسسات التعليمية على تعزيزه خلال سنوات الدراسة.
وأضاف: على الجامعات أن تضطلع بدور كبير في مواجهة تحديات العولمة وإبراز الخصوصية الثقافية الكبيرة التي تتمتع بها سلطنة عُمان، من خلال إجراء الدراسات النظرية والتجريبية على المجتمع وإعداد دراسات إحصائية دقيقة من أجل المساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة من الجهات المعنية بوضع التشريعات.
وأكّد على ضرورة الاهتمام باللغة العربية بشكل واسع في الجامعات، إذ تتمثل قوة الشعوب الناعمة في تمسكها بلغاتها والاعتزاز بها، لافتًا إلى أنَّه يحق لنا التمسك بالعربية والاعتزاز بها، فهي لغة القرآن ولغة التدوين والحضارة ويجب أن تكون لغة العلم والحياة أيضًا.
وحول دور الهُوية الوطنية في الحفاظ على الإرث الحضاري ومقومات الهوية العُمانية أشار الدكتور عامر بن أزاد الكثيري محاضر أول لغة عربية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة إلى أنَّ سلطنة عُمان غنية بموروثها الثقافي واللغوي والتاريخي والحضاري، موضحًا أنَّ عملية توثيق عناصر الهوية يجب أن تتبع مسارين: يتمثل الأول في استخراج المدونات التاريخية التي تتحدث عن مكانة سلطنة عُمان التاريخية واللغوية والحضارية وشواهد ذلك كثيرة، والمسار الثاني يجب أن يتم بشكل منهجي واضح وسليم في توثيق جميع مفردات الهوية العُمانية من خلال الاهتمام بالإرث الحضاري والتراث الثقافي في شِقّيه المادي وغير المادي، مُشيرًا إلى أنَّ سلطنة عُمان غنية جدًّا بالمفردات الثقافية، إذ وثقت 14 مفردة في التراث غير المادي والمجال مفتوح للإضافة ولكنَّه يحتاج إلى منهجية علمية دقيقة للكشف عن هذه المفردات.
ووضّح أنَّ الهوية عندما تُدرّس بشكل واضح وتحدد معالمها ببناء علمي دقيق فإنَّ ذلك يؤدي إلى زيادة التماسك والتواصل بين أبناء المجتمع، لافتًا إلى أنَّه من خلال البحث في التاريخ العُماني المشترك كُشف عن تواصل فعّال منذ القدم بين مختلف أفراد المجتمع الموزعين في جميع محافظات سلطنة عُمان، إذ أثبتت بعض الأبحاث في اللهجات العُمانية بأنَّ هناك ظواهر لغوية تاريخية مشتركة بين أبناء محافظات ظفار وجنوب وشمال الشرقية والداخلية والظاهرة والبريمي ومسندم، مما يعزّز التاريخ المشترك والتواصل القديم بين أبناء سلطنة عُمان، إلى جانب عددٍ من الأبحاث العلمية اللغوية التي أثبتت أيضًا أنَّ العلاقة التي تربط بين الحضر والبدو في سلطنة عُمان علاقة متماسكة جدًّا لا تجد لها نظيرًا في كل المجتمعات العربية .
وأشار الدكتور عامر بن أزاد الكثيري محاضر أول لغة عربية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة إلى أنَّ من أهم العوامل التي تؤدي إلى استدامة الهُوية الوطنية هي الوعي التام بمرتكزات الهوية ودورها في نهضة البلد، وارتباط العُماني بأبناء دينه وثقافته ولغته، إلى جانب ربط الجوانب الأصيلة من الهوية بالمشاركة المجتمعية من خلال استثمار الهوية الثقافية مثلًا في الجانب السياحي الأمر الذي تعود فوائده على أبناء المجتمع مما يجعلهم يشعرون بقيمة ثقافتهم وأهمية المحافظة عليها، بالإضافة إلى ربط الهوية بنتائج البحث العلمي من أجل إغناء عناصرها بالتقنيات والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يُسهل نشرها وتلقيها من جمهور الشباب.
