جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-25@15:56:46 GMT

رحلة لاستقراء المجهول!

تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT

رحلة لاستقراء المجهول!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

كم كانت سعادتي غامرة في نهاية كل فصل دراسي في قسم الإعلام في جامعة السلطان قابوس والذي اسميه مجازًا بـ"موسم الحصاد"؛ وذلك عند اطلاعي على الحقائق التي كانت غائبة عن المشهد وتتمثل في إبداعات الباحثين من الشباب الطموح، خاصةً الذين اختاروا عناوين مُثيرة للفضول تقدم إجابات منطقية للسؤال البحثي، الذي يُرافق عادة رحلة الباحث طوال الفصل الدراسي؛ وذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة التي تعتمد على الهدف الأساسي من إجراء البحث والدافع، الذي يجعل الطالب يصمد أمام التحديات التي تقف في طريقه للحصول على المعلومات الصادقة من مصادرها المختلفة.

وتكمن أهمية البحوث العلمية الرصينة في أنها تشكل واحدة من أهم الوظائف الأساسية لأي جامعة في العالم؛ إذ يتربع البحث العلمي في الترتيب الثاني بعد وظيفة التعليم الذي يتصدر مهام ودور الجامعات في مختلف دول العالم.

ومن البحوث التي لم يسبق لي أن أشرفت عليها أو حتى تناولتها في كتاباتي المختلفة، بحث عن "الخطاب الإعلامي في زمن الحرب في ظفار". وعلى الرغم من عدم قناعتي في بداية هذا الفصل بالإشراف على ذلك المشروع البحثي؛ لكون دراسة تلك المرحلة من المنعطفات التاريخية في هذا البلد العزيز ليست بالأمر السهل؛ إذ يثير ردود أفعال متباينة ووجهات نظر مختلفة في الحقل الأكاديمي، إلّا أنه كان هناك إصرار على المُضي قدمًا في إنجاز البحث، فقد ذكرتني هذه الطالبة الجريئة بالحرية الأكاديمية التي لا مجال فيها لمصادرة الفكر في أروقة جامعة السلطان قابوس، هذا الصرح العلمي الشامخ والذي هو في الأساس يهدف بالدرجة الأولى إلى إعداد جيل من القيادات المستقبلية لهذا البلد العزيز والتي يجب أن يكون سلاحها العلم والمعرفة. وبالفعل لا توجد محظورات في تحقيق الأهداف الأكاديمية التي تزداد كل يوم قوة ورسوخًا نحو اكتشاف المجهول من خلال الدراسات العلمية الرصينة التي تعتبر كنوزا معرفية لمحبي العلم وعاشقي المعرفة.

لا شك أنَّ رحلة الحصول على المعلومات لم تكن سهلة على الإطلاق، فقد تواصلت الباحثة عبر الهاتف مع العديد من الذين عاصروا وعاشوا المرحلة؛ وما زلوا على قيد الحياة ويملكون حقائق ومعلومات عن تلك المرحلة الصعبة التي مرّت بها السلطنة وعلى وجه الخصوص محافظة ظفار ما بين 1965 و1975. 

كما إن البحوث الأكاديمية والكتب العلمية التي تجاوز عددها 7 أعمال، كانت الميدان المعرفي للإجابة على سؤال البحث الرئيس، بداية من كتاب عبدالله النفيسي "تثمين الصراع في ظفار" مرورًا بالبحوث الأكاديمية لمحمد دريبي العمري ومنى جعبوب ونهاية بـ"ظفار ثورة.. الرياح الموسمية" لعبدالرزاق التكريتي.

أما البحث الثاني الذي أيضًا ضمن مُتطلبات مقرر وسائل الاتصال في الخليج العربي، فكان عبارة عن رحلة بحثية أخرى لاكتشاف الأسباب الحقيقية لتراجع- بل واختفاء- الخطاب الإعلامي القومي العربي في المنابر التقليدية، وخاصة بعض الصحف الخليجية، والتي كانت تفتخر عند انطلاقها في بداية السبعنييات من القرن الماضي بأنها تحمل شعلة ما يُعرف بـ"القومية العربية" لتوحيد العرب تحت مظلة واحدة لمواجهة المخاطر التي تُحيط بالأمة من كل صوب، وقد كانت الخلاصات التي تم استنتاجها حول هذا الموضوع؛ هو رحيل الكثير من رواد من يطلقون على أنفسهم القوميين العرب عن المشهد السياسي، بينما غيب الموت البعض الآخر.

