"مطار مسقط" يحتضن فعالية "جسر الأمم" لتعزيز التواصل بين الشعوب والثقافات
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
مسقط- الرؤية
اختتمت في مطار مسقط الدولي فعالية "جسر الأمم" التي تم تنظيمها على مدار 3 أيام، بالاشتراك مع الجمعية الأكاديمية للفنون والعلوم والآداب في فرنسا، ورعتها مطارات عمان بمشاركة 17 فنانا عالميا وبحضور 17 طفلا يملكون مهارات فريدة واحتياجات خاصة.
وقال الدكتور مؤمن بن محمد البوسعيدي رئيس وحدة تقنية المعلومات والاتصالات بمطارات عُمان: "تلعب المطارات دورا محوريا في تعزيز التواصل بين الثقافات وهي نفس الرسالة التي يقوم بها الفن، فكلاهما يعمل كجسر يربط بين الشعوب والثقافات المختلفة، فالمطارات وبوصفها نقاط التقاء للمسافرين من جميع أنحاء العالم، تقدم فرصة فريدة لعرض الإبداعات الفنية التي تعكس ثقافة وتراث البلد المضيف، وإيمانا منا في مطارات عمان بأن مطاراتنا ليست فقط بوابات للسفر بل أيضا صالات عرض تحتفي بالفن والجمال الذي يجمعنا، سعدنا بهذا التجمع التاريخي على أرض سلطنة عُمان، ذات التاريخ والفنون والثقافة الزاخرة على مدى عقود طويلة من الزمن".
وأكد أن ربط الأمم بالتعدد الثقافي والشمولية وأهداف التنمية المستدامة، يمثل نموذجا يحتذى به لتحقيق الغايات، بهدف تعزيز الحوار بين الثقافات، وتعزيز الشمولية، والدعوة إلى أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة من خلال الوسيلة التحويلية للفن، مضيفا: "سعدنا أن يكون مطار مسقط الدولي محطة من محطات هذه الفعالية المهمة والتي تنظمها الجمعية الأكاديمية للفنون والعلوم والآداب في فرنسا، لأول خارج الأراضي الفرنسية على مدى تاريخها الذي يمتد إلى 109 سنوات، ولقد جمعت هذه المبادرة بين الفنانين والأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة من السلطنة ومختلف البلدان الدولية، مما يؤكد على الأهمية العالمية للمشهد الثقافي العماني".
بدوره، أكد فرناند جيرارد رئيس الجمعية الأكاديمية للفنون والعلوم والآداب في فرنسا: "جسدت هذه المبادرة التزامنا بتعزيز التبادل الثقافي والشمولية على نطاق عالمي، حيث تشكل أهمية توزيع ميداليات الأكاديمية المرموقة خارج فرنسا علامة فارقة للأكاديمية، مما يدل على تفانينا في الاعتراف بالتميز الفني خارج حدودنا التقليدية".
وبينت مادلين إمكي ممثلة الأمم المتحدة في دول مجلس التعاون الخليجي وسويسرا: "يشرفنا إطلاق هذه المبادرة في مسقط، وتعزيز الإبداع والتفاهم والتعاون عبر الحدود، وتحتل سلطنة عُمان مكانة خاصة في قلبي، وتضيف صداقتي الطويلة الأمد مع المجتمع العماني إلى أهمية هذا المسعى".
ووجهت مادلين شكرها لـ"مطارات عُمان" على تنظيم الحفل الختامي في مطار مسقط الدولي، وإتاحة الفرصة لعرض الأعمال الفنية في أروقة المطار، مما يزيد من أهمية عرض هذه اللوحات في مكان يعتبر ممرا دوليا للمسافرين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: مطار مسقط
إقرأ أيضاً:
بالقوافل إن لم يكن بالسلاح
عاش العالم العربي في أزمات عديدة منذ وصول الاستعمار إليها، تفتتت خلال هذا التاريخ العلاقات بين الشعوب لحد كبير، إذ تفرّقت بالطائفية والمناطقية والأفكار والأيديولوجيات السياسية، وعلى الرغم من ذلك بقيت القضية الفلسطينية دائمًا عبارة عن بوصلة لكثير من هذه الشعوب للاتحاد، ولعل واحدًا من آخر المصاديق لهذا الاتحاد هي القافلة التي انطلقت من تونس للجزائر ثم ليبيا في محاولة الوصول إلى مصر ثم إلى معبر رفح لفك الحصار عن غزة، وسمّيت «قافلة الصمود». شارك في هذه القافلة العديد من الناشطين من مختلف التوجهات والأفكار والأديان والمذاهب، والجامع هدفٌ واحد هو دعم فلسطين ومحاولة إنهاء الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة منذ قرابة السنتين، وإن كانت بادرة رمزية، لا تحمل السلاح، إلا أنها تمثل مبادرة مهمة في هذه الحالة، فمحاولة إعادة جذب الأنظار إلى ما يحدث في غزة من خلال مثل هذه المبادرات ضروري ومهم، وهو مقاومة لم تعدمها هذه البلاد رغم كل التفتت الاجتماعي والسياسي الذي أصابها لفترات طويلة، فهي مقاومة بالقوافل إن لم يكن بالسلاح!
