الوطن:
2025-08-01@04:29:19 GMT

«مصر مكتوبة لابني».. مواهب تصنع المستقبل

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

«مصر مكتوبة لابني».. مواهب تصنع المستقبل

مواهب واعدة وأفكار متميزة طرحها الفائزون بجائزة المبدع الصغير هذا العام فى الأعمال التى حصلوا بموجبها على الجائزة، لتؤكد فى دورتها الرابعة هذا العام على استمرار رعاية الدولة لأبنائها من الأطفال والنشء، وتحفيز المواهب الواعدة فى مجالات الآداب والفنون والابتكارات والتطبيقات العلمية للاحتفاء بالتميز.

«جائزة الدولة للمبدع الصغير» تمنح سنوياً لمن يُقدم منتجاً فكرياً أو مادياً مبتكراً ولم يتجاوز عمره 18 عاماً فى مجالات الثقافة والفنون ومجالات الإبداع والابتكار.

34 مبدعاً من مختلف مجالات الجائزة حصلوا على مراكز متنوعة هذا العام، من بين 10 آلاف طفل يمثلون 27 محافظة تقدموا للمشاركة بالمسابقة هذا العام، إذ تكتسب الجائزة ثقلها عاماً بعد عام، وإعمالاً للمادة 48 من الدستور ونصها: «الثقافة حق لكل مواطن..»، كما ينص قانون الجائزة على رعاية الفائزين بالجوائز من خلال مؤسسات الدولة، يتولى المجلس الأعلى للثقافة رعايتهم لصقل مواهبهم وتنميتها، وهو الهدف الأساسى من صدور قانون الجائزة تشجيعاً للفائزين على الاستمرار فى إبداعهم.

لكل فائز قصته الخاصة، ولأسرته دور كبير فى اكتشاف ودعم موهبته، تقدم «الوطن» نماذج وقصصاً مشرقة لفائزين بالجائزة، من القاهرة والصعيد والحدود، مواهب مُبشرة ومُطمئنة على المستقبل، لتؤكد أن مصر دائماً «فيها حاجة حلوة».

«بشنونة»: فخور بالتكريم عن لوحة «نصر أكتوبر»

اعتاد أن يمسك بالألوان وهو فى المرحلة الإعدادية، ويحاول ترجمة ما يدور بذهنه على الورق، وكلما نجح فى مهمته استقرت ابتسامة مشرقة على وجهه لاحظتها والدته بوضوح، لتقرر تشجيعه وتنمية موهبته بشراء الأدوات المساعدة وتدريبه على أيدى مدربى الرسم أو من خلال راهب فى الكنيسة علمه أساسيات الرسم، وبمرور الوقت تطورت موهبته ليستحق الفوز بجائزة المبدع الصغير فى مجال الرسم. «ماما علمتنى أرسم الوجه والملامح، وبابا شجعنى على المشاركة فى المسابقات»، يقولها

بشنونة عزيز إسحاق، الطالب بالثانوية العامة فى محافظة أسيوط، متوجهاً بالشكر لأسرته التى حفزته على اكتشاف موهبته ودفعته للمشاركة فى المسابقات عموماً وجائزة المبدع الصغير خصوصاً.

«أنا من قرية رزقة دير المحرق بالقوصية، شاركت بلوحة بألوان الزيت، عن انتصار حرب أكتوبر، استغرقت حوالى ثلاثة شهور، كنت أرسم حوالى ساعة فى اليوم، وخلال التجهيز للمشاركة فى المسابقة رسمت عدداً من الاسكتشات»، بحسب «بشنونة».

إلى جانب الرسم، لدى «بشنونة» شغف بمجال المونتاج على الكومبيوتر: «شاركت فى كورس مونتاج فيديو وأنا فى الصف الثالث الإعدادى، وأتطور خطوة بخطوة، وأقسم وقتى بين المذاكرة والرسم والمونتاج، وفى الثانوية العامة حالياً وقفت المونتاج لحين انتهاء العام الدراسى للتركيز فى المذاكرة، والالتحاق بكلية فنون الجميلة».

