علي جمعة: هناك عقيدة مرتبطة بالخلق يترتب عليها الرحمة والتوكل على الله
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن هذا الكون ملك الله تعالى فـ"لا يكون في كونه إلا ما أراد سبحانه"، عقيدة مرتبطةٌ بخُلُق "التسليم والرضا"، وهذا يترتب عليه عدم الغضب، عدم الصدام، عدم العنف، يترتب عليه الرحمة، ويترتب عليه الهدوء النفسي، ويترتب عليه التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليه أيضًا شكر الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليه تعظيم النعمة التي أنعم الله علينا بها، ويترتب عليه ألا تخالف إرادتك إرادة الله سبحانه وتعالى.
كان أحد العارفين - أبو عثمان الحيري - يقول: «منذ أربعين سنة، ما أقامني الله في حالٍ فكرهته» هذه الحكمة توضح لنا هذا الحال الطيب المستقر مع الله سبحانه وتعالى، «ما أقامني الله في حالٍ فكرهته» طبعًا الحال مُتَغَيِّر فقد يكون حال خير، وقد يكون حال ضيق وشدة، ولكنه كان راضي القلب في كلٍ من حال السرور والضيق والشدة، وسيدنا النبي ﷺ يقول: « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
«منذ أربعين سنة، ما أقامني الله في حالٍ فكرهته، ولا نقلني إلى غيره فسخطته » يعني ينقله من حال إلى حال، من الفقر إلى الغنى، من الغنى إلى الفقر، من الفقر مرة ثانية إلى الغنى، وهو راضي؛ ولذلك كل ما يصدر عنه يصدر لله لا يتبرم ، لا يعترض ، لا يحدث عنده هَمّ وحَزَن يعطله عن إكمال الطريق، فإن سخط الإنسان علي الحالة التي يكون عليها، ويتشوف إلى الانتقال عنها بنفسه، وأراد أن يَحْدُثَ غير ما أظهره الله سبحانه وتعالى في الكون فقد بلغ غاية الجهل بربه، وأساء الأدب في حضرته سبحانه وتعالى.
هذه الحكمة مرتبطة بمجموعة من الأخلاقيات تصل بك في النهاية إلى الله رب العالمين، تصل بك في النهاية إلى أن تكون مؤدبًا مع الله؛ ولذلك كان من دعاء الصالحين: «اللهم علمنا الأدب معك».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى
إقرأ أيضاً:
علي جمعة : حياة النبي بعد انتقاله ليست كحياة باقي الناس بعد الانتقال
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النساء :64]. وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحياة الدنيا، ولكن بانتقاله هذا لم ينقطع عنا صلى الله عليه وسلم وله حياة أخرى هي حياة الأنبياء، وهي التي تسمى الحياة بعد الموت، أو الممات كما سماها صلى الله عليه وسلم حيث قال: «حياتي خير لكم تُحدثون ويَحْدُث لكم. ومماتي خير لكم، تُعرض علي أعمالكم فما رأيتُ من خير حمدت الله، وما رأيتُ من شر استغفرت الله لكم».
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي؛ حتى أرد عليه السلام»، وهذا الحديث يدل على اتصال روحه ببدنه الشريف صلى الله عليه وسلم أبدًا؛ لأنه لا يوجد زمان إلا وهناك من يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله ليست كحياة باقي الناس بعد الانتقال؛ وذلك لأن غير الأنبياء لا ترجع أرواحهم إلى أجسادهم مرة أخرى، فهي حياة ناقصة بالروح دون الجسد، وإن كان له اتصال بالحياة الدنيا كرد السلام وغير ذلك مما ثبت في الآثار، ولكن الأنبياء في حياة هي أكمل من حياتهم قبل الانتقال، وأكمل من حياة باقي الخلق بعد الانتقال.
وقد صح أن الأنبياء عليهم السلام يعبدون ربهم في قبورهم، فعن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره» ، وعنه صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون»، ويدل هذا الحديث على أنهم أحياء بأجسادهم وأرواحهم لذكر المكان حيث قال «في قبورهم»، ولو كانت الحياة للأرواح فقط لما ذكر مكان حياتهم، فهم أحياء في قبورهم حياة حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم منها، وليست حياة أرواح فحسب؛ كما أن أجسادهم الشريفة محفوظة يحرم على الأرض أكلها، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».
ومن تمام إعجاز القرآن وبقائه وصلاحيته في كل الأزمان، وتمام تحقيق الله لوعد نبيه صلى الله عليه وسلم إبراز قبره الشريف، وأصبح القبر الشريف حقيقة تاريخية لا يختلف اثنان من أن ذلك الموضع بالمدينة المنورة في مسجده الشريف هو القبر الذي ضم جسد أعظم العظماء بشهادة غير المسلمين.
ليس هناك يقين عند أحد من المؤرخين بوجود قبر صحيح منسوب لأحد من الأنبياء إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ثبوت قبره يقينًا عند المؤرخين، وبروزه فضيلة أخرى شهد بها الواقع التاريخي، وجميع الشواهد، هدانا الله إلى الحق بإذنه.