علاوة على أن حربي الخليج الثانية والثالثة، وكذلك أحداث الربيع العربي في كل من مصر وسوريا وليبيا، قد ألقت بظلالها على المد القومي وكانت لها نتائج كارثية على الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

الإعلام الرقمي بمختلف منصاته، استحوذ على اهتمام الطلاب الذين عادة ما نُدرِّسهم وسائل الإعلام التقليدية في دول الخليج؛ وذلك حسب توصيف المُقرر، لكن هذه المَرّة اتجهت البوصلة إلى قنوات اليوتيوب والبودكاست والنشر الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، وقد خصصنا مساحات واسعة من الحوارات الجادة خلال المحاضرات بهدف اكتشاف الميادين الجديدة للإعلام الجديد، وإمكانياته التي أبهرت الجمهور وسيطرت على الساحة الثقافية والفكرية في دولنا الخليجية. وأبحرت مجموعة بحثية طلابية أخرى نحو الرياض؛ حيث برزت للوجود واحدة من أهم منصات الإعلام الرقمي في المنطقة تعرف بـ"ثمانية"، فقد بدأت هذه التجربة الناجحة عبر شبكة الإنترنت انطلاقًا من تساؤل لمؤسس المنصة عبدالرحمن أبو مالح: "لماذا بيننا وبين الصحافة الغربية مسافة سنوات ضوئية؟"، وبالفعل كانت رحلة المتاعب لهؤلاء الشباب عند الانطلاق شاقة؛ إذ واجهت فريق العمل العديد من التحديات، وكانت البداية بسيطة ومتواضعة وكان أصحابها يتوقعون الفشل أكثر من النجاح، ولكن المثابرة والإرادة الصلبة والإيمان بالعمل من أهم مقومات النجاح، لأنهم وصولوا إلى قناعة بأنهم كعرب لا ينقصهم شيء عن الآخرين وإن اتخذوا من لندن وواشنطن مكانًا لهم. فكانت البداية بـ"فنجان" كمنتج إبداعي صوتي "بودكاست"، ثم توسعت الأعمال الإبداعية لهذه المنصة التي أصبحت تنتج الأفلام الوثائقية والمقالات والمحتوى الرقمي بمختلف أشكاله وكذلك زادت قنوات لبودكاست مثل: "سقراط" و"سوالف بزنس"، وغيرها من المنتجات الإعلامية الرقمية مثل إذاعة "ثمانية". ونتيجة هذا النجاح استحوذت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام على 51% من أسهم "ثمانية" التي ابهرت بنجاحها عشرات الملايين من المتابعين والمشاهدين حول العالم.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

موسم خريف ظفار والتسويق المسؤول

بدأ رسميًا موسم خريف ظفار الاستثنائي في محافظة ظفار، وهو أحد المواسم السياحية التي يترقّبها السيّاح والزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها. ويتزامن انطلاق هذا الموسم مع بداية فصل الصيف الذي يشهد هذا العام درجات حرارة مرتفعة، اقتربت من 50 درجة سيليزية في بعض الولايات.

ويُعد موسم الخريف متنفسًا لكثير من أفراد المجتمع، وخيارًا سياحيًا مثاليًا هذا العام، خصوصًا في ظل استمرار التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع عددًا من مخططي السفر العُمانيين إلى إعادة النظر في وجهاتهم وتغيير خططهم نحو محافظة ظفار، بالإضافة إلى عامل ضيق الوقت المتاح للتخطيط لوجهات سياحية أخرى. وقد أصبحت ظفار بذلك وجهة مفضلة ومحط أنظار السيّاح والزوار خلال الفترة المقبلة، على الأقل حتى نهاية موسم الخريف.

ومن المتوقع أن يشهد الموسم تدفقًا كبيرًا في أعداد الزوار، حتى مع دخول موسم الصرب الذي يُعد من العلامات البارزة في مناخ المحافظة، نظرًا لما تتميز به من أجواء معتدلة، واكتساء الأرض بالبساط الأخضر، وتلاعب نسمات الهواء العليل في أجواء لطيفة تشجّع على قضاء أوقات ممتعة بعيدًا عن الزحام وكثافة السياح.

لقد ساءنا ما رصدناه خلال الأيام القليلة الماضية من مزايدات على موسم خريف ظفار، الذي تعوّدنا على بدء تأثيراته السنوية حتى قبل انطلاقه رسميًا. فالنهج الذي يتّبعه البعض في الترويج لهذا الموسم لا يُسهم في تشجيع السياح على القدوم إلى المحافظة، ولا يضيف قيمة حقيقية لدى أفراد المجتمع؛ فالمجتمع في سلطنة عُمان بات أكثر وعيًا، وأكثر حزمًا في رفض مثل هذه السلوكيات التي أصبحت تُمارس سنويًا من قِبل البعض.

ومع أن موسم خريف ظفار بات بحد ذاته هوية تسويقية عالمية، يرتاده السياح من داخل السلطنة وخارجها، إلا أن الاعتماد على من يُسمّون بـ«المشاهير» للترويج له لا يُعدّ ضرورة، خصوصًا مع ما يرافق بعض تلك الحملات من مبالغات أو محتوى لا يرقى إلى قيمة الموسم ومكانته.

وبات من الضروري اليوم أن يُنظم العمل التسويقي والترويجي عبر المنصات الإلكترونية، وأن يُجوَّد أداؤه، بما يعكس صورة حقيقية وإيجابية عن موسم الخريف، ويُبرز نوعية النخب والأدوات التسويقية المستخدمة، لتكون أيقونة عالمية تضاهي ما تقدمه الدول الأخرى من تجارب ناجحة في الترويج السياحي.

