رحلة أميليا إيرهارت وفريد نونان لمطار الفاشر عام 1937
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
عبد الماجد عباس محمد نور عالم
كَانَت الفاتنة الشَّقْراء مُنهمكَة تَقلُّب نظرهَا بَيْن الأوْراق والرُّسومات الطُّبوغْرافيَّة ، ومقارنة إِيَّاهَا بِالْخرائط الكنْتوريَّة ،وتسجِّل مُلاحظات عليْهَا بِقلمِهَا ثم تقُوم بِحساباتٍ وقياسات ،تُدَونهَا بمُفكِّرتهَا الملْقاة بِالْقرْب مِن المفكَّات والصَّواميل والْبراغي المتناثرة حوْلهَا .
الطَّائرة على اَلمُدرج تَنفُخ أوْداجهَا تَستَعِد لِلْإقْلاع مِن السُّودان الفرنْسيِّ إِلى السُّودان الإنْجليزيِّ فِي رِحْلَة تَحظَى بِعيون العالم المفْتوحة المنْتبهة مع الاهْتمام الكامل لِمسار هَذِه الرِّحْلة فِي هذَا اليوْم الموافق :- 12/06/1937، المنْطلقة مِن مَطَار فُورْتْ لِأمِّيٍّ ، العاصمة التِّشاديَّة ، والْمتوجِّهة إِلى مَطَار الفاشر ، عَاصِمة مُديرِيَّة دارْفور . تَقدُّت إِميلْيَا إِيرْهارْتْ وَهِي تَرتَدِي بِنْطَال جِينْز وقميص أَزرَق دَاكِن تَسلقَت السِّلْم لِجناح الطَّائرة . Lockheed Electra 10E Special, NR16020. ، ثُمَّ جَلسَت فِي قَمرَة القيادة فِي اِنتِظار الإذْن بِالْإقْلاع . . . بُرْج المراقبة يُعْطِي الإشارة لِلطَّائرة فترْتَفع رَغْم العواصف وهباتهَا اَلتِي تَقاوَمها وَكُل مَا اِرْتفَعتْ تَحررَت الأجْنحة مِن سَطوتِها وَهَكذا اِستمَر الطَّيران لِمَا يزيد على الثَّلاثة ونيِّف والْمحرِّكات فِي صهيل دَائِم إِلَّا مِن اِرْتجاجات خَفِيفَة بِبَدن الطَّائرة بِفعْل مَطَبات الرِّيَاح وأخيرًا ظهَرت مَلامِح بُيُوت مُتناثرة بالأسْفل وسط الكثْبان الرَّمْليَّة الممحلة لِتبدُّد رَتابَة المشْهد وَتبُث فِيهَا دِفْء الحيَاة برَغْم الجفَاف والتضاريس الوعرة والقاسية بَدأَت الطَّائرة بِالْهبوط التَّدْريجيِّ إِلى أنَّ اِسْتقَرَّتْ بِأرْضِيَّة المطَار . . . نمتْ شُجيْرَات صَغِيرَة مَلْسَاء غَزِيرَة اَلفُروع وتْتمدْدتْ لِتشكِّل طوْقًا وحزامالسورَا يُحيط بِمهْبط الطَّائرات . . . يَبدُو أنَّ هَذِه الشُّجيْرة قد غَرسَت حديثًا ومع بِدايَات مَوسِم المطر بِهَدف أن تَنمُو وتكْبر مع فَصْل اَلخرِيف وَهطُول المطر بِهَذا اَلْعام عام 1937 وهَا هُو السُّور بدأ يَتَشكَّل مُعَلمه كسِياجٍ أَخضَر بهيج مُزَينٌ بِشجيْرات (التَّنَضب) ليسْتقْبلك مِن باب الدُّخول الرَّئيسة ويأْخذ بِيديْك على الممرَّات المضْفورة أرْضيَّاتهَا بِالطُّوب الأحْمر والْمحْفوفة بِإنْصَاف الطُّوب اَلمطْلِي بِالْجِير اَلأَبِي ، وقد صَنعَت أحْواضًا بَدِيعَة على طُولهَا ، وقد غَرسَت فِيهَا وَرَدات مِن الونَكة عباد الشَّمْس ، والرَّيْحان
هبطتْ طائرتنا القادمةُ منْ فورتي لأمي ، وسطَ اهتمامٍ كبيرٍ ، واستقبال حاشدٍ منْ الموظفينَ الإنجليزيِ فبالمطارِ ما يشبهُ الاحتفالُ الرسميُ لهذهِ الرحلةِ وقدْ جذبتْ اهتمامَ العالمِ المتقدمِ حينذاكَ . . . وهكذا وصلتْ أميلي إيرهاتْ لمطارِ الفاشرْ في ذاتِ نهارٍ صيفيٍ وخريفيِ الملامحُ والقسماتُ منْ شهرِ يونيو الموافق:- 12/06/1937، وها هيَ الآنَ تمددتْ شعرها وتعدلُ منْ هندامها وتختلسُ نظرةٌ في مرايةٍ صغيرةٍ تحملها في حقيبةِ يديها التي لا تفارقها في أيِ مكانٍ فسطعَ بدرُ وسطِ المقابضِ والمكابحِ وعداداتِ كابينةِ القيادةِ ، وكأنها وردةٌ نمتْ بينَ جامدٍ الصخورِ . . . هيَ الآنَ أكملتْ هندامها وكتابةَ تقريرها الفنيِ لهذهِ الرحلةِ تصفُ مسارها وخطُ سيرها الملاحيِ إذ هيَ قبطانهُ الرحلةِ وكان تقرير الرحلة كالآتي:-
《12 يونيو 1937: الجولة 14.
