غزة- "غرفة في بيتي أحسن من مليون خيمة" هكذا ردت هديل العراوي على زوجها "أبو يزن" عندما عرض عليها العودة إلى منزلهما المدمر في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إثر انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منها بعد 4 شهور من الاجتياح البري وتدمير كل مناحي الحياة فيها.

كانت هديل وأسرتها من أوائل العائدين للمدينة، الشهر الماضي، وبحسب وصفها، "لم تكن خان يونس التي نعرفها، صدمنا الدمار الهائل، والحياة فيها كانت مخيفة، حتى بدأ سكانها يشجعون بعضهم البعض على العودة إليها".

لنحو شهرين أقامت هديل وزوجها وأطفالهما الـ4 في خيمة صغيرة بمنطقة المواصي غرب خان يونس، بعد نزوح متكرر عقب الاجتياح الإسرائيلي لها في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وتصف تجربة الحياة في خيمة بأنها "قاسية وبائسة".

الاحتلال اتخذ من بناية عائلة هديل السكنية ثكنة عسكرية ودمرها (الجزيرة) دمار هائل

عندما عادت هديل إلى شقتها في بناية سكنية لعائلة زوجها في شارع البحر المؤدي إلى مجمع ناصر الطبي، وجدتها مدمرة.

وتقول للجزيرة نت إن مشهد البناية كان صادما، دمار كبير وأبواب ونوافذ محطمة، وجدران لم يعد لها أثر، والشارع نفسه بدا وكأنه تعرض لزلزال، وشعرت كأنها تدخل إلى "مغارة مظلمة وموحشة".

تقطن هديل في شقة بالطابق الأخيرة من هذه البناية المؤلفة من 3 طوابق، وقد فوجئت أثناء صعودها بحجم الخراب الذي أحدثه جنود الاحتلال، الذين اتخذوا منها "ثكنة عسكرية"، وقد عاثوا فيها فسادا وتدميرا، فضلا عن الدمار الذي تسببت به قذائف المدفعية.

لكن سرعان ما تمالكت معلمة الرياضيات نفسها، وتقول "حسبتها صح، لم أتردد بقرار العودة لشقتي ورغم ما بها من دمار فإن الغرفة فيها أفضل من الخيمة حيث لا خصوصية والحر شديد وانتشار الأمراض".

وبفخر تنظر لعودتها المبكرة للحارة قبل غالبية سكانها، الذين يتضاعفون يوما بعد آخر، ويعودون إلى منازلهم المدمرة يستصلحون فيها غرفة أو أكثر، رغم حجم الدمار الهائل في خان يونس، الذي طال كل مناحي الحياة والمرافق الأساسية.

ودبت الروح في المدينة مع عودة أفواج من سكانها النازحين، الذين غادروا مدينة رفح المجاورة، على وقع العملية العسكرية الإسرائيلية البرية المتصاعدة منذ 7 مايو/أيار الجاري.

هديل وأسرتها أصلحوا جزءا من شقتهم المدمرة وأقاموا فيها (الجزيرة) عودة الحياة

ويصف أبو يزن خان يونس بالمنكوبة، ويقول للجزيرة نت إنها كانت كمدينة أشباح عندما عادوا إليها، لكن الحياة بدأت تدب فيها منذ 3 أسابيع مع رجوع كثير من سكانها، ولا بديل لهم عن ذلك.

وتشير تقديرات دولية ومحلية إلى أن زهاء 900 ألف فلسطيني نزحوا عن مدينة رفح بفعل العملية البرية، لجأت غالبتيهم إلى خيام في منطقة المواصي الساحلية الممتدة من رفح إلى دير البلح في وسط القطاع، حتى لم يعد فيها موضع قدم، حيث الخيام متلاصقة ومترامية في الأرجاء والازدحام شديد.

