احترام حقوق الفلسطينيين هو السلام
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
من المدهش والمزعج- في آنٍ واحد- أن تضج عقولنا بالكلام عن السلام مع اليهود، ونتناسى تاريخهم، وسيرورة أزمنتهم وصيرورة أمكنتهم، وتوجد أقفال على أبواب تفكيرنا عن جديد واقعهم وأحداثه، وتراكمات أدران قلوبهم، يمر بنا زمنهم المعاصر، لا يوجد من يُعيد أعناقنا إلى وضعها الطبيعي بعد أن لويت لقرون خلت.
تمر السنون، نعيش أحداثها الاستثنائية التي جاد بها زمننا، فترات منها ضَمِنت لنا مكانة بين الأمم، تعددت أنواعها، منها في يومنا هذا أحداث غزة العزة، التي سطر أبطالها فيها إبداعات قتالية ضد الصهاينة المحتلين، لم يسبقهم أحد إليها، ومن غاص في ملحمة غزة وجد فيها نفسه.
عمل المقاومة في غزة استثنائي ومختلف، زالت به عن العالم أقنعته، وأزاحت عنه أصباغه، أسقطت فيه جدران الوهم بين الزمان والمكان، فإذا بالماضي يصير بصيغة الحاضر، والحاضر يتلبس صيغة المستقبل، بدت لحظات الصمود فيه خيرا مطلقا للأمة العربية والإسلامية، تكشفت تحته طبقات سادية بني صهيون في معاناة الشعب الفلسطيني، ورغبتهم الأبدية في الإحساس بالقوة والتعالي.
وقفت سفينة الحياة في أرض فلسطين عندما تقاعست الأمة العربية والإسلامية عن القضية، وتركت الأرض في قبضة كيان اصطنعه المستعمر في زمن الاستسلام والخنوع، ثم جاء طوفان الأقصى عملا بطوليا شامخاً في البحث عن حرية الأرض والإنسان، في زمن تحكمه ازدواجية المعايير تخدم الصهاينة أعداء الإنسانية، في رحلة، لا يبحث فيها أصحاب الحق إلا عن أسمى الرسائل البشرية، رحلة تعمق فيها البحث عن العدل، عبر مراحل الزمان والمكان، رحلة حضارة مازالت تحتل الكينونة الإنسانية بكل توجهاتها، نضال يفرق بوضوح بين الحقيقة والوهم، وزمان يطرح أسئلة في الوجود البشري كله.
لقد حركت المقاومة الفلسطينية زرًا في الجهاز الأممي، وانطلقت في الكفاح عن قضية أتى تاريخها من زمن سحيق، رأى الزمان من خلالها حقول التين وأشجار الزيتون وعسل جبل الطور، شيء من تلك الأنسام أصاب قلوبنا برعشات من الإكسير تغزو العروق، حين دعت المقاومة أمتها التي لم تكن تقوى على الانتصاب، لكن استسلم الشعور بين سواعد أبطال المقاومة لاستعادة القوة، هكذا تابعت شعوب الأمة، توزعت طاقتها الإيجابية في كل أنحاء أرض فلسطين، حتى وجدتُها تسبق بتأييدها حقوق ضيعت مع الزمن؛ فسألت الأرض:
"ألا تحبين الحرية؟"، فأجابتها: "ومن ذا الذي لا يُحب الحرية؟".
ثم استدارت معها شعوب العالم الحرة خلف أصحاب الحق مثل أحجار القدس، وعادت لتضمهم كقبة الصخرة تقف عليها تلك الأعمدة قبل الآلاف من السنين، رحلت بهم إلى ما قبل الميلاد لتحكي لها حكاية الحق التي لم يقلها الصهاينة، كصاعقة زاغت العقول عند بابها! عبر الأزمان تطير! تعود بالزمن عشرات القرون لكي تستجدي تلك الحضارة الإنسانية القديمة، من أجل أن تستقيم الحياة على أرض فلسطين، التي دنستها حضارة الحرب والظلم ولذة القتل.
