في ظلال #طوفان_الأقصى “76”

دروسٌ وعِبَرٌ من ذكريات #النكسة الأليمة وأيام الطوفان المجيدة

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

يستعيد الفلسطينيون بالكثير من الحزن والأسى والمرارة والألم نكسة العام 1967، التي منيت فيها الجيوش العربية بهزيمةٍ منكرةٍ، وقضي عليها بصورةٍ مهينة، وصمتت أبواقها المدوية مخزيةً، وانكفأ قادتها الملهمون أذلةً، وتشتت جنودها قتلى وأسرى وفارين بصورةٍ محزنةٍ، تاركين خلفهم جرحى يئنون ومصابين يستغيثون، إذ انهارت الجيوش في ساعاتٍ معدودة وكأنها جيوشٌ من ورق، وألويةٌ وكتائبٌ وفرقٌ كأنها صور، أو هياكل من طينٍ وقشٍ، وخيالات مآتةٍ من خشبٍ وقماشٍ، لا تخيف معتدياً ولا تفزع طيراً، فسقطت راياتها وجرجرت أذيالها خائبةً خاسرةً أمام جيش الكيان الذي ما زال يتأهل ويتطور، ولا يملك القوة الكافية ولا الردع المهاب، ولا يحظى بالدعم الكافي والإسناد المطلوب.

مقالات ذات صلة تأملات قرآنية 2024/06/06

يكاد الفلسطينيون لا يصدقون أبداً ما جرى لهم وما لحق بهم جراء هذه الحرب، التي قضت على أحلامهم الكبيرة باستعادة الأرض والعودة، وقتلت الروح المعنوية العالية التي سكنتهم وعاشوا بها، وظنوا أنهم بها أقوى وسينتصرون، وبها أقدر وسيعودون، إلا أنها كانت صادمة لهم وكاوية لوعيهم، فتسببت في تعميق شتاتهم وتجديد لجوئهم، ومزقتهم أكثر وبعثرتهم في منافي الأرض ونثرتهم في أرجائها الأربعة.

وجرعتهم المر والهوان وألحقت بهم العار بضياع الشطر الثاني من أرضهم، واحتلال ما بقي من قدسهم، وتدنيس أقصاهم وانتهاك حرمة مقدساتهم، وزاد في الحرقة والأسى، وعمق الهزيمة والانكسار، ضياع أراضٍ عربيةٍ أخرى مصرية وسورية وأردنية ولبنانية، كان المرجو منها أن تكون جبهات مقاومة، وساحات إسنادٍ ومشاغلة، إلا أنها سقطت بسرعة، وعجزت الجيوش عن حمايتها والدفاع عنها، وما زالت عاجزة عن استرجاعها وتحريرها.

يستغرب الفلسطينيون ومعهم كل الشعوب العربية، كيف انهارت جيوشهم ولم تصمد، ولم تستطع القتال ولم تتمكن من المواجهة، وهي التي بُذلَ فيها الكثير لتقوى، ودُفع لأنظمتها الكثير لتتهيأ وتتجهز، وتأملت فيها شعوبها كثيراً لتنتصر، والتحق بها خيرة أبناء أمتنا لينالوا سبق القتال وشرف التحرير، وهم الذين آمنوا بشعارات القوة وصدقوا دعاة التحرير، فجادوا بأرواحهم والمهج، وضحوا بالمال والولد، ولكنهم صدموا أن العدو الأضعف منهم انتصر عليهم، والأقل عدداً منهم تغلب عليهم، والمحاصر بين البحر وأعدائه في أرضٍ صغيرةٍ ضيقةٍ محدودة، اتسعت حدوده وامتد نفوذه، وسيطر على أضعاف المساحة التي أنشأ عليها كيانه.

يزداد استغراب الشعوب العربية التي صدق آباؤها وضحى أجدادها في ظل طوفان الأقصى المبارك، وهم يرون أن ثلةً صغيرةً من أبناء أمتهم، في غزة ولبنان، وفي يمن العرب البعيد، تمكنت وحدها، وهي المحاصرة المضيق عليها، الفقيرة المعدمة، القليلة العدد والمحدودة السلاح، من مواجهة العدو وهو في أعتى حالاته، وأقوى مراحله، وأكثرها تفوقاً واستعلاءً، ودعماً وإسناداً.

