صحيفة صدى:
2025-08-03@09:47:42 GMT

للألم هبَّات

تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT

للألم هبَّات

من سنن هذه الحياة عدم دوام الأشياء على حالها، لا بد من أن يكون كل شيء متغيرا.

هناك مواقف صعبة نمر بها، هناك حزن قد يخيم يوما على سمانا، هناك لحظات فقد نكون مجبرين على التعايش معها، وهناك لحظات فرج قد يمن الله بها علينا مهما تلبدت أيامنا بالضيق، فكل مواجع الحياة تمحوها آية :﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

الخيرة دائمًا فيما يختاره الله، وما يختاره الله لنا هو خير حتى لو كان عكس رغباتنا وتطلعاتنا.

من منا كبشر لم يتعرض لابتلاء؟ وتلك هي إرادة الله يمتحن بها عباده، فجميع الابتلاءات التي هزتنا وجميع المصائب والآلام التي أوجعت أفئدتنا يوما بدون شك أن بها حكمة عظيمة وثواب من الله؛ فالله سبحانه وتعالى يصطفي بعض عباده بالابتلاء لقياس مدى صبره وثباته وليعلمه دروس ومعانٍ جديدة في الحياة.

بطبيعة الحال كل ابتلاء يبتلى به الفرد هو جزء لا يتجزأ من مسارات هذه الحياة، ومن المستحيل أن نحيا بهذه الحياة دون أن نمر باختباراتها، إما مرض أو فقد أو خلاف ذلك.

الإيمان والرضا بأمر الله وقدره في البلاء هي الركيزة التي تجعلنا ننتظر الفرج بيقين تام، وبأن أقدار الله لا تأتي إلا بالخير دائما.

ولا بد أن نعلم أنفسنا وندربها على أن كل ما يمر بنا من أزمات الحياة ما هي إلا فرص تهيئنا إلى ما هو قادم من حياتنا، وأن أعظم رزق سيولد من الابتلاء فدائما ما يكون هناك رسائل بين المنع والمنح، وقد يكون ذلك الابتلاء هو سبب رفعتك في الدنيا والآخرة، عوض الله جميل دائما بقدر صبرك ورضاك على ذلك الابتلاء.

الجميل في الأمر أن كل تلك اللحظات سوف تمضي وتتلاشى وتتزن من بعدها أمورنا في الحياة، ليس هناك أي مما مضى خاضع للبقاء كل ذلك سيمضي ويتغير.

الحياة لا زالت بها مساحات كبيرة تحتاج إلى أن نكتبها؛ لذلك لا بد من أن نحاول، ألا نركز على الصفحات التي مضت من حياتنا حتى لا نضيع القادم منها، لذلك استعن بالله وابدأ كتابة صفحتك الجديدة برضا تام وبحرص وبوعي أكثر أنت تستحق أن تمضي في حياتك من جديد وأن تعيش تلك الحياة بكل تفاصيلها .

المصدر: صحيفة صدى

إقرأ أيضاً:

الحياة بيدٍ واحدة!

هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها مقالًا بفمي؛ أُملِي الكلمات على الهاتف فتتحول أمام عينيَّ إلى نصٍّ مكتوب. وكم أنا ممتن للتقنية التي أتاحت لي تعويض يدي المعطلة. من نافلة القول إننا لا نشعر بأهمية أشياء كثيرة في حياتنا إلا حين نفقدها أو نكون مهددين بفقدانها، ومن هذه الأشياء أعضاؤنا التي لن أضيف جديدًا إن قلت إن الله لم يخلقها لنا عبثًا. هل كان يلزمني دليل مادي لأثبت هذا الأمر؟ أن توضع يدي اليمنى في الجبس مثلا، لأكابد بعدها الحياة بيد واحدة؟!

ها أنا بعد أن قضيتُ خمسين عاما من عمري يمينيًّا، أتحول بأمر طبيب هندي إلى رجل يساري، لثلاثة أسابيع على الأقل. قال الدكتور جانيش إن الأشعة السينية اكتشفت أن ألم اليد الذي كان يعاودني خلال الشهر المنصرم ليس سوى كسر في الرسغ، ويستدعي أن توضع يدي في الجبس لواحد وعشرين يومًا قابلة للزيادة. كان أول سؤال قفز لذهني: كيف سأستحم؟ رد الطبيب ببرود من اعتاد هذه الأسئلة الساذجة: «لف الجبيرة ببلاستيك». شردت لثوان وأنا أتساءل في نفسي: «وهل هناك قطع بلاستيك خاصة لاستحمام مكسوري اليد؟»، ويبدو أن أخي محمود قرأ حيرتي، فقال مبتسمًا: يقصد أن تَلُفَّ الجبيرة بكيس بلاستيك أثناء الاستحمام لكي لا تتبلل، دع أخانا حمدان يشرح لك، فهو خبير بسبب كسوره العديدة.

