لم تكتف مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، بالسيطرة والتحكم بقطاع الاتصالات الوطنية واستخدامه في التجسس على معلومات وبيانات المواطنين المشتركين، بل عمدت إلى مشاركة إيران بهذه البيانات مباشرة عن طريق استيراد أجهزة ومعدات إيرانية الصنع وإحلالها بدل الأجهزة السابقة للمؤسسة العامة للاتصالات والإنترنت.

وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية عن مصادر مطلعة في صنعاء بأن "جهة مجهولة" تابعة للمليشيا الحوثية هي من تسيطر على هذه الأجهزة والمعدات التي تدعي سلطاتها في صنعاء شراءها من إيران بمئات الملايين من الدولارات، فيما الحقيقة أن إيران ترسلها بالتهريب ضمن الدعم الذي تقدمه للجماعة.

خيانة وطنية وفساد

بحسب المصادر التي تحدثت للصحيفة، شرط عدم الكشف عن هوياتها، فإن قيادات عليا في مليشيا الحوثي تستحوذ على مبالغ ضخمة بالدولار تحت غطاء استيراد أجهزة ومعدات الاتصالات من إيران، وأن تلك المبالغ تذهب إلى حسابات بنكية خاصة بأبرز قيادات المليشيا. ومن بين هذه القيادات الحوثية محمد علي الحوثي- ابن عم زعيم المليشيا، وعبدالكريم الكريم الحوثي، عم زعيم المليشيا، وأبو علي عبدالله الحاكم، المعيّن رئيس الاستخبارات العسكرية الخاصة بالجماعة، وأحمد حامد، مدير مكتب رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للمليشيا. 

وكشفت المصادر أن المبالغ التي تورد إلى حسابات هؤلاء القيادات الأربعة تقارب 20 مليون دولار شهريا، وأنها اطلعت على تقرير داخلي للجماعة الانقلابية يفيد بأنه تم إنفاق أكثر من 132 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري 2024، أي ما يقارب 70 مليار ريال يمني من حساب المؤسسة العامة للاتصالات، تحت مسميات شراء أجهزة ومعدات وبناء أبراج توسعة لتغطية الشبكات، في حين أنه لم يتم شراء تلك الأجهزة ولا تنفيذ أبراج التغطية. وحسب المصادر نفسها فإن الأجهزة التي تسلمتها وزارة الاتصالات في الحكومة الحوثية الانقلابية، سُلّمت إلى جهة لم يتم تسميتها بناء على توجيهات من مسفر النمير المعيّن من قبل المليشيا وزيرا للاتصالات، فيما ذهبت المبالغ المرصودة للشراء الوهمي إلى حسابات القيادات العليا.

ويعادل هذا المبلغ مرتبات الموظفين الحكوميين في عموم اليمن لشهر واحد على الأقل، بمن فيهم موظفو وزارة الاتصالات، لكن قيادات المليشيا الحوثية تنهبه إلى حساباتها وتدعي عدم وجود سيولة نقدية لديها لتسليم مرتبات الموظفين الحكوميين حتى أولئك القاطنين في مناطق سيطرتها. وإضافة لذلك، تؤكد مصادر الصحيفة السعودية أن المليشيا الحوثية أنفقت نهاية العام الماضي أكثر من 188 مليون دولار مقابل شراء نفس الأجهزة والمعدات ومن نفس الجهة، لكن الوزير الحوثي -النمير- تحجج بأن الحكومة الشرعية صادرتها أثناء نقلها إلى صنعاء، لتبرير توريد ذلك المبلغ إلى حساب القيادات العليا للجماعة بالاتفاق مع المعيّن بمنصب مدير عام مؤسسة الاتصالات صادق مصلح.

الاستعانة برموز الفساد على السرقة

وفقا للمصادر نفسها، فإن مسفر النمير، الذي عينته حكومة الانقلابيين الحوثيين مطلع العام الماضي وزيرا للاتصالات، أصدر قرار تعيين للمدعو إسماعيل حميد الدين، مديرا لقطاع الإنشاءات في مؤسسة الاتصالات، وهو أحد أشهر رموز الفساد في المؤسسة منذ ما قبل الانقلاب الحوثي، وسبق إحالته إلى نيابة الأموال العامة بتهم فساد واختلاس قرابة 300 مليون ريال يمني خلال رئاسته لقسم المشاريع.

وأكدت المصادر أن النمير اعتمد لحميد الدين قرابة 4 ملايين دولار من حساب المؤسسة كميزانية شهرية تحت مسمى إعادة بناء وإعمار بعض مكاتب ومقرات المؤسسة، لكن مكاتب قطاع الإنشاءات لم تشهد أي أعمال بناء وإعمار منذ تولى إسماعيل حميد الدين إدارة هذا القطاع، ولا يُعرف مصير تلك الميزانية.

ما وراء الخيانة الوطنية والفساد

في حين يرمي قيادات المليشيا الحوثية تهمة الخيانة الوطنية يمينا وشمالا على معارضيها وعلى مسؤولي الحكومة الشرعية، تسعى تلك القيادات إلى منح بيانات وخصوصيات المشتركين اليمنيين قربانا للنظام الإيراني الذي يتمادى كل يوم في توسيع مشروعه التدميري في المنطقة العربية.