إلا أنها استطاعت في حربٍ دمويةٍ طويلةٍ دخلت شهرها التاسع، أن تصمد أمام آلة الحرب الوحشية، وأن تثبت أمام المؤامرة الدولية، والتحالف الأمريكي الأوروبي الفاضح مع الكيان الصهيوني، ونجحت إلى حدٍ كبيرٍ في إفشال مخططاته وإحباط مؤامراته، وكبدته خسائر كبيرة في أرواح جنوده وضباطه، وعطلت حياته وضيقت سبل عيشه، وتسببت في انهيار اقتصاده وتصدع كيانه وتفكك جبهته الداخلية.

يتساءل العرب والفلسطينيون معاً، كيف استطاعت مجموعاتٌ صغيرة من المقاومين، لا يزيد عددهم عن الألفي مقاوم، يحملون أسلحةً فرديةً خفيفة، ولا يملكون غطاءً جوياً يحميهم، ولا مدفعية ميدان تمهد طريقهم، ولا دبابات تسهل مهمتهم، ولا قوى أخرى تساندهم، وهم ليسوا جيشاً ولا ألوية نظامية، اجتياح الحدود واجتياز السياج وتقطيع الأسلاك الشائكة، واقتحام البلدات والمستوطنات، ومهاجمة المواقع والثكنات، والوصول إلى المهاجع والملاجئ، وقتل المئات من الجنود والضباط الإسرائيليين، واقتياد أعدادٍ كبيرة منهم أسرى إلى داخل قطاع غزة، والسيطرة خلال ساعتين لا أكثر على ضعفي مساحة قطاع غزة، وتطويع فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية الأقوى في المنطقة الجنوبية، وأسر قادتها وسوقهم مكبلين إلى مضاجع الموت أو إلى مقراتٍ سريةٍ في القطاع، أعيت العدو وحلفاءه عن اكتشافها وتحديد مكانها واستنقاذ أسراهم منها.

ليست المشكلة في أمتنا العربية وشعوبها، فهي صادقةٌ وفيةٌ، مخلصةٌ قويةٌ، مؤمنةٌ واثقةٌ، ثابتةٌ صامدة، لا تخشى العدو ولا تهابه، ولا تتردد في قتاله، ولا تجبن عن مواجهته، ولا تبخل في تقديم الأرواح والتضحية بالأموال والممتلكات في سبيل تحرير الأوطان وتطهير المقدسات، وهي تؤمن أنها قادرة على هزيمة العدو وتحقيق النصر، وتعتقد يقيناً أنها ستتغلب عليه وستفكك كيانه، وستشطب اسمه من الخارطة السياسية وستزيل كيانه من الجغرافيا الدولية، ولن يكون له وجودٌ بيننا ولا بقاء في أرضنا.

نحن لسنا ضعافاً فنُقتل، ولا خرافاً فنُذبح، ولا أذلاء فنخضع، أو جبناء فنسكت، بل نحن شعوبٌ مقاتلةٌ، تنتمي إلى أمةٍ مقاومة، عزيزةٍ أبيةٍ رائدةٍ راشدة، وهي أمةٌ أصيلةٌ نبيلةٌ، وهي أصل السامية وشرف الإنسانية، أمةٌ عريقةٌ ممتدة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وينبت رجالها من قلب الأرض أطهاراً، ويخرجون لمواجهة العدو من جوفها أبطالاً، ويكبرون فيها كالجبال ثباتاً ورسوخاً، ويبقون فيها وقوفاً كالأشجار طولاً وشموخاً، وهم على وعدٍ جديدٍ وعهدٍ حديدٍ، ألا تتكرر النكسة، وألا تبقى النكبة، وأن يعلو طوفان الأقصى ويتسع، وفي ربوع الأرض يمتد، وأن يكون هو بداية النصر وتباشير العودة، وطوفان الخلاص وطلائع التحرير.

بيروت في 6/6/2024

[email protected]

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: طوفان الأقصى النكسة

إقرأ أيضاً:

سموتريتش: نقترب من إعادة احتلال غزة والاستيطان فيها... وخطة إسرائيلية لضم أجزاء من القطاع

قال وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إن "إسرائيل أقرب من أي وقت مضى" لإعادة احتلال قطاع غزة وإحياء مشروع الاستيطان فيه، في إشارة واضحة إلى تحوّل استراتيجي محتمل في توجهات حكومة الاحتلال بعد نحو 20 عاماً على تنفيذ خطة "فك الارتباط" وانسحابها من القطاع.

