تفكيك الكيان الصهيوني على مستوى النموذج
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرًا)، صدق الله العظيم.
منذ أنشأ الاستعمار الغربي هذا الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية بالعنف والمجازر عام 48، شهدنا مسارًا موازيًا. صاحب هذا العنفَ؛ صراعٌ على الوعي والرواية انتشر في أرجاء العالم يهدف إلى دمج وتسيد إسرائيل على المنطقة، تأسس على الكذب وتزييف حقائق الصراع، واستند إلى أساطير توراتية وادعاءات بأرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأساطير حول الجيش الذي لا يقهر، وعلى نموذج واحة الحرية والديمقراطية في المنطقة، وصانع السلام والأمن والاستقرار، هذا من جانب، ومن جانب آخر أكاذيب حول بيع الأرض، وتخلي الفلسطيني عن أرضه.
باختصار تم تسويق إسرائيل كنموذج غربي قوي متقدم ديمقراطي إنساني أخلاقي في مواجهة أنظمة ضعيفة متأخرة ظلامية فاسدة ودكتاتورية.
أصحاب المصالح واللوبياتاليوم وبعد أكثر من 75 عامًا من الصراع، وتسلل هذه الأساطير إلى عقول كثير من العوام وأصحاب المصالح واللوبيات، وعلى وقع الجرائم ضد الإنسانية التي تبثّ بالصوت والصورة أمام العالم اتخذت هذه المعركة مسارًا عكسيًا لينكشف زيف هذا الغثاء، وتتكشف حقيقة وأهداف هذا المشروع الاستعماري العنصري، ويبدأ بذلك تفكيكه على مستوى السردية والنموذج.
نموذج للعنصرية البغيضة في أبشع صورها ونموذج للفساد وللإرهاب والجرائم ضد الإنسانية، ملاحق من محكمة العدل الدولية، وملاحق من المحكمة الجنائية الدولية، وملاحق في أعرق جامعات العالم، ومن كل أحراره.
بنت إسرائيل صورتها الأولى كما بنت قوة ردعها على خلفية نجاحها الحاسم والسريع والذي لا لبس فيه في كل مواجهة سواء عسكرية أو سياسية مع الأنظمة العربية منذ نكبة عام 48، مرورًا بنكبة عام 67، وصولًا إلى كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة واتفاقات أبراهام.
لقد تسرّب إلى مفاصل النظام العربي على خلفية هذه المواجهات أنه لا فائدة من مواجهة إسرائيل، وأن إسرائيل هي الحليف القوي للغرب الذي يمكن الاعتماد عليه في حماية مصالح الغرب في المنطقة، وفي حماية الأنظمة العربية لاحقًا، وأنّ العرب لا وزنَ لهم في تقرير مصير هذه المنطقة.
اتجاه هذه المعادلة المستقرّة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأ يتغير منذ بدأ الكيان الصهيوني في مواجهة قوى شعبية ملتصقة بالجماهير، ومنسجمة مع تاريخ وعقيدة وثقافة الأمّة وتعبّر عن آمالها في الحرية والاستقلال.
في كل تلك المواجهات سواء في فلسطين أو في لبنان لم تحقّق إسرائيل أي نصر حاسم، وتراوحت النتائج بين التعادل وهزيمة العدوّ.
في أول مواجهة بعد عام 48 بين مجموع الشعب الفلسطيني في الداخل وبين الكيان الصهيوني في انتفاضة عام 87، خُدشت صورة الكيان النموذج الذي فشل على مدار 6 سنوات – رغم العنف المفرط وسياسة تكسير العظام – في كسر إرادة شعبنا، فاضطر العدوّ للتصرف بشكل مختلف، واستدار 180 درجة لتوقيع اتفاق أوسلو مع "م ت ف" والالتفاف على الانتفاضة وإجهاضها.
لقد كُتبت آلاف المقالات لتسويق السلام الجديد والتحالفات الجديدة في الإقليم والصورة الجديدة للكيان الصهيوني للقفز بعيدًا عن فلسطين، حيث إسرائيل شريك وحليف للأنظمة العربية المعتدلة، تقود محورًا يرسم مستقبل المنطقة لعقود قادمة في مواجهة ادعاء العدوّ الجديد "إيران" الذي يسعى للسيطرة على الإقليم.
ورغم أن أوسلو لم يكن اتفاقًا للتطبيق بل لإجهاض المقاومة في فلسطين والمنطقة، لكن من هنا بدأ منحنى التراجع يتّضح.