المعلومات التي كشفتها مصادر الصحيفة السعودية في تقريرها، تؤكدها تصريحات لقيادات عسكرية في الحكومة الشرعية مطلع العام الجاري، عن وصول أجهزة ومعدات اتصالات إيرانية لمليشيا الحوثي، وعن اعتزام الأخيرة إنشاء شبكة اتصالات خاصة بها بدلا عن الشبكة الحالية ومنع وجود البدائل التنافسية ورفع تكلفة الاتصالات ومضاعفة إيراداتها من قطاع الاتصالات والإنترنت.

وتكشف عملية إحلال أجهزة إيرانية في قطاع الاتصالات الذي تسيطر عليه المليشيا الحوثية عن عدم ثقة النظام الإيراني بها كذراع مخلصة لتنفيذ مشروعه التوسعي في المنطقة، بينما يرى مراقبون في هذه العملية مدى انصياع الجماعة لطهران وأجندتها مهما تكتمت على ذلك وحاولت إظهار نفسها كصاحبة قرار مستقل.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: الملیشیا الحوثیة أجهزة ومعدات

إقرأ أيضاً:

المدن التي دمرتها الحروب حول العالم.. غزة في المقدمة

مع انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مدينة غزة، انكشف حجم الدمار الذي لحق بأحيائها، إذ حولت الصواريخ والعربات المفخخة معظم المناطق إلى كومة من الركام. منذ إعلان الاحتلال الإسرائيلي احتلال المدينة في 11 آب/أغسطس الماضي، تكثفت عمليات التدمير لتشمل أحياء المدينة الشمالية وجنوبها، مستنسخة نموذج الدمار الشامل الذي طاول محافظات شمال غزة ورفح، ليعكس خطة ممنهجة لاستنزاف البنية التحتية وإفقاد السكان القدرة على العودة إلى حياتهم الطبيعية.

مع بدء وقف إطلاق النار ظهر الجمعة، سار آلاف المواطنين الذين أجبروا على النزوح إلى وسط وجنوب القطاع سيرا على الأقدام عائدين إلى مناطق سكناهم، في مشهد يعكس حجم المعاناة والصعوبات التي يواجهها السكان بعد عامين من العمليات العسكرية المستمرة.

وتشير تقديرات السلطات المحلية في غزة إلى أن نحو 90% من البنية التحتية في القطاع دُمرت بالكامل، بما يشمل الطرق، شبكات الصرف الصحي، المباني السكنية، المستشفيات، والمرافق الحيوية كافة.

وبحسب تقديرات أولية، تُقدر الخسائر المباشرة للحرب بنحو 70 مليار دولار، وهو رقم ضخم يعكس حجم الدمار الكبير الذي خلفته العمليات العسكرية المتواصلة على مدار عامين كاملين.

اقتصاد غزة، الذي دُمر بشكل شبه كامل، شهد أكبر انكماش منذ جيل بحسب البنك الدولي، مع توقف شبه كامل في الأنشطة الاقتصادية، ما عمق الأزمة الإنسانية. ويشير تحليل لمركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة إلى تدمير أو تضرر نحو 193 ألف مبنى في القطاع.

أما القطاع الصحي، فقد تعرض لتدمير واسع، إذ تعمل 14 مستشفى من أصل 36 بشكل جزئي فقط، بينما تواجه غزة موجة جوع حاد يعاني منها نحو 514 ألف شخص، وفق نظام التصنيف المتكامل للأمن الغذائي.

أما إعادة إعمار القطاع، فتقدر تكلفتها بنحو 52 مليار دولار وفق مدير مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، غير أن التحدي الأكبر يكمن في الوقت الطويل الذي تحتاجه هذه العملية في ظل انهيار البنية التحتية وتراجع الاقتصاد، ما يعني أن قطاع غزة سيحتاج لسنوات قبل أن يبدأ بالتعافي الكامل.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
غزة في سياق عالمي للدمار الحضري
تاريخيا، لم تعد غزة وحدها نموذجا للدمار الشامل الذي تتعرض له المدن أثناء الحروب. فقد شهد العالم عشرات المدن التي دمرتها الحروب، لتكون عبرة لما يمكن أن تلحقه النزاعات المسلحة من خسائر بشرية ومادية.

هيروشيما ونجازاكي ــ اليابان:
في 6 آب/أغسطس 1945، ألقت الولايات المتحدة قنبلة ذرية على هيروشيما، ما أسفر عن مصرع 80 ألف شخص على الفور، ووصل العدد إلى نحو 166 ألف بنهاية العام نتيجة الإصابات والإشعاعات. دُمرت نحو 70% من الأبنية، بما في ذلك مرافق عسكرية وصناعية حيوية.

ولم تبدأ عمليات إعادة البناء إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أنشأت السلطات "حديقة السلام التذكارية" عام 1954 تخليدًا للحدث. وبعد ثلاثة أيام، ألقيت قنبلة ذرية أخرى على مدينة ناجازاكي، ما أسفر عن مقتل 80 ألف شخص، قبل إعلان استسلام اليابان رسميًا.