جاءت تصريحات سموتريتش خلال مؤتمر نظم في مستوطنة "ياد بنيامين" وسط فلسطين المحتلة، لإحياء الذكرى العشرين لخطة الانفصال أحادية الجانب، التي نفذتها حكومة أرئيل شارون عام 2005، وشملت تفكيك المستوطنات في قطاع غزة وأربع مستوطنات شمالي الضفة الغربية.

وقال الوزير اليميني في حكومة بنيامين نتنياهو: "نحن أقرب من أي وقت مضى إلى إعادة بناء غوش قطيف"، في إشارة إلى الكتلة الاستيطانية الكبرى التي كانت قائمة جنوبي قطاع غزة قبل الانسحاب.

وأضاف: "حيث لا توجد مستوطنات، لا يوجد جيش.. وحيث لا يوجد جيش، لا يوجد أمن"، في تبرير واضح لدعوات إعادة السيطرة الميدانية على القطاع، زاعماً أن "غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل".

وتابع قائلاً: "لا أريد العودة إلى غوش قطيف كما كانت، كانت صغيرة ومكتظة. نحتاجها الآن أكبر بكثير، وأوسع بكثير".

خطة نتنياهو و"الضوء الأخضر" الأمريكي
تصريحات سموتريتش جاءت بعد يوم من كشف صحيفة "هآرتس" العبرية عن طرح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خطة أمام المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) تقضي بـ"احتلال تدريجي لأجزاء من قطاع غزة"، ضمن محاولة لتهدئة التوتر داخل حكومته الائتلافية المتطرفة، وإبقاء سموتريتش في صفوفها، بعد تهديده بالاستقالة على خلفية مزاعم سماح تل أبيب بإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع.

وبحسب الصحيفة، فإن الخطة تنص على منح حركة حماس مهلة قصيرة للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، وإذا رفضت فإن الاحتلال الإسرائيلي سيباشر خطوات عسكرية لفرض السيطرة على مناطق في القطاع وضمها "على مراحل" حتى "ترضخ الحركة".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى -لم تكشف هويته– قوله إن "الخطة حظيت بموافقة الإدارة الأمريكية"، في إشارة إلى دعم ضمني من واشنطن لنهج الاحتلال، على الرغم من الانتقادات العلنية لسلوك الحكومة الإسرائيلية.

وفي موقف لافت، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، واصفاً القرار بأنه "خطوة غير حكيمة زادت الوضع سوءاً"، بحسب ما نقلته صحيفة "معاريف" العبرية.

وربطت وسائل إعلام إسرائيلية بين تصريحات ترامب، الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة بنتنياهو، والتوجهات الإسرائيلية المتزايدة نحو إعادة احتلال غزة أو فرض مناطق نفوذ فيها.


دعوات استيطانية وسط حرب الإبادة
تأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه الدعوات داخل حكومة الاحتلال لفرض "السيادة الإسرائيلية" على القطاع، وطرح مشاريع استيطانية في مناطق منه، تحت غطاء "الضرورات الأمنية"، وذلك بالتوازي مع استمرار عدوان عسكري شامل يُوصف بأنه حرب إبادة جماعية.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شن الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمّرة على قطاع غزة، خلّفت أكثر من 205 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين، وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية.

وبحسب أحدث معطيات وزارة الصحة في غزة، تسببت الحرب أيضاً بمجاعة خانقة، راح ضحيتها حتى الآن ما لا يقل عن 147 فلسطينياً بسبب سوء التغذية والجوع، غالبيتهم من الأطفال.

مقالات مشابهة

  • محمد محسن ينعى لطفي لبيب: ذكريات كتير جميلة.. عمري ما هنساك
  • رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا ستيفان ساكاليان لـ سانا: التنسيق مستمر مع السلطات السورية في دمشق وجميع الجهات الفاعلة على الأرض في محافظة السويداء لدعم الاستجابة الإنسانية فيها
  • فؤاد شكر… قلبُ المقاومة وعقلُ الطوفان
  • السيسي يتلقى رسائل من اتحاد الكرة وفريق الزمالك.. هذا ما جاء فيها
  • سموتريتش: نقترب من إعادة احتلال غزة والاستيطان فيها... وخطة إسرائيلية لضم أجزاء من القطاع
  • الكرملين يرفض التعليق على تصريحات لترامب هاجم فيها بوتين
  • إطلاق مشروع «تطوير دروس المساجد»
  • بالصور.. هذه هي كنيسة رقاد السيدة التي سيشيّع فيها زياد الرحباني
  • أصداء الطوفان.. حين تصير الكلمة بندقية
  • الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة؟.. الإفتاء توضح