إنَّ التربية على المواطنة تشهد عناية فائقة في سلطنة عُمان، وذلك من خلال الاهتمام الكبير الذي توليه وزارة التربية والتعليم في هذا المجال، وتضمين المناهج الدراسية المعارف والمهارات المتعلقة بالمواطنة في مختلف المراحل الصفية.
وقالت الدكتورة ميزون بنت بخيت الشحرية المكلفة بأعمال المدير العام بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار رئيسة فريق عمل التربية على المواطنة "يعمل الفريق على ترجمة الأهداف والمجالات والأبعاد الواردة في وثيقة التربية على المواطنة، وربطها بجميع البرامج والفعاليات التربوية المختلفة بمدارس المحافظة؛ وذلك لإبراز وتعزيز دور المدرسة التربوي والريادي بصفتها أهم مؤسسة داعمة لتربية النشء، إلى جانب التعاون مع المدارس بمختلف المراحل التعليمية في اقتراح وتنفيذ البرامج والأنشطة الداعمة للطلبة لتعزيز الهوية الوطنية والشعور بالانتماء وغرس حب الوطن والولاء للسُّلطان في نفوس المتعلمين وتقدير رموز الوطن والمحافظة على منجزاته".
وأضافت أنَّ وزارة التربية والتعليم حددت مجموعة من المجالات وفق ما تضمنته الوثيقة المتمثلة في المجال المعرفي والمهاري والوجداني، كما اشتملت الوثيقة كذلك على مجموعة من الأبعاد من بينها البعد الديني والوطني والقانوني والتقني، وتُراعى هذه الأبعاد أثناء إعداد الخطط الاستراتيجية أو تنفيذ المشروعات والدراسات التربوية التي تخدم وتستهدف الطلبة.
ووضّحت أنَّ المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار ممثلة بفريق عمل التربية على المواطنة تقوم بشكل سنوي بإعداد وتنفيذ خطط عمل وبرامج مختلفة منبثقة من وثيقة التربية للتربية على المواطنة التي أُعدت من قبل وزارة التربية والتعليم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التربیة على المواطنة المؤسسات التعلیمیة الدکتور أحمد بن الهویة الوطنیة الع مانیة إلى جانب ا إلى أن تعزیز ا من خلال التی ت
إقرأ أيضاً:
القومية والمكونات: رحلة الهوية والانتماء
لا أريد تسيير بحث أكاديمي، ولكن أريد تسليط الضوء على واقع نعيشه؛ مأساة متواصلة تبدأ بفكرة راقية وتتجه للتدني.
تعريف القومية ونشأتها
القومية، بمفهومها العام، هي أيديولوجية سياسية واجتماعية تركز على الانتماء إلى أمة معينة، تتشارك في خصائص مشتركة مثل اللغة، والثقافة، والتاريخ، أو الأرض. إنها فكرة تحرك الشعوب بالعصبية، في الوقت ذاته قد تكون مصدرا للانقسام والصراع بين القومية ذاتها عند هيمنة المغامرين والفاسدين على مصير شعب قد يمج سلطانهم لكنه يطيعهم عجزا أو عندما تستثار غريزته وخوفه من الآخر.
تعرف المعارف وويكيبيديا القومية بأنها "شعور بالانتماء الجماعي إلى "أمة"، يقوم على فكرة أن هناك هوية مشتركة تربط أفرادها. ظهرت القومية كأيديولوجية حديثة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، مرتبطة بحركات الاستقلال والتوحيد الوطني، مثل توحيد ألمانيا وإيطاليا، أو تحرر الشعوب من الاستعمار. كانت القومية في ذلك الوقت تعبيرا عن رغبة الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض الهيمنة الأجنبية، سواء كانت إمبراطورية أو استعمارية".
