صحيفة الاتحاد:
2025-05-28@19:23:50 GMT

محمد كركوتي يكتب: تنافس في تمويل «الرقائق»

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

عدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، صناعة الرقائق أو «أشباه الموصلات»، مسألة تدخل في صلب الأمن القومي للولايات المتحدة. هذه الصناعة، باتت منذ سنوات تمثل المحور الرئيس للتقدم التقني على الصعيد العالمي، لاسيما في ظل تراجع قدرات بلدان وتقدم قدرات دول أخرى في هذا الميدان. 
ولذلك، استطاعت إدارة بايدن قبل عامين تقريباً الحصول على موافقة الكونجرس لرفد صناعة «الرقائق» بـ 52 مليار دولار، بعد أن تآكلت حصتها من هذا الصناعة عالمياً من 37% في عام 1990 إلى 12% فقط في الوقت الراهن، ناهيك عن مخاطر الاعتماد الكبير على «الرقائق» المصنعة خارج البلاد.

 
وهذه المخاوف ليست حكراً على أكبر اقتصاد في العالم، بل تشمل الصين، التي تعرضت لسلسلة من العقوبات الغربية في السنوات الماضية، لحرمانها من الوصول إلى تصنيع أشباه موصلات فائقة التطور.
وتوجهات الدعم الهائل لهذه الصناعة، باتت تشمل كل القوى الصناعية المعروفة، من الاتحاد الأوروبي حتى تايوان والصين وكوريا الجنوبية، حيث أعلنت الأخيرة حزمة من الحوافز بقيمة 19 مليار دولار، ولم تتوقف حزم الدعم الصينية الكبرى أيضاً، حتى في ظل القيود الغربية، بينما لا يزال الاتحاد الأوروبي يقبع في المرتبة الخامسة بصناعة تستحوذ على 10% من الإنتاج بعد تايوان وكوريا الجنوبية بـ 20% لكل منهما، والصين 15%. 
واللافت أن كلاً من هولندا واليابان تتصدران صناعة المعدات الخاصة بإنتاج الرقائق، ولهذا السبب تحاول الصين فك القيود المفروضة عليها بهذا الخصوص، ولكنها لم تنجح حتى الآن، على الرغم من استخدامها بين الحين والآخر، «سلاح» الرمال الصينية الخاصة بإنتاج أشباه الموصلات. 
نحن أمام «معركة» حقيقية بين القوى التصنيعية الكبرى، تغذيها بلا شك برامج الدعم الحكومي، التي يبدو أن لا حدود لها، خصوصاً في ظل تنامي دور الذكاء الاصطناعي، الذي يتطلب موارد ضخمة من «الرقائق» المتطورة جداً، فضلاً عن المنتجات الإلكترونية والثقيلة التي تتحول بسرعة نحو «أشباه الموصلات» المتقدمة. فهذا المنتج يدخل بالفعل في سياق الأمن القومي، لأي دولة تسعى للمحافظة على ريادتها في التصنيع المتقدم، ولاستمرار قدرتها على مواكبة الابتكارات المتسارعة التي لا تتوقف في كل المجالات، ما يرفع الحراك الهادف إلى توسيع رقعة توطين صناعة الرقائق، في ظل التوترات التجارية التي لم تتوقف منذ سنوات على الساحة العالمية.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: «تسونامي» الذكاء الاصطناعي محمد كركوتي يكتب: تفاوت الإنفاق على الأبحاث

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: محمد كركوتي كلام آخر

إقرأ أيضاً:

د. محمد بشاري يكتب: من فقه الفتوى إلى فقه البناء.. نحو اجتهاد تركيبي يؤصل المقصد ويوازن الواقع

ظلّ الفقه الإسلامي، عبر تاريخه الطويل، يتراوح بين اتجاهين متكاملين في الأصل: فقه الفتوى، الذي يُعنى بإنتاج الأحكام الشرعية التفصيلية من أدلتها، وفقًا للوقائع المستجدة، وفقه البناء، الذي يتجاوز ذلك إلى صياغة رؤية اجتهادية شاملة تُؤسس لمقاربة منظومية تُراعي مقاصد الشريعة، وتحوّل الفتوى من مجرد جواب إلى لبنة في هندسة المجتمع. هذا التحوّل المنهجي لا يعني نقض فقه الفتوى، وإنما ترشيده وتكميله في أفق فقهي أكثر اتساعًا وشمولًا.

لقد تميزت بعض المدارس الفقهية – وفي مقدمتها المدرسة المالكية – بهذا التوجه البنائي الذي ينظر إلى الاجتهاد باعتباره أداةً لصياغة العمران البشري، وضبط النظام القيمي، وإنتاج خطاب ديني راشد، يراعي مقاصد الشريعة، ويضبط تنزيل النصوص ضمن بنيات الواقع المتشابكة.

الفرق الجوهري بين فقه الفتوى وفقه البناء لا يتوقف عند اختلاف المنهج أو المقاربة، بل يمتد إلى مستوى الرؤية الحضارية. فبينما ينشغل الأول بسؤال الحكم الشرعي في واقعة معينة، ينشغل الثاني بجملة من التساؤلات المعيارية: ما موقع هذا الحكم في النسق القيمي الإسلامي؟ هل يُسهم في ترسيخ العدالة الاجتماعية؟ هل ينسجم مع مقاصد الشريعة الكلية؟ هل يساعد في بناء أنظمة تشريعية تستوعب التعقيد الحضاري للعصر؟ في ضوء هذه الأسئلة، يصبح الحكم الفقهي عنصرًا في مشروع إصلاحي متكامل، لا مجرد فتوى منعزلة.

إنّ فقه البناء يُلزم الفقيه باجتهاد مركب، يقوم على فقه الواقع، وتحقيق المناط، واستيعاب المآلات، وتقدير المصالح والمفاسد ضمن توازن مقاصدي، لا تغيب فيه الكليات ولا تُهمّش فيه الجزئيات. في هذا السياق، يتحول الفقيه من ناقل لأقوال السابقين إلى مهندس للقيم، ومُشرّع يوازن بين النص والواقع، بين الاستدلال والتدبير، في ضوء حكمة المقصد وكليّة الشريعة.

والواقع المعاصر يكشف هشاشة الاقتصار على فقه الفتوى، إذ نواجه اجتهادات تفتقر إلى الرؤية، وفتاوى عاجزة عن تحقيق التماسك الاجتماعي، أو معالجة القضايا المعقدة في الاقتصاد، والطب، والسياسة، والهجرة، والذكاء الاصطناعي. فحين تُفتي المؤسسة الدينية في قضايا الطب أو السوق أو الدولة، دون استشارة لأهل الخبرة أو إدماج للسياق المؤسسي، فإنها تُعرّض خطابها للفقدان التدريجي للثقة والمشروعية.

من هنا، فإننا بحاجة إلى استئناف فاعل لفقه البناء، بوصفه مسارًا لإعادة تأسيس الاجتهاد الإسلامي، من خلال التكوين العلمي للفقيه، ومناهج التعليم الشرعي، ومشاريع المجامع الفقهية. فلا يكفي أن نُلقّن الطالب قواعد الاستدلال، بل ينبغي أن نُهيّئه لفهم تركيب الوقائع، وتحليل السياقات، وبناء الأحكام ضمن شبكة متكاملة من القيم والمقاصد. كما يجب أن تعيد المؤسسات الاجتهادية ترتيب أولوياتها، فتركّز على "السياسة الشرعية الوقائية" بدلًا من "فتاوى الانفعال اللحظي".

وإذا كان فقه الفتوى يتطلّب الدقة والورع، فإن فقه البناء يتطلب الحكمة والنظر المقاصدي العميق، ويحمّل الفقيه مسؤولية المشاركة في ضبط التوازن الاجتماعي، وتفعيل الوظيفة العمرانية للشريعة، وترسيخ الأمن الروحي والمعنوي للأمة.

لقد آن أوان التحوّل من اجتهاد التلقي إلى اجتهاد التأسيس، من منطق السؤال إلى منطق المشروع، ومن فقه الجواب إلى فقه البناء. فهذا وحده هو السبيل إلى استعادة الفقه الإسلامي لرسالته التاريخية، وفاعليته الحضارية، في زمن تتعاظم فيه التحديات وتتشابك فيه الوقائع.

طباعة شارك الفقه الإسلامي فقه الفتوى الأحكام الشرعية فقه البناء

مقالات مشابهة

  • صناعة النواب تصدر توصيات بتوفير 5.4 مليار جنيه لترفيق المناطق الصناعية
  • تحذير من “أشباه الأجبان” في الأسواق ومطالب بتطبيق القانون على المنتج المحلي
  • الزراعة: نقدم كافة أشكال الدعم للنهوض بصناعة الدواجن وتنميتها
  • صناعة النواب: توصية بتوفير 5.4 مليار جنيه لترفيق المناطق الصناعية
  • د. محمد بشاري يكتب: من فقه الفتوى إلى فقه البناء.. نحو اجتهاد تركيبي يؤصل المقصد ويوازن الواقع
  • كيف تواجه شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى القيود الأميركية على الرقائق؟
  • عطاء لمنح شهادة نظام إدارة الجودة لـ”صناعة العقبة”
  • توصيات برلمانية للنهوض بصناعة الحديد في مصر
  • لمن لم يستكملوا التنفيذ.. استمرار تمويل «البناء الذاتي» و»أرض وقرض»
  • برلماني: صناعة الحديد كنز مهدور.. والمطلوب سياسة تمويل صناعي لا تعرف البيروقراطية