نسمع جعجعة ولا نرى طحينًا
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
شهدت محافظة ظفار حراكًا إعلاميًا غير مسبوق منذ عامين ونيف، ولا يكاد ينجلي شهر إلّا على وقع افتتاح مؤتمر أو ملتقى أو ندوة أو ورش عمل، تناقش أداء الاستراتيجيات والرؤى، ناهيك عن استطلاعات الرأي التي باتت نهجًا لبلدية ظفار في تجديد الأسواق وتطوير المحافظة، إضافة للزيارات الميدانية التي يشارك فيها جميع مسؤولي المحافظة إلى ولايات المحافظة بعيدًا عن المركز.
كل ذلك يمثل حراكًا محمودًا وسعيًا حثيثًا لخلق واقع جديد أفضل للمحافظة الجنوبية الواعدة كوجهة سياحية ومنفذ اقتصادي ولوجستي عالمي لعُمان، إلّا أن المتابع لا يرى تغيُّرًا ملموسًا يتناسب مع كل هذا الحراك، ومن هنا أتت فكرة هذا المقال لتذكير أصحاب القرار في المحافظة بأهمية أن يرى المواطن والزائر آثار هذا الحراك على الواقع، وأن يكون الإنسان في المحافظة هو الهدف الأول لأي جهد أو مسعى، ويجدر بنا القول هنا بألا تكون ظفار فقط مصيفًا لمدة 40 يومًا تُفصَّل فيه الامتيازات والتخفيضات والعروض للزوّار والسياح فقط.
لا يمكننا تطوير المنتج السياحي في ظفار بجر الأكشاك ودورات المياه سنويًا بين السهول والوديان والجبال؛ فثقافة الأكشاك والبيع على الطرقات باتت ثقافة جديدة ابتدعتها الجهات المعنية لتتجنب العمل على إرساء بنية أساسية لمشهد سياحي مُستدام في ظفار، فباتت الصورة هي نفسها كل عام: ازدحام وتكدس في وجهات مُكررة، لا يقضي فيها الزائر وقتًا طويلًا، في ظل توافد قرابة المليون إنسان يطوفون على نفس المشاهد وليس أمامهم إلّا الابتكار، فباتوا يتزلجون في الوحول كنوع من الترفيه المفقود، ليعترض الرعاة وتُغلق المسارات، ويُجَر السائح إلى خانة الاتهام. وهنا لا أدري كيف تُقيِّم المحافظة تطوير المنتج السياحي الذي تُقدِّمه؟
من واقع هذا المشهد، ربما التطور الجديد هذا العام هو تثبيت قيمة تذاكر طيران الناقل الوطني بمكيالين لا ثالث لهما، وتمنيتُ لو كان المكيال واحدًا وهو 54 ريالًا للتذكرة ذهابًا وعودة للعُمانيين طوال العام، من وإلى ظفار؛ فالانتقائية التي ميَّزت الموسم السياحي في ظفار بهذا السعر تنال من مفهوم العدالة الاجتماعية في التعامل بالمثل؛ فسكان ظفار لهم مصالح دائمة في مسقط، ويتوافدون عليها في كل المواسم. ومن هنا يرى النَّاس في ظفار أن الناقل الوطني لا يمتلك نظرة تُترجِم واقع هذا الاسم، عندما يتم التعامل مع أسعار الرحلات الداخلية بين صلالة ومسقط، تمنيتُ أن يتم تخفيف وقع هذا الخبر الصادم لسكان المحافظة بمنح تذاكر مُخفّضة للطلبة الدارسين في مسقط وظفار والمرضى المُحوَّلين للمستشفيات المركزية في العاصمة.
