ندوة للجمعية المغربية للصحافيين الشباب حول أخلاقيات المهنة ومتغيرات الواقع في المجال الإعلامي
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
عقدت الجمعية المغربية للصحافيين الشباب، زوال اليوم الجمعة 7 يونيو 2024، بالمركب الثقافي سيدي بليوط في الدار البيضاء، ندوة افتتاحية، عنوانها: ""أخلاقيات مهنة الصحافة أمام متغيرات الواقع ومتطلبات المجال الإعلامي".
وتطرقت الكاتبة العامة للجمعية فاطمة الزهراء غالم في الكلمة الافتتاحية، إلى أسباب تأسيس هذا التنظيم المدني الذي يضم زملاء صحفيين ممارسين في الميدان محررين ومصورين، وأرجعت ذلك إلى الإكراهات التي يعانيها الصحفيون في الميدان، ورغبة في المساهمة بإضافة نوعية والنهوض بالمجال الصحفي والإعلامي عموما، وكذا في تكوين الصحفيين الصاعدين.
وأكدت الكاتبة العامة للجمعية، أن اختيار موضوع "أخلاقيات مهنة الصحافة" في أولى أنشطتها الإشعاعية، هدفُه إبراز التحديات التي تواجه الصحفيين في عملهم اليومي، إذ تلعب الأخلاقيات المهنية دورا محوريا في توجيه سلوك الصحافيين وضمان نزاهة وصدق التقارير الصحفية.
وأضافت الكلمة الافتتاحية، أن القواعد الأخلاقية تضمن تعامل الصحفي بمهنية في احترام الأفراد والمؤسسات، وتساعد في بناء ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، وشددت الكاتبة العامة باسم الجمعية المغربية للصحافيين الشباب، على أن هذه الندوة تروم تعزيز الوعي بأهمية الأخلاقيات الصحفية ودورها في بناء مجتمع إعلامي نزيه وموثوق.
وفي هذا الإطار، انصبت المداخلات حول تشخيص الإكراهات والتحديات المرتبطة بأخلاقيات المهنة، التي تواجه الصحفيين، خاصة في ظل المتغيرات الراهنة المرتبطة بالتحول الرقمي السريع، الذي يفرض على الصحفي تحديات أخرى، تتعلق باستخدام الوسائل التقنية الحديثة في جمع ونشر الأخبار، مما يتطلب ذلك توازنًا بين السرعة في نقل الأخبار والدقة في المعلومات.
وتسلم رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عبد الكبير اخشيشن الكلمة، التي شدد فيها على أن مستقبل الصحافة ينطلق من الشباب، وشجع الصحافيين الشباب على السير بخطوات تسهم في الرقي بالمهنة.
وأعرب عبد الكبير اخشيشن عن إيمانه بطريقة تنظيم وتفكير الجمعية المغربية للصحافيين الشباب، التي قال إنها تنصب في تقوية المهنة وتهدف بالأساس إلى الرفع من منسوب المهنية لدى الصحافيين الشباب.
وأشار اخشيشن إلى أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تؤمن بدور الجمعيات في مجال الصحافة التي تساهم في تقوية منسوب المهنية بين الصحافيات والصحافيين خاصة وأننا مقبلون على مرحلة جد حاسمة في المغرب التي ستحدد مستقبل الصحافيين، ذكر منها مناقشة القوانين المُشلكة لمدونة الصحافة والنشر.
وأبرز اخشيشن أنه من الضروري حضور نفس الشباب في الأجوبة التي ستقدمها النقابة في مراجعة قوانين الصحافة والنشر، بهدف توفير بيئة مهنية وآمنة تحترم كرامة الصحافيات والصحافيين، لأن بيئة مهنية ونظيفة ومشجعة من الناحية المادية ستضمن وجود صحافيين في المستوى، وتبقى مسألة التكوين والتكوين المستمر من مسؤولية المؤسسات الإعلامية والمنظمات المهنية كالنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وأعرب اخشيشن عن فخره عندما يجد ثلة من الشباب تلتئم لمناقشة أخلاقيات المهنة.
ومن جهته، تطرق محمد الشمسي المحامي بهيئة الدار البيضاء والصحفي السابق في مداخلته بعنوان: " من أجل ممارسة صحفية آمنة: حاجة الصحفي لاستيعاب قانون الصحافة والنشر"، إلى بروز ممارسات لا تمت للصحافة بصلة، واعتبر تأسيس الجمعية المغربية للصحافيين الشباب على أساس مهني، يعكس التوجه المسيطر على الساحة الذي يطبعه التطاحن والتسابق نحو الخبر.
