جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@16:05:22 GMT

ظفار.. جنة الخريف وأرض التباشير

تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT

ظفار.. جنة الخريف وأرض التباشير

 

 

 

سعيد بن بخيت غفرم

[email protected]

 

تتهيأ محافظة ظفار هذه الأيام لاستقبال موسم الخريف، الذي يحلُّ سنويًا في أواخر يونيو ويستمر حتى نهاية سبتمبر، وسط أجواء من الفرح والترقّب لهذا الفصل البهيج الذي تنفرد به ظفار عن سائر مناطق الجزيرة العربية.

ويمتاز موسم الخريف بزخات المطر المتواصلة، والنسمات العليلة، والضباب الذي يعانق قمم الجبال ويغمرها بالرذاذ، فتكتسي الأرض حلة خضراء ساحرة، تتحول معها الطبيعة إلى لوحة فنية بديعة تستحق بجدارة لقب "أرض التباشير"؛ في إشارة إلى بشائر الخيرات والنماء التي يحملها هذا الفصل سنويًا.

ولا يقتصر معنى "التباشير" على الجانب البيئي فحسب، بل يمتد ليشمل البُعد التراثي، حيث يُستخدم المصطلح أيضًا في وصف المجامر الظفارية، التي تفوح منها روائح اللبان والبخور، وتُزَيَّن أعلاها بزخارف مثلثية تُعرف بـ"التباشير"، مستوحاة من العمارة التقليدية التي تزيّن أسطح البيوت القديمة في ظفار، ولا تزال بارزة في المساجد والمباني والقبور التاريخية بالمحافظة.

يُجسّد شعار المحافظة "ظفار.. أرض التباشير" العمق الحضاري المستمد من تراث المنطقة وهويتها الثقافية العريقة، كما يعكس كرم أهل ظفار، وحفاوة استقبالهم، و"تباشير" الفرح التي تسبق قدوم الزوّار، وهي صفات أصيلة متجذرة في نفوس الأهالي، عرفها الأجداد ونقلوها عبر الأجيال، لتظل من أبرز ملامح الهوية الظفارية المتفردة.

وتحرص ظفار على المحافظة على تقاليدها الأصيلة في الضيافة والترحيب، مما يعكس القيم الاجتماعية والإنسانية الراسخة، ويجعلها مقصدًا متميزًا يجمع بين الأصالة والجمال الطبيعي.

ومع حلول الخريف، تنشط الحياة في مختلف أرجاء المحافظة؛ حيث يستقبله الأهالي بعادات وتقاليد متوارثة، تشمل ترديد الأغاني الشعبية، ورعي المواشي، وجني المحاصيل الموسمية، في أجواء احتفالية مميزة. كما تشهد الأسواق التقليدية حركة تجارية نشطة، تُعرض خلالها منتجات محلية متنوعة تشمل البخور، واللبان، والعطور، والثياب التقليدية، والمأكولات الشعبية، والفواكه الموسمية التي تزدهر في هذه الفترة.

ويمثل الموسم كذلك رافدًا اقتصاديًا وسياحيًا مهمًا، إذ تستقطب ظفار خلال هذه الفترة آلاف الزوار من داخل السلطنة وخارجها، مستفيدين من الأجواء المعتدلة والطبيعة الخلابة. كما يبرز مهرجان صلالة السياحي كأحد أبرز الفعاليات السنوية، التي تحتفي بالموروث الظفاري من خلال برامج ثقافية، وفنية، ورياضية، ودينية، تسهم في تعزيز الهوية الوطنية وتنشيط القطاع السياحي.

ويؤكد أهالي ظفار أهمية هذا الموسم، ليس فقط لكونه موسم خير ونماء، بل لأنه يمثل أيضًا فرصة سنوية لتجديد الروابط الاجتماعية، وإحياء الذاكرة الثقافية للمجتمع المحلي.