توجه «بشنونة» برسالة للشباب، قائلاً: «ابدأ بخطوة وحاول»، متابعاً: «جائزة المبدع الصغير تشجع الفائزين على الاستمرار فى مجالهم، وتحفز الآخرين على اكتشاف مواهبهم فى المجالات التى تقدمها الجائزة»، مؤكداً أن مستوى الجائزة متميز ورائع من مختلف مراحلها، وخاصة المقابلات الشفوية التى أجريت خلال التصفيات، وعن المبلغ المالى من الجائزة، قال سأخصص جزءاً منها لشراء «لاب توب» بإمكانيات أعلى، وجزءاً آخر لشراء أدوات الرسم.

تحكى إيرينى يوسف، مدرسة تربية فنية، والدة «بشنونة»، أنها بدأت تدريبه على الرسم بالرصاص: «بعد انتهاء أفلام الكارتون، كان يمسك بقلم ويرسم ما شاهده، فتوقعت أن يكون رساماً متميزاً، ثم انشغل بلعب الكرة، إلى أن جاءت مسابقة فى الكنيسة فشجعته على الرسم، كان يعرض على رسوماته، وكنت أول جمهوره».

رقية: «حدوتة قبل النوم» أول المشوار

«كنت عايزة أركب لى جناحات»، تعبير تلقائى خرج من الطالبة رقية عمرو الفضالى، 9 سنوات، فى الصف الثالث الابتدائى، الفائزة بالجائزة الأولى فى فرع القصة بجائزة المبدع الصغير 2024، ليعبر عن سعادتها بالفوز بالجائزة، لتصف هذه الأجواء بـ«اليوم المنتظر»، وتزيد بالحديث عن طموحها: «الفوز بالجائزة أول سلمة فى طموحى، وأتمنى أستمر فى الكتابة ورواياتى توصل لكل الناس».

تحكى «رقية»، لـ«الوطن»، عن أحلامها الكبيرة: «نفسى لما أكبر أكون كاتبة كبيرة ورسامة، وكل الأطفال يقرأوا كتبى وأوقع كتبى للقراء، وكتبى تكون فى معرض الكتاب وعلى الغلاف يدوّن (بقلم رقية عمرو الفضالى)، خصوصاً بعدما رحت معرض الكتاب 2024».

حالة من السعادة والراحة تغمر ابنة محافظة شمال سيناء عندما تكتب: «أكتب عن موضوعات أمر بها شخصياً أو موقف تأثرت به عموماً، وعندى نوت بوك أكتب فيه أفكارى وأطورها».

تحدثت «رقية» عن قصصها الثلاث الفائزة: «قصة عن حرب أكتوبر بعنوان (عظيمة يا مصر)، وقرأت عن حرب أكتوبر 10 كتب، وحسيت إنه موضوع مهم جداً ولازم كل الأطفال يعرفوه، والقصة التانية اسمها (ريشة رقية) عن الغروب، ومن أكثر القصص الواقعية (الرسالة الحادية عشر) تتكلم عن التنمر، وتشرح مواقف حياتية وألم البطل الذى تعرض للتنمر، كرسالة للإنسان لكى يتقبل نفسه، ونفسى أعمل حاجات كتيرة بفلوس الجايزة وأجدد أوضتى وأعمل مكتبة لكتبى».

وتوجهت برسالة شكر إلى السيدة انتصار السيسى، قرينة رئيس الجمهورية: «مهتمة تطور الجيل الصغير من خلال القراءة والكتابة».

دور أسرة «رقية» هو الأهم فيما وصلت إليه، وتحكى والدتها آية عماد الدين راشد عن موهبة ابنتها: «رقية فى الأصل حكاءة، وهى أحبت القراءة وكان لها نجاحات وحصلت على المركز الثالث فى جائزة المشروع الوطنى للقراءة فى الموسم الثانى، ومرشحة أيضاً لتصفيات تحدى القراءة فى هذا العام، ومن قراءاتها بدأت تدوين خواطرها وترسم، فنصحتها تجرب كتابة القصة».

«حدوتة قبل النوم» كانت السحر الذى جذب ابنة الـ9 سنوات لعالم القراءة، وتضيف والدتها: «هى كانت تحب إعادة حكى الحكاية بطريقتها».

«عمر»: «قادرون باختلاف» كتب شهادة ميلادي

لم ير «عمر حمادة» الدنيا بعينيه، لكنه يشعر بها من خلال الموسيقى، تمتع منذ الصغر بأذن موسيقية وصوت رائع، فزاد موهبته بالممارسة والتعلم، حتى حصد جائزة المبدع الصغير 2024 فى مجال الغناء.

أغنية «كل ده كان ليه» لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، كانت بوابة الطالب فى الصف الثالث الابتدائى، للإبداع فى المسابقة التى حصد لقبها، حتى صار يدعو أصحابه للمشاركة: «شاركوا وممكن تفوزوا».

يحكى «عمر» عن اكتشافه لموهبته منذ سن الروضة: «أنا اتعلمت الغناء من وأنا فى الحضانة لما اتعلمته هناك، وأنا بحب الغناء والقرآن الكريم، وغنيت أمام الرئيس السيسى فى احتفالية قادرون باختلاف، وبعد الأغنية قلت له أنا بحبك يا ريس، وقال لنا وأنا بحبكم كلكم، وأنا بحبه لأنه مهتم بذوى الهمم».

فطن ابن محافظة القاهرة لضرورة الحفاظ على موهبته، فيتحدث عما يفعله لأجل ذلك: «بحافظ على صوتى إنى أشرب المشروبات الساخنة منها الينسون والزنجبيل والحلاوة باللبن الدافئ، وأتمنى أن أقرأ القرآن الكريم زى الشيخ مشارى بن راشد العفاسى».

«ناوى أفرّح ماما وأجيب شقة»، ذلك ما ينتوى أن يفعله الصغير بالمبلغ المالى الذى حصل عليه، فالأم هى كلمة السر فى حياة الصغار.

وتفتخر حمدة يوسف، والدة عمر، بما فعله صغيرها: «كنت بدعيله ليل ونهار إنه يكسب، دى المرة التانية اللى يقدم فيها، وهو كفيف من وقت ما كان عمره 5 سنين، وخلال فترة وجوده فى الحضانة، كان فيه مدرب موسيقى يدرب الأطفال، وفوجئت بعمر يردد الإنشاد والأغانى انتبهت إلى أن صوته حلو، ومن هنا قررت بجدية فى تدريبه».

تسرد والدة «عمر» مشواره للاحتراف: «من وقت ما عرفت إن صوته حلو أخدته إلى أكثر من مكان، منها مركز شباب فى البداية، ثم مركز تنمية المواهب فى الأوبرا، وبيتعلم الإنشاد الدينى فى مدرسة الشيخ محمود التهامى، ويتعلم القرآن الكريم والأذان، يوم فى الأسبوع، ويتدرب على العزف على الأورج، ويتدرب على الغناء أيضاً فى جمعية البلد اليوم، والجمعية قدمت له فى جائزة المبدع الصغير».

«أحمد وهبة»: نحلم بتصميم مدينة ذكية.. والبداية بالزراعة

فى معمل صغير بأحد البيوت البسيطة بمحافظة قنا، يعمل الشقيقان «أحمد وهبة»، 12 و10 سنوات، بروح الفريق، يجريان التجارب ويتبادلان الأفكار، التى كانت ثمرتها الفوز بالجائزة الأولى بمسابقة «المبدع الصغير» فى مجال الابتكارات.

