باريس- بعد يومين فقط من حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعية الوطنية، عقب فوز اليمين المتطرف بالانتخابات الأوروبية، جاء الرد سريعا من رئيس حزب الجمهوريين إيريك سيوتي الذي أعلن، الثلاثاء، عن رغبته في إبرام اتفاق مع اليمين المتطرف، بهدف "معارضة عجز الماكرونية وخطر المتمردين".

وفي الوقت الذي يسعى فيه اليمين المتطرف إلى حجز مكانه داخل البرلمان الفرنسي الجديد بأغلبية ساحقة خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، يحاول رئيس الجمهورية انتقاء كلماته بعناية لطرح نفسه مرة أخرى كـ"بديل" للتطرف واستغلال حالة الارتباك السياسي لإنقاذ ما تبقى لديه من القليل.

وخلال مؤتمر صحفي نظمه الأربعاء، أعاد ماكرون تدوير إستراتيجيته ليهاجم حزبي "التجمع الوطني" اليميني و"فرنسا الأبية" اليساري، ودعا الناخبين إلى عدم التصويت لصالح رئيس وزراء يميني متطرف.

لعبة التحالفات

بدأ العد التنازلي لجميع الأحزاب التي يجب أن تقدم إعلانات ترشيحاتها اليوم الأحد، للانتخابات التشريعية المبكرة المقررة بعد 3 أسابيع، يومي 30 يونيو/حزيران الجاري والسابع من يوليو/تموز المقبل.

ولضمان الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، مدّ حزب الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان يديه لتحالفات جديدة، استغلها زعيم الجمهوريين سيوتي، الذي يعتبر أن حزبه أضعف من أن يخوض المعركة الانتخابية بمفرده.

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي جيرالد أوليفييه أن اللعبة السياسية الفرنسية هي لعبة تحالف، لأن الانتخابات التشريعية تجري على جولتين، في الجولة الأولى، يقدم جميع المرشحين أنفسهم، ثم يتم في الجولة الثانية الحفاظ على المرشحين الوحيدين في الصدارة، الذين حصلوا على أكثر من 15% من الأصوات.

وأضاف أوليفييه -في حديث للجزيرة نت- أنه "منذ ظهور بعض التطرفات، لا سيما اليمينية في فرنسا منذ فترة الثمانينيات، اعتُبر التجمع الوطني حزبا لا يمكن لأحد أن يتحالف معه، لأنه كان يغرد خارج السرب الجمهوري"، لكنه يعتقد أن هذه السمعة لم تعد لها ما يبررها اليوم، لأن الحزب تطور كثيرا، ويسعى من جديد إلى عقد تحالفات تسمح له بالمضي قدما نحو السلطة.

من جانبه، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية زياد ماجد أن اليمين التقليدي أو الجمهوري يتقارب مع اليمين المتطرف في خطابه وبرامجه المتعلقة بملفات الهجرة والأمن وبعض المصطلحات القومية منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.

ويشير ماجد -في حديثه للجزيرة نت- إلى وجود جزء من قاعدة هذا اليمين لا تجرّم شعارات اليمين المتطرف، التي كانت مرفوضة من قبل في فترة رئاسة الراحل جاك شيراك، وطيلة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، "مما يفسر تحالفات جرت في انتخابات بلدية أو تشريعية سابقة، وتسرب جزء من أصوات اليمين لصالح مارين لوبان في الدورة الانتخابية الرئاسية الثانية عام 2022".

الرئيس الفرنسي ماكرون دعا الناخبين إلى عدم التصويت لصالح رئيس وزراء يميني متطرف (رويترز) خطة التقسيم

ومنذ عام 1981، انتقلت فرنسا تدريجيا من اليمين واليسار إلى 3 انقسامات: اليمين والوسط واليسار، مما ساهم في إبراز حزبي "الجبهة الوطنية" و"فرنسا الأبية" المتطرفين على الساحة السياسية، الذين ركزا على انتقاد الأحزاب "الديغولية" والاشتراكية السابقة.