في طريق العودة إلى البيت كنت أتأمل جبيرتي الزرقاء التي تلف زندي ورسغي، وتخرج منها أصابعي الخمس لتذكرني بكل الأشياء التي لن أستطيع الإمساك بها. سأل محمود الذي يقود السيارة عن موعدنا المسبق للذهاب إلى العزاء في حفيت صباح الغد، صَمَتُّ للحظة، لأنني تذكرتُ أيضا عزاء سماء عيسى. تخيلتُ نفسي أدخل مجلس العزاء الكبير وأنحرف يمينا إلى أول صف. علي أن أختار إحدى طريقتين لمصافحة جموع المعزّين؛ إما أن أصافحهم جميعا بيدي اليسرى، وهو ما لن يستسيغه البعض منهم، خصوصًا كبار السن، أو أن أجازف بمد يدي اليمنى بجبيرتها وأترك الباقي لتقديرهم. يكفي أن يسيء واحدٌ منهم فقط التقدير لأصرخ وأندم على مدها. قلت لمحمود: «كلا، لن أذهب، وسأطلب من عبدالله حبيب أن يعزي سماء نيابة عني»، وطفقتُ أفكر في إجابة السؤال الذي سيتكرر علي كثيرا في الأيام القادمة: «سلامات أيش حصل؟»، ذلك أن إجابة من قبيل أن جهاز «الباور بانك» الضخم سقط بحافته من علٍ على رسغ يدي فكسره، ستحيل الأمر برمته إلى فيلم هندي رديء، وستجعل الحادث مجانيًّا، وخاليًا من أية بطولة، فلا أنا تعثرت في مباراة كرة قدم مهمة، ولا سقطتُ من على ظهر حصان، ولا حتى تعرضتُ لحادث سير.

وأنا أتناول طعام الغداء في صحن منفرد بيدي اليسرى، وبواسطة ملعقة، كنتُ أبتسم وأنا أستحضر النكتة التي أطلقها أحمد بدير في مسرحية «الصعايدة وصلوا» قبل أكثر من ثلاثين عاما، عن ذلك الرجل الذي قيل له: «لا تأكل بيدك اليسرى لأن الشيطان يأكل معك» فوضع سُمًّا في الأكل!! كانت يدي اليمنى تنظر إليّ من تحت الضمادة ولا تضحك، بل شعرتُ بها تعاتبني: «تبتسم؟! تظن أنك تستطيع الاستغناء عني بهذه البساطة؟!».

في الأيام التالية تفهمتُ مشاعرها أكثر حين وقفت على الكم الهائل من الخدمات التي كانت تقدمها لي وهي صامتة، بينما كنتُ أتلقى خدماتها دون أي امتنان، وكأنها أمر مفروغ منه: فتح الأبواب والنوافذ، كتابة المقالات والنصوص وتنسيقها في ملف الوورد، تقليب صفحات الكتب الورقية، وتحميل الكتب الإلكترونية، التوقيع على أوراق وعقود العمل، اللعب بالهاتف، الوضوء، حركات الصلاة، تحريك السكر في الشاي، لبس الدشداشة وتشبيك أزرارها عند الرقبة، واعتمار المصر، وربط الإزار، تمشيط الشعر، وإمساك فرشاة الأسنان، حمل الأطفال والمسح على رؤوسهم، التلويح للمسافرين، إطفاء المنبه كل صباح، وتضبيطه كل مساء، تناول النقود من المحفظة، وإدخال بطاقة الفيزا في آلة الصرف، تشغيل السيارة وضبط زر مكيفها، والبحث فيها عن الإذاعة، فتح أكواب الماء المغلفة بالبلاستيك، تعديل وضعية الوسادة قبل النوم، نقل الأغراض الصغيرة من مكان إلى آخر، كل هذه الأفعال والحركات وعشرات غيرها لم أستطع تنفيذها بالسلاسة نفسها التي كانت قبل تعطل اليد المسكينة.

لتعجيل التئام الكسر حاولت أمي إقناعي بتناول أدوية شعبية مجربة، كشرب «حبر الحبار» و«الموميان» -على سبيل المثال- لكنني لم أستسغهما، أما مشروب «تفر التيس» الذي نصحني صديق به، فقد كان اسمه كافيًا لينفرني منه. وبعد أن نجحت في تنفيذ بعض الأعمال بيدي اليسرى، كان عليَّ أن أجرب الاستحمام ممتثلًا لنصيحة الدكتور جانيش. خطر لي للحظة أنني «أَخِيل»؛ ذلك البطل في الأسطورة الإغريقية الذي أرادت أمه أن تخلده فلا يموت، فكان أن غمسته في نهر مقدس يَمنح أي عضو من أعضاء الإنسان الذي يلامس ماءه حصانة من الأذى. لكنها نسيت وهي تعلقه من كعبه وتغمسه في النهر أن تغمس الكعب أيضا، فلم يمسه الماء، وكان هذا كافيًا ليتسبب في مقتله، لأن خصومه عرفوا أن «كعب أخيل» هو نقطة ضعفه، فرموه بسهم قاتل. كنت «أخيل» إذن، وكانت يدي التي لُفَّتْ بالبلاستيك فلم يمسسها الماء هي «كعبي».

انتهى المقال الآن، وقد جعله فمي سهل الكتابة. لكن إرساله إلى إيميل الجريدة لن يتأتى بالفم للأسف، وهذه معضلة على أخي فيصل مساعدتي في حلها.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

مقالات مشابهة

  • ما الفرق بين ابتلاء الرضا والغضب؟.. الإفتاء تجيب
  • الحياة بيدٍ واحدة!
  • الأمم المتحدة: نأمل أن يكون هناك ضغط دولي كبير على إسرائيل لفتح جميع المعابر
  • صالح المطلق والزهراني: مشوار جيسوس مع النصر لن يكون سهلاً.. فيديو
  • هل تعلم أن عمر قلبك قد يكون أكبر من عمرك؟
  • تيمور جنبلاط: دعم الجيش لا يكون بالكلام بل بتأكيد دوره الشرعي في حماية الوطن
  • صديقي المفكر.. البروفيسور فارس البياتي   حين يكون الفكر موقفًا، والكتابة ضميرًا
  • البرتغالي هيليو سوزا مدربا جديدا للمنتخب الكويتي.. من يكون؟
  • غادة أيوب: نتطلع إلى عيدٍ قريب يكون فيه كل لبنان تحت سلطة الجيش فقط
  • عندما يكون هناك «خداع بصري وتلوث صوتي»!