اعتاد الذين يتعاطون مع لبنان على الاعتقاد أن "حيطه واطي". وقد لا يكون الحقّ عليهم، بل على بعض اللبنانيين الذين أوحوا لهم بأن في استطاعتهم التعامل مع الدولة اللبنانية وكأنها "اجر كرسي" أو "شرّابة خرج" ليس أكثر. هكذا كان تعاملهم مع العثمانيين على مدى أربعمئة سنة. وهكذا كانت حالهم مع الفرنسيين في زمن الانتداب.

ولم تكن الحال أفضل بكثير مع الفلسطينيين حين اعتقدوا أن طريق القدس تمرّ بجونيه وعيون السيمان. ومن بعدهم جاءت حقبة الوصاية السورية على مدى ما يقارب الثلاثين سنة حين احكّمت "عنجر" بمفاصل الحياة السياسية في لبنان، بحيث كانت تتدّخل حتى في تعيين أصغر موظف. ولو لم تكن "دكة" بعض هؤلاء اللبنانيين "رخوة" لما تمكنت "عنجر" ولا غيرها من التصرّف مع دولتهم على أساس أنها لم تبلغ بعد سن الرشد وهي لا تزال قاصرة وتحتاج إلى من يمسك بيدها أو يشدّ عليها.
ولأن بعض هؤلاء اللبنانيين يتصرّفون على أنهم لا يزالون قصّارًا ويحتاجون إلى من يمسك بأيديهم ليستطيعوا اجتياز الطرق المزدحمة من دون أن تدهسهم السيارات المسرعة سمح رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان لنفسه، بتوجيه كتاب إلى وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي يطلب منه فيه وقف ما أسماها "ممارسات لاإنسانية"، وأن تتراجع الإدارات الرسمية اللبنانية عن التدابير التي اتخذتها بحق النازحين السوريين غير الشرعيين.   غريب أمر هذه المفوضية، التي تسمح لنفسها بأن تتصرّف في لبنان على هواها وكأنها صاحبة الأمر وصاحبة الدار، أو بالأحرى كأن لا مسؤولين فيه ولا حكومة ولا وزراء ولا إدارات رسمية عليها أن تعود إليها قبل أن تقدم على أي عمل له علاقة بالسيادة اللبنانية. فهي تتصرّف وكأنها "فاتحة على حسابها"، وتعتقد أن كلمتها هي التي يجب أن تكون مسموعة، وأن ما تقوله هو ما يجب أن يسري مفعوله.   تعتقد هذه المفوضية، وهي بالتأكيد على خطأ، أنه لا يجوز لأي وزارة أو إدارة أو جهاز أن يتعاطى بشأن النازحين السوريين قبل أن يعودوا إليها حتى في أدّق التفاصيل، لذلك اعتبرت أن ما يقوم به الأمن العام وفق تعليمات واضحة وصريحة من وزارة الداخلية وبقرار حكومي من عمليات تنظيم لبعض التجاوزات غير الشرعية التي يقوم بها بعض النازحين السوريين تصرفات غير إنسانية.
فإذا قامت أجهزة الدولة بواجباتها وطبّقت القوانين والاتفاقات التي تنظم عمل المقيمين على أرضيها، سواء أكانوا سوريين أو غير سوريين، تقوم قيامة "المفوضية السامية"، ويتعاطف معها بعض اللبنانيين، الذين ذهبوا إلى حدّ المطالبة بإقالة الوزير مولوي لأنه يقوم بعمله الوظيفي ويؤدي واجبه الوطني.
وإذا لم تبادر الدولة وتقوم بما يُفترض بها أن تقوم به لجهة تطبيق القوانين فلن يستكين لـ "أهل الغيرة" ساكنًا، ويرمونها بما توافر لهم من حجارة، وهم في الأساس يسكنون في بيوت من زجاج، فيرشقون بها من يعتبرونهم مقصرّين ولا يقومون بواجباتهم.   فإذا كانت مفوضية اللاجئين لا ترى سوى بعين واحدة فهذه مشكلتها وليست مشكلة الوزارات التي تعاطت مع النازحين السوريين من منطلق انساني بحت، واعتبرتهم بمثابة ضيوف، وتعاملت معهم على هذا الأساس. وهكذا فعل معظم اللبنانيين الذين تعاطفوا مع السوريين إلى أقصى درجات التعاطف الإنساني، وإن بدت تصرفات بعض الذين لا تزال ذاكرتهم رطبة فيها الشيء الكثير من العنصرية وكأنهم ينفخون على "لبن النزوح" وهم الذين اكتووا من "حليب الوصاية".
ففي تاريخ النزوحات البشرية القديم منها والحديث لم يُسجّل أن عامل أحد النازحين كما عامل اللبنانيون النازحين السوريين انسانيًا، على رغم معرفتهم المسبقة بما يشكّله هذا النزوح، وبهذه الأعداد الكثيفة، وبهذا الشكل الفوضوي، من خطر ديموغرافي، واقتصادي، واجتماعي، وأمني.
فوزارة الداخلية بكل أجهزتها الإدارية والأمنية ماضية في تطبيق القوانين، وهي ستقول ما يلزم أن يُقال لمفوضية اللاجئين ولغيرها من منظمات وجمعيات مدنية.
 
     المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: النازحین السوریین

إقرأ أيضاً:

لماذا غضب مغردون من هجوم سفير أميركا لدى إسرائيل على فرنسا؟

وجاءت تصريحات هاكابي ردا على دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ صرح ماكرون خلال زيارته سنغافورة بأن إقامة دولة فلسطينية ضرورة سياسية، وليست مجرد واجب أخلاقي.

وحدد الرئيس الفرنسي شروطا لإقامة الدولة الفلسطينية تشمل إطلاق سراح "الرهائن"، ونزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وعدم مشاركتها في إدارة الدولة، وإصلاح السلطة الفلسطينية، إضافة إلى اعتراف الدولة الفلسطينية بإسرائيل وحقها في العيش بأمان.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ماكرون يلوّح بتشديد موقفه حيال إسرائيل إذا لم تخفف حصارها على غزةlist 2 of 4حماس تدين تصريحات هاكابي بشأن إقامة دولة فلسطينية على أراض فرنسيةlist 3 of 4لماذا غيّرت ألمانيا موقفها فجأة من حرب غزة؟list 4 of 4سفير واشنطن بإسرائيل يتهم الإعلام الأميركي بإذكاء معاداة الساميةend of list

ورفضت إسرائيل تصريحات ماكرون، وأصدرت بيانا يتهم فرنسا بشن "حرب صليبية" على الدولة اليهودية، في حين منعت دخول وفد وزاري عربي إلى الضفة الغربية لمناقشة الأمر مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وانتقد السفير الأميركي الموقف الفرنسي قائلا: "إذا كانت فرنسا مصممة فعلا على إقامة دولة فلسطينية، فلدي اقتراح لها: لتقتطع قطعة من الريفييرا الفرنسية وتقيم عليها دولة فلسطينية".

وأضاف هاكابي: "هم مرحب بهم أن يفعلوا ذلك هناك، لكنهم غير مرحب بهم بفرض هذا النوع من الضغوط على دولة ذات سيادة"، في إشارة إلى إسرائيل.

عقلية استعمارية

ورصد برنامج شبكات (2025/6/3) تفاعلات واسعة مع تصريحات السفير الأميركي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب محمد: "تصريحات هاكابي لا تظهر فقط استخفافا بحقوق الفلسطينيين، بل تكشف أيضا عن عقلية استعمارية ترى أن الأرض والهوية يمكن أن تمنح أو تسلب بوقاحة إعلامية".

إعلان

بينما علق نادر قائلا: "عندما يهاجم سفيرٌ دولةً حليفة مثل فرنسا بهذا الأسلوب، فالمشكلة ليست فقط في التصريح، بل في التحول الأميركي العلني نحو دبلوماسية المواجهة بدل الوساطة".

وكتب أحمد: "تشبيه إقامة الدولة الفلسطينية بـ’اقتطاع أرض من الريفييرا’ ليس مجرد عبارة عابرة، بل رسالة ضمنية بأن الفلسطينيين لا يستحقون وطنا، وهذا أخطر من مجرد زلة لسان".

في المقابل، برر جون الموقف الأميركي قائلا: "رغم نبرة هاكابي المستفزة، فإن موقف واشنطن يعكس مخاوف حقيقية من أي تحرك أحادي في ظل التصعيد بغزة، والاعتراف الآن قد يستخدم سياسيا بدل أن يخدم السلام".

وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تستعد فيه فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر دولي منتصف يونيو/حزيران الجاري في نيويورك، يهدف إلى دفع المجتمع الدولي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وقوبل المؤتمر المرتقب برفض أميركي واضح، إذ أعلنت واشنطن أنها لن تشارك في ما وصفه سفيرها لدى إسرائيل بـ"الخدعة"، مما يعكس عمق الخلاف بين الموقفين الأميركي والفرنسي بشأن القضية الفلسطينية.

3/6/2025

مقالات مشابهة

  • لماذا غضب مغردون من هجوم سفير أميركا لدى إسرائيل على فرنسا؟
  • لجنة الشؤون الخارجية عرضت مع نظيرتها الفرنسية الدعم لاعادة الاعمار وعودة النازحين السوريين
  • وزير العمل السوريّة لنظيرها اللبناني: نعمل على إعادة السوريين للمشاركة في عملية بناء بلدهم
  • جمانة صدّي شعيا أول امرأة تترأس تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين
  • لماذا يخشى المصريون من طرح أصول الوقف أمام الخواص؟
  • تدفّق مفتوح للنازحين السوريين إلى الشمال
  • ينال صلح: حماية لبنان لا تكون بانتظار الخارج
  • الرئيس السيسي يتابع مُستجدات تنفيذ المشروع القومي لتطوير صناعة الغزل والنسيج
  • آخر المستجدات بشأن النازحين السوريين إلى شمال لبنان.. تقريرٌ لـUNHCR يكشف التفاصيل
  • إنتقادات... أعداد كبيرة من العمال السوريين في البلديّات