يحكى أحمد توفيق، الطالب بالصف السادس الابتدائى: «أحلم بتصميم مدينة ذكية، ولتحقيق الحلم كان لا بد من توفير غذاء صحى للمدينة، ومن هنا بدأت الاهتمام بالزراعة وتطويرها، ووجدت سيستم (الساند بوليك) يستخدم الرمال فى الزراعة باعتبارها تربة بديلة، ومن هنا جاءت فكرة المشروع الفائز، وهو عبارة عن سيستم لاكتشاف الأمراض فى النباتات فى هذا النظام الزراعى».

المشروع الفائز عبارة عن نظام ذكاء اصطناعى لمراقبة الأجواء المحيطة بالنباتات والأسماك المزروعة فى المزارع، واكتشاف أمراض النباتات والأسماك فى المزارع السمكية «ساند بولكس»، ويتابع «أحمد»: «سيستم الساند بولكس يتم فيه الاستزراع السمكى وزراعة نباتات باستخدام المياه المصروفة عن مزارع الأسماك، والابتكار يسهم فى اكتشاف الأمراض ومعالجتها، وبالتالى زيادة إنتاجية الخضراوات والفاكهة والأسماك».

على مدار عامين، عمل الصغيران على تجهيز المشروع وتطويره، وكانت البداية بجهاز رى ذكى، عبارة عن (روبوت) لرى النباتات بانتظام، ويجرى العمل على تطوير الابتكار فيما يتعلق بالزراعة بدون تربة وزراعات الرمال وعلى أسطح البيوت ومزارع التربية البديلة، بحسب «أحمد»، مشيراً إلى أن الابتكارات لا تعطله عن الدراسة: «نفسى أكون مهندس ميكاترونيكس».

فيما عبرت هبة، الشقيقة الصغرى، عن سعادتها بالفوز بالجائزة وشغفها بمجال الذكاء الاصطناعى ومشاركة شقيقها فى العمل على المشروع، ووجهت رسالة لأصدقائها بضرورة الاجتهاد «النجاح مش سهل، ونفسى لما أكبر أدخل كلية ميكاترونيكس».

بفخر تحدثت المهندسة هبة الله أحمد السيد والدة الطفلين الفائزين: «أنا خريجة حاسبات ومعلومات، وكنت حريصة على تشجيع الأولاد على الاهتمام بتقنيات الذكاء الاصطناعى»، مؤكدة أن الجائزة التى تقدمها الدولة المصرية تحمل رسالة تقدير للأطفال والأهالى.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المبدع الصغير الأطفال الابداع الابتكار جائزة المبدع الصغیر هذا العام من خلال

إقرأ أيضاً:

رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)

في زمن تتقاذف فيه الأمة موجات الهزيمة النفسية والضعف الروحي، برز الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) كمفكر ومجاهدٍ فريد، أعاد للأمة الإسلامية قيم العزة، والوعي، والاستعداد للتضحية. وفي قلب مشروعه القرآني المتجدد، تأتي الشهادة وقضية الشهداء كأحد أهم مرتكزات بناء الإنسان القرآني.

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

 

لم ينظر الشهيد القائد إلى الشهادة كمجرد “حدث” أو “نهاية”، بل قدّم رؤية متكاملة تجعل منها أسمى طموح الإنسان المؤمن، ووسيلة لبناء الأمة وتحقيق الانتصار الحقيقي.

 

الشهادة .. إلغاء لمفهوم الموت وبناء لروح الحياة

يبدأ الشهيد القائد حديثه عن الشهادة من أساس قرآني متين، حيث ينسف المفهوم التقليدي للموت في سبيل الله، منطلقاً من قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وفي شرح الشهيد القائد، يُلغى الموت من قاموس المجاهد،  لا يُنظر إلى الشهيد كميت، بل كحيّ عند ربه، في كرامة دائمة وفضل إلهي عظيم، ليس ذلك فقط، بل إن إلغاء الموت هو وسيلة لدفع المؤمن نحو ميادين التضحية بدون تردد، حيث قال رضوان الله عليه : أن تخوفه بالقتل، فبماذا تخوفه؟ هو مجاهد يبحث عن الشهادة.