ويجد أستاذ العلوم السياسية ماجد أن ما فعله إيريك سيوتي -وهو المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفةـ يُعد بمثابة "إعلان رسمي عن رغبته بالتحالف والانصهار ضمن لوائح تقودها الجمعية الوطنية"، لكنه استبعد نجاحه بهذه الخطوة، لأن من بقي في حزبه اليوم هم أقرب إلى المحافظة على ألوان الجمهوريين، نائين بأنفسهم عن الاندماج مع معسكر ماكرون أو لوبان.

ويتوقع ماجد أن الكتلة الناخبة المتبقية ستكون محدودة، مشيدا بخطوة ماكرون التي أضعفت الحزب الاشتراكي في ولايته الأولى بشكل خاص، ثم أضعفت اليمين أو اليمين الجمهوري في ولايته الثانية، وأضاف أن "حسابات ماكرون في هذا الشأن لم تكن خاطئة، حيث اعتبر أن تحويل اليسار إلى يسار راديكالي واليمين إلى يمين متطرف وجذب كتل وسطية نحوه سيجعله دائما الخيار الوحيد المناسب للحكم".

وبينما تتخذ الأزمة بين الجمهوريين منحى مختلفا، حيث قرر المكتب السياسي للحزب استبعاد سيوتي، الذي رفض هذا القرار ووصف اجتماع المديرين التنفيذيين بـ"غير القانوني"، يعيش زعيم حزب "الاستعادة" اليميني المتطرف إريك زمور صدمة من نوع آخر، إذ أعلنت ماريون ماريشال رئيسة قائمة حزبه، انفصالها واستعدادها الانضمام إلى لوبان.

وتعليقا على ذلك، يقول جيرالد أوليفييه إن "استبعاد إريك سيوتي يمثل استمرارا لهزيمة هذا الحزب الذي كان يتزعمه ساركوزي"، لذلك أخذ سيوتي في الاعتبار تطور ميزان القوى، وأدرك أن التقارب مع أحزاب أخرى غير الحزب الجمهوري اليميني -بما في ذلك حزب التجمع الوطني وحتى حزب زمور- هو الطريق الأنسب الذي سيمكن الجمهوريين من تولي مناصب حكومية والتأثير على السياسة.

أزمة حكم

وبعد مفاوضات طويلة، توصل قادة الأحزاب اليسارية، بما في ذلك حزب "فرنسا الأبية" وحزب الخضر والاشتراكيين المعتدلين والشيوعيين، إلى اتفاق نهائي لصياغة برنامج انتخابي، مهنئين أنفسهم على "إحباط الحسابات السياسية" لإيمانويل ماكرون.

وعند سؤاله عما سيؤول إليه المشهد السياسي الفرنسي بعد الانتخابات التشريعية، أكد زياد ماجد أن اليسار الراديكالي لن يحصل على الأغلبية، وقد يحافظ على مكاسبه الحالية بسبب الجبهة الشعبية، ليكون اليمين المتطرف الطرف الوحيد الذي سيشهد تقدما بفضل تحالفه مع بعض الجمهوريين، لكنه سيفتقر للأغلبية المطلقة أيضا.

ويصف الأستاذ في الجامعة الأميركية أن فرنسا ذاهبة إلى المزيد من التشظي السياسي، و"سيعكس البرلمان الجديد أزمة حكم، فحتى مع فوز نواب اليمين المتطرف بالكتلة الأكبر فيه، لن يتمكنوا من إنشاء أغلبية مطلقة، مما يعني أننا سنجد أغلبية نسبية وغير كافية لتشكيل الحكومة والقيام بالمهام التنفيذية".

وتابع بالقول إنه "بسبب الفوضى المتوقعة في الحكم، قد نكون أمام اندثار التقليد يمين وسط مقابل يسار وسط الراسخ، كما توجد اقتراحات مسبقة بتنظيم انتخابات تشريعية جديدة العام المقبل، بينما يذهب آخرون بالقول إن ماكرون سيكون مطالبا بتقديم استقالته في المستقبل".

ومن زاوية تحليلية أخرى، يرى المحلل السياسي جيرالد أوليفييه أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يسيطر على فرنسا، ويفرض عليها خياراته خاصة بسبب ضعف ميزانيتها، متوقعا إنشاء تشديدات كبيرة في ملف الهجرة وتطورا فيما يتعلق بعدد معين من المؤسسات الأوروبية التي يمكن الطعن فيها، ولا سيما المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وأضاف "سيضطر ماكرون إلى التعايش مع التحالف اليميني في آخر المطاف، وسيكون أقل حرية في التصرف كما تعود أن يفعل بشأن الحرب الأوكرانية، رغم أن السياسة الخارجية لأي بلد تعد امتيازا للرئيس إلى حد ما".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الیمین المتطرف ماجد أن

إقرأ أيضاً:

ماذا يعرف العرب عن مشروع إيستر الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟

 

في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة "هيريتيج فاونديشن" (Heritage Foundation) ومقرها واشنطن، ورقة سياسية بعنوان "مشروع إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية".

 

هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف "مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.

 

أما "الإستراتيجية الوطنية" التي يقترحها "مشروع إستير" المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.

 

أوّل "خلاصة رئيسية" وردت في التقرير تنصّ على أن "الحركة المؤيدة لفلسطين في أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)".

 

ولا يهم أن هذه "الشبكة العالمية لدعم حماس" لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ"المنظمات الداعمة لحماس" (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك "المنظّمات" المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل "صوت اليهود من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace).

 

أما "الخلاصة الرئيسية" الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة "تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية"- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.

 

عبارة "الرأسمالية والديمقراطية"، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.

 

وبحسب منطق "مشروع إستير" القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى "اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا".

 

نُشر تقرير مؤسسة "هيريتيج" في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها "معادية لإسرائيل بشكل واضح"، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ"مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض".

 

وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات "مشروع إستير". من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

 

علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل "شبكة دعم حماس"، وبترويج "خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة"، يدّعي مؤلفو "مشروع إستير" أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها "أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد".

 

ليس هذا كل شيء: "فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية"، وفقاً لما ورد في التقرير.

 

وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر "المحتوى المعادي للسامية" على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة "هيريتيج" ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.

 

ومع كل هذه الضجة التي أثارها "مشروع إستير" حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ "أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره".

 

وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة "هيريتيج" "كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية"، وأن "مشروع إستير" يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.

 

وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن "عددًا من الجهات" في الولايات المتحدة "يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة".

 

وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى "مشروع إستير" وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.

  

مقالات مشابهة

  • ماكرون يناقش مع الحكومة تقريرا يتهم الإخوان بتقويض العلمانية في فرنسا
  • الذي يحكم الخرطوم يحكم السودان، فهي قلب السودان ومركز ثقله السياسي
  • 86 مختارا بترونيًا أقسموا اليمين في السرايا
  • نتنياهو يتمسك بخيار توسيع الحرب لاعتقاده أنها ستحمله للانتخابات المقبلة
  • ماكرون يرأس اجتماعا لمجلس الدفاع لمناقشة تقرير حول جماعة الإخوان في فرنسا
  • هل تحمل عربات جدعون نتنياهو للانتخابات المقبلة؟
  • يحمل اسم شخصية توراتية.. ماذا نعرف عن مشروع "استير" الذي تبناه ترامب؟
  • أحمد موسى: ماكرون يناقش تغلغل الإخوان في فرنسا غدًا
  • ماذا يعرف العرب عن مشروع إيستر الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على تعيين والد صهر ترامب سفيرا بفرنسا