إنِّه العُوار العظيم في حياة الصهاينة، كلها رذيلة، وكلها افتراس، وكلها قتل وتنكيل بأصحاب الحق!، جعلهم ينادون بالعودة إلى العقيدة لنسألها فيما لو كان اليهود يوما أصحاب عهد أو ذمة، لأنهم الناكثون الماكرون، قتلة أنبياء الله ورسله!، لنعود إلى تاريخهم وسيرورة أزمنتهم الغابرة، وصيرورة أمكنتهم، لكي يقولوا لنا إن كانوا أصحاب عهد أو ذمة!، رغم أننا نعرف أننا مهما طالبناهم بحقوقنا، نحن مرفوضون!، هذا هو قانونهم، وكل قانون غير هذا عندهم، هو معاداة لساديتهم!، إذن، حتى الآن، يبقى كل ماعدا العمل المقاوم لاسترداد الحق، هو سراب!، ونحن نعلم أن السراب في قانون الظلم يبقينا في انتظار ذاك السراب الذي نراه، ونحن في صحراء العطش منذ أن سلبت أرض فلسطين.
تمسكي يا أمتي في حبل مشيمة رحم الإسلام، إنه ذاك الحبل الذي يعيدنا إلى جذر الجذور، عندما يكون كل شيء في عالمنا مسموحًا، القوي هو من يكتب فيه ما يشاء! حتى إذا ما أسودت صفحات الحق بقانون الظالم، جاء الضعيف لكي يرى نفسه فيها ضحية! يرى في لحظة ظنَّ فيها أن الآمال قريبة، تجسدت في كلام عن سلام منشود، وإذا بمفاوضاته تحطم صخور القدس والأقصى، ونابلس، وجنين، ورام الله، وتقتلع غزة بمن فيها، وبقي الفلسطيني، مثل شعوب الأمة، يحلم بين ضياع الأرض وأنشودة السلام مع من لا يحترم حقوق الآخر ولا يعترف بوجوده، ناظرًا؛ بل ولا يعترف بإنسانيته.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تفعيل الإعدام بروسيا بين الضرورات الأمنية واعتبارات حقوق الإنسان
موسكو- تزايدت حدة النقاش السياسي والقانوني في روسيا في المدة الأخيرة بخصوص ضرورة إعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وانتقلت هذه المرة إلى مجلس الدوما (البرلمان) حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لإعادة العمل بالعقوبة المثيرة للجدل في البلاد، وذلك في أعقاب عدد من الهجمات التي تعرضت لها العاصمة موسكو ومدن روسية أخرى.
ووجه رئيس حزب "روسيا عادلة-من أجل الحقيقة"، سيرغي ميرونوف، نداء إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطالبا إياه بإعادة النظر في موقف المحكمة الدستورية بشأن عقوبة الإعدام ورفع وقف العمل بها.
في المقابل، وصفت النائبة عن كتلة "الشعب الجديد" ساردانا أفكسنتييفا المقترح بالمُريع، وطالبت النواب بضرورة "الالتزام بمبادئ الإنسانية وعدم العودة إلى العصور الوسطى"، حسب وصفها.
واكتسب الحديث عن هذا الموضوع زخما إضافيا في ضوء الحديث عن ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية تتضمن تشديد العقوبة بحق المتورطين بارتكاب أعمال تهدد الأمن القومي الروسي.
وخلال جلسة عامة لمنتدى سانت بطرسبورغ القانوني الدولي، طرح رئيس لجنة التحقيقات الروسية ألكسندر باستريكين مبادرة لإعادة تفعيل العمل بعقوبة الإعدام، تشمل أنواعا محددة من الجرائم، مستشهدا كمثال على ذلك بالهجوم الذي وقع في مجمع كروكوس في مارس/آذار العام الماضي، وسقط ضحيته العشرات بين قتيل وجريح.
إعلان تعليق العقوبةتم فرض وقف مؤقت لاستخدام عقوبة الإعدام في روسيا منذ 16 أبريل/نيسان 1997، وهو ما يُفهم على أنه تقييد مؤقت لاستخدامها لكن من دون استبعادها من قائمة أنواع العقوبات، مع حظر استخدامها على أراضي البلاد.
ولا تُطبّق عقوبة الإعدام حاليا كشكل من أشكال العقوبات الجنائية، وذلك بعد توقيع روسيا على البروتوكول رقم 6 لاتفاقية ستراسبورغ لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.
وآخر مرة استُخدمت فيها عقوبة الإعدام في روسيا كانت عام 1996 ضد سيرغي غولوفكين الذي اتُّهم بارتكاب ما يقرب من 40 جريمة اغتصاب وقتل لأطفال في موسكو، وقد أُعدم في سجن بوتيركا بالعاصمة.
وفي العموم، لا تُفرض عقوبة الإعدام في روسيا على النساء، والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم وهم دون سن 18، والرجال الذين بلغوا سن 65 وقت إصدار المحكمة حكمها، ويمكن -بموجب العفو- استبدال هذه العقوبة بالسجن المؤبد أو السجن 25 عاما.