جلب ما تيسر من الماء بعد أن دمر الاحتلال شبكات المياه والصرف الصحي والمرافق الحيوية في خان يونس (الجزيرة)

وخلال الأسابيع الأولى من العودة إلى خان يونس، كابد أبو يزن في توفير مستلزمات أسرته اليومية من الطعام والشراب، وكان يضطر إلى قطع مسافات بعيدة من أجل شراء ما يتوفر من خضر، وجلب كمية من المياه العذبة للشرب، ومياه مالحة للنظافة والاستخدامات المنزلية الأخرى.

وقد تخلص أبو يزن إلى حد ما من هذه المعاناة مع انتشار "بسطات" بيع الخضر، وتوفر محطة متنقلة قريبة لبيع المياه العذبة والمالحة، غير أنه يشكو من ارتفاع الأسعار، التي تُعمقها أزمة عدم توفر السيولة.

وبسبب التدمير الهائل للبنية التحتية، لا تتوفر بمدينة خان يونس شبكات مياه، وصرف صحي، ويعاني السكان من تردي خدمات الاتصالات والإنترنت، فيضطرون إلى بدائل كلفتها المالية باهظة لتدبر شؤونهم اليومية.

عمر المصري يشتغل في فرن بدائي افتتحه زوج أخته أمام بيته المدمر في خان يونس (الجزيرة) تدابير طارئة

وللتغلب على تكاليف الحياة المرتفعة، افتتح محمد حماد فرنا بدائيا أمام بيته المدمر في خان يونس، يُعد فيه الخبز للجيران بمقابل أجر زهيد.

ويقول للجزيرة نت إنه يساعده في توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته المكونة من 4 أفراد، ويشاركه العمل شقيق زوجته عمر المصري المقيم لديه مع عائلته (10 أفراد) بعدما وجدوا منزلهم مدمرا في منطقة "جورة العقاد" بالمدينة.

ولم يحتج محمد وعمر وقتا طويلا للتعريف بمشروعهما الصغير، ويتوافد عليهما الزبائن يوميا من الحارة والمناطق المجاورة، في ظل أزمة خانقة في الوقود وغاز الطهي، وقد زادت حدتها مع اقتحام معبر رفح البري واحتلاله.

جمع محمد وعمر كميات كبيرة من الأخشاب التي خلفها تدمير قوات الاحتلال للأبواب وأثاث المنزل، لاستخدامها كوقود لنيران الفرن.

وأضرت أزمة الوقود بسيارات الأجرة التي توقفت غالبيتها عن العمل، وعوضتها عربات "الكارو" التي تجرها الحيوانات، وقد تحولت إلى وسيلة شائعة للمواصلات، وبات التنقل عليها مألوفا في شوارع خان يونس المحطمة.

ويقول عمر للجزيرة نت إن سكان خان يونس يعودون إليها، ويرون حجم الدمار الظاهر أمامهم، لكن المصيبة أكبر من ذلك بكثير. ويضيف أنه في بعض المناطق طفت مياه المجاري (الصرف الصحي) في الشوارع، لأن الاحتلال دمر تحت الأرض كما فوقها، ولم تعد هناك بنية تحتية، "ومع زيادة السكان ستتكشف المصيبة".

ونجحت وزارة الصحة ومنظمات طبية دولية في إعادة تشغيل جزئي لأقسام في مجمع ناصر الطبي، الذي اقتحمته قوات الاحتلال خلال اجتياحها البري لخان يونس، لكنه لا يزال غير قادر على تلبية احتياجات السكان، واستئناف عمله في مواكبة تداعيات الحرب، وسط خشية وتحذيرات من خروجه عن العمل كليا جراء أزمة الوقود.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی خان یونس للجزیرة نت الحیاة فی أبو یزن

إقرأ أيضاً:

قافلة زاد العزة الـ92 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة

شرعت قافلة شاحنات المساعدات الإنسانية الـ92 في الدخول إلى الفلسطينيين بقطاع غزة، عبر البوابة الفرعية لميناء رفح البري بمحافظة شمال سيناء باتجاه معبر كرم أبوسالم تمهيدا لإدخالها إلى القطاع.


