إسطنبول– رفعت مجموعة العامة لمجموعة العمل المالي "فاتف" (FATF)) -أمس الجمعة- تركيا من القائمة الرمادية للدول الخاضعة لتدقيق خاص فيما يتعلق بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد استيفاء 40 معيارا حددتها المجموعة.

وأفادت المنظمة الدولية المكلفة بتنسيق وتقييم سياسات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، خلال بيان صدر عقب ختام اجتماع الجمعية العامة لفريق العمل المالي في سنغافورة، أن تركيا حققت تقدما ملحوظا في تعزيز نظامها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وأشاد البيان بالجهود التي بذلتها أنقرة في تحسين الاستجابة للتقييمات المتبادلة وتفعيل الإجراءات الإستراتيجية لمكافحة هذه الظواهر الخطيرة، مشيرا إلى أن تركيا لن تخضع بعد الآن لعملية المراقبة المتزايدة التي تقوم بها مجموعة العمل المالي.

وكانت فاتف قد أدرجت تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، على "القائمة الرمادية" بسبب ما سمته قصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وجاءت الخطوة الأخيرة بعد أن عقد فريق من المجموعة اجتماعات مع السلطات التركية لتقييم التقدم المحرز في معالجة تلك المخاوف.

يلماز: ثقة المستثمرين الدوليين بالنظام المالي لبلدنا أصبحت أقوى (الأناضول) ما موقف تركيا الرسمي إزاء حذفها من القائمة الرمادية؟

وأعربت الحكومة التركية عن ترحيبها بقرار إزالتها من قائمة الدول المشكوك في نزاهة نظمها المالية، وفيما يلي أبرز ردود الفعل:

أشار جودت يلماز نائب الرئيس التركي إلى أن "هذا التطور سيعزز ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد التركي ومكانة البلاد على الساحة الدولية". قالت وزارة الخزانة والمالية في بيان إن هذه النتيجة ستسهل تحقيق أهداف البرنامج الاقتصادي من خلال زيادة الثقة بالنظام المالي التركي. وشددت على مواصلة تركيا حربها ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع الالتزام الكامل بالمعايير الدولية. قال وزير التجارة عمر بولوت أن "إزالة تركيا من القائمة الرمادية يعد من أحد المؤشرات على نجاح السياسات التي قمنا بتنفيذها". وفي السياق، أعرب محمد داود رئيس ممارسات الصناعة بوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني عن توقعه بأن إزالة تركيا من القائمة الرمادية لمكافحة غسل الأموال ستؤثر إيجابا على سمعتها عالميا، وستعزز الاستثمارات الأجنبية والعلاقات مع المؤسسات الدولية كالأوروبية والأميركية. لماذا كانت تركيا مدرجة بالقائمة؟

تعمل مجموعة فاتف على رصد ومعالجة أوجه القصور في أنظمة الدول المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار الأسلحة. ويعتمد إجراء وضع دولة ما على "القائمة الرمادية" على وجود قصور لديها في مكافحة هذه القضايا.

وفي الإعلان عن إدراج تركيا، أشار رئيس مجموعة العمل المالي ماركوس بليير -حينها- إلى ضرورة وضع تركيا لوائح تنظيمية في القطاعات عالية المخاطر مثل البنوك والذهب والأحجار الكريمة وقطاع العقارات.

وقال بليير "يجب على تركيا مراقبة عمليات غسل الأموال والتحويلات المالية المرتبطة بالجماعات الإرهابية حسب إعلان الأمم المتحدة، مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية". وأضاف "يجب على تركيا أن تظهر أنها تتخذ خطوات جدية لمنع غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والشبكات الإجرامية".

من جانبه قال الباحث الاقتصادي بلال بغيش للجزيرة نت إن تركيا قد أتمت بنجاح جميع الخطوات اللازمة للخروج من "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي، موضحا أن وزارات الخزانة والمالية والعدل والداخلية قد عملت بشكل مكثف منذ بدء عملية التقييم المتبادل لتحقيق هذا الهدف.

وأضاف "تم تنفيذ جميع النقاط المدرجة في التوصيات الـ40 لمجموعة العمل المالي واحدة تلو الأخرى. وشملت هذه الإصلاحات تعديلات في العديد من التشريعات الهامة مثل قانون العقوبات التركي، قانون مكافحة الإرهاب، قانون الإجراءات الجنائية، القانون التجاري التركي، بالإضافة إلى قانون منع غسل عائدات الجريمة وقانون منع تمويل الإرهاب".