وفي الختام، تبقى ظفار جنة الخريف وأرض التباشير، محافظةً على أصالتها، ومتجددةً في عطائها، في فصل تتجدد فيه نسمات الخير، وألوان السعادة، وجمال الطبيعة عامًا بعد عام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"

 

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

في 11 ديسمبر 1975 وقف السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ببزته العسكرية التي لم يخلعها منذ توليه الحكم؛ ليُعلن انتهاء ما عُرف وقتها بـ"ثورة تحرير ظفار والخليج العربي" المدعومة من المعسكر الشيوعي العالمي، وزفَّ بشرى اندحار قوى الأطماع وهزيمتها وانتصار قواتنا المُسلحة عليهم؛ لتُسطِّر فصلًا خالدًا من فصول الشرف والفخر والاعتزاز، الذي رافق العُماني منذ الأزل، وفي خطاب النصر زفَّ بطل النصر وفارسه البُشرى لكل أبناء عُمان عندما قال "أيها المواطنون.. إنني أحيي تجمعكم الحماسي هذا وأهنئكم تهنئة العزة والكرامة، على اندحار أذناب الشيوعية من تراب وطننا العزيز".

ما بين بداية الحرب وبين هذا اليوم المشهود والذي أصبح يومًا لقوات السلطان المسلحة الباسلة في كل عام، سُطَّرت بطولات وطنية وتضحيات جسيمة قدمتها القوات المسلحة وقوات الفرق الوطنية في جبال ظفار الشامخة وسهولها ومدنها وقراها، ووقف أبناء ظفار يدًا بيد مع القوات المسلحة رافضين أن تكون بوابة عبور لصراع دولي وأطماع تغطت بشعارات زائفة وأهداف خفية ومخططات شيطانية، لقد أعلن السلطان الراحل بكل صراحة أنَّ عُمان دافعت عن أرضها وعن جيرانها وعن المنطقة بأسرها في هذه الحرب الغادرة.

في حرب ظفار سطَّرت قوات السلطان المسلحة ملاحمَ لن ينساها التاريخ، ولعلنا نستذكر في هذا المقال حدثين ساهما في تحقيق النصر المؤزر، وأنقذا البلاد من هذا المخطط الغادر، هذان الحدثان كانا حاسميْن في حرب ظفار إلى جانب حِنكة القائد ودعم الأصدقاء، ففي فجر 19 يوليو 1972 نفَّذت قوات الجبهة هجومًا على ولاية مرباط بغية استعادة السيطرة على أهم المواقع، واصطدمت مع الحامية قرب حصن مرباط التي صدَّت الهجوم بمساندة أبناء مرباط المُخلِصِين. هذا الهجوم الذي لو تمَّ لغيَّر ملامح الحرب وأطال مداها، لما سوف يُحدثه من تفوق عسكري ونفسي واستراتيجي لقوات العدو، فبعد نجاح قوات السلطان المسلحة في قطع خط الإمداد والشريان الذي كان يغذي العدو، وتمكن قواتنا الباسلة من استعادة العديد من المواقع والقرى التي كانت قد سقطت في أيام الحرب الأولى، كان لابد من أن يستجمع العدو قوته ليضرب ضربته الأخيرة.

وفي معركة مرباط أثبت أبناء هذا الوطن العزيز أن العقيدة الوطنية وتراب هذا الوطن غير قابلين للمساس، ونجحت قلة منهم بعقيدتها وعزيمتها في صد هذا الهجوم المتفوق عددًا وعتادًا والصمود أمامه وقهره. ويرى كثير من المؤرخين أنَّ هذه المعركة كانت الأهم بين سلسلة المواجهات التي شهدتها حرب ظفار، فقد كانت بداية النهاية لأطماع العدو، وكانت المعركة التي حولت الحرب إلى سلسلة انتصارات متتالية، وما بعد هذه الحرب كان السقوط المعنوي الشديد لقوات العدو التي راحت تندحر وتتراجع من مواقعها، وفقدت معها القدرة على لم شتاتها وإعادة تنظيمها، لقد كانت معركة مرباط نقطة التحول التي صنعتها قواتنا المسلحة في هذه الحرب الصعبة.

أما الحدث الثاني فكان في أواخر عام 1975، وكان في إحدى مدن سلطنة عُمان الشامخة وبوابتها الجنوبية التي تقف شامخة في جبال ظفار، معركة صرفيت أو ما تعرف محليًا بـ"دِفا"، وهي المعركة الأخيرة التي غرست آخر خنجر عُماني في قلب العدو الطامع الغادر؛ ففي هذه المعركة سقط آخر معاقل الشيوعية، وانتهت معها أحلامهم في التوسُّع والدخول للخليج العربي من بوابة سلطنة عُمان. وفي هذه المعركة سَطَّرت- مرة أخرى- قوات السلطان المسلحة وقوات الفرق ملاحم البطولات والتضحيات في ميادين العزة والشرف، ووقفت في وجه مخطط أراد أن يعصف بالمنطقة أجمع؛ فكانت عُمان مقبرة الغُزاة، وكان رجالها البواسل حائط صد تكسَّرت عند أساساته أحلام المغرورين. لقد انتصرت قواتنا المسلحة في هذه المعركة وسلَّمت البقية الباقية من العدو أسلحتها وخضعت، ليُعلن السلطان قابوس في يوم 11 ديسمبر 1975 وعبر خطاب النصر، انتهاء واحدة من أقسى الحروب وأصعبها، ليُسجِّل تاريخ عُمان الحديث ملحمةً تاريخيةً خالدةً مُرصَّعة بالفخر والشرف.

يوم قوات السلطان المسلحة- والذي يصادف 11 ديسمبر من كل عام- قد لا تعرف بعض الأجيال الحالية ما يعنيه؛ فهو ليس تاريخًا عابرًا؛ بل هو يوم تحققت فيه إرادة الشعب وإخلاص القائد الشاب الذي استلم الحكم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدًا، لكنه كان يُدرك ما يحدث ويعلم أن هذه المرحلة مفصلية لبقاء الدولة واستمرارها أو نهايتها واندثارها، فما من خيار سوى المواجهة ولا نتيجة مقبولة سوى الانتصار. ولكم أن تتخيلوا ما يعني كل ذلك في تلك الفترة الزمنية الصعبة، ولكن بعزيمة وإصرار وإرادة الأوفياء وحنكة القيادة عبرت سلطنة عُمان من أصعب اختبار واجهته في تاريخها الحاضر؛ فالعدو الخارجي عبارة عن تحالف دولي قوي يسيطر على نصف العالم وقتها.

لا بُد من ربط الأجيال بماضي بلادنا وتاريخها المجيد؛ فهذه المناسبات ليست تاريخًا يعبر ويومًا يمضي؛ بل هي وثائق تاريخية تُفتح كل عام، وكما كان نهج القائد الخالد في تعظيم دور قوات السلطان المسلحة، سار على نفس النهج حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي أولى عنايته الكريمة للقوات المسلحة منذ اليوم الأول لتولي مقاليد الحكم، وراح يرسم صورة جديدة مُشرقة لدرع الوطن وحماته؛ لأنه يُدرك أن السلام يُرعى بالاستعداد وأن حمايته تتطلب قوة وقدرة على مواجهة ما يعترضه من تحديات وأحداث، خاصة في هذا الوقت الذي تمر فيه المنطقة والعالم بصراعات تهدد آمنه واستقراره.

هذا هو يوم 11 ديسمبر لمن لا يعرف معناه، وكما قال السلطان قابوس "أيها المواطنون.. إنَّ انتهاء فلول الشيوعية من جبال ظفار ليس معناه انتصارًا على شراذم قليلة قاموا بالبغي والفساد فحسب، ولكنه كشف واضح لحقيقة ثابتة وهي أن عُماننا العزيزة أرض طاهرة لا تقبل بذور الحركة الشيوعية مهما حشدوا لها من طاقات، وانتصارنا هذا يُؤكد فشل الحركة الشيوعية في عُمان وذلك من فضل الله.. ولله المنة".

فلتمضِ المسيرة المباركة والنهضة المتجددة على خطى البطولات والإنجازات لتُعانق الأجيال الجديدة ماضي هذا الوطن العزيز.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الهلال يحصد بطولة كرة الطائرة بمحافظة ظفار
  • 180 ناقة تستعرض الرياضات التقليدية ببدية
  • 1600 رام في ختام بطولة الرماية بالأسلحة التقليدية بالبريمي
  • من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"
  • الصناعة التقليدية المغربية تسجل نمواً بـ13% في الصادرات خلال الأشهر 11 الأولى من 2025
  • مقارنة بين نماذج الذكاء الاصطناعي والبرامج الإحصائية التقليدية.. ورشة عمل بجامعة العاصمة
  • رقم كبير.. النجف تكشف كمية الأمطار التي تم تصريفها من شوارع المحافظة
  • دراسة جديدة تهز الأفكار التقليدية: الخصوبة لا تعتمد على ملامح الجاذبية الأنثوية
  • فعاليات متنوعة في مهرجان ذوي الإعاقة بمحافظة ظفار
  • أمطار الخريف تمنح طهران الأمل في الحياة.. هل تنهي أزمة الجفاف؟