أعلنت بلدية ظفار عن حزمة من مشاريعها بعد الخريف الماضي 2023، وأكدت من خلال تصريحات عالية المستوى أن المشاريع المسندة مثل ازدواجية بعض الطرق والجسور والوجهات الساحلية والساحات العامة، سيتم المباشرة فيها بشكل أسرع من المعتاد الذي بات الكل يردده كل عام، وهو العمل في فترة الذروة السياحية؛ مما يؤدي الى تفاقم أزمة السياح، وكأنَّ العام بكامله لا يكفي للبدء إلّا مع تدفق السياح واكتظاظ المحافظة بالزوار. لا أدري كم من الوقت ستحتاج الشركات لحلق بقية أشجار الموز والنارجيل على ضفتي طريق السلطان قابوس؟ والأمر ذاته فيما يتعلق بازدواجية شارع السلطان تيمور وجسر دوار إتين؟
المؤكد أن الموسم هذا العام لن يرى جديدًا من هذه المشاريع، وربما لمواسم أخرى قادمة، رغم تواضع العمل المطلوب، فأين يكمُن الخلل الذي لم يُعالج مع الإدارة الجديدة لبلدية ظفار التي قدمت نفسها بشكل رائع للجمهور من الناحية الإعلامية خلال الأعوام الثلاثة الماضية؟ من المهم أن تلتفت البلدية للظهير السكاني للمدينة كذلك، وهي المناطق الريفية التي لم ترَ مشاريع نوعية كالطرق أو الخدمات الأخرى التي تعمل على تثبيت السكان في قراهم وتخفف من الهجرة إلى المدينة، كما كان سابقًا، من خلال منح حصة من الطرق والخدمات العامة لكل منطقة في الأرياف والعمل على استدامة الخدمات للناس في مناطق سكناهم.
شملت زيارات مسؤولي المحافظة مؤخرًا الولايات البعيدة؛ حيث جلسوا مع المواطنين واستمعوا لمطالبهم، وهذا أمر حسن، لكن ما هو معلوم أن ولاية صلالة يتركز بها أكثر من 86% من سكان المحافظة؛ سواءً في المدينة أو الأرياف، وهم يترقبون من صاحب السمو السيد المحافظ أن تشمل الزيارات واللقاءات القادمة أبناء الولاية الأم حاضرة ظفار، في مراكزهم الإدارية السابقة وقراهم وتجمعاتهم السكانية؛ للاستماع إلى مطالبهم وتطلعاتهم في ظل النهضة المتجددة لمقام مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وأن يجد سموه حلًا للموت السريري لمنطقة صلالة الحرة، التي وُعدِنا قبل أعوام، بأنها ستُسهم في حل مشكلة الباحثين عن عمل في ظفار؛ عبر إيجاد آلاف الفرص الوظيفية، والتي لم ترَ النور إلى اليوم.
وحفظ الله بلادي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
موسم خريف ظفار والتسويق المسؤول
بدأ رسميًا موسم خريف ظفار الاستثنائي في محافظة ظفار، وهو أحد المواسم السياحية التي يترقّبها السيّاح والزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها. ويتزامن انطلاق هذا الموسم مع بداية فصل الصيف الذي يشهد هذا العام درجات حرارة مرتفعة، اقتربت من 50 درجة سيليزية في بعض الولايات.
ويُعد موسم الخريف متنفسًا لكثير من أفراد المجتمع، وخيارًا سياحيًا مثاليًا هذا العام، خصوصًا في ظل استمرار التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع عددًا من مخططي السفر العُمانيين إلى إعادة النظر في وجهاتهم وتغيير خططهم نحو محافظة ظفار، بالإضافة إلى عامل ضيق الوقت المتاح للتخطيط لوجهات سياحية أخرى. وقد أصبحت ظفار بذلك وجهة مفضلة ومحط أنظار السيّاح والزوار خلال الفترة المقبلة، على الأقل حتى نهاية موسم الخريف.
ومن المتوقع أن يشهد الموسم تدفقًا كبيرًا في أعداد الزوار، حتى مع دخول موسم الصرب الذي يُعد من العلامات البارزة في مناخ المحافظة، نظرًا لما تتميز به من أجواء معتدلة، واكتساء الأرض بالبساط الأخضر، وتلاعب نسمات الهواء العليل في أجواء لطيفة تشجّع على قضاء أوقات ممتعة بعيدًا عن الزحام وكثافة السياح.
لقد ساءنا ما رصدناه خلال الأيام القليلة الماضية من مزايدات على موسم خريف ظفار، الذي تعوّدنا على بدء تأثيراته السنوية حتى قبل انطلاقه رسميًا. فالنهج الذي يتّبعه البعض في الترويج لهذا الموسم لا يُسهم في تشجيع السياح على القدوم إلى المحافظة، ولا يضيف قيمة حقيقية لدى أفراد المجتمع؛ فالمجتمع في سلطنة عُمان بات أكثر وعيًا، وأكثر حزمًا في رفض مثل هذه السلوكيات التي أصبحت تُمارس سنويًا من قِبل البعض.
ومع أن موسم خريف ظفار بات بحد ذاته هوية تسويقية عالمية، يرتاده السياح من داخل السلطنة وخارجها، إلا أن الاعتماد على من يُسمّون بـ«المشاهير» للترويج له لا يُعدّ ضرورة، خصوصًا مع ما يرافق بعض تلك الحملات من مبالغات أو محتوى لا يرقى إلى قيمة الموسم ومكانته.
وبات من الضروري اليوم أن يُنظم العمل التسويقي والترويجي عبر المنصات الإلكترونية، وأن يُجوَّد أداؤه، بما يعكس صورة حقيقية وإيجابية عن موسم الخريف، ويُبرز نوعية النخب والأدوات التسويقية المستخدمة، لتكون أيقونة عالمية تضاهي ما تقدمه الدول الأخرى من تجارب ناجحة في الترويج السياحي.
إن حكومة سلطنة عُمان، بمختلف مؤسساتها وأجهزتها، تبذل جهودًا كبيرة منذ سنوات لاستقبال موسم خريف ظفار، ولا سيّما وزارة الإعلام التي كرّست طاقاتها الترويجية والإعلامية والاتصالية، عبر مختلف أذرعها وأدواتها، لنقل الصورة الحقيقية لأفراد المجتمع عن استعدادات السلطنة لهذا الموسم، بعيدًا عن أي تشويش أو مبالغات.
ومن غير الحكمة أن يعمد البعض، سنويًا، إلى إثارة أفراد المجتمع ومرتادي المنصات الإلكترونية عبر سلوكيات وممارسات اعتدنا على رؤيتها، والتي تهدف في ظاهرها إلى جذب أكبر قدر من التفاعل والمتابعة، لكنها في جوهرها تُضعف من قيمة الموسم ومكانته الوطنية والسياحية. وحتى إن لم يتفق البعض مع هذا الرأي، مستندين إلى ما يسمّى بـ«سيكولوجية المشاهير»، فإن ذلك لا يُبرّر بأي حال من الأحوال الإساءة إلى موسم الخريف، سواء عن قصد أو من باب ما يراه البعض «عفوية».
ومن المثير للدهشة أن يُروَّج لمواقف تفتقر إلى الحس المسؤول، وكأنّها تتجاهل المبادئ التي نادى بها الدين الحنيف، ومنها حديث النبي: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله...»، وهو تذكير بأن الظواهر الطبيعية لا ينبغي أن تُحمَّل بأبعاد غير علمية أو تسويقية سطحية.
وفي ضوء ذلك، نقترح تجويد العمل الترويجي للفاعلين في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال
إلحاق الفاعلين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لدورات مكثفة؛ بهدف إتقان العمل الترويجي والتسويقي من حيث المحتوى والأداء.
تضمين بند مراجعة النص الترويجي للحصول على تصريح القيام بالإعلانات الترويجية والتسويقية.
ضرورة تنظيم الجهود الترويجية للفاعلين في المنصات الإلكترونية، بحيث ألا تطغى العفوية في الإعلان على مغزاه وهدفه.
أرى من الجيد الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في كيفية التعامل مع الفاعلين أو المؤثرين في المنصات الإلكترونية؛ لأن انتشار المنصات على نطاق واسع، ربما تعكس تفاعلا سلبيا عن أداء الفاعلين والمؤثرين خارج سلطنة عُمان.
من الضروري تكامل الجهود المؤسسية والتنسيق فيما بينها من حيث مركزية التواصل والتفاعل مع الفاعلين والمؤثرين، حتى يتم نقل الرسالة المراد إيصالها للمجتمع الداخلي والخارجي دون ضجة أو تشويش.
إن الجهود الإعلامية والاتصالية المبذولة لاستقبال موسم الخريف لهذا العام، لا يمكن اختزالها في مقطع مرئي قصير المدة لفاعل في منصة إلكترونية حتى وإن كان انتشاره على نطاق واسع، وحتى لا نكون غير منصفين لجهودهم الترويجية سواءً في موسم الخريف أو لأحداث مستقبلية، أقترح تأهيلهم وتمكينهم بحيث يتم تعزيز التكامل مع القنوات الرسمية لإيصال الرسالة الصحيحة بطريقة مبتكرة لأفراد المجتمع والاستفادة من مهاراتهم ورغبتهم للترويج من خلال تبني أفضل الطرق لإيصال الرسالة الترويجية لأفراد المجتمع سواءً داخل سلطنة عُمان أو خارجها بالاستفادة من أدوات التسويق والترويج الرقمي، بعيدا عن السلوكيات غير المحبذة مجتمعيا والانتقادات التي يتعرضوا إليها بين الحين والآخر في وسائل التواصل الاجتماعي ومجتمعيا.