المستثمر الأجنبي.. بين المغانم والمغارم
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
عمير العشيت
تُمثِّل الاستثمارات الأجنبية هي إحدى أهم المغانم الأساسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة في العالم، والمحفِّز القوي للنمو وزيادة الناتج المحلي، ومساهما فاعلا في الدخل الوطني، ولقد لعب الاستثمار دورًا بارزًا في الدول النامية في ثمانينيات القرن الفائت، وهي الفترة الحقيقية لتصاعد الاقتصاد العالمي في النمو وجذب الاستثمار؛ فقد استطاعتْ هذه الدول استقطاب العديد من كبار المستثمرين الأجانب، فتحوَّلت خلال فترة زمنية وجيزة إلى دول اقتصادية منافسة للدول الصناعية، واحتلَّتْ مواقع دولية مهمة، وأصبحت مؤثرة في واقع سياسات اتخاذ القرارات العالمية، بل حتى إنها بدأت تقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية للدول الفقيرة الأخرى.
أمَّا مفهوم الاستثمار الأجنبي عند المشرِّع العُماني، فقد حدَّده المرسوم السلطاني رقم 50/2019 بإصدار قانون استثمار رأس المال الأجنبي في المادة (1)، والتي نصت عليه في البند (ز) على ما يلي: "أيُّ نشاط اقتصادي يُقيمه المستثمر الأجنبي بمفردة أو بمشاركة أجنبي آخر أو عماني في السلطنة".
وبدأت سلطنة عُمان فتح نوافذ الاستثمار الأجنبي الفعلي في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، مع أن مرحلة التوقيت جاءت متأخرة إلى حدٍّ ما، نظرا لاستحواذ دول المنطقة كأغلب المستثمرين الفاعلين فضلا عن تحفُّظ بعض القوانين في مجالات الاستثمار في ذلك الوقت، وفي عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وبنظرته الثاقبة، فقد ركَّز جلالته على قطاع الاستثمار كبديل آخر للنفط، استنادا لسياسات تنوع مصادر الدخل، وتماشيا مع السياسات الاقتصادية العالمية؛ حيث منحت حكومة السلطنة في السنوات الأخيرة الماضية مزيدًا من الصلاحيات والامتيازات والإعفاءات وإزالة بعض القيود عن المستثمرين، مما أسهم في تعزيز الاقتصاد العماني، ورفع نسبة الناتج المحلي، وتراجع العجز الفعلي للميزانية العامة للدولة. ولأهمية هذا القطاع في السلطنة، فقد أضافت حكومتنا الرشيدة مصطلح ترويج الاستثمار إلى مُسمَّى وزارة التجارة والصناعة. وفي آخر الاحصائيات الأولية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فقد بينت أنَّ حجم التدفقات في الاستثمار الأجنبي المباشر سجَّل نموا بلغ 57.5 بالمائة حتى نهاية العام 2023، وهذا مُؤشر جيد للاقتصاد العماني، ويعتبر من مغانم الاستثمارات الأجنبية في السلطنة.
أمَّا مغارم الاستثمار الأجنبي، فتتمحور في احتمال تزايد عدد المستثمرين غير الجادين في هذا المجال؛ أي الذين يلجأون لأساليب غير جيدة لتحقيق أهدافهم وحصولهم على تراخيص مستثمر، وقد يتحولون إلى عبء على الاقتصاد الوطني والمجتمع، وقد تكون مشاريعهم وهمية، مُستغلين الحوافز التي قدَّمتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار؛ من خلال البرامج المسجلة في مكاتب الخدمات الإلكترونية، وأيضا المُستفيدين من فترة تمديد إنشاء المشروع الذي من المُمكن إطالته لفترات زمنية تزيد عن سنة، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية حيالهم؛ وبالتالي أصبح العامل البسيط -كفني المركبات أو خادمة المنزل- بين ليلة وضحاها يحصل على بطاقة مستثمر تجاري بمنتهى السهولة، من خلال استخراج التراخيص من مكاتب الطباعة وتخليص المعاملات، ونتيجة لذلك فإنَّ الأعداد تتزايد شيئًا فشيئًا، وكل غاية هذا العامل أو العاملة فك الارتباط الذي بينه وبين صاحب العمل، بحيث تكون له حرية ممارسة الأنشطة التي من المحتمل أن تكون غير قانونية أو لا أخلاقية، ناهيك عن استغلال بعض المستثمرين باستدراج بعض المواطنين للمشاركة في مشاريع وهمية، أو الدخول في شركة غارقة في الديون دون معرفة المواطن.
هناك أيضًا مغارم أخرى لهذه الفئة تتعلق بمعاناة حقيقية من قبل بعض المواطنين الذين تضرَّرت أنشطتهم التجارية، وما خلفه ذلك من تحديات أمام عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورجال ورواد الأعمال، وأيضا الباحثين عن عمل، الذين وصلوا مرحلة متأخرة من العمر وهم ما زالوا في إطار البحث عن عمل، وليست لهم رواتب شهرية تكفل لهم العيش الكريم، ولتغطية هذا النقص حاولوا ممارسة أنشطة تجارية بسيطة توفِّر لهم ولأسرهم لقمة العيش، لكنهم الآن يواجهون أعداد من العمالة الوافدة يمارسون أعمالهم كمستثمرين، وصاروا منافسين شرسين لهم؛ مما اضطر البعض منهم لإغلاق أنشطتهم، وأصبحوا بلا وظائف، ونظرًا لذلك فإننا نُناشد الحكومة الرشيدة النظر بعين الاعتبار للباحثين عن عمل ومنحهم رواتب شهرية من صندوق المنفعة الاجتماعية، لمواكبة متطلبات الحياة وغلاء المعيشة التي طالت الصغير والكبير، ولم تفرِّق بين غني وفقير.