NR16020
. إميليا إيرهارتْ وفريدْ نونانِ يطيرانِ بالطائرةِ Lockheed Electra 10E Special, NR16020. ، منْ فورتْ لامي في أفريقيا الاستوائيةِ الفرنسيةِ ، إلى الفاشرْ ، السودانُ الإنجليزيُ المصريُ ، مسافةٌ 609 ميلاً بحريا (701 ميلًا قانونيًا/1129 كيلومترًا)
استغرقتْ معالجةَ التسربِ في إحدى دعاماتِ جهازِ الهبوطِ في طيارةٍ إلكترا عدةِ ساعاتٍ . وبسببَ ذلك كانت البدايةِ المتأخرةِ ، حددنا هدفُ رحلةِ ذلكَ اليومِ إلى الفاشرْ ، في السودانِ الأنجلو - مصري . ومعَ هبوبِ رياحٍ لاحقةٍ ، تمكننا منْ قطعِ الرحلةِ إلى ما يزيدُ عنْ الثلاثةِ ساعاتٍ . كما كانَ متوقعا ، وبفضلِ حرارةِ النهارِ التي لحقتْ بنا ، كانَ الطيرانُ وعراً بشكلٍ خاصٍ ، معَ وجودِ منطقةٍ مقفرةٍ بشكلٍ ملحوظ أسفلنا .
- إميليا إيرهارتْ ?
مرجعُ هذا التقرير هوَ : -
(مكتبات جامعة بوردو، الأرشيف
أميليا إيرهارت لوكهيد إلكترا 10E NR16020 في الفاشر، السودان الإنجليزي المصري، 12 يونيو 1937.
《 والمجموعات الخاصة
عبد الماجد عباس محمد نور عالم
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الفاشر تحتضر ..!
تعيش مدينة الفاشر تحت حصار خانق تفرضه ميليشيا الدعم السريع منذ أكثر من عام، في ظل انهيار تام في الخدمات، وظلال مجاعة باتت تُخيّم على سكانها الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف. ورغم هذه الكارثة الإنسانية، لم يتخذ مجلس الأمن الدولي خطوات عملية ترتقي إلى حجم المأساة.
في يونيو 2024، تبنّى المجلس قراره رقم 2736، الذي طالب بوقف الحصار فورًا، وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها، وضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. إلا أن هذا القرار بقي حبراً على ورق، بلا أدوات تنفيذية، بينما تتدهور الأوضاع المعيشية في المدينة بوتيرة متسارعة.
وقد أكد الخبير الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، أمس أن أولويات عمله تتركز في أربعة ملفات أساسية: حماية المدنيين، تسهيل وصول المساعدات، المساءلة، وعدم الإفلات من العقاب، إضافة إلى ضمان حرية عمل المنظمات الإنسانية والحقوقية. وفي لقاء محدود مع الصحفيين،عبّر عن قلقه من استمرار التدهور، مشيرًا إلى غياب أي تطورات ملموسة على الأرض.
في المقابل، صدرت تصريحات متباينة من الحكومة. ففي مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان في يوليو 2025، أعلنت الحكومة السودانية أن رؤيتها الإنسانية تقوم على مبدأ تقديم الدعم للجميع دون تمييز ديني أو عرقي أو جهوي. كما أكدت فتح المعابر والمسارات والمطارات، بما في ذلك المنافذ الخارجة عن سيطرتها – مثل معبر أدري الحدودي مع تشاد – لاستقبال المساعدات، وتم تمديد فتحه لثلاثة أشهر إضافية. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان رسمي بقبول هدنة إنسانية في الفاشر، استجابة لمقترح من الأمم المتحدة لتأمين وصول المساعدات إلى السكان المحاصرين.
