سودانايل:
2025-06-06@23:15:41 GMT

السودان ومعضلة الاستقطاب السياسي

تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT

أماني الطويل كاتبة وباحثة

تبدو التفاعلات العسكرية السودانية وكأنها تسير نحو محرقة كاملة للمدنيين، بينما يتعطل تماماً المسار السياسي التفاوضي تحت وطأة خطابات الانتقام والثأر على جميع الصعد العسكرية منها والسياسية، وربما تمتد لتشمل كذلك الأهلية.

وفي هذا المشهد لا يبدو الجيش السوداني قادراً حتى اللحظة على حسم الصراع العسكري على اتساع الجغرافيا السودانية، على رغم كل محاولاته إيجاد حلفاء له على الصعيد الإقليمي والدولي، يضمنون له تسليحاً وتدريباً يبدو أنهما مطلوبان بإلحاح.



التفاعلات السياسية والاجتماعية السودانية على المستوى الداخلي تعمق حال استقطاب سياسي معقدة ومؤسسة على سببين، الأول محارق المدنيين المتتالية التي نشهدها في سيناريوهات متكررة، وآخرها ما جرى في قريتي ود النور وكرري، إذ تعمد قوات "الدعم السريع" إلى ترويع المدنيين الذين يسقط لها ضحايا بالمئات، وبسبب هذه المحارق يتمترس الجيش على لسان قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان عند المواقف السياسية الأكثر تشدداً، إذ توعد أخيراً بالرد القاسي على ما جرى في ولاية الجزيرة، وقطع الطريق تماماً أمام المشاركة في أية مسارات تفاوضية، بل وقطع الطريق أمام أي تفاعل مع السياسيين وخصوصاً مع تنسيقية "تقدم" التي اعتبرها متواطئة مع قوات "الدعم السريع".

أما السبب الثاني لمشهد الاستقطاب السياسي في السودان فهو فقدان المدنيين لدورهم وأملاكهم ونزوحهم داخلياً وخارجياً، وتعقد السبل بهم في المنافي المختلفة مما يؤجج خطابات الكراهية التي تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من تهديدات للمدنيين السودانيين من جانب قبائل العرب الرحل في مناطق الساحل الأفريقي الممتدة من غرب السودان وحتى ساحل المحيط الأطلسي، مما يجعل خطابات الوعيد والانتقام بسبب الاعتداء على المدنيين وهتك الأعراض ترتفع في الداخل السوداني، إذ يوظف نظام عمر البشير وحلفاؤه السياسيين هذه الحال ضد خصومهم من أنصار "ثورة ديسمبر" السودانية التي أسقطت النظام السياسي وحزبه الحاكم عام 2019.

وهذه التفاعلات المركبة تفسر لنا مطالب الحكومة السودانية على لسان وزارة الخارجية وفي بيانها الأخير بتصنيف قوات "الدعم السريع" جماعة إرهابية، إذ تتهم المجتمع الدولي بالمسؤولية الكاملة عن محارق المدنيين السودانيين التي تمارسها قوات "الدعم السريع"، وذلك مع تقاعسه في الاستجابة لهذا المطلب المتكرر من ناحية، وتصنيفه لها كطرف عسكري مرشح أن يكون شريكاً للجيش في عملية تفاوضية، من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق ربما تقف حوادث قرية ود النورة ومنطقة كرري حجر عثرة في هذه المرحلة أمام الجهود الدولية والإقليمية الراهنة في شأن بلورة تقارب سياسي بين المكونات السياسية السودانية، لتدشن تفاهماً في شأن عملية سياسية لليوم التالي للحرب يتفق على أطرافها.

هذه الجهود تمت هندستها خلال الأشهر الماضية بين كل من واشنطن وأديس أبابا والقاهرة، وأنتجت مؤتمرين لمعسكري القوى السياسية السودانية، أحدهما في القاهرة للقوى السياسية والفصائل المسلحة المتحالفة مع الجيش مطلع مايو (أيار) الماضي، والآخر في أديس أبابا للقوى المحسوبة على الثورة السودانية خلال الشهر ذاته، وذلك مع تقارب بدرجة معقولة بين مصر وتنسيقية "تقدم" بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك الذي جرى استقباله في القاهرة أثناء محادثات معمقة في أبريل (نيسان) الماضي.