إن حكومة سلطنة عُمان، بمختلف مؤسساتها وأجهزتها، تبذل جهودًا كبيرة منذ سنوات لاستقبال موسم خريف ظفار، ولا سيّما وزارة الإعلام التي كرّست طاقاتها الترويجية والإعلامية والاتصالية، عبر مختلف أذرعها وأدواتها، لنقل الصورة الحقيقية لأفراد المجتمع عن استعدادات السلطنة لهذا الموسم، بعيدًا عن أي تشويش أو مبالغات.

ومن غير الحكمة أن يعمد البعض، سنويًا، إلى إثارة أفراد المجتمع ومرتادي المنصات الإلكترونية عبر سلوكيات وممارسات اعتدنا على رؤيتها، والتي تهدف في ظاهرها إلى جذب أكبر قدر من التفاعل والمتابعة، لكنها في جوهرها تُضعف من قيمة الموسم ومكانته الوطنية والسياحية. وحتى إن لم يتفق البعض مع هذا الرأي، مستندين إلى ما يسمّى بـ«سيكولوجية المشاهير»، فإن ذلك لا يُبرّر بأي حال من الأحوال الإساءة إلى موسم الخريف، سواء عن قصد أو من باب ما يراه البعض «عفوية».

ومن المثير للدهشة أن يُروَّج لمواقف تفتقر إلى الحس المسؤول، وكأنّها تتجاهل المبادئ التي نادى بها الدين الحنيف، ومنها حديث النبي: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله...»، وهو تذكير بأن الظواهر الطبيعية لا ينبغي أن تُحمَّل بأبعاد غير علمية أو تسويقية سطحية.

وفي ضوء ذلك، نقترح تجويد العمل الترويجي للفاعلين في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال

إلحاق الفاعلين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لدورات مكثفة؛ بهدف إتقان العمل الترويجي والتسويقي من حيث المحتوى والأداء.

تضمين بند مراجعة النص الترويجي للحصول على تصريح القيام بالإعلانات الترويجية والتسويقية.

ضرورة تنظيم الجهود الترويجية للفاعلين في المنصات الإلكترونية، بحيث ألا تطغى العفوية في الإعلان على مغزاه وهدفه.

أرى من الجيد الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في كيفية التعامل مع الفاعلين أو المؤثرين في المنصات الإلكترونية؛ لأن انتشار المنصات على نطاق واسع، ربما تعكس تفاعلا سلبيا عن أداء الفاعلين والمؤثرين خارج سلطنة عُمان.

من الضروري تكامل الجهود المؤسسية والتنسيق فيما بينها من حيث مركزية التواصل والتفاعل مع الفاعلين والمؤثرين، حتى يتم نقل الرسالة المراد إيصالها للمجتمع الداخلي والخارجي دون ضجة أو تشويش.

إن الجهود الإعلامية والاتصالية المبذولة لاستقبال موسم الخريف لهذا العام، لا يمكن اختزالها في مقطع مرئي قصير المدة لفاعل في منصة إلكترونية حتى وإن كان انتشاره على نطاق واسع، وحتى لا نكون غير منصفين لجهودهم الترويجية سواءً في موسم الخريف أو لأحداث مستقبلية، أقترح تأهيلهم وتمكينهم بحيث يتم تعزيز التكامل مع القنوات الرسمية لإيصال الرسالة الصحيحة بطريقة مبتكرة لأفراد المجتمع والاستفادة من مهاراتهم ورغبتهم للترويج من خلال تبني أفضل الطرق لإيصال الرسالة الترويجية لأفراد المجتمع سواءً داخل سلطنة عُمان أو خارجها بالاستفادة من أدوات التسويق والترويج الرقمي، بعيدا عن السلوكيات غير المحبذة مجتمعيا والانتقادات التي يتعرضوا إليها بين الحين والآخر في وسائل التواصل الاجتماعي ومجتمعيا.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الأمريكي: ضرباتنا التي استهدفت المواقع النووية بإيران كانت مثالية
  • مدينة الخليج العربي وضحكات الأطفال تُنبت الحياة في أرضٍ كانت جرداء
  • الزعاق للطلاب: استمتعوا بالأشياء التي تمتلكونها ولو كانت بسيطة..فيديو
  • العرابي: إيران اكتسبت قوة ليست فى نفس الوضع التي كانت إسرائيل تستهين به من قبل العمليات العسكرية
  • باكستان تعلن استئناف الرحلات الجوية إلى بعض دول الخليج
  • ثروت الخرباوي: الكوكب يحترق والأمور في المنطقة باتت تتجه نحو المجهول
  • موسم خريف ظفار والتسويق المسؤول
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • الأمم المتحدة.. ثمانون عامًا : السقف الأخير للعالم المفتوح على المجهول
  • وزير الصحة يشيد بالدكتور محمد حساني: الجندي المجهول للمبادرات الرئاسية