رحلة لاستقراء المجهول!
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
كم كانت سعادتي غامرة في نهاية كل فصل دراسي في قسم الإعلام في جامعة السلطان قابوس والذي اسميه مجازًا بـ"موسم الحصاد"؛ وذلك عند اطلاعي على الحقائق التي كانت غائبة عن المشهد وتتمثل في إبداعات الباحثين من الشباب الطموح، خاصةً الذين اختاروا عناوين مُثيرة للفضول تقدم إجابات منطقية للسؤال البحثي، الذي يُرافق عادة رحلة الباحث طوال الفصل الدراسي؛ وذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة التي تعتمد على الهدف الأساسي من إجراء البحث والدافع، الذي يجعل الطالب يصمد أمام التحديات التي تقف في طريقه للحصول على المعلومات الصادقة من مصادرها المختلفة.
وتكمن أهمية البحوث العلمية الرصينة في أنها تشكل واحدة من أهم الوظائف الأساسية لأي جامعة في العالم؛ إذ يتربع البحث العلمي في الترتيب الثاني بعد وظيفة التعليم الذي يتصدر مهام ودور الجامعات في مختلف دول العالم.
ومن البحوث التي لم يسبق لي أن أشرفت عليها أو حتى تناولتها في كتاباتي المختلفة، بحث عن "الخطاب الإعلامي في زمن الحرب في ظفار". وعلى الرغم من عدم قناعتي في بداية هذا الفصل بالإشراف على ذلك المشروع البحثي؛ لكون دراسة تلك المرحلة من المنعطفات التاريخية في هذا البلد العزيز ليست بالأمر السهل؛ إذ يثير ردود أفعال متباينة ووجهات نظر مختلفة في الحقل الأكاديمي، إلّا أنه كان هناك إصرار على المُضي قدمًا في إنجاز البحث، فقد ذكرتني هذه الطالبة الجريئة بالحرية الأكاديمية التي لا مجال فيها لمصادرة الفكر في أروقة جامعة السلطان قابوس، هذا الصرح العلمي الشامخ والذي هو في الأساس يهدف بالدرجة الأولى إلى إعداد جيل من القيادات المستقبلية لهذا البلد العزيز والتي يجب أن يكون سلاحها العلم والمعرفة. وبالفعل لا توجد محظورات في تحقيق الأهداف الأكاديمية التي تزداد كل يوم قوة ورسوخًا نحو اكتشاف المجهول من خلال الدراسات العلمية الرصينة التي تعتبر كنوزا معرفية لمحبي العلم وعاشقي المعرفة.
لا شك أنَّ رحلة الحصول على المعلومات لم تكن سهلة على الإطلاق، فقد تواصلت الباحثة عبر الهاتف مع العديد من الذين عاصروا وعاشوا المرحلة؛ وما زلوا على قيد الحياة ويملكون حقائق ومعلومات عن تلك المرحلة الصعبة التي مرّت بها السلطنة وعلى وجه الخصوص محافظة ظفار ما بين 1965 و1975.
كما إن البحوث الأكاديمية والكتب العلمية التي تجاوز عددها 7 أعمال، كانت الميدان المعرفي للإجابة على سؤال البحث الرئيس، بداية من كتاب عبدالله النفيسي "تثمين الصراع في ظفار" مرورًا بالبحوث الأكاديمية لمحمد دريبي العمري ومنى جعبوب ونهاية بـ"ظفار ثورة.. الرياح الموسمية" لعبدالرزاق التكريتي.
أما البحث الثاني الذي أيضًا ضمن مُتطلبات مقرر وسائل الاتصال في الخليج العربي، فكان عبارة عن رحلة بحثية أخرى لاكتشاف الأسباب الحقيقية لتراجع- بل واختفاء- الخطاب الإعلامي القومي العربي في المنابر التقليدية، وخاصة بعض الصحف الخليجية، والتي كانت تفتخر عند انطلاقها في بداية السبعنييات من القرن الماضي بأنها تحمل شعلة ما يُعرف بـ"القومية العربية" لتوحيد العرب تحت مظلة واحدة لمواجهة المخاطر التي تُحيط بالأمة من كل صوب، وقد كانت الخلاصات التي تم استنتاجها حول هذا الموضوع؛ هو رحيل الكثير من رواد من يطلقون على أنفسهم القوميين العرب عن المشهد السياسي، بينما غيب الموت البعض الآخر.