واعتبر محمد الشمسي أن أخلاقيات مهنة الصحافة تتجسد من خلال :
• التكوين المهني: ليس بالضرورة ولوج معهد متخصص وإن كان ذلك هو أفضل وأضمن، بل البحث في الانترنت، وحضور الندوات وكل الأنشطة ذات الصلة، ثم قراءة كبريات الجرائد، ومشاهدة كبريات القنوات لاكتساب بعض المهارات
• ضبط تقنيات الخبر وشروطه: لابد وأن يصاغ الخبر بقواعد الخبر التي تنص عليها المهنية، مع احترام تقنية الهرم المقلوب وتجنب السرد الكرونولوجي العادي، على أن يكون الخبر مهما ومثيرا
• الإلمام بالأجناس الصحفية: حتى لا يتداخل الربورتاج بالتحقيق بالتقرير بالبورتوريه وغيره من الأجناس الصحفية
ووقف محمد الشمسي عند ضرورة الإلمام بقانون الصحافة، وأشار إلى الجرائم المقترفة بواسطة الصحافة ذكر منها:
• المس بقرينة البراءة: (جراند تصدر أحكاما قبل حكم القضاء أو تدين المتهمين أو تنحاز جهتهم "
• القذف الموجه للأفراد بالوسائل والسب والتشهير، والتدخل في الحياة الخاصة باختلاق وقائع أو إفشاء وقائع وصورة أو تسريب أفلام حميمية لأشخاص تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام، كل هذه الممارسات تعتبر مخالفة لقانون الصحافة والنشر.
وذكر المحامي الشمسي والصحفي السابق، أن هناك جرائم قد تتخطى قانون الصحافة وتدخل في دائرة الجرائم المعاقب عليها في القانون الجنائي، معتبر أن المشرع احتفظ ببعض الفصول في القانون الجنائي التي يمكن أن تطال الصحافيين وهي مرتبطة بصميم العمل الصحفي وبكل عمل يعتمد على النشر وليس في القانون ما يمنع النيابة العامة من متابعة الصحفي بالقانون الجنائي أو قانون النشر.
دعا محمد الشمسي في مداخلته إلى: احترام الرأي المخالف ما لم يكن يشكل ذلك خطورة أو جريمة ( التدرب على مناقشة الرأي مع وجوب احترامه واحترام الحق في الاختلاف، وعدم الانغماس في بعض النقاشات الاقصائية والاستئصالية.
شدد على التقيد بمبادئ ميثاق الشرف الخاص بالصحفي واعتبره هو دليل الصحفي ودستوره، وأشار إلى أن الصحفي المهني يستمد مقومات شرف المهنة من المبادئ الكونية لحرية التعبير وحقوق الإنسان ويلتزم بالبحث عن الحقائق وإعلام الرأي العام بها بصدق وأمانة.
دعا إلى تجنب القذف والتجريح في الأشخا، و يرفض أي تدخل غير مهني وأي إغراء يخل بأخلاقيات المهنة، والحث على أهمية تضامن الصحفي مع زملائه ويؤازرهم في حالات المتابعة والملاحقة الناشئة عن ممارسة المهنة، والدفاع عن مصداقية واستقلالية العمل الصحفي ضد كل أشكال الابتذال والتدليس والتعتيم.
وتساءل ما إذا كانت المؤسسة الإعلامية تؤمن بأخلاقيات المهنة وتؤمن بالشروط التي الزمنا بها، وأشار إلى أنه لا ييمكن الحديث عن أخلاقيات المهنة مع الصحفي دون أن تكون المؤسسة طرفا.
من جهته، تطرق عبد الفتاح مومن، أستاذ مكون وصحفي بالقناة الثانية، إلى الأخلاقيات المهنية، من زاوية "الأخلاقيات والذكاء الاصطناعي"، وشدد على أنه في عصر الذكاء الاصطناعي، يجب أن تكون المؤسسات الإعلامية شفافة. وأن يكون استخداماتها للتكنولوجيا يتطلب الإفصاح عن متى وأين وكيفية استعمال الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات سواء اثناء تحليل أو إنتاج المحتوى، ثم الشفافية التي تبني الثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية وتساعد في تقليل الشكوك والقلق حول الاعتماد على التكنولوجيا.
وأشار في هذه المداخلة إلى أهمية التقيد بمجموعة من المبادئ والأخلاقيات منها:
• المصداقية والدقة، لأنه على الرغم من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وجمع المعلومات يجب أن تظل المصداقية والدقة حجر الزاوية في العمل الصحفي.
