في عصر يسعى فيه قطاع التقنية بأكمله جاهدا لاكتشاف الجهاز الثوري القادم، الذي قد يزيح الهاتف الذكي عن عرشه، تتألق الابتكارات الجديدة بوعودها، ولكنها غالبًا ما تفشل في تحقيق التوقعات.

بالطبع، لم يكن مفاجئا أن يتصدر الذكاء الاصطناعي هذه المبادرات الجديدة، إذ بدأ فعلا يظهر داخل الهواتف وأجهزة الحاسوب المحمولة وغيرها، لكنه هذه المرة ظهر في جهاز جديد صغير، وهو دبوس يعمل بالذكاء الاصطناعي، من تطوير شركة "هيومان" (Humane) الناشئة، التي يقودها مسؤولون سابقون من شركة أبل.

يسعى هذا الجهاز لإعادة تعريف تفاعلنا مع الأجهزة الرقمية، وتمكنت الشركة من جذب استثمارات هائلة تعكس طموحها لتجاوز الأجهزة التقليدية وتقديم مستقبل يقل فيه اعتمادنا على الشاشات. ولكن، هل يحقق الجهاز الجديد الوعود الكبيرة التي يحملها، أم أنه يخفق في مسار الاستخدام العملي؟

This is the Humane Ai Pin https://t.co/ytUSGF3y55 pic.twitter.com/Zrcoaf49u7

— Humane (@Humane) November 9, 2023

ما هو دبوس الذكاء الاصطناعي؟

ببساطة، الدبوس هو مربع صغير يتميز بمظهر أنيق، إذ يُثبت مباشرة على الملابس بحيث يظهر كأحد الإكسسوارات العصرية بدلا من كونه جهازا آخر محمولا، ويأتي بسعر 700 دولار لأقل نسخة. يمكن التحدث إليه وطرح الأسئلة عليه واستخدامه في أي مهمة أخرى، كما أوضحت الشركة عند عرضه كيف يمكنه ترجمة اللغات، وأداء بعض المهام الأساسية مثل تحويل أسعار العملات، وبإمكانه أيضا تعلم أسلوب الشخص في الحديث حتى يتمكن من إرسال رسائل بنفس صوته عندما يكتب رسائل نصية لأصدقائه وعائلته مثلا.

لكن مع بدء ظهور المراجعات الأولى لهذا الدبوس الجديد، أشارت مختلف المواقع التقنية التي جربته إلى وجود مشكلات حقيقية عند الاستخدام الفعلي. لا يعمل الدبوس كملحق للهاتف، بل يمكنه العمل بصورة مستقلة تماما، إذ يستعمل رقم هاتف خاصا به ويقدم إجابات على الاستفسارات إما بصوت عال باستخدام صوت محاكاة أو بإسقاط نص أو صور على يد المستخدم بالليزر.

تعتمد وظائف دبوس الذكاء الاصطناعي على واجهة تعمل باللمس والأوامر الصوتية، بالإضافة إلى نظام العرض الذي يظهر المعلومات على راحة يد المستخدم، الذي يُعرف باسم "شاشة عرض الحبر بالليزر" (Laser Ink Display)، ويعمل بدقة (720 بي)، ومصمم للعمل ضمن مسافة محددة تتراوح بين 7 و14 بوصة من الجهاز. وبرغم كونها فكرة مبتكرة، فإن هذا النظام يواجه صعوبات في الاستخدام تحت ضوء الشمس المباشر، إذ تنخفض الرؤية بصورة واضحة عند الاستخدام.

ومن حيث الأداء، لم يحقق الدبوس التوقعات، إذ ذكرت المراجعات وجود بطء في أوقات الاستجابة، مع تأخير يصل إلى 10 ثوانٍ لإكمال المهام الأساسية كإرسال الرسائل النصية، وهو أمر مُحبط لجهاز من المفترض أن يوفر تفاعلات أسرع وأكثر سلاسة من الهاتف الذكي.

ومع الاستخدام كان الجهاز يميل إلى السخونة بصورة تثير القلق، مما يُعد عائقا أمام جهاز من المفترض أن يرتديه المستخدم طوال أوقات اليوم. كما أن غياب وظائف حيوية مثل التحكم في المؤقتات والتقويم، التي من المقرر أن تقدمها الشركة في تحديثات مستقبلية، يعكس الاستعجال في إطلاق منتج قبل أن يكتمل تطويره بصورة مناسبة.

وبالإضافة إلى ذلك، تشير إمكانيات الجهاز في التعامل مع المكالمات والرسائل النصية وتشغيل الوسائط، عبر كاميرته بدقة 12 ميغا بكسل، إلى محاولة استبدال تجربة الهاتف الذكي أو استكمالها. لكنه يفشل في جوانب حاسمة كإعداد رسائل التذكير أو تقديم التوجيهات، وهي من العناصر الأساسية في أي مساعد رقمي حالي يعتمد على الذكاء الاصطناعي.