وصرح مصدر مسؤول بميناء رفح البري في شمال سيناء، اليوم الخميس، بأن الشاحنات اصطفت في ساحة الانتظار ضمن قافلة "زاد العزة..من مصر إلى غزة".. مشيرا إلى أن الشاحنات تخضع للتفتيش من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة قبل إدخالها إلى القطاع.


يذكر أن قافلة "زاد العزة..من مصر إلى غزة" التي أطلقها الهلال الأحمر، انطلقت في 27 يوليو حاملة آلاف الأطنان من المساعدات تنوعت بين سلاسل الإمداد الغذائية، دقيق، ألبان أطفال، مستلزمات طبية، أدوية علاجية، مستلزمات عناية شخصية، وأطنان من الوقود.


ويتواجد الهلال الأحمر كآلية وطنية لتنسيق وتفويج المساعدات إلى قطاع غزة منذ بدء الأزمة في أكتوبر 2023..ولم يتم غلق ميناء رفح البري نهائيا خلال تلك الفترة، ويواصل تأهبه في كافة المراكز اللوجستية وجهوده المتواصلة لإدخال المساعدات بواسطة 35 ألف متطوع.


وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أغلقت المنافذ التي تربط قطاع غزة، منذ يوم 2 مارس الماضي، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وعدم التوصل لاتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار، واخترقت الهدنة بقصف جوي عنيف يوم 18 مارس الماضي، وأعادت التوغل بريا بمناطق متفرقة بقطاع غزة كانت قد انسحبت منها.


كما منعت سلطات الاحتلال دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والوقود ومستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب على غزة؛ ورفضت إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام وإعادة الإعمار إلى قطاع غزة..وتم استئناف إدخال المساعدات لغزة في مايو الماضي وفق آلية نفذتها سلطات الاحتلال وشركة أمنية أمريكية رغم رفض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمخالفتها للآلية الدولية المستقرة بهذا الشأن.


وأعلن جيش الاحتلال "هدنة مؤقتة" لمدة 10 ساعات (الأحد 27 يوليو 2025)، وعلق العمليات العسكرية بمناطق في قطاع غزة للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، فيما واصل الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) بذل الجهود من أجل إعلان اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل إطلاق الأسرى والمحتجزين، حتى تم التوصل فجر يوم 9 أكتوبر 2025، إلى اتفاق ما بين حركة "حماس" وإسرائيل حول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشرم الشيخ بوساطة مصرية أمريكية قطرية وجهود تركية.
 

طباعة شارك قافلة شاحنات المساعدات الإنسانية الـ92 الدخول إلى الفلسطينيين بقطاع غزة البوابة الفرعية لميناء رفح البري بمحافظة شمال سيناء معبر كرم أبوسالم قافلة زاد العزةمن مصر إلى غزة سلطات الاحتلال الإسرائيلي

مقالات مشابهة

  • آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
  • الوجه الآخر لسيول العراق.. بحيرة حمرين تنتعش والطيور المهاجرة تعود إليها
  • غارات إسرائيلية على جنوبي لبنان
  • قافلة زاد العزة الـ92 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • اليونيفيل: الجيش الإسرائيلي أطلق النار على دورية تابعة لنا جنوبي لبنان
  • اليونيفيل تعلن تعرضها لإطلاق نار من قبل جيش الاحتلال جنوبي لبنان
  • الاحتلال ينسف مباني بغزة وآلياته تتقدم شرق خان يونس
  • غزة تحت النار مُجددًا .. جيش الاحتلال ينسف منازل في حي التفاح وخان يونس
  • شاهد بالفيديو.. أول من دخل عليه بعد وفاته.. صاحبة الشقة التي يسكن فيها المذيع الراحل محمد محمود حسكا تكشف تفاصيل جديدة: “وجدته كأنه نائم”