وفي كل المواجهات اللاحقة بين العدو وبين قوى المقاومة كان العدو يفشل ويتراجع وصولًا إلى الفشل الإستراتيجي الأبرز في "طوفان الأقصى" الذي قلب هذه المعادلات الشيطانية رأسًا على عقب.
عشية "طوفان الأقصى" كان ما أطلق عليه عملية السلام قد تم تأبينها، كان الانهيار العربي والفلسطيني الرسمي وصل إلى الحضيض حيث اتفاقات أبراهام مع 4 دول عربية جديدة ودول أخرى تنتظر في الطابور، في الوقت الذي تحولت فيه الضفة الغربية إلى "دولة إسرائيل الثانية" دولة للمستوطنين الصهاينة، مع جدار فصل عنصري يتلوى كالأفعى مع أكثر من 600 حاجز عسكري صهيوني ليحول التجمعات الفلسطينية إلى معازل حقيقية، والقدس الموحدة تم الاعتراف بها عاصمة أبدية لإسرائيل مع نقل السفارة الأميركية وغيرها إليها والاستيلاء على بيوتها، والأقصى مستباح على مدار الوقت، وغزة المحاصرة على مدار 17 عامًا، وليس أمام الفلسطيني إلا القتل أو الترحيل أو أن يعمل عبدًا عند إسرائيل حتى يتمكن من العيش.
لم يكن "طوفان الأقصى" منعزلًا عما سبقه من المواجهات، لكنه كان مدويًا ومفاجئًا وفشلًا ذريعًا للعدو على كل المستويات العسكرية والاستخبارية والسياسية، ولذلك كان الانتقام من غزة حاقدًا وكارثيًا وبلا حدود أو أي اعتبار لأي قواعد، لتتحول هذه الجرائم المروعة التي تبثّ مباشرة بالصوت والصورة وتنتقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى جرائم ملاحقة من قبل أحرار العالم ، وتتحول فلسطين إلى بوصلة أخلاقية لهم، ويتفجّر على وقع هذه الجرائم وعي جديد في العالم بعد أن كاد أن يطمس وعيه بفعل طوفان الخداع والأكاذيب.
واحة الديمقراطية المزعومة أصبحت ملاحقة من قبل دولة جنوب أفريقيا، ودول أخرى بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في محكمة العدل الدولية، وملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية على ارتكاب جرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية، ومتهمة في أعرق جامعات أميركا والغرب بتهم الإبادة الجماعية، ومتهمة من اليهود غير الصهاينة باستغلال معاداة السامية لقمع أي صوت معارض لجرائمها.
عندما نضع هذه الصورة الجديدة لإسرائيل إلى جانب الانهيار الأمني والعسكري والتخبط السياسي نبدأ بتركيب الصورة الجديدة لهذا الكيان: كيان عنصري، متوحش، ملاحق، ومهزوم.
ولإيضاح الفجوة بين ما كان عليه الكيان، وما هو عليه الآن نقارن بعض الأحداث:
قد يتساءل البعض عن مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل المقاومة في فلسطين بعد خسائر قلعة المقاومة في غزة.
من نافلة القول إنه لا يمكن الحديث عن مستقبل المقاومة الفلسطينية بمعزل عن التغيرات الدولية والإقليمية:
إن ضعف إسرائيل وانهيار ردعها وتقلص وزنها الإستراتيجي ينعكس زيادة في التفاهم بين دول المنطقة، والبحث عن المصالح المشتركة واستقرار المنطقة بعيدًا عن هيمنة أميركا وإسرائيل التي ستضطر للتصرف بشكل مختلف حتى في الملف الفلسطيني. ثم إن صراع الشعب الفلسطيني مع الكيان الصهيوني في المرحلة القادمة ينصبُّ أساسًا على مستقبل الضفة الغربية، وليس هنالك أي أفق لمفاوضات سياسية حول مستقبل الضفة التي تزدحم بالمستوطنات والمستوطنين المسلحين، والفجوة بين السلطة الفلسطينية في رام الله والموقف الإسرائيلي حول مستقبل الضفة لا يمكن جسرها.
لهذه العوامل وغيرها فإن المقاومة في فلسطين ستبقى بخير، وهي من يقرر مستقبل إسرائيل ومستقبل المنطقة حيث لا سلام ولا استقرار دون أن يأخذ الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الکیان الصهیونی فی طوفان الأقصى المقاومة فی فی فلسطین على مدار
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟
رغم مرور 22 شهرا على الحرب، فإن إسرائيل صعّدت على المستويين السياسي والعسكري من نبرة تهديدها لقطاع غزة، بعد تمسك المقاومة بمطالبها لإبرام صفقة تفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وفي وقت كثفت فيه المقاومة عملياتها وكمائنها المركبة على الأرض، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي دفرين إن المؤسسة العسكرية ستقدم خططا للمستوى السياسي لاستمرار القتال في غزة.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أن العملية العسكرية في غزة ستنتقل إلى مرحلة "أكثر تصعيدا إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات".