علاوة على أن حربي الخليج الثانية والثالثة، وكذلك أحداث الربيع العربي في كل من مصر وسوريا وليبيا، قد ألقت بظلالها على المد القومي وكانت لها نتائج كارثية على الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
الإعلام الرقمي بمختلف منصاته، استحوذ على اهتمام الطلاب الذين عادة ما نُدرِّسهم وسائل الإعلام التقليدية في دول الخليج؛ وذلك حسب توصيف المُقرر، لكن هذه المَرّة اتجهت البوصلة إلى قنوات اليوتيوب والبودكاست والنشر الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، وقد خصصنا مساحات واسعة من الحوارات الجادة خلال المحاضرات بهدف اكتشاف الميادين الجديدة للإعلام الجديد، وإمكانياته التي أبهرت الجمهور وسيطرت على الساحة الثقافية والفكرية في دولنا الخليجية. وأبحرت مجموعة بحثية طلابية أخرى نحو الرياض؛ حيث برزت للوجود واحدة من أهم منصات الإعلام الرقمي في المنطقة تعرف بـ"ثمانية"، فقد بدأت هذه التجربة الناجحة عبر شبكة الإنترنت انطلاقًا من تساؤل لمؤسس المنصة عبدالرحمن أبو مالح: "لماذا بيننا وبين الصحافة الغربية مسافة سنوات ضوئية؟"، وبالفعل كانت رحلة المتاعب لهؤلاء الشباب عند الانطلاق شاقة؛ إذ واجهت فريق العمل العديد من التحديات، وكانت البداية بسيطة ومتواضعة وكان أصحابها يتوقعون الفشل أكثر من النجاح، ولكن المثابرة والإرادة الصلبة والإيمان بالعمل من أهم مقومات النجاح، لأنهم وصولوا إلى قناعة بأنهم كعرب لا ينقصهم شيء عن الآخرين وإن اتخذوا من لندن وواشنطن مكانًا لهم. فكانت البداية بـ"فنجان" كمنتج إبداعي صوتي "بودكاست"، ثم توسعت الأعمال الإبداعية لهذه المنصة التي أصبحت تنتج الأفلام الوثائقية والمقالات والمحتوى الرقمي بمختلف أشكاله وكذلك زادت قنوات لبودكاست مثل: "سقراط" و"سوالف بزنس"، وغيرها من المنتجات الإعلامية الرقمية مثل إذاعة "ثمانية". ونتيجة هذا النجاح استحوذت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام على 51% من أسهم "ثمانية" التي ابهرت بنجاحها عشرات الملايين من المتابعين والمشاهدين حول العالم.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نمو ملموس خلال 2024 و2025 11 % زيادة في زوار موسم خريف ظفار والإنفاق السياحي يرتفع إلى 125 مليون ريال
وسط تعافي متواصل لقطاع السياحة وجهود حثيثة للترويج لعمان كوجهة جاذبة للسياحة الإقليمية والعالمية، تكشف الإحصائيات عن نمو ملموس للنشاط السياحي في موسم خريف ظفار خلال العامين الحالي والماضي مع ارتفاع حجم الإنفاق السياحي وعدد زوار موسم خريف ظفار مقارنة مع عام 2023، حيث زاد عدد الزوار من 962 زائرا في عام 2023 إلى مليون و47 ألف زائر في 2024، وخلال موسم 2025 سجل عدد الزوار أعلى مستوى له في 3 سنوات ليصل إلى مليون و70 ألف زائر، وتجاوزت نسبة الزيادة في عدد الزوار منذ عام 2023 حتى عام 2025 أكثر من 11 بالمائة حسب الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وبمقوماتها الطبيعية الفريدة والمتنوعة وطقسها المعتدل خلال موسم الخريف، تعد محافظة ظفار أهم الوجهات الجاذبة للسياحة في سلطنة عمان، وتشير الإحصائيات إلى الأثر الإيجابي لزيادة عدد الزوار على الأنشطة السياحية في المحافظة بما في ذلك الفنادق ومنشآت الإيواء والمطاعم ومرافق التسوق والترفيه، حيث شهد موسم 2025 أعلى مستوى إنفاق منذ عام 2023، وارتفع إنفاق الزوار بنسبة 3.4 بالمائة مقارنة مع عام 2024 ليصل إلى 125 مليون ريال عماني، مقابل حجم إنفاق بقيمة 103 ملايين ريال عماني في عام 2023 و121 مليون ريال عماني في عام 2024، وتوجه الجانب الأكبر من إنفاق الزوار خلال موسم 2025 نحو منشآت الإقامة والفنادق بقيمة 49 مليون ريال عماني، والطعام والشراب بقيمة 28 مليون ريال عماني، وتذاكر السفر بقيمة 19 مليون ريال عماني، كما أنفق الزوار حوالي 27 مليون ريال عماني على الترفيه والتسوق وغير ذلك من أوجه الإنفاق الأخرى. ومن حيث جنسيات الزوار، يمثل العمانيون الجانب الأكبر منهم؛ حيث بلغ عددهم 757 ألف زائر بنسبة 70 بالمائة من إجمالي الزوار، وسجل حجم إنفاقهم ما يقرب من 78 مليون ريال عماني، وبلغت نسب الزوار من دول مجلس التعاون 17 بالمائة أي حوالي 184 ألف زائر بحجم إنفاق 28 مليون ريال عماني، ونسبة الزوار من القارة الآسيوية 7.6 بالمائة أي نحو 81 ألف زائر بحجم إنفاق نحو 7 ملايين ريال عماني، وسجلت نسبة الزوار من الدول العربية الأخرى 3.3 بالمائة أي حوالي 35 ألف زائر مع حجم إنفاق حوالي 6 ملايين ريال عماني، ومثلت نسبة الزوار من القارة الأوروبية والدول الأخرى حوالي واحد بالمائة من إجمالي عدد الزوار أي ما يتجاوز 11 ألف زائر بحجم إنفاق 4 ملايين ريال عماني. ويأتي هذا النشاط السياحي وسط تعاف متواصل لقطاع السياحة محليا وعالميا بعد تبعات حادة أثّرت على نمو القطاع وتدفق الزوار خلال عامي 2020 و2021 بسبب تفشي الجائحة وقيود السفر، وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع عدد النزلاء في المنشآت الفندقية فئة 3-5 نجوم في سلطنة عمان بنسبة تتجاوز 10 بالمائة منذ بداية العام حتى نهاية أكتوبر الماضي، ليصل إلى نحو 1.9 مليون نزيل، وتحسنت نسب الإشغال الفندقي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 13 بالمائة لتبلغ نحو 53.6 بالمائة، وارتفع إجمالي الإيرادات الفندقية بنسبة 19 بالمائة لتبلغ 222 مليون ريال عماني.