نماذج منطقتنا في القومية أدت إلى تخلفه وتصارع القادة للقوميات ونفس القادة داخل القومية الواحدة، فالقومية لا تمنح فكرا قيميا متكاملا، فتجد دعاة القوميات من الأقليات يحاولون أن يحافظوا على نفوذهم في عملية معقدة من الظن بأنه يمتلك الحق في قيادة قومه
نلاحظ أن الغرب تبنى القومية لرمي الأثقال وليس عصبية فقط، لكنها بدون شك أورثت عصبيات ونوعا من الكراهية والاحتقار الداخلي؛ الذي لا يظهر تأثيره بحكم هيمنة نظام استعماري سرعان ما استفاد من نتائج الفورة القومية بإقامة النظام الاقتصادي الرأسمالي والدولة الحديثة، وتقاسمت تلك الدول النفوذ ومصادر الطاقة والإنتاج، لتحاول التوحد على أساس اقتصادي وسياسي، وهو نوع آخر من تعريف القومية، ونلاحظ أن فشله لم يعلن رغم انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للنجاة من ثقل أصلا نسي عبر التاريخ أنه سبب استثارة القوميات.
هل القومية فكرة رابطة:
نماذج منطقتنا في القومية أدت إلى تخلفه وتصارع القادة للقوميات ونفس القادة داخل القومية الواحدة، فالقومية لا تمنح فكرا قيميا متكاملا، فتجد دعاة القوميات من الأقليات يحاولون أن يحافظوا على نفوذهم في عملية معقدة من الظن بأنه يمتلك الحق في قيادة قومه، إلى أنه الأنجح في الدفاع عن مصالحهم إلى استغلال الدعوة كلها والمساومات من أجل البقاء والهيمنة التي تُمنح له من جهات اقوى للحفاظ على المكتسبات استغلالا للقومية وليس دفاعا عن "المبادئ" كما يقال.
الدعوة القومية العربية: مكنت المصالح بالدعوة للقومية للاستعمار السيطرة وبقي يمد أذرعه بأشكال متعددة:
* استثارة المشاعر في إسقاط الدولة العثمانية؛ الذي كان يمثل نهاية نظام التخلف العام إلى التخصيص في التخلف وفق مصالح الدولة الحديثة التي تريد السوق والطاقة وليس مصالح القوميات.
* انقلاب المغامرين على الحكم والتعسف والظلم أدى إلى تدهور باتجاهين؛ الأول أن العرب فقدوا الثقة بالدعوات القومية واتضح أنها وسيلة لتبرير الطغيان، والعجز من العسكر عن إنجاز نسبة ضئيلة مما تزعمه النخب القومية التي اتخذت مسلك النفعية بدورها.
* استثار الظلم العام الأقليات الأثنية وكأن الظلم واقع عليها لوحدها وبفقدان الرابط الجامع بينها وبين العرب كالثقافة الإسلامية، أصبح هنالك قادة وعادة يكونون ممن يمتلكون الجرأة ولم يلبثوا طويلا إلا وتحولت حركاتهم بيد الدول الصناعية؛ تحركه لإبقاء حالة عدم الاستقرار بالإخلال الأمني أو التشكيك بإمكانية توحيد الأمة.
* الصراعات والاختلافات بين دعاة القومية انتقلت من الظن بامتلاك الحقيقة أمام مهيمن فاشل "لا يفهم القومية ومعانيها"؛ إلى إدراك هؤلاء بعد إزاحتهم أن الفكرة نفسها لا تصل بهم إلى حيث يريدون بحكم التنوع الإثني والتدخلات الخارجية التي بإمكانها إعاقة أي مسار نحو الاستقرار بإثارة خلل أمنى يمنع أي تطور مدني.
* الدول العربية من فكرة الأمة الجامعة إلى الفضاءات كمجلس التعاون الخليجي المتراجع حاليا، ومجالس فاشلة أرادت تقليده، ثم إلى "الدولة" الطامحة لإرضاء من تظنه مصدر استقرارها على حساب الشعوب المحكومة منهم وعلى حساب الأمة ككل.
* الأقليات نفسها مهما صغرت تنقسم وفق عدد أصحاب المصالح فيها، ودرجة صراعاتها تعتمد على مدى تأثر مصالح هذه الشخصيات وهي تكون على شكل أحزاب وعوائل وطوائف.
نفس الكلام ينطبق على الدعوات الطائفية، حيث تستغل المشاعر الدينية في تحقيق المصالح والمكتسبات الشخصية وتدمير الدين في نفس الوقت نتيجة ارتداد استنهاض غريزة التدين عندهم، وهذه تحتاج وقتا أطول للانكشاف بالرصيد الجماهيري، لأنها تخاطب غريزة حاكمة وليس قيمة اجتماعية ربما تتآكل.