• على المؤسسات الإعلامية التأكد من أن المعلومات التي تنشرها تم التحقق منها وأنها صحيحة، حتى لو كانت مستمدة من أنظمة الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون هناك تحقق بشري دائم لضمان أن تكون المعلومات المنشورة دقيقة وغير مضلة
• التحقق من الأخبار الكاذبة: في ظل الانتشار الواسع للأخبار الزائفة والمضللة، يجب على المؤسسات الإعلامية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للتحقق من صحة الأخبار والمصادر. ومع ذلك، يجب أن تتبع هذه العملية بفحص بشري للتأكد من دقة النتائج وتجنب الاعتماد الكلي على التكنولوجيا فقط. هذا يضمن تقديم معلومات صحيحة وموثوقة للجمهور
• حماية الخصوصية: مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع البيانات وتحليلها، يصبح من الضروري أن تحترم المؤسسات الإعلامية حقوق الخصوصية للأفراد. يجب أن تكون هناك سياسات واضحة ومحددة حول كيفية جمع البيانات، واستخدامها، وتخزينها، والتأكد من أن جميع الأنشطة تتوافق مع القوانين واللوائح المتعلقة بحماية الخصوصية.
• التحلي بالإنسانية: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز من قدرات المؤسسات الإعلامية، لكنه لا يمكن أن يحل محل اللمسة الإنسانية في الصحافة. يجب على المؤسسات الإعلامية التأكد من أن التكنولوجيا تستخدم لتعزيز العمل البشري وليس لاستبداله، لأن الصحفيون هم القادرون على تقديم التقارير بالعمق والتعاطف اللازمين لفهم القضايا المعقدة
• المساءلة: يجب أن تكون المؤسسات الإعلامية مستعدة لتحمل المسؤولية عن الأخطاء التي قد تنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي. يجب أن تكون هناك آليات للمساءلة والشفافية حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي،
• تجنب التحيز: يمكن أن يحتوي الذكاء الاصطناعي على تحيزات ناتجة عن البيانات التي تم تدريبه عليها. لذلك، يجب على المؤسسات الإعلامية العمل بجد لتحديد ومعالجة أي تحيزات في أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة يتطلب ذلك مراقبة مستمرة وتقييم دقيق لضمان تقديم محتوى عادل ومتوازن.
• الامتثال للقوانين واللوائح، الاستقلالية التحريرية وتدريب الصحفيين والتفاعل مع الجمهور وغيرها من المبادئ.
خلص عبد الفتاح مومن في مداخلته بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة للمؤسسات الإعلامية لتحسين كفاءتها وجودة محتواها. ومع ذلك، تأتي هذه الفرصة مع مسؤولية كبيرة للحفاظ على الأخلاقيات المهنية والالتزام بالمعايير الأخلاقية. من خلال الشفافية، الدقة، حماية الخصوصية، والتحلي بالإنسانية، يمكن للمؤسسات الإعلامية الاستفادة من التكنولوجيا بشكل مسؤول وفعال. الالتزام بهذه الأخلاقيات يعزز من مصداقية الوسائل الإعلامية ويبني ثقة الجمهور مما يضمن تقديم محتوى صحفي ذو جودة عالية ومسؤول.
تكريم صحافيين مهنيين:
ختمت الجمعية المغربية للصحافيين الشباب نشاطها بتكريم ثلة من الصحافيين المهنيين الذين ساهموا في تكريس أخلاقيات مهنة الصحافة عبر مؤسساتهم الإعلامية، من بينهم تكريم الصحفية المحررة عزيزة آيت موسى على كفاءتها وخبرتها المهنية، ومحمد حيحي قيدوم المصورين الصحفيين الذي حرص خلال مسيرته على احترام الحقيقة من خلال الصورة، ثم الصحفي المصور ابراهيم الزكري الذي يعتبره الصحفيون قدوة في العمل المهني وإتقان خبر الصورة.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: استخدام الذکاء الاصطناعی على المؤسسات الإعلامیة أخلاقیات المهنة الصحافة والنشر یجب أن تکون یمکن أن على أن
إقرأ أيضاً:
احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
مع تقدم الذكاء الاصطناعي وتغلغله في حياتنا على نحو متزايد، يبدو من الواضح أنه من غير المحتمل أن يخلق المدينة التكنولوجية الفاضلة ومن غير المرجح أن يتسبب في محو البشرية. النتيجة الأكثر احتمالا هي مكان ما في المنتصف ــ مستقبل يتشكل من خلال الطوارئ، والحلول الوسط، وعلى جانب عظيم من الأهمية، القرارات التي نتخذها الآن حول كيفية تقييد وتوجيه تطور الذكاء الاصطناعي.
