صحيفة التغيير السودانية:
2025-12-13@17:52:12 GMT

هل نحبّ بلادنا حقّا

تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT

هل نحبّ بلادنا حقّا

 

هل نحبّ بلادنا حقّا

خالد فضل

في كثير من الأحيان يبدو للمرء إذا تأمل, أنّ معظم السودانيين يزعمون محبتهم وحرصهم على بلادهم, بينما معظم سلوكهم وممارساتهم؛ بل حتى مأثورات أقوالهم تنمّ عن شعور وإحساس مختلف ربما يصل مرحلة كراهية بلادهم وشعبهم, ثم هل البلاد هنا في وسع معظمنا هي أرض وبشر أم هي أرض بلا بشر أم بشر بلا أرض؟ ما معنى القول السائد (جلدا ما جلدك كر فوق ليهو الشوك) أو القول المأثور (دار أبوك إن خربت شيلك منها شلية).

ما الذي تؤسس له مثل هذه الأقوال, وما مدى تطبيقها حرفيا في جل ممارسلنا الحياتية, فمسألة كر الشوك مثلا لا تنطوي على أنانية فحسب بل أنانية مع سادية مفرطة برغبة جامحة لتعذيب الآخرين, وممارسات عناصر قوات الدعم السريع وانتهاكاتها المستمرة لكل حقوق مواطنيهم (المفترضين) في قرى الجزيرة وسنار تمثل أسطع دليل قائم الآن على مدى السادية وفرط الأنانية التي يطبقها بعض السودانيين ضد مواطنين آخرين في نهج (كر شوك) مفزع, وبالطبع لا نننسى الممارسات الوحشية والسادية والتشفي والانتقام مثلما يظهر في مقاطع فيديوهات مقززة لسلخ الجلود وبقر البطون ومضغ الكباد من الجانب الآخر, وعلى وقع قول آخر يحدد حيز انحيازاتنا وحميتنا ومفهوم جلدا مو جلدك (أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب). ولهذا قد لا يندهش الشخص إذا علم الوحشية والمعاملة القاسية التي تتضائل أمامها وحشية الوحوش نفسها في أتون الحروب الأهلية التي يمتلك السودانيون فيها ثروات هائلة من القتل والتهجير والتشريد والغبائن والمحن، وتنتج أدبيات على شاكلة (الأرض المحروقة) و(التطهير العرقي) وتكون من ضمن الآلة الحربية المستخدمة هنا الطائرات الحربية المحملة بالبراميل المفخخة التي تتوزع قدرتها على القتل والتدمير لمساحة دائرية قطرها 2 كلم على الأقل, يجب في هذه الحالة فهم (محبة الوطن) أهي محبة للأرض الغنية بالثروات التي يجب تطهيرها من رجس قاطنيها الأشرار ووفق قاعدة شيل شلية من الدار الخربانة؟ أم هي المحبة للبشر في زنازين الاعتقال وأقبية بيوت الأشباح وأوكار الجريمة الرسمية التي تصرف الدولة السودانية على تمويلها وتشوين منتسبيها بالأموال الطائلة وتحميهم بالحصانات القانونية, وترقيهم مهنيا كلما أوغلوا في البطش والنكيل بالطالحين من ذوي الجلود غير جلدي أو جلد أخوي أو ود عمي على أبعد قربى! ما الذي يحبه معظم السودانيين في بلدهم, (الذات) ومن قولهم السائر (أنا بعد مرقت إن شالله بطن أمي تنسد) الخلاص الفردي, واقتصار الشعور المتمركز في الأنا, وقد عبّر أستاذنا الراحل كمال الجزولي عليه واسع الرحمات في مقطع قصيدة قصيرة بعنوان مثقف ؛ خلاصتها أن من يظن نفسه مثقفا لا يهتم باندلاع النار وهي تحرق في بلده ثم مدينته ثم حيّه ثم شارعه ثمّ بيته فلا يكترث و يبكي إلا عندما يعلم أنها في مكتبته!! فهل حقا لم يكترث ولم يبك كثير من السودانيين عندما كانت (الجمرة تحرق) من يطأوونها في الجنوب سابقا ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وكثر النواح والعويل عندما صار اللهب متصاعدا فقط في الوسط والشمال النيلي؛ أي المركز والبقية هوامش, الذين يحبون كل بلادهم وكل البشر في بلادهم ظهروا في موقف الضد من الحريق منذ إندلاعه قبل قرابة 70 سنة وقالوا وسعوا وما يزالون لوقف اللهيب, وفيهم من ناس الوسط والشمال النيلي رهط كبير، أما الذين لا تهمهم سوى أرفف مكتبتهم فإنهم يلطمون الخدود ويعبئون الأحقاد انتقاما لعنوان (كتاب) الأنا والمصالح الأنانية وفيهم من الجنوب زمان ومن الأنقسنا ودارفور وجبال النوبة نفر غير قليل, حتى لا نظلم الجميع.