لفتت مثل هذه المبادرة العديد من وسائل الإعلام لقدرة الشعب العربي على الاتحاد في مواجهة القوى العالمية، ولذا انطلقت لا بدافع الأيديولوجيا السياسية التي هي من مظان التفرّق وإنما بدافع دعم جزء مهم من هذا الجسد الكبير، دعم الشعب الفلسطيني المحتل. ولاقت المبادرة تغطية واسعة سواء من وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة، فكان هناك دعم مستمر ومتابع لها على مواقع التواصل الاجتماعي، فشهد وسم - قافلة الصمود على سبيل المثال، انتشارًا واسعا ونُشرت عليه تغريدات عديدة أغلبها داعمة للقافلة، وهذا الدعم في الوسوم الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي قد تُرجم إلى الواقع فكان الاحتفاء والاستقبال حافلاً وضخمًا في ليبيا للقافلة، ومن هنا تجد أن القافلة قد ساهمت في تحقيق إعادة التجسير الحي بين شعوبٍ عربية، فما كان موجودا على الواقع الافتراضي أصبح موجودًا في الواقع الخارجي، وتم تجاوز كثير من الخلافات بين هذه الشعوب في الوصول إلى حالة الاتحاد من أجل قضية واحدة.
إن العمل الميداني المشترك يسهم في كسر الحواجز الطائفية والأيديولوجية، ويعيد تجسير العلاقات الاتحادية بين الشعوب، ولذلك فهي تعيد معرفة الشعوب ببعضها البعض وتجاوز الصور النمطية التي رسمتها البروباغندا الاستعمارية أو النابعة من الجهل بالآخر، وصولاً إلى الاعتراف بأن الشعوب العربية تتشارك الهموم ذاتها والتفاصيل ذاتها، وحتى إن كانت هناك خصوصيات ثقافية في كل مجتمع، إلا أن ذلك لا يعني الانفصال التام عن الالتقاء الهوياتي العربي، فاختلاف الخصوصية الثقافية يشبه اختلاف الهوية الفردانية للإخوة في البيت الواحد، فكل واحد منهم يختلف عن الآخر في اهتماماته وطريقة حياته وتفكيره، ويختلف في المجموعات التي يتشارك معها أجزاء هويته الذاتية، إلا أن ذلك لا يعني أن هؤلاء الأخوة لا يجتمعون في ذات البيت أو لذات النسب، وكذا الحال بالنسبة للشعوب العربية التي تعيش في هذه المنطقة وقد عايشت كثيرا من التقاطعات التاريخية ذاتها وحملت الهموم ذاتها، وتعود في تفكيرها اللغوي إلى اللغة ذاتها، حتى وإن تعددت اللغات في كل مجتمع، إلا أن اللغة وما تحمله من أفكار ومعتقدات -ليس المعتقدات الدينية بالضرورة وإن كان الأمر متعلّقًا في جانب من جوانبه بالدين- تجمعهم في ذات الجسد الواحد. ومن هنا يُمكن النظر إلى قافلة الصمود على أنها أنموذجًا للالتقاء الإنساني بين الشعوب العربية، للإنسان من حيث هو إنسان في المقام الأول، وعربي في المقام الثاني، بعيدًا عن التجسيد السياسي الذي تكون نهايته عادة عند آخر نقطة في حدود الدولة القطرية، لكن هذا الالتقاء أبعد من الحدود ومن السياسة ومن الخصوصية الثقافية. فالهدف من القافلة في الأساس دعم فلسطين وفك الحصار عن غزة، وإنهاء الاحتلال القابع في صدر العالم العربي والغريب عنها في كل شيء، وهذا الهدف وما يشكله من مصاديق في العالم الافتراضي والعالم الواقعي يسهم في التحرر من الانقسامات الداخلية، لأن الانشغال بما هو أكبر من هذه الانقسامات هو في ذاته دعوة للاتحاد ونبذ الفرقة، على أمل أن يشهد أهل هذا الزمن الأحياء تحرير فلسطين من الاحتلال الغاشم، ثم انشغالهم بالتطور الذاتي والوطني ما يدعو أيضا لنبذ الفرقة حتى لا يكون لأي دخيل خارجي مدخل أو ثغرة يُمكنه من خلالها الدخول إليهم، وعلى الرغم من رومانتيكية هذه الجمل الأخيرة ودغدغتها للأمل الكامن في الطبيعة البشرية، فالواقع بحاجة لعمل كبير وكثير يلزم الجميع بتغليب المصلحة العامة لا الفردية أو الطائفية والأيديولوجية.