والشاهد هنا أنَّ الكثير من الدول الجاذبة للاستثمار تشترط توظيف كافة المواطنين في المشاريع الاستثمارية كشرط مبدئي؛ فالهدف من قانون الاستثمار تنويع مصادر الدخل وتوظيف المواطنين وتشجيع عجلة النمو في التنمية الشاملة. لذا؛ فالمصلحة العامة تقتضي مراجعة مثل هذه القوانين والقرارات، والتحقُّق من مدى جدية المستثمر الحقيقي في مجالات الاستثمار، وأيضا سحب تراخيص المستثمرين غير الجادين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رئيس غرفة التجارة الفرنسية: السوق المصري الأكبر في المنطقة.. ونسعى لتيسير دخول المستثمرين
قال عماد السنباطي، رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في مصر، إن العلاقات المصرية الفرنسية قائمة على روابط تاريخية وثقافية واقتصادية قوية، مُشيرًا إلى أن الغرفة التي تأسست عام 1992 تضم اليوم أكثر من 700 شركة، وتمثل حلقة وصل بين الشركات المصرية ذات العلاقات التجارية مع فرنسا، والشركات الفرنسية العاملة داخل السوق المصري.
واستعرض السنباطي، أوجه التعاون الاقتصادي بين مصر وفرنسا، والدور الحيوي الذي تلعبه الغرفة في دعم مناخ الاستثمار.
أكد السنباطي، أن دور الغرفة لا يقتصر على تمثيل مجتمع الأعمال الفرنسي، بل يمتد لتقديم دعم فني واستشارات للمستثمرين، والتواصل مع المؤسسات الحكومية الفرنسية، وتنظيم مؤتمرات أعمال ومعارض داخل وخارج مصر.
وأشار إلى أن الغرفة تعد فرعًا من أصل 120 غرفة تجارة فرنسية موزعة حول العالم، وأنها بصدد الانضمام إلى شبكة تضم 125 فرعًا بـ95 دولة خلال الفترة المقبلة.
لفت السنباطي، إلى أن الغرفة تسعى لتيسير دخول الشركات الأجنبية إلى السوق المصري، عبر تقديم المساعدة الفنية والاستشارات، وتوفير منصة للتواصل بين المستثمرين الجدد والجهات المصرية، كما كشف عن نية الغرفة إنشاء لجنة لفض المنازعات لدعم المستثمرين في حل التحديات القانونية.
وأوضح أن الغرفة تدعم جهود الدولة المصرية في الترويج للاستثمار، من خلال بعثات طرق الأبواب، التي تُنظم بالتعاون مع عدة جهات، ومؤسسات حكومية مصرية.
وقال رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في مصر، إن بعثة طرق الأبواب الأخيرة في فرنسا بشهر سبتمبر الماضي، جاءت عقب تشكيل الحكومة الجديدة، وشاركت فيها شخصيات بارزة مثل وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء، وأكد أن البعثة لم تكن مجرد ترويج بل تضمنت خطوات فعلية لتوصيل المستثمرين بالرؤية الاقتصادية المصرية.
وأكد أن نتائج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر في أبريل الماضي، لم تكن وليدة يومين، بل جاءت بعد تحضير استمر لأكثر من عام كامل بالتنسيق بين الغرفة ووزارة الاستثمار والسفارة الفرنسية.
أوضح السنباطي، أن السوق المصري يعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يجعله جاذبًا بطبيعته، إلى جانب ارتباطه الزمني مع أوروبا، وتوافر بنية تحتية جيدة، وتسهيلات في الإجراءات، وقوى عاملة شابة.
وأشار رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في مصر، إلى أن العلاقات السياسية الجيدة بين القاهرة وباريس تشجع على ضخ استثمارات فرنسية جديدة، مُوضحًا أن المستثمر الفرنسي يهتم برؤية واضحة حول السوق والمردود المتوقع.
وقال السنباطي، إن من أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين الفرنسيين في مصر هو غياب إصلاح إداري شامل، وافتقار الدولة لخريطة استثمارية واضحة تبين أولوياتها من المستثمر الأجنبي.
كما أكد رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في مصر، أهمية دعم المستثمر المصري للخروج للأسواق الخارجية، حتى تعم الفائدة على الاقتصاد الوطني، ويتم تحقيق تبادل حقيقي لرؤوس الأموال والخبرات، مُشيرًا إلى أن الاستثمار ليس علمًا جامدًا بل "فن وتزاوج مصالح".
لفت السنباطي، إلى أن الغرفة تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال التعاون مع السفارة الفرنسية، وهيئات عديدة، تقدم منحًا واستشارات وتدريب للشباب.
وكشف أن الغرفة نظمت مُؤخرًا مشاركة 650 شركة مصرية صغيرة في أكبر معرض غذائي عالمي في فرنسا، وقدمت تسهيلات شاملة من تأشيرات سفر إلى مساحات عرض داخل المعرض، في إطار جهود دعم التصدير.