 

أعزة على الكافرين .. العزة التي تُترجم إلى مواقف

يبرز الشهيد القائد النموذج القرآني للمجاهد ، القويٌّ في وجه الأعداء، الرقيق والعطوف مع إخوانه، المتحرّك بنَفَس إيماني دون تردد أو تسويف، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، العزة هنا ليست صفة تجمّل الخطاب فقط، بل سلوك عملي وموقف سياسي وعسكري، يجعل من المجاهد إنسانًا رافضًا للخضوع، ينطلق بذاته وماله قبل أن يُطلب منه، وليس ممن “يثاقل إلى الأرض” أو “ينتظر من يدفعه”.

 

الشهداء صفوة مختارة والشهادة فضل من الله 

الشهداء في رؤية الشهيد القائد ، هم صفوة اختارهم الله واصطفاهم الله، ومنحهم كرامة التفضيل، فهم من اختارهم الله ليمثلوا مشروعه في الأرض، ليكونوا البديل عن القاعدين والمثبطين، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟ تفضيل من الله أن اختارهم هم؟ ، هم الذين آمنوا بحقيقة أن الجهاد مهمة ربانية لا تُؤدى من باب التسلية أو المصلحة، بل استجابة خالصة لله، واستعداد للتضحية بالنفس والمال دون مقابل دنيوي.

 

المجاهدون لا يُشترون .. تفكيك ظاهرة الارتزاق

الشهيد القائد يفصل بوضوح بين المجاهد الصادق، وذلك المرتزق الذي يتحرك لأجل السلاح أو المال أو المصالح، وفي معرض نقده لظواهر الاستغلال التي رافقت بعض المعارك السابقة، يُبرز أن المجاهد الحقيقي لا ينتظر بندقًا أو صرفة: ما كانوا يوم ملكي ويوم جمهوري؟ مرة هنا ومرة هناك .. هؤلاء متعيشين، مرتزقة،
بينما المجاهد الحق كما يؤكد رضوان الله عليه ، ينطلق بنفسه وماله، بدافع الإيمان، وبهدف واحد، وهو نُصرة دين الله، ونيل إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة.

 

ثقافة الشهادة .. صناعة أمة لا تُهزم

في فكر الشهيد القائد، الشهادة مشروع نهضوي، الأمة التي تحب الشهادة وتستعد لها، أمة لا تُهزم، والشهادة تصنع وعيًا، وتزيل الخوف، وتُربّي الإنسان على العزة والكرامة، وهو يرفض تصوير الشهيد كضحية، بل يؤكد أنه صاحب فضل، فائز، حاز على أرفع درجات الاصطفاء، هم ممن حازوا هذا الفضل العظيم .. هم مفلحون، فائزون، وليسوا متورطين.

 

الشهادة حياة وبعث لا نهاية

واحدة من أعمق أفكار الشهيد القائد التصويرية ،  أن الشهيد لا يموت كما يموت الآخرون، بل ينتقل، االمجاهد لن يموت كما يموت الآخرون .. روحه تنتقل من بذلة لتعود إلى جسم آخر، كما تخلع الثوب وتلبس غيره.

هذا التشبيه يُبرز أن الحياة الحقيقية للإنسان تبدأ بعد الشهادة، وأن الموت لم يعد تهديدًا للمجاهد، بل أملًا ومقصودًا يُطمح إليه.