نظام المكونات: هل ينتج أمة ودولة أم يفككها؟
نظام المكونات هو نموذج حكم يقسم المجتمع إلى مجموعات (طوائف، أعراق، أديان) ويمنح كل مجموعة حقوقا أو تمثيلا سياسيا بناء على هويتها. مثال بارز هو النظام الطائفي في لبنان ونظام طائفي إثني كما في العراق، هذا النظام يدّعي تحقيق التوازن بين المكونات، لكنه واقعا يعزز الانقسامات بدلا من الوحدة.
نظام المكونات، يعيق تكوين هذه الأمة. على سبيل المثال، في العراق، النظام السياسي بعد 2003 اعتمد على تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة والأكراد، مما عزز الانقسامات بدلا من تعزيز هوية عراقية، وهذا نتج عنه اضطراب أمني وغياب للاستقرار المجتمعي عبّر عن مخاوف وأطماع دول الجوار وحيرة الشعب، وهي تحديات خطرة لم تك موجودة رغم سوء النظام ككل منذ تأسيس العراق؛ إن استثنينا عاملا مهما في النظام الملكي وهو إنشاء دولة بدأت بالتآكل تدريجيا بانقلاب تموز/ يولي الدموي واستبدل الارتقاء بالانحدار، لتعطي اليوم مؤشرا سلبيا في منعطف خطر وتخلف عن الخمسينات وليس قياسا بالتطور في العالم.
الصراعات تفكك الدولة، لأنها تحول دون بناء مؤسسات قوية أو هوية وطنية موحدة، فنجد تحييدا وعدم اهتمام بالكفاءات وامتصاص للهيكل الحكومي بدل تدعيمه، فلا صياغة لإرادة وطنية أو نهضة بلا حكومة قوية، بمعنى الأداء والفكر السليم المتمدن وليس بمعنى التسلط والعنف فتلك سلطة غاشمة وليست حكومة قوية
هل ينتج نظام المكونات دولة أم يفككها؟
نظام المكونات ينشئ سلطة مفككة وضعيفة للأسباب الآتية:
* النظام الطائفي والاثني مشروع للتشظي وليس للوحدة، وهو الآن ينظر إليه شعبيا كمصلحة أشخاص.
* عندما يعتمد النظام السياسي على تقسيم السلطة بين المكونات، يصبح من الصعب بناء مؤسسات دولة قوية ومحايدة. المؤسسات (مثل الجيش أو القضاء) قد تصبح موالية لأشخاص.
* تقاسم السلطة والمصالح بين زعماء المكونات لا يعير اهتماما لرؤية تطور وإعمار، وإنما التنافس من أجل المصالح والفوز بلا برنامج تنمية يعني مزيدا من استثارة السلبيات والتفكك. الصراع على تعزيز السلطة والموارد يؤدي إلى صراعات داخلية بعضها مصطنعا من أجل زيادة عوامل ضياع الاستقرار حتى وإن حل الأمن.
* عندما يصبح الظلم والفساد قاهرا فيحاول المظلوم أن يتماهى معه وهذا سيفسر انتصارا، عندها ستبدأ مرحلة أخرى من الفوضى والأمة تخسر عوامل تقدمها وحياتها بأبسط صورها.
* هذه الصراعات تفكك الدولة، لأنها تحول دون بناء مؤسسات قوية أو هوية وطنية موحدة، فنجد تحييدا وعدم اهتمام بالكفاءات وامتصاص للهيكل الحكومي بدل تدعيمه، فلا صياغة لإرادة وطنية أو نهضة بلا حكومة قوية، بمعنى الأداء والفكر السليم المتمدن وليس بمعنى التسلط والعنف فتلك سلطة غاشمة وليست حكومة قوية.
* في انتشار الفساد لن تجد رؤية وتطور وإنما تراجعا، فلا يبنى بناء بمعول واخذ تربة الأرض بل بجلب مواد البناء والبنائيين.