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن الجيش سيعمل على إيجاد "تهديد عسكري حقيقي في مناطق معينة، أملا أن يدفع ذلك نحو التوصل إلى صفقة جزئية".
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المحتمل أن التنسيق يجري حاليا وراء الكواليس بين إسرائيل والولايات المتحدة بهدف زيادة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
مأزق مزدوجويخفي هذا التوجه الجديد مأزقا سياسيا وعسكريا إسرائيليا في قطاع غزة يترجم بتعميق التجويع وزيادة وتيرة القتل، وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.
وحسب حديث مصطفى لبرنامج "مسار الأحداث"، فإنه لا يوجد في جعبة جيش الاحتلال من الناحية الإستراتيجية ما يمكن استخدامه لإجبار حركة حماس على القبول بالشروط الإسرائيلية في المفاوضات.
وشكلت عملية "عربات جدعون" -التي أطلقها جيش الاحتلال في مايو/أيار الماضي- أقصى تهديد عسكري حقيقي لحماس، إذ كانت ذروة عمليات جيش الاحتلال خلال الحرب، التي ينظر إليها المجتمع الإسرائيلي بأنها أصبحت عبثية.
واستبعد الباحث في الشؤون السياسية سعيد زياد نجاح إسرائيل في إخضاع المقاومة عبر أي تهديد عسكري جديد، مستدلا بالكمائن ضد جيش الاحتلال في بيت حانون شمالا ورفح جنوبا.
وحسب زياد، فإن استمرار سقوط القتلى والجرحى الإسرائيليين في رفح وبيت حانون "دلالة راسخة على استعصاء العمل العسكري في هزيمة قطاع غزة".
إعلانوبناء على ذلك، فإن انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى قاب قوسين أو أدنى، في حين يبقى الهدف الإسرائيلي الأسمى تصفية القضية الفلسطينية عبر رفع شعار القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وفرض حكم عسكري على القطاع ثم تهجير سكانه.
ضوء أخضر أميركيلكن المقاومة بدأت قراءة المتغيرات الميدانية، بعدما بات جيش الاحتلال يميل للاندفاع أكثر بما يحقق له احتلالا مباشرا للأرض وفرض حصار مطبق، كما يقول الخبير العسكري أحمد الشريفي.
وتحاول إسرائيل فرض واقعين على المقاومة الأول: "تفاوض تحت النار"، والآخر: "تفاوض تحت الحصار" عبر عمليات استطلاع متقدم -حسب الشريفي- ضمن هدف لم يعد تكتيكيا، وإنما في إطار إستراتيجية إدارة الأزمة.
وبناء على هذا الوضع الميداني، بات واضحا ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة إثر تغير في الأهداف تبناه جيش الاحتلال، الذي يريد السيطرة على محاور متعددة لإسكات قدرة حماس على المشاغلة والمواجهة.
لكن استهداف المقاومة وحدات الاستطلاع يعني أنها "لم تؤمّن قاعدة بيانات وبنك أهداف جديدا"، مرجحا إطاحة عمليات المقاومة بإستراتيجية إسرائيل القائمة على الاحتلال والحصار.
وأعرب الشريفي عن قناعته بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى الضوء الأخضر لإنعاش جيش الاحتلال -الذي يعاني ضعفا وانهيار معنويا- من قبل الولايات المتحدة لإدامة زخم المعركة حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية والأميركية في غزة.
في المقابل، رأى المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو في الهجمات الفلسطينية على القوات الإسرائيلية أنها بمنزلة "تقوية لحكومة بنيامين نتنياهو"، إذ تظهر أن هناك حربا لم تنتهِ، وضرورة القضاء على حماس وطرد قياداتها إلى الخارج.
وحسب فرانكو، فإن حماس تريد تجميع عناصرها وترتيب صفوفها والعودة إلى الحرب، مرجحا في نهاية المطاف التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع ضمانات أمنية إسرائيلية.
وكان ترامب قال -في أحدث تصريحاته- إنه "لا يعلم ما الذي سيحدث في غزة"، مطالبا إسرائيل باتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية، في حين قال نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة- إنه سيواصل التفاوض ويتقدم في القتال من أجل القضاء على حماس وتحرير الأسرى.