بلادنا في تعريفها الصحيح في تقديري هي الأرض والبشر ثنائية لا تنفصم, لا يمكن حرق الأرض لتطهيرها من البشر, أو ذبح البشر وبقر بطونهم وأكل كبادهم أو قتلهم برصاصة على الصدر أو القضاء على حياتهم جماعيا وتهجيرهم ونهبهم وترويعهم لمجرد أنهم آخرين, من يفتكون بالناس ومن يدمرون الموارد التي تعتمد عليها حياتهم كلاهما على باطل, من يعتقلون الناس الأبرياء باتهامات زائفة ومن يحتجزونهم كرهائن أو كباش فداء لعجزهم عن تحقيق ما يزعمون من بطولات هم أشر الناس, لا يفرق اللون أو السحنة أو الموطن الجغرافي, من يشعلون الحروب أو يدعون لإستمرارها غض الطرف عن إدعاءاتهم وسردياتهم عليهم مراجعة موقف حبهم لبلدهم والبشر فيه بهذه الطريقة الكريهة, ما من حل مريح ومستدام وطيب النتائج يأتي عن طريق الجبروت والثأر والإنتقام فالممارسة واحدة, هي مع الأسف الكراهية للناس والبلد, من يحب بلاده حقا يحبها جغرافيا وديموغرافيا, فمن منا المحب ومن المبغض! لقد كشفت حرب داحس وغبراء الراهنة معادن دعاة السلم والمساواة والعدالة والحرية والديمقراطية والتنمية المتوازنة لكل الجهات ولكل الناس, مثلما عرّت أبواق اشعال الحروب واحتكار الثروات والهيمنة على السلطة على قاعدة شيل الشلية من الدار الخربانة, ليراجع كل منا محبته المزعومة لبلده وناس بلده ويقارن موقفه الفعلي مع ذاك الحب المتوهم عسى ينصلح الحال.

 

الوسومالامثال السودانية الدعم السريع حرب السودان خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السريع حرب السودان خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات

 

خالد بن سالم الغساني

 

اليمن عند مفترق تاريخي يزداد تشعبًا وقتامة مع مرور الوقت، حيث تتشابك أنواع المعاناة، وتتقاطع مسارات الصراع لتخلق واقعًا مركبًا أصبح من الصعب لأي جهة داخلية أو خارجية احتواؤه. وعلى الرغم من أن جذور الأزمة تعود إلى عقود من الاختلالات والتركيبات البنيوية، فإن السنوات الأخيرة دفعت بالبلاد وإنسانها نحو حافة الانهيار، وجعلت مواطنيها يعيشون في دائرة مغلقة من الجوع والضيق والقلق وانعدام الأمن والاستقرار.

الإنسان اليمني، المعروف بصبره وصلابته، والمتمسك بالأمل مهما اشتدت عليه الظروف وازدادت المحن والمعاناة، أصبح اليوم محاصرًا بثلاثية ثقيلة: الفقر الممتد، وانهيار الخدمات على اختلافها، والاصطفاف والاقتتال الذي يعني غياب الأمن والاستقرار. ملايين يعيشون بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا منظومة صحية قادرة على التعامل مع أبسط الأزمات، فيما ترتفع أسعار الغذاء والدواء إلى مستويات غير مسبوقة حتى بالمقاييس اليمنية. المدارس تتراجع إمكاناتها، والمستشفيات شبه خالية من التجهيزات، والطرقات باتت شاهدًا على اتساع رقعة الاضطراب، بين مناطق تتبدل فيها السيطرة أو تتقلص فيها سلطة الدولة، والمطارات والموانئ مغلقة.

ومع تفاقم الوضع الاقتصادي، تآكلت الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل صمام أمان اجتماعي مهم. كثير من الأسر التي كانت تعيش بكرامة أصبحت اليوم تعتمد على التحويلات من الخارج أو على مساعدات لا تكفي لتأمين أساسيات الحياة. وبدلًا من أن يكون الشباب قوة دافعة للتنمية، أصبحوا رهائن الاقتتال والبطالة والظروف المعيشية القاسية، ما يخلق بيئة مساعدة على مزيد من الانفجارات على المدى الطويل. وحتى أولئك الذين يبحثون عن الاستقرار خارج الوطن يواجهون تحديات الهجرة، والتشتت الأسري، والضياع بين المنافي.