كيف خرجت تركيا من القائمة؟

وأشار بغيش إلى أن الإعلان الصادر عن مجموعة العمل المالي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أشار إلى 7 نقاط تتعلق بتركيا. ولكن بعد الاجتماع العام في يونيو/حزيران 2023، انخفض هذا العدد إلى نقطتين فقط.

وتابع "تم إنشاء مكاتب تحقيق خاصة بعد تحديد المحاكم والنيابات المختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما تمت إعادة هيكلة وحدة التحقيق بالجرائم المالية واكتمل تحليل المخاطر للأشخاص الاعتباريين، وتم تفعيل وثيقة الإستراتيجية الوطنية لتعزيز فعالية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

ولفت بغيش إلى أن البرلمان التركي أقر تنظيم الأصول المشفرة قبل الاجتماع في سنغافورة، ومنح مجلس أسواق رأس المال سلطات متعددة بشأن هذه الأصول. وأضاف "بهذا تكون تركيا قد استوفت جميع التوصيات المطلوبة من مجموعة العمل المالي، مما يضعها في موقع قوي للخروج من القائمة الرمادية بشكل نهائي واستعادة ثقة المجتمع الدولي في نظامها المالي".

رفع تركيا من القائمة الرمادية سيؤثر إيجابا على القطاع المالي (غيتي) ما أهم النتائج المتوخاة بعد القرار؟

أوضح تقرير لوكالة بلومبيرغ أن هذه الخطوة من المرجح أن تعزز جهود تركيا لجذب رأس المال الأجنبي إلى اقتصادها البالغ حجمه 1.1 تريليون دولار.

ومن جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان -للجزيرة نت- أن القرار يحمل آثارا إيجابية متعددة على النظام المالي والاقتصاد التركي بشكل عام. وبيّن أن خروج تركيا من هذه القائمة سيعزز الثقة في نظامها المالي، مما سينعكس إيجابيا على العديد من القطاعات المختلفة.

وأضاف أن هذا القرار سيساعد البنوك التركية على تعزيز علاقاتها المالية الدولية ورفع تصنيفاتها الائتمانية، مما يمكنها من الحصول على تمويل بتكلفة أقل وجلب موارد أكبر من الأسواق الدولية. كما أشار إلى أن التأثيرات الإيجابية للقرار ستشمل مجالات متنوعة مثل الطاقة، البناء، البنية التحتية، السياحة، الصناعة، العقارات.

وأكد أن تعزيز الثقة في النظام المالي التركي سيسهم في تحقيق أهداف البرنامج الاقتصادي، مشيرا إلى أن القرار سيساعد على تسريع دخول الموارد الدولية إلى البلاد وتحسين تكاليف الاقتراض.

وفيما يتعلق بتأثير القرار على المواطنين، يرى الباحث الاقتصادي أنه سيكون غير مباشر خلال فترة التحسن الاقتصادي التي قد تشهدها تركيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مکافحة غسل الأموال وتمویل الإرهاب ترکیا من القائمة الرمادیة مجموعة العمل المالی إلى أن

إقرأ أيضاً:

التخطيط المالي.. درع الأمان في زمن الأزمات

 


خالد بن حمد الرواحي

صباح جديد، أسواق مضطربة، قرارات مالية معقدة... في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي، تجد الحكومات والشركات نفسها أمام معادلة صعبة: كيف يمكن حماية الاستقرار المالي في مواجهة الأزمات المتكررة؟ هل يكفي الاعتماد على إجراءات استجابة سريعة، أم أن التخطيط المالي المسبق هو مفتاح تجاوز الأزمات بأقل الخسائر؟

الأزمات المالية ليست مجرد أرقام في تقارير اقتصادية، بل هي واقع يفرض تحديات قاسية على الأفراد والمؤسسات والدول. ارتفاع معدلات التضخم، الأزمات النقدية، التغيرات في أسعار الفائدة، وحتى الجوائح العالمية، كلها عوامل تؤثر على استقرار الأسواق وتهدد مسارات التنمية المستدامة. ومع تزايد هذه التحديات، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف يمكن تعزيز المناعة المالية لمواجهة الأزمات؟ هنا يأتي دور التخطيط المالي كأداة حاسمة تضمن القدرة على تجاوز الأزمات، ليس فقط عبر تقليل الخسائر، بل أيضًا من خلال استغلال الفرص الاقتصادية المتاحة.

وفقًا لتقرير البنك الدولي (2023)، فإن الدول التي تتبنى استراتيجيات تخطيط مالي متقدمة تقلل من آثار الأزمات الاقتصادية بنسبة 40%، مقارنة بتلك التي تعتمد فقط على ردود الفعل العشوائية. فالتخطيط المالي لا يعني فقط إعداد ميزانيات أو تقليل التكاليف، بل يشمل إدارة المخاطر المالية بذكاء، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، وتعزيز الشفافية المالية التي تضمن ثقة المستثمرين والأسواق. وعندما يكون التخطيط المالي مستندًا إلى بيانات وتحليلات دقيقة، فإنه يصبح أداة استباقية تحمي الاقتصادات من الوقوع في الأزمات المتكررة.

في هذا السياق، تبرز رؤية "عُمان 2040" كخريطة طريق تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام، قادر على مواجهة التحديات المالية العالمية. تحقيق هذه الرؤية لا يقتصر على تحسين الأداء الاقتصادي، بل يتطلب تبني سياسات مالية ذكية تستند إلى الشفافية والاستدامة، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، ودعم الابتكار في القطاعات الإنتاجية لضمان تنوع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية المتقلبة. ومع وجود خطة مالية واضحة، يصبح الاقتصاد أكثر قدرة على استيعاب الأزمات المالية والتكيف مع التغيرات الاقتصادية المفاجئة.

في ظل هذه التحديات، يصبح دور القيادة المالية أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكما يقول وارن بافيت، أحد أبرز المستثمرين في العالم: "لا تختبر قوة المدّخرات إلا عندما ينحسر المد، وحينها فقط ترى من كان يسبح دون خطة مالية". فالقائد المالي الناجح لا ينتظر وقوع الأزمة حتى يبدأ في البحث عن الحلول، بل يضع استراتيجيات استباقية تضمن الاستقرار المالي حتى في أصعب الظروف. وهذا ما يميز المؤسسات الناجحة، حيث لا تكتفي بإدارة الأزمات عند حدوثها، بل تضع خططًا مالية مرنة تستبق التغيرات، مما يمنحها القدرة على التأقلم مع الظروف الاقتصادية غير المستقرة.

لكن، التخطيط المالي لم يعد يقتصر على الأرقام والتوقعات التقليدية، بل أصبح يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا المالية، التي توفر أدوات تحليل متقدمة، وتساعد في توقع المخاطر المالية قبل وقوعها. تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD 2023) يؤكد أن تبني التقنيات المالية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، يعزز دقة التوقعات المالية بنسبة 60%، مما يسمح للحكومات والشركات بوضع خطط أكثر فاعلية ومرونة في مواجهة الأزمات المالية. ومن هنا، فإن الاستثمار في التكنولوجيا المالية أصبح ضرورة وليس خيارًا لضمان الاستدامة المالية على المدى الطويل.

في النهاية، التخطيط المالي ليس مجرد استراتيجية اقتصادية، بل هو صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد من التقلبات غير المتوقعة، ويضمن استدامته على المدى الطويل. المؤسسات والدول التي تتبنى استراتيجيات مالية متوازنة ومستدامة هي التي تستطيع تجاوز الأزمات بأقل الأضرار، بينما تظل الاقتصادات غير المستعدة رهينة للأزمات المتكررة. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لتطبيق استراتيجيات مالية تضمن لنا اقتصادًا مستدامًا؟ وهل نمتلك الرؤية المالية التي تحمينا من التقلبات الاقتصادية، أم أننا ننتظر الأزمة القادمة دون استعداد حقيقي؟

مقالات مشابهة

  • التخطيط المالي.. درع الأمان في زمن الأزمات
  • “التحالف الإسلامي” يُطلق في العاصمة القمريّة أعمال الدورة التدريبية المتخصصة في محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال
  • مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب..هذه أبرز الخطوات التي خطتها الجزائر
  • تركيا تبدأ حقبة جديدة.. لجنة برلمانية تدير تفكيك صفوف «العمال الكردستاني» وتعزز الوحدة الوطنية
  • نائبة حزب الشعوب الديمقراطي ترفض اسم “تركيا خالية من الإرهاب” وتطالب بحل ديمقراطي
  • هل سترتفع أسعار الوقود في تركيا؟ إليك القائمة الكاملة ليوم 28 يوليو
  • تركيا تطوي صفحة الكفاح المسلح وتبدأ أولى خطواتها نحو حل جذري للأزمة الكردية
  • صحة غزة: "الهدنة الإنسانية" الإسرائيلية في غزة لا تعني شيئا
  • غزة: نحتاج يوميا إلى 600 شاحنة إغاثية والهدنة لا تعني شيئا إذا لم تتحول لفرصة لإنقاذ الأرواح
  • جهود لإعادة تشغيل وتمويل القطاع الصناعي بولاية الجزيرة