قافلة الصمود تؤكد في رمزيتها المهمة على العروبة الشعبية، المنطلقة من الداخل، لا العروبة الرسمية المنطلقة من البراغماتية السياسية والواقع والعلاقات الدولية، فإن العروبة الشعبية -والوصف هنا بمعنى نقطة الانطلاق لا بمعنى عموميتها أو بساطتها الفكرية- لا تلتفت لجميع الحسابات السياسية التي غالبًا ما تحاول أن تكون في حالة من المعادلة الرياضية لخدمة المصلحة العامة بما يتناسب مع علاقاتها مع الدول أو المنظمات أو الشركات وبما لا يضر مصالحها السياسية والاقتصادية، لكنها تلتفت لمبادئها ونصرتها للمظلوم، وهي أصدق وأعمق وأكثر ديناميكيةً بكثير من الثانية، التي في غالبها تبقى في حالة الترف اللفظي وتدور حوله في الاجتماعات أو القمم. وهي -أي القافلة- برمزيتها كذلك تستدعي في الذاكرة العديد من القوافل السابقة، سواء العربية أو العالمية، فلم تكن بعيدة عنها سفينة مادلين التي حاصرها الاحتلال العنجهي في المياه واحتجز من فيها قبل وصولها إلى غزة، في مشهد أسوأ من القرصنة، من غير اهتمام بأي قوانين دولية أو اتفاقيات ومنظمات، فهل ما زال العالم بمنظماته وقوانينه يحترم ذاته؟
هذه المبادرات تدعو جميع الشعوب العربية إلى تشكيل بنية تضامن شعبي عربي دائم، لا يتعلق بمبادرات فردية أو قليلة، وإنما محاولة الوصول إلى الجسور الشعبية وتجاوز الخلافات والانقسامات الطائفية والأيديولوجية، بل وتجاوز أي صراعات بينها، فكل صراع -وإن كان رقميَّا- بين شعبين عربيين لا يخدم إلا المحتلّ فحسب، لأنه ينتج ثغرة ضخمة تُمكّنه الدخول من خلالها، لذا فتجاوز الصراعات من خلال حالة الوعي بالدور الواجب على كل فرد، وأهميته في مقاومة المحتل في هذه اللحظة والمستقبل، لا بد أن ينبع من القانون الأخلاقي الداخلي الديني والإنساني، وبغير هذا الصوت الأخلاقي الداخلي بأهمية الاتحاد، فإن كل فلسفة أخلاقية مهما بلغت في عمقها تظل مجرد أقوال وجعجعاتٍ لا مغزى منها، ومن هنا يأتي دور الجامعات والنقابات والمؤسسات الثقافية في زيادة هذا الوعي بدور كل فرد في مقاومة الاحتلال، وأن هذه المقاومة تبدأ بالاستماع للصوت الأخلاقي بأهمية الاتحاد ونبذ الفرقة، ولا بد لهذي المؤسسات أيضا أن تكون نواة اتحاد لا فرقة، ورائدة ومنشئة للمبادرات التي تساعد في تقليص الحضور الإيجابي للمحتل في المخيلة الشعبية مستغلًّا من أجل ذلك مداخل التفرقة بين الشعوب العربية.
بهذا يُمكن أن تعود للشعوب العربية الثقة أن لها صوتًا عالميًّا مسموعا، وجسدًا قويًّا وإن ملأته الجروح، ورؤية استقلالية ومستقبلية متقدّمةً لا يُمكن لأحد أن يفصلها أو يضرّ بها.
جاسم بني عرابة كاتب عُماني