هل هو عملي؟

حتى إذا تغلبت الشركة على المشكلات التقنية، تظل هناك تحديات عملية تتعلق بجدوى تبني المستخدم للتفاعلات الرقمية القائمة على الأوامر الصوتية، وعرض الصورة باستخدام الليزر على راحة يديه. لأن واجهات الأوامر الصوتية ربما تكون مفيدة في سياقات محددة، أو للتفاعلات السريعة فحسب، ولا توفر الكفاءة أو الخصوصية المطلوبة للمهام الإنتاجية كما يقدمها الهاتف الذكي مثلا.

كما يواجه الجهاز تحديات في التثبيت على الملابس في ظروف مناخية مختلفة، وفي بيئات اجتماعية متنوعة، وربما يثير وجود كاميرا معلقة أمام الناس دائما مخاوف ترتبط بالخصوصية، حتى بالرغم من وجود ضوء يشير إلى التسجيل عندما تعمل الكاميرا.

بينما يبرز تصميم الجهاز الجديد وتقنياته الأساسية رغبة شركة "هيومان" في الابتكار بما يتجاوز الأساليب التقليدية، إلا إن الجهاز يظل في جوهره مجرد فكرة نظرية أكثر من كونه منتجا استهلاكيا عمليا جاهزا للأسواق.

لأن سعره المرتفع، بالإضافة إلى التكاليف المستمرة للخدمات وغياب تطبيق مصاحب للهواتف الذكية يُسهل عملية استخدامه، عوامل تحد من جاذبيته للجمهور العام وتجعله أكثر جاذبية للمهتمين بتجربة التقنيات الحديثة.

ومن جهة أخرى، قد يشكل اختيار الشركة للعمل بصورة مستقلة عن أنظمة التشغيل الأساسية للهواتف الذكية والمعروفة عائقا صعبا أمام تبني المستخدم العادي لهذا الجهاز، مما يستدعي إعادة تقييم إستراتيجية وضع الجهاز داخل السوق. فمن المحتمل أن يكون الحل في تحوله إلى إكسسوار بأسعار معقولة أو دمجه مع منصات تقنية شائعة لضمان الحصول على قاعدة مستخدمين أوسع ومستدامة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی الهاتف الذکی

إقرأ أيضاً:

مؤتمر آبل.. لحظة حاسمة في معركة الذكاء الاصطناعي!

يتّسم هذا الأسبوع بأهمية لشركة "آبل" التي يُفترض أن تطرح خلال مؤتمرها السنوي للمطورين في كاليفورنيا، منتجات جديدة تستخدم فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي، محاولةً تعويض تأخيرها عن منافسيها الرئيسيين.

بعد مرور عام ونصف على إطلاق "تشات جي بي تي"، برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي المُبتكَر من شركة "اوبن ايه آي"، في نوفمبر 2022، عملت "مايكروسوفت" و"غوغل" و"أمازون" و"ميتا" جاهدةً لإدراج هذه التقنية في خدماتها، لكنّ "آبل" بدت متأخرة في هذا المجال.

ومع أنّ شركة التكنولوجيا العملاقة تعتمد أصلاً في أجهزتها "آي فون" و"آي باد" و"ماك" الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، لم تصدر أي إعلان مرتبط بهذه التقنية حتى اليوم.

ويقول المحلل في شركة "فوريستر" ديبانجان تشاترجي "كانت الشركة دائماً مهووسة بما تقدمه منتجاتها لزبائنها" لا "بمعجزات الرقمنة والتصغير"، مضيفاً "لهذا السبب كانت آبل تكره الحديث عن التكنولوجيا الأساسية التي تعمل على تشغيل أجهزتها".

لكن وسط الضجة التي أعقبت "تشات جي بي تي"، بات "لصمت آبل وقع"، على قوله.

وبسبب ولع المستثمرين بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ضيّقوا الخناق على أسهم "آبل"، التي ارتفعت بنسبة 2.5 بالمئة فقط منذ بداية العام، مقارنة بارتفاع أسهم "مايكروسوفت" 13 بالمئة، وأسهم "امازون" 21 بالمئة، وأسهم "ألفابت" (الشركة الام لغوغل) 25 بالمئة.

ويقول المحلل في شركة "ويدبوش سيكيوريتيز" دان آيفز إنّ مؤتمر المطورين السنوي الذي سينعقد من الاثنين إلى الجمعة "يمثل الحدث الأهم لآبل منذ عقد، إذ يحمل في خلفيته ضغوطاً لتقديم حزمة من ابتكارات الذكاء الاصطناعي التوليدي للمطورين والمستهلكين".

وعلى غرار كثيرين، يتوقّع أنجيلو زينو من شركة "سي اف آر ايه" أن تكشف "آبل" النقاب عن نسخة جديدة هي الثامنة عشرة من نظام تشغيل هواتفها "آي او اس"، مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وذكرت وسائل إعلام أميركية أنّ "آبل" أقامت شراكة مع "أوبن ايه آي"، ستتيح لها استخدام النماذج اللغوية الخاصة بمُبتكرة "تشات جي بي تي"، والتي تمثل قواعد بيانات عملاقة توفر إجابات على أسئلة تُطرح باللغة الشائعة.

تطوير سيري؟

يعتبر أنجيلو زينو أن هذه الشراكة "يُفترض أن تجعل اداة المساعدة سيري أكثر ذكاءً، مع قدرة على الدردشة ودمج الذكاء الاصطناعي في كامل نظام آبل: تعديل الصور، والبحث في محرك البحث سافاري وتدوين الملاحظات ورسائل البريد الإلكتروني وحتى الرموز التعبيرية".

تم إطلاق "سيري" قبل أكثر من 12 عاما، وهو اليوم "أداة مساعدة غير مفيدة نوعا ما"، على ما يرى ديبانجان تشاترجي، إذ تجاوزه في نسخته الحالية، الجيل الجديد من ادوات المساعدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، "تشات جي بي تي 4.0" الذي طرحته "أوبن ايه آي" في منتصف مايو.

وأشار تشاترجي إلى أنّ الشراكة بين "آبل" و"اوبن ايه آي" "ستحدث العجائب نفسها لسيري الضعيف".

وتشير كارولينا ميلانيسي من شركة "كرييتف ستراتيجيز" إلى أنّ هذه التحسينات والميزات الجديدة يُفترض أن تساعد في تعزيز رغبة الزبائن بمنتجات "آبل".

وتؤكد أن "هدف آبل يتمثل في دفع الأشخاص إلى استبدال هواتف آي فون الخاصة بهم"، مضيفةً "سنرى ما إذا كانت الشركة ستمنحهم الأسباب المقنعة للقيام بذلك".

ويلفت المحلل في "إي ماركتر" غادخو سيفيّا إلى أن "اللحظة حاسمة لآبل"، معتبراً أنّ التواصل في المؤتمر السنوي للمطورين هو "اختبار مهم" لقدرة المجموعة على تحقيق دخل من الذكاء الاصطناعي التوليدي كما فعلت "غوغل" و"مايكروسوفت".

سعي إلى نجاحات جديدة

ويأتي هذا التحدي الجديد في وقت تحاول "آبل" إعادة صورتها الأسطورية كشركة معتادة على إطلاق منتجات وخدمات قادرة على تغيير عادات الاستهلاك، من أجهزة "ماك" إلى هواتف "آي فون" مروراً بمنتجات "آي بود".

وسبق أن حققت "آبل" أول تحوّل كبير في فبراير من خلال طرح خوذة "فيجن برو" للواقع "المختلط" (الافتراضي والمعزز) .

وتشكل هذه الخوذة منتجاً متطوراً (سعره 3499 دولارا) يستهدف نسبة محدودة من جمهور "آبل" التقليدي.

وبالإضافة إلى التقدّم الذي حققه منافسوها، أصبح هذا السعي لتحقيق نجاحات جديدة طارئاً لـ"آبل" بسبب انخفاض مبيعات "آي فون" بنسبة 10 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2024.

ومن خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي، تستثمر "آبل" في نشاط خدماتها الذي أصبح شريان الحياة لنموّها.

وتشير شركة "كاناليس" إلى أنّ 16 بالمئة من الهواتف الذكية التي ستُطرح هذا العام ستكون مجهزة بميزات ذكاء اصطناعي توليدي، وهي نسبة يُتوقَّع أن ترتفع إلى 54 بالمئة سنة 2028.

مقالات مشابهة

  • Apple Intelligence.. أول محاولة لآبل للذكاء الاصطناعي
  • آبل تزود آيفون بـ”تشات جي.بي.تي” وتكشف عن أدوات ذكاء اصطناعي جديدة
  • "أبل" تزود هواتف آيفون بـ" تشات جي بي تي"
  • أهم ما أعلنت عنه آبل في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر المطورين السنوي 2024
  • آبل تزود آيفون بـ"تشات جي.بي.تي" وتكشف عن أدوات ذكاء اصطناعي جديدة
  • آبل تزود آيفون بـتشات جي.بي.تي وتكشف عن أدوات ذكاء اصطناعي جديدة
  • “آبل” تطرح منتجات جديدة بالذكاء الاصطناعي التوليدي
  • شركة روسية تطور أجهزة أوتوماتيكية لصاروخ متعدد الاستخدام يعمل بالغاز الطبيعي
  • مؤتمر آبل.. لحظة حاسمة في معركة الذكاء الاصطناعي!
  • آبل تطرح منتجات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتعويض تأخُرها