باعتبارها الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، تضطلع الولايات المتحدة بدور مهم بشكل خاص في تشكيل هذا المستقبل. لكن خطة عمل الذكاء الاصطناعي التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بددت الآمال في تعزيز الإشراف الفيدرالي، فاحتضنت بدلا من ذلك نهجا داعما للنمو في تطوير التكنولوجيا. وهذا يجعل التركيز من جانب حكومات الولايات، والمستثمرين، والجمهور الأمريكي على أداة مُـساءلة أقل إخضاعا للمناقشة، ألا وهي حوكمة الشركات ضرورة أشد إلحاحا. وكما توثق الصحفية كارين هاو في كتابها «إمبراطورية الذكاء الاصطناعي»، فإن الشركات الرائدة في هذا المجال منخرطة بالفعل في المراقبة الجماعية، وهي تستغل عمالها، وتتسبب في تفاقم تغير المناخ. من عجيب المفارقات هنا أن كثيرا منها شركات منفعة عامة (PBCs)، وهي بنية حوكمة يُزعم أنها مصممة لتجنب مثل هذه الانتهاكات وحماية البشرية. ولكن من الواضح أنها لا تعمل على النحو المنشود.
كانت هيكلة شركات الذكاء الاصطناعي على أنها شركات منفعة عامة شكلا ناجحا للغاية من أشكال الغسيل الأخلاقي. فبإرسال إشارات الفضيلة إلى الهيئات التنظيمية وعامة الناس، تخلق هذه الشركات قشرة من المساءلة تسمح لها بتجنب المزيد من الرقابة الجهازية على ممارساتها اليومية، والتي تظل مبهمة وربما ضارة. على سبيل المثال، تُـعَـد xAI التي يملكها إيلون ماسك شركة منفعة عامة تتمثل مهمتها المعلنة في «فهم الكون». لكن تصرفات الشركة ــ من بناء كمبيوتر خارق مُـلَـوِّث في السر بالقرب من حي تقطنه أغلبية من السود في ممفيس بولاية تينيسي، إلى إنشاء روبوت محادثة يشيد بهتلر ــ تُظهر قدرا مزعجا بشدة من عدم الاكتراث بالشفافية، والرقابة الأخلاقية، والمجتمعات المتضررة.
تُعد شركات المنفعة العامة أداة واعدة لتمكين الشركات من خدمة الصالح العام مع السعي إلى تحقيق الربح في الوقت ذاته. لكن هذا النموذج، في هيئته الحالية ــ خاصة في ظل قانون ولاية ديلاوير، الولاية التي تتخذها معظم الشركات العامة الأمريكية مقرا لها ــ مليء بالثغرات وأدوات الإنفاذ الضعيفة، وهو بالتالي عاجز عن توفير الحواجز اللازمة لحماية تطوير الذكاء الاصطناعي. لمنع النتائج الضارة، وتحسين الرقابة، وضمان حرص الشركات على دمج المصلحة العامة في مبادئها التشغيلية، يتعين على المشرعين على مستوى الولايات، والمستثمرين، وعامة الناس المطالبة بإعادة صياغة شركات المنفعة العامة وتعزيز قدراتها. من غير الممكن تقييم الشركات أو مساءلتها في غياب أهداف واضحة، ومحددة زمنيا، وقابلة للقياس الكمي. لنتأمل هنا كيف تعتمد شركات المنفعة العامة في قطاع الذكاء الاصطناعي على بيانات منافع شاملة وغير محددة يُزعَم أنها توجه العمليات. تعلن شركة OpenAI أن هدفها هو «ضمان أن يعود الذكاء الاصطناعي العام بالفضل على البشرية جمعاء»، بينما تهدف شركة Anthropic إلى «تحقيق أعظم قدر من النتائج الإيجابية لصالح البشرية في الأمد البعيد». المقصود من هذه الطموحات النبيلة الإلهام، لكن غموضها من الممكن أن يستخدم لتبرير أي مسار عمل تقريبا ــ بما في ذلك مسارات تعرض الصالح العام للخطر. لكن قانون ولاية ديلاوير لا يُـلزِم الشركات بتفعيل منفعتها العامة من خلال معايير قابلة للقياس أو تقييمات مستقلة. ورغم أنها تطالب بتقديم تقارير كل سنتين حول أداء المنفعة، فإنها لا تلزم الشركات بإعلان النتائج. بوسع الشركات أن تفي بالتزاماتها ــ أو تهملها ــ خلف الأبواب المغلقة، دون أن يدري عامة الناس شيئا. أما عن الإنفاذ، فبوسع المساهمين نظريا رفع دعوى قضائية إذا اعتقدوا أن مجلس الإدارة فشل في دعم مهمة الشركة في مجال المنفعة العامة. لكن هذا سبيل انتصاف أجوف، لأن الأضرار الناجمة عن الذكاء الاصطناعي تكون منتشرة، وطويلة الأجل، وخارجة عن إرادة المساهمين عادة. ولا يملك أصحاب المصلحة المتضررون ــ مثل المجتمعات المهمشة والمقاولين الذين يتقاضون أجورا زهيدة ــ أي سبل عملية للطعن في المحاكم. وللاضطلاع بدور حقيقي في حوكمة الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون نموذج «شركات المنفعة العامة» أكثر من مجرد درع للسمعة. وهذا يعني تغيير كيفية تعريف «المنفعة العامة»، وحوكمتها، وقياسها، وحمايتها بمرور الوقت. ونظرا لغياب الرقابة الفيدرالية، يجب أن يجري إصلاح هذا الهيكل على مستوى الولايات. يجب إجبار شركات المنفعة العامة على الالتزام بأهداف واضحة، وقابلة للقياس، ومحددة زمنيا، ومكتوبة في وثائقها الإدارية، ومدعومة بسياسات داخلية، ومربوطة بمراجعات الأداء والمكافآت والتقدم الوظيفي. بالنسبة لأي شركة عاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، من الممكن أن تشمل هذه الأهداف ضمان سلامة نماذج المؤسسات، والحد من التحيز في مخرجات النماذج، وتقليل البصمة الكربونية الناجمة عن دورات التدريب والنشر، وتنفيذ ممارسات العمل العادلة، وتدريب المهندسين ومديري المنتجات على حقوق الإنسان والأخلاقيات والتصميم التشاركي. الأهداف المحددة بوضوح، وليس التطلعات الغامضة، هي التي ستساعد الشركات على بناء الأساس للمواءمة الداخلية الجديرة بالثقة والمساءلة الخارجية. يجب أيضا إعادة تصور مجالس الإدارة وعملية الإشراف. ينبغي لمجالس الإدارة أن تضم مديرين ذوي خبرة يمكن التحقق منها في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والسلامة، والأثر الاجتماعي، والاستدامة. يجب أن يكون لكل شركة مسؤول أخلاقي رئيسي يتمتع بتفويض واضح، وسلطة مستقلة، والقدرة على الوصول المباشر إلى مجلس الإدارة. ينبغي لهؤلاء المسؤولين أن يشرفوا على عمليات المراجعة الأخلاقية وأن يُمنحوا سلطة وقف أو إعادة تشكيل خطط المنتجات عند الضرورة. وأخيرا، يجب أن تكون شركات الذكاء الاصطناعي المهيكلة كمؤسسات منفعة عامة مُلـزَمة بنشر تقارير سنوية مفصلة تتضمن بيانات كاملة ومصنفة تتعلق بالسلامة والأمن، والتحيز والإنصاف، والأثر الاجتماعي والبيئي، وحوكمة البيانات. وينبغي لعمليات تدقيق مستقلة ــ يديرها خبراء في الذكاء الاصطناعي، والأخلاقيات، والعلوم البيئية، وحقوق العمال ــ أن تعكف على تقييم صحة هذه البيانات، بالإضافة إلى ممارسات الحوكمة في الشركة وتواؤمها في عموم الأمر مع أهداف المنفعة العامة.
أكدت خطة عمل ترامب للذكاء الاصطناعي على عدم رغبة إدارته في تنظيم هذا القطاع السريع الحركة. ولكن حتى في غياب الإشراف الفيدرالي، بوسع المشرعين على مستوى الولايات، والمستثمرين، وعامة الناس تعزيز حوكمة إدارة الشركات للذكاء الاصطناعي بممارسة الضغوط من أجل إصلاح نموذج شركات المنفعة العامة. يبدو أن عددا متزايدا من قادة التكنولوجيا يعتقدون أن الأخلاقيات أمر اختياري. ويجب على الأمريكيين أن يثبتوا أنهم على خطأ، وإلا فإنهم يتركون التضليل، والتفاوت بين الناس، وإساءة استخدام العمالة، وقوة الشركات غير الخاضعة للرقابة تشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي.
كريستوفر ماركيز أستاذ إدارة الأعمال في جامعة كامبريدج ومؤلف كتاب «المستغلون: كيف تقوم الشركات بخصخصة الأرباح وتأميم التكاليف»
خدمة «بروجيكت سنديكيت»