روتردام ــ هولندا:
في 14 أيار/مايو 1940، ألقت القوات الجوية الألمانية نحو 1300 قنبلة على روتردام، ما أسفر عن مصرع 900 شخص وتدمير معظم مركز المدينة. ولم تكتف الحكومة الألمانية بالتهديد بتفجير مدينة أوتريخت، بل دفع هذا الهجوم الحكومة الهولندية إلى إعلان الاستسلام. واستُغلت فرصة إعادة البناء لتقوية البنية التحتية، وبحلول عام 1950 استعادت روتردام شهرتها كأحد أسرع موانئ العالم في تحميل وتنزيل الحمولات.


جورنيكا ــ إسبانيا:
في نيسان/أبريل 1937، تعرضت جورنيكا في إقليم الباسك لقصف جوي عنيف من القوات الألمانية والإيطالية لمساندة القوميين الإسبان أثناء الحرب الأهلية، ما أودى بحياة 400 مدني. أصبح اسم المدينة مرادفًا للرعب، وصور الفنان بيكاسو الدمار في لوحة فنية شهيرة تحمل اسمها. وفي الذكرى السبعين، أعلن رئيس إقليم الباسك جورنيكا "عاصمة السلام في العالم".

درسدن وكوفنتري وبرلين وكولون ــ أوروبا:
وتعرضت درسدن الألمانية لقصف من قوات الحلفاء بين 13 و15 شباط/فبراير 1945، ما أسفر عن مقتل 25 ألف شخص. أما كوفنتري البريطانية، فتعرضت لسلسلة هجمات جوية ألمانية في تشرين الثاني/نوفمبر 1940، ألحقت أضرارا بالغة بالبنية التحتية وتهدمت كاتدرائيتها.

وفي روسيا، تحولت ستالينجراد إلى أطلال خلال المعركة الفاصلة ضد قوات المحور، ما أسفر عن مقتل نحو مليوني شخص، قبل أن يتم تغيير اسم المدينة إلى "فولجوجراد" لاحقا، ونصب تمثال ضخم لتخليد ذكرى المعركة. ودمرت برلين نصف منازلها خلال الهجمات الجوية بين 1943 و1944، فيما تعرضت كولون لأكثر من 34 ألف قنبلة خلال 262 غارة، لتوصف بعد الحرب بأنها "أكبر مجموعة حطام في العالم".

هوي ــ فيتنام:
وشهدت مدينة هوي في الساحل الشرقي لفيتنام أعنف مراحل الحرب في عام 1968، عندما باغتت القوات الفيتنامية الشمالية القوات الأمريكية وحلفاءها، وأدى القتال إلى مقتل آلاف المدنيين. وتعمل السلطات الفيتنامية حاليًا على إعادة ترميم المناطق الأثرية والتاريخية بالمدينة.

لندن ــ بريطانيا:
وتعرضت لندن للهجوم 71 مرة من القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية لمحاولة إضعاف الروح المعنوية والبنية الدفاعية، بما في ذلك قصف مستمر لمدة 57 ليلة متواصلة في عام 1940، ما أسفر عن تدمير مليون منزل ومقتل 20 ألف شخص. لكن صمود معالم مثل كاتدرائية "سانت بول" شكل رمزا للمقاومة والثبات.

وتوضح هذه التجارب العالمية أن الدمار الشامل لا يطال المباني فقط، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدن، ويترك آثارا طويلة المدى على السكان المدنيين. تعيش غزة اليوم مأساة مشابهة، حيث تتكشف كل يوم تفاصيل جديدة من التهجير الجماعي، التدمير الشامل للبنية التحتية، وانهيار الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، يبقى الأمل مرتبطًا بإعادة الإعمار، وحماية المدنيين، وتعزيز الجهود الإنسانية، لتجنب كارثة طويلة الأمد قد تمتد لأجيال.

مقالات مشابهة

  • الحوثي: وقف هجماتنا ضد إسرائيل مرهون بالتزامها باتفاق غزة
  • ضبط محل في التجمع الخامس يبيع أجهزة لفك شفرات القنوات المشفرة
  • القبض على مالك محل يروج لبيع أجهزة فك شفرات القنوات الفضائية بالقاهرة
  • حصاد المقامرة الحوثية.. إيذاء وحصار اليمنيين بدلاً من إسرائيل
  • المدن التي دمرتها الحروب حول العالم.. غزة في المقدمة
  • وزير الاتصالات يفجر مفاجأة بشأن “بيانات الدولة” وخطوات واعدة لتعزيز التحول الرقمي
  • أجهزة التنفس التي جعلت إسرائيل حيّة إلى اليوم
  • إيران تفرج عن إثنين من البحّارة اليمنيين بعد نحو 3 سنوات من الإحتجاز التعسفي
  • مايكروسوفت تحذّر: الأجهزة التي تعمل بـ «ويندوز 10» مهددة بعد انتهاء الدعم
  • اتفاق غزة يربك وكلاء إيران: الحوثي في مهب الصفقة الكبرى بين واشنطن وطهران.. هل بدأ تفكيك المحور؟