وكان من المأمول أن تؤدي هذه الجهود دوراً في تدشين توافق وطني سوداني يجري في القاهرة نهاية يونيو (حزيران) الجاري، كما جرى الإعلان عن ذلك، إذ قدمت دعوات الحضور للأطراف المختلفة، ولكن مع هذه التطورات فإن مصير "مؤتمر القاهرة" يبدو مجهولاً حتى اللحظة، ويبدو لنا أن محارق المدنيين وحال الاستقطاب السياسي بين الأطراف المدنية تحقق لطرفي الصراع من المعسكرين أهدافاً عدة، فمن ناحية تستخدم القوى المتحالفة مع الجيش هذه المحارق المؤسفة والمؤذية إنسانياً في بلورة خطاب شعبوي وعاطفي يدفع نحو ضرورات الرد والانتقام لهدر دم الضحايا المحسوبين بالمئات في كل عملية، وكذلك الاستيلاء على بيوت الناس واغتصاب النساء، وتوظف في الخطابات العاطفية فيديوهات يبثها عرب الشتات وتتهم أهل السودان بالجلابة (تجار الرقيق) الذين يجب الانتقام منهم.

وفي سياق مواز تشيطن تنسيقية "تقدم" بصورة كاملة مع اعتبارها متواطئة في محارق المدنيين، طبقاً لمنطق خطابات الفريق عبدالفتاح البرهان بعد مذبحة قرية ود النورة، ويبدو أن الغرض النهائي من ممارسات الاستقطاب السياسي هو إتاحة الوقت للجيش حتى ينجح في بلورة تحالفات دولية توفر له دعماً تسليحياً مناسباً يستطيع به حسم المعارك عسكرياً، وبالتالي يضمن خطاب الاستقطاب السياسي البيئة المناسبة لعودة الإسلاميين، ربما من الجيل الرابع في "الحركة القومية الإسلامية"، لحكم السودان ولكن هذه المرة تحت لافتة التكنوقراط، وليس تحت أية لافتات أيديولوجية، حتى يتم القفز على أي عداءات إقليمية ضد "الإخوان المسلمين".

وبالتالي لا تكون التنسيقية شريكاً في أي حل سياسي مستقبلي في السودان مما يحقق للجيش القدرة على بلورة معادلات سياسية داخلية في اليوم التالي للحرب، يقوم بهندستها طبقاً لتقديراته الذاتية ومن دون مشاركة أو ضغوط من جانب القوى السياسية الساعية إلى تحجيم المكون العسكري في معادلات الحكم.

وفي هذه المحرقة السياسية والأخلاقية تبدو تنسيقية "تقدم" في موقف لا تحسد عليه، فهي على رغم إعلانها وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة عسكرياً، فهي مطالبة بإدانة واضحة وصريحة لمحارق المدنيين المتتالية.

وعلى صعيد مواز فإن الخطاب السياسي لقوات "الدعم السريع" يبدو مراوغاً ولا يملك أية صدقية في ما يتعلق بمسألتي التفاوض ووقف الحرب، ذلك أن أداءها العسكري على الأرض يتجه نحو توسيع هذه الحرب ومحاولة تفكيك مؤسسة القوات المسلحة السودانية عبر تواصل الضغط عليها في عمليات عسكرية غير مبررة على اتساع الجغرافيا السودانية، ويكون التكتيك الأساس فيها هو ضرب مقومات الحياة للمدنيين في المناطق المختلفة، حيث يُلجأ إلى تدمير محطات المياه أولاً.