الشهادة قمة في الاستسلام الواعي والطوعي لله

في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، لم تكن الشهادة مجرد خاتمة بطولية، بل تتويجًا لمسارٍ إيمانيٍّ شامل، يبدأ من لحظة وعي الإنسان بمسؤوليته أمام الله، وتُعد الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، مفتاحًا لفهم هذا المسار، فهو ينبه إلى أن الصلاة والنسك هما مقدمة لمسارٍ أشمل، يتمثل في أن الحياة والموت نفسيهما يجب أن يكونا لله، أي أن المؤمن لا يكتفي بأداء شعائر ظاهرية، بل يحوّل حياته كلها إلى ميدان عبادة، وموته إلى ختام لتلك العبادة، عبر السعي الواعي نحو الشهادة في سبيل الله.

ولذلك علّق الشهيد القائد قائلاً: لا يصح أن يُقال أمرت أن تكون حياتي بيد الله، لأن هذه قضية حتمية، لكن أمرت أن تكون حياتي لله، ومماتي لله، وهذا لا يكون إلا بجهاد، وسعي للشهادة.

 

الشهادة .. أعظم استثمار للموت

يرى الشهيد القائد أن الله برحمته الواسعة فتح أمام الإنسان فرصة استثمار الموت، الذي هو حتميٌّ لكل البشر، بحيث لا يكون الموت مجرد نهاية، بل وسيلة للفوز بالرضوان الإلهي والخلود في الجنة، (عندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله، فهو فعلاً من استثمر حياته، واستثمر موته) ، وهذا الشعور كما يؤكد رضوان الله عليه ليس حالة استثنائية، بل هو سمة أصيلة للمؤمنين الحقيقيين الذين باعوا أنفسهم لله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾

 

الإمام علي عليه السلام نموذجًا .. فزت ورب الكعبة

استلهم الشهيد القائد من سيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثالًا على أرقى مشاعر نذر النفس لله، حين بُشّر بالشهادة، فلم يهتم إلا بسلامة دينه: ((يا رسول الله، أفي سلامة من ديني؟ قال: نعم. قال: إذن لا أبالي)).
رسالة عظيمة يُطلقها الإمام علي عليه السلام، إن الشهادة مقبولة ومحبوبة إذا كانت في سبيل الله وبحفظ الدين، هذه المشاعر لا تنبع من ضعف، بل من قوة إيمانية تدفع الإنسان لتجاوز غريزة التعلق بالدنيا، وجعل سلامة الدين فوق كل اعتبار.

 

 حضور النموذج الجهادي وأثره في غرس ثقافة الشهادة

ينبّه الشهيد القائد إلى خطر تغييب الرموز الجهادية، وتغليب المشاهد العاطفية المنزوعة من روح البطولة، فيقول منتقدًا الاكتفاء بترديد أسماء مثل محمد الدرة فقط، دون إبراز القادة المجاهدين كعباس الموسوي ويحيى عياش: لأول مرة أسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقًا .. نحتاج إلى أن ننشد للأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة.

ويشدد على أن الرموز الجهادية تصنع وعيًا، تلهم نفوس الناس روح الفداء، وتُبقي ثقافة الشهادة حيّة، أما التركيز على مآسي عاطفية دون ربطها بسياق المواجهة والجهاد، فيفرغ القضية من جوهرها.

 

الشهادة ..عنوان الأمة التي تنصر الله

يعمق الشهيد القائد في هذا المحور الإدراك بأن الأمة التي لا تُنذر أبناءها لله، لا يمكن أن تكون أمة ناهضة، أمة تنشد الأمن دون تضحية، وتطلب العزة دون دماء، لن تنتصر، (ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصارًا لله، ما لم يكن لديهم هذا الشعور، أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله)،

إن قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ﴾ في فكر الشهيد القائد هو بيان تكليف إلهي شامل، يجعل الشهادة ليست مجرد نتيجة بل غاية مقصودة، وسعي واعٍ ومحبوب لله، من يحمل هذا الوعي، يعيش لله ويموت لله، ويصنع من موته بوابة للحياة الأبدية.

 

الشهادة ضمانة للربح الحقيقي والخلاص الأبدي

يرى الشهيد القائد، أن الشهادة ، هي الضمانة الوحيدة للربح الأبدي،  فالإنسان الذي يخشى الموت ويهرب منه هو في الواقع أقرب إلى الموت، لأنه يُضيّع الهدف، ويعيش بقلق، ثم يموت ميتة لا معنى لها،  أما الشهيد، فقد كتب الله له الحياة الأبدية، (إذا كنت تكره الموت، فجاهد في سبيل الله، واطلب الشهادة، فبذلك فقط تُقهر الموت لا تهرب منه)، ويرى الشهيد القائد أن الآيات القرآنية لم تلغِ فقط خوف الموت، بل ألغت صفة الموت نفسها عن الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وهنا تصبح الشهادة بوابة للحياة لا للموت، وهي أرقى درجات الاستفادة من حقيقة حتمية لا مفر منها.

 

الشهادة في التربية النبوية والعترة الطاهرة

يشير الشهيد القائد إلى أن النموذج النبوي في التضحية كان قائماً على تقديم النبي صلوات الله عليه وآله ، لأهل بيته وأقاربه في مقدمة صفوف الجهاد، ابتداءً من غزوة بدر، حيث قاتل أقرباء النبي وذووه في مقدمة المواجهة، كما يشير إلى أن الآية: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾، هي خطاب خاص لقرابة النبي صلى الله عليه وآله، تُلزمهم بالتفاني التام في سبيل الله، ومن هنا، فإن قضية الشهادة ليست فقط تكليفاً عاماً، بل هي رسالة آل البيت ومسؤوليتهم التاريخية، وفي المقابل، يجب على الأمة أن تفهم الدين فهماً مسؤولاً، بأن كل تكليف إلهي هو نعمة وليس عبئاً، ومن يسير على درب أهل البيت لن يرى في الجهاد إلا تشريفاً، لا مشقة.

 

خاتمة

إن فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حول الشهادة ليس خطابًا عاطفيًا، بل بناء فكري عقائدي متكامل، يستمد قوته من القرآن، ويهدف إلى إنتاج أمة تتحرك بوعي وإرادة واستعداد للتضحية، وثقافة الشهادة كما طرحها ليست أداة موت، بل وسيلة حياة ونهضة، ووسام فضل إلهي يُختص به من يحملون همّ الأمة ويجاهدون في سبيل الله، وفي زمن الغربة والانحراف، ما أحوج الأمة اليوم إلى استعادة هذا الفهم الراقي للشهادة، لتكون كما أراد الله لها، {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}.

 

المصادر / محاضرات ودروس الشهيد القائد رضوان الله عليه

مقالات مشابهة

  • دوبلاج وكارتون.. مواهب صاعدة من معهد الفنون المسرحية في معكم منى الشاذلي
  • “أمير غزة الصغير”.. قصّة طفل قبّل يد من قدم له الطعام وقتله الجيش الإسرائيلي بدم بارد (صورة + فيديو)
  • الفضلي يؤكد صدارتها عالمياً في المياه.. وزير الإعلام: السعودية تصنع تقنية المستقبل
  • رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
  • وزير الثقافة يفتتح “سيمبوزيوم الرسم” بمشاركة عربية في مهرجان جرش
  • شركة موريل تصنع دراجة كهربائية سريعة الشحن
  • أذكار المساء مكتوبة.. اللهـم أنت ربي لا إله إلا أنت
  • أدعية الحر الشديد مكتوبة.. «اللهم الطف بنا وارحمنا وأنت ‏خير الراحمين»‏
  • سعد الصغير وطارق عبدالحليم يدليان بأصواتهما في انتخابات نقابة الموسيقيين
  • سواد القدور الخاوية يوثق في لوحات ظلام مجاعة غزة