في إحدى الدراسات، وفي سياق مناقشة الهجوم على مجمع كروكوس، أجاب أكثر من نصف المشاركين (57%) بأنهم يؤيدون بشدة تطبيق عقوبة الإعدام، بينما عارض ثلثهم تطبيقها بشدة (33%)، ووجد 10% الباقون صعوبة في اتخاذ القرار.
وبناء على عمر المشاركين ومكان إقامتهم، برزت اختلافات ملحوظة حول هذه المسألة، إذ يؤيد كبار السن (فئتا 40-54 عاما و55 عاما فأكثر) عقوبة الإعدام بنسبة 59% و61% على التوالي، وكذلك الأمر بالنسبة لسكان المدن الصغيرة (التي يصل عدد سكانها إلى 100 ألف نسمة) بنسبة 61%، والذين يثقون بالتلفزيون مصدرا للمعلومات (59%).
في حين أن الشباب (18-24 سنة)، وسكان موسكو، والمدن التي يزيد عدد سكانها على 500 ألف نسمة، وأولئك الذين يثقون بالمعلومات من قنوات اليوتيوب، يتخذون موقفا ضد عقوبة الإعدام أكثر من المجموعات الأخرى بنسب 53%، و39%، و39% و49% على التوالي.
إعلانوفي الوقت الذي يعبر فيه خبراء قانونين عن مخاوفهم من أن إعادة العمل بعقوبة الإعدام قد تؤدي إلى أخطاء قضائية، يؤيد البعض إمكانية إعادتها في حالات معينة، على سبيل المثال في حالة الأعمال الإرهابية.
ضروراتيؤيد الخبير في القانون الدستوري دميتري أرتيوموف العودة إلى تفعيل العمل بعقوبة الإعدام، لكنه يقول إنها يجب أن تطال فقط من يثبت تورطه بشن هجمات وعمليات إرهابية على الأراضي الروسية، إضافة إلى المتورطين بجرائم التجسس لمصلحة "العدو".
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن إدراك الشخص أن ارتكاب الجرائم الخطيرة ضد مصالح البلاد وأمنها القومي قد يُؤدي إلى معاقبته بالإعدام سيشكل أقوى وسائل الردع.
ووفقا له، فإن من فوائد هذا النوع من العقوبة إمكانية تحقيق العدالة، ففي حالة إدانة شخص بجريمة تطال المواطنين والأمن القومي يُمكن أن يُؤدي الإعدام -لا سيما العلني- إلى شعور بالرضا الأخلاقي لدى الضحايا والمجتمع ككل، كما يُمكن أن تُشكّل عقوبة الإعدام وسيلة فعّالة للترهيب.
ويتابع أن العودة إلى هذا الشكل من العقوبات بات أكثر إلحاحا، في ضوء الأحداث المأساوية التي تسببت بها العمليات التي شنتها أوكرانيا داخل الأراضي الروسية، وتحسبا لتورط مواطنين أو مقيمين في روسيا في مساعدة "العدو" على ذلك.
فضلا عن ذلك، يشير إلى أن تفعيل عقوبة الإعدام يعد أكثر فائدة حتى من الناحية الاقتصادية، إذ إن "إعالة" السجناء طوال حياتهم يُمكن أن تُكلّف الدولة مبالغ طائلة.
في المقابل، يرى المستشار القانوني بمركز "كونستالتينغ بلوس" إيليا يانشيشيف استحالة عودة عقوبة الإعدام في ظل الدستور الحالي، لأن روسيا وضعت نظاما قانونيا يستبعد استخدامها، فضلا عن التزامها بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
ويوضح للجزيرة نت أنه لا يمكن إعادة عقوبة الإعدام، لا بالقانون، ولا بالاستفتاء، ولا بالتعديل من دون اعتماد دستور جديد، محذرا من خطورة العودة إلى هذه القضية، لا سيما بالنظر إلى ارتفاع نسبة الأخطاء القضائية، والتي حسب قوله لن يكون من الممكن تجنبها في الأحكام.
إعلانووفق رأيه، يجب أن ينصب التركيز على تحسين عمل الأجهزة الأمنية والنظام القضائي، مؤكدا أن استئناف العمل بعقوبة الإعدام لن يُؤثّر على التهديدات الإرهابية القائمة.
وحسب المتحدث، فإن عقوبة الإعدام باعتبارها أحد أشكال العقاب موجودة في جميع البلدان منذ العصور القديمة، لكنها أثبتت عدم فاعليتها، ولم تُسهم في الحد من الجرائم.