وعوضاً عن الخطابات السياسية العلنية تستخدم قوات "الدعم السريع" وسائل التواصل الاجتماعي في معاركها ضد الجيش، إذ لا يمكن أخلاقياً أو سياسياً تبرير عملياتها على الأرض في ما يتعلق بمحارق المدنيين، وتدشين خطاب شعبوي معاد للجيش والقوى المتحالفة معه، ويبدو لنا أن الأغراض النهائية لقوات "الدعم السريع" هي الاستيلاء على سلطة منفردة حتى ولو على بلد مهلهل، وذلك في سيناريو مماثل للسيناريو الصومالي الذي حدث خلاله إسقاط الجيش.

المشهد السوداني الراهن، بما ينطوي عليه من استقطاب سياسي، له غرض محدد لكل فريق عسكري يبدو معرقلاً لجهود الحل التفاوضي والجنوح إلى محاولة حل الأزمة السودانية بإجراءات تجنح إلى السلام، وهو أمر يجعل جهود المجتمع الدولي والإقليمي المنسقة خلال الأشهر الماضية في مهب الريح، وربما غير مجدية، وربما تسهم هذه المعطيات جميعها في عرقلة نجاح "مؤتمر القاهرة" المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، إذ تدور الأزمة السودانية في دوامة تآكل الدولة والصراعات العسكرية الممتدة أفقياً ورأسياً بلا غرض، سوى تحقيق شهوات الانتقام والثأر.

نقلا عن اندبندنت عربية

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاستقطاب السیاسی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

خاص لـ”العنوان 24″: ميليشيا الدعم السريع تلجأ إلى الاتجار بالبشر لتعويض خسائر جنودها

خاص لـ”العنوان 24″: ميليشيا الدعم السريع تلجأ إلى الاتجار بالبشر لتعويض خسائر جنودها.. ومئة دولار للرأس الواحد

اتخذت ميليشيا قوات الدعم السريع المتمردة منحى خطيرا لتعويض خسائرها من الجنود بعد معارك كردفان الأخيرة، فقد لجأت إلى شراء أبناء القبائل وسط وغرب دارفور عبر وكلاء ومقاولين من صغار السن، فبلغ سعر (الرأس) البشرية مئة دولار بما يرقى إلى وصفه بجريمة اتجار بالبشر.
وأفاد مصدر لـ”العنوان 24″ أن ما يحدث الآن جرى باتفاق مباشر بين قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو وعدد من وكلاء الحرب يُدعون “المقاولون”.

وأضاف أن هذه العملية تجري عبر وكيل أول ووكيل ثان ومقاول، وكلما دفعت القبائل والأُسر بأعداد كبيرة زادت القيمة إلى ضعفها لصالح الوكلاء.

وأفادت مصادر متطابقة أن البيع والشراء يتم علنًا بعدد كبير من الأسر في مناطق سيطرة الدعم السريع، وأن من تم شراؤهم وترحيلهم إلى الجنينة غرب دارفور يقدر عددهم بثلاثة آلاف مقاتل.
ويذكر أن المقاتلين الجدد ينالون ميزات تفضيلية في الرواتب والغنائم.
#العنوان_24

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الاستقطاب السياسي يُخيِّم على العيد في تركيا
  • ???? حين ضاق الخناق .. هل قرر العالم أخيرًا التخلص من مليشيا الدعم السريع؟
  • مصر أكتوبر: الإخوان يعيشون حالة من الإفلاس السياسي .. وعلينا توحيد الصف خلف القيادة السياسية
  • خاص لـ”العنوان 24″: ميليشيا الدعم السريع تلجأ إلى الاتجار بالبشر لتعويض خسائر جنودها
  • الدعم السريع تستهدف استاد الأبيض غرب السودان بمسيرات أثناء مباراة كرة قدم
  • مقتل وإصابة العشرات في الفاشر بقصف من قوات الدعم السريع
  • مقتل 14 شخصا في قصف لميليشيا الدعم السريع لسوق نيفاشا بالسودان
  • مقتل 14 مدنياً في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم نازحين بدارفور
  • مصر تدعم الجيش السوداني ضد الدعم السريع! القاهرة توضح
  • الرباعية الجديدة لبحث الأزمة السودانية: النزاع يهدد المصالح المشتركة في المنطقة