من جانبه، أوضح الفريق الركن الصادق إسماعيل، مستشار مجلس السيادة للشؤون الإنسانية، أن ولايتي شمال دارفور وجنوب كردفان من أكثر المناطق تضررًا واحتياجًا، داعيًا المنظمات إلى تكثيف جهودها بعد فتح المسارات. كما أعلنت الحكومة تشكيل لجنة طوارئ وطنية لدعم مفوضية العون الإنساني.
أما المفوضة سلوى آدم بنية فكشفت عن كارثية موجات النزوح الأخيرة، مشيرة إلى فرار نحو 1.3 مليون شخص من مناطق القتال، بينهم أكثر من نصف مليون من مخيم زمزم إلى الفاشر، وعشرات الآلاف من أبو شوك وطويلة إلى داخل الأراضي التشادية.
ورغم هذه الخطوات الرسمية، تبقى الاستجابة على الأرض دون المستوى المطلوب. فلم يُسجّل أي تحرك عسكري فعّال لفك الحصار أو تأمين خطوط الإمداد نحو الفاشر. والجيش السوداني، رغم امتلاكه القدرات البشرية واللوجستية، لم يطلق حتى الآن أي عملية باتجاه المدينة.. علماً بأن آلاف المقاتلين من القوات المشتركة “حركات سلام جوبا” متواجدون في الخرطوم ، بحسب تقرير لقناة “العربية”. ويرى مراقبون أن الحصار كان من الممكن فكّه سريعًا، لو تحركت هذه القوات المجهّزة لجبهة القتال كما حدث في معارك سابقة أثبتت فيها قدرتها على تفكيك تمركزات الميليشيات.
وما يعمّق المأساة أن الفاشر أصبحت على حافة مجاعة حقيقية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة بتاريخ 8 يوليو 2025، فإن 38% من الأطفال دون سن الخامسة في المدينة يعانون من سوء تغذية حاد، بينما يعاني 11% منهم من حالات حرجة تهدد حياتهم. وقد وصف والي شمال دارفور، الحافظ بخيت، الأوضاع بأنها “لا تُطاق”، موضحًا أن السكان يعتمدون على “الأمباز” – بقايا الفول السوداني المخصص عادةً لعلف الحيوانات – كغذاء رئيسي، في ظل غياب تام للسلع الأساسية، حيث تجاوز سعر ربع جوال الدخن نصف مليون جنيه سوداني.
وفي تطور لافت، أعلن مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، استعداده للانفتاح على تحالف “صمود”، بل وحتى مع ميليشيا الدعم السريع إذا أبدت التزامًا إيجابيًا، قائلاً: “الجميع سودانيون ويجب أن نتحرك معًا نحو السلام”. وهو خطاب يعكس مرونة تكتيكية وربما سعيًا لبناء تفاهمات جديدة لتخفيف التوتر على الأرض، رغم الانتهاكات الجسيمة التي ما تزال ترتكبها الميليشيا في الفاشر، حسب تقارير محلية ودولية موثقة.
لذلك على المجتمع الدولي، وفي مقدمته مجلس الأمن، أن يتحمل مسؤوليته في تحويل قراراته إلى أدوات تنفيذية فعالة، تتضمن الضغط الجاد على ميليشيا الدعم السريع، وتفعيل آليات الإسقاط الجوي العاجل للمساعدات، وفرض وقف إطلاق النار الإنساني الذي وافقت عليه الحكومة السودانية.
كما أن على الحكومة السودانية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، بتحريك قواتها نحو الفاشر، وتأمين الطرق والمطار، وفرض واقع ميداني جديد يُنهي الحصار.
فما يحدث في الفاشر ليس مجرد أزمة إنسانية، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على حماية مواطنيها، واختبار لمدى جدية المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانب المدنيين في مناطق النزاع.
بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة لقد تجاوزت المأساة حدود الاحتمال، وبات الصمت شكلًا من أشكال التواطؤ. وإذا لم تُتخذ خطوات حقيقية خلال الأيام القادمة، فقد تسقط الفاشر ليس فقط تحت الحصار، بل في ذاكرة العالم كنقطة سوداء على جبين الإنسانية.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 30 يوليو 2025م [email protected]