أما الأرض اليمنية، التي كانت مزيجًا من الجبال الخصبة والسهول الساحلية والموانئ الحيوية، فأصبحت تعاني مما هو أبعد من الدمار المباشر، الطرق الزراعية تعطلت، والحقول هجرت، ومناطق كانت تغذي الأسواق المحلية والخارجية أصبحت شبه خالية من الإنتاج. تراجع الزراعة يعني تراجع الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار السلع يعني مزيدًا من الضغط على المواطن. كما أن البنية التحتية المتهالكة تزيد من صعوبة نقل البضائع، وترفع كلفة التجارة، وتغلق أبواب الرزق أمام آلاف الأسر.

وتسببت حالة عدم الاستقرار في تشكل جغرافيا سياسية جديدة، تتوزع فيها السيطرة بين مناطق وإدارات مختلفة، لكل منها رؤيتها الخاصة وطريقتها في إدارة شؤونها. هذا التوزع لا يقتصر على الخريطة العسكرية فقط، بل يتسرب إلى تفاصيل الحياة اليومية، فهناك قوانين مختلفة، خدمات متفاوتة، مستويات معيشية متباينة، وضرائب أو جبايات تختلف من منطقة لأخرى. ومع مرور الوقت، يترسخ هذا التمايز، ما يهدد بتوسع الشرخ الاجتماعي ويمهد لاحتمالات تقود إلى انفصال فعلي، حتى دون إعلان رسمي.

هذا الواقع المأساوي الداخلي لا يبقى محصورًا داخل الحدود اليمنية، بل يمتد تأثيره إلى دول الجوار التي تتابع ما يجري بقلق متزايد. فاستمرار الأزمة يعني استمرار الضغوط الأمنية على الحدود، وزيادة احتمالات التسلل غير القانوني وتجارة السلاح، وتصاعد الأخطار المتعلقة بالملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وهي مناطق تمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للعالم، وليس فقط للمنطقة. كما أن التوترات الاقتصادية والإنسانية في اليمن تنعكس على دول الجوار من خلال موجات النزوح والبحث عن فرص العمل.

دول الجوار تجد نفسها مضطرة للتعامل مع سيناريوهات معقدة: اليمن المُمزق جغرافيًا وسياسيًا يشكل تحديًا مباشرًا لأي رؤية للاستقرار الإقليمي؛ سواء للأمن الحدودي، أو لحركة التجارة، أو لمشاريع الربط الاقتصادي التي تعتمد على وجود دولة مستقرة وقادرة على إدارة مواردها. وفي حال استمر الاتجاه نحو التشظي، فقد يظهر في جنوب الجزيرة كيان غير مستقر، وآخر في الشمال يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، ما سيجعل المنطقة بأكملها أمام احتمالات مفتوحة، قد تزيد من الأعباء الأمنية والاقتصادية على الجميع.

ومع ذلك، لا يزال الأمل قائمًا، وإنْ بدأ بعيدًا؛ فخيار التماسك ممكن إذا توفرت إرادة سياسية تتجاوز المصالح الضيقة، وإذا كان هناك دعم إقليمي ودولي يركز على المصالحة الشاملة والتنمية بدلًا من إدارة الأزمات فقط. الشعب اليمني، رغم معاناته، ما زال يملك القدرة على النهوض إذا حصل على فرصة عادلة للسلام، والوقت كفيل بأن يعيد تشكيل المشهد إذا اتجهت الأطراف نحو التهدئة الحقيقية والتفاهم البنّاء.

اليمن اليوم يقف بين طريقين، طريق يعيد له مكانته كجسر حضاري بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وطريق آخر يأخذه نحو مزيد من الضياع والانقسام. لكن المؤكد أن مستقبل هذا الوطن سيحدده في النهاية صمود الإنسان اليمني وإصراره؛ فهو جوهر هذا البلد وروحه التي لا تنطفئ، والقوة التي يمكنها أن تعيد جمع ما تفرّق، ثم صدق جيرانه وحرصهم على المساعدة في بناء يمن موحد آمن مسالم وقوي.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • سكك حديد مصر تواصل نقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية| صور
  • السكة الحديد تواصل نقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية
  • حضرموت.. بين مطرقة الاحتلال المقنع وسندان أدواته
  • ماذا تغير في تركيا بعد عام من بدء عودة السوريين إلى بلادهم؟
  • مستشار حكومي: انهيار البنية التعليمية بسبب الحروب يعيق التحول الرقمي
  • مأساة إنسانية تواجه اللاجئين السودانيين في المخيمات التشادية
  • شاهد بالفيديو.. الجمهور العراقي يعبر عن إعجابه بالمشجعة السودانية الحسناء “الباكية” ويهديها شعار منتخب بلادهم
  • مسؤول أممي: جميع السودانيين لم يسلموا من العنف الوحشي
  • تناسل الحروب
  • اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات