بينما كانت شمس الظهيرة تسطع على منجم تاركوا الذهبي في الجنوب الغربي من غانا، أطلق 3 رجال طائرة مسيرة في السماء. ولم تمر سوى دقائق قليلة حتى عادت بالخبر اليقين.

مسحت الطائرة المسيرة منطقة خضراء تمتد على مساحة 210 كيلومترات مربعة.

وبعد أن رصدت شيئا غير مألوف، وفي غضون 20 دقيقة، وصل للمكان فريق من 15 فردا، بينهم رجال شرطة مسلحون.

ملابس مهجورة، وخنادق حُفرت حديثا، ومعدات بدائية وسط برك من المياه الملوثة بالزئبق والسيانيد.

هذه معدات من يُسمون عمال المناجم غير الشرعيين، الذين يعملون على أطراف عديد من مشاريع التعدين الرسمية في القارة الأفريقية.

لقد صادر الفريق 7 مضخات مياه تعمل بالديزل ووحدة معالجة "تشانفان" تُستخدم لاستخراج الذهب من مجاري الأنهار.

وهذه ليست سوى واحدة من عمليات الكر والفر بين السلطات والشركات المستغلة للمناجم من جهة، وعمال التعدين غير الشرعي من جهة أخرى.

الموت على درب الذهب

وعلى مر العصور، كان الذهب مغريا في مختلف أنحاء العالم. لكنه الآن بات أكثر أهمية مع وصول سعر الأونصة الواحدة إلى 3300 دولار.

وهذا الارتفاع الخيالي في الأسعار يُفاقم المواجهات القاتلة أحيانا بين امتيازات الشركات وعمال المناجم الحرفيين في غرب أفريقيا.

يقول دوين أساري -وهو رئيس خدمات الحماية في منجم غولد فيلدز تاركوا- "بسبب الغطاء النباتي، إذا لم تكن لديك عيون في الهواء، فلن تعلم بحدوث أمر مدمر".

وأواخر العام الماضي، قُتل نحو 20 عاملا خلال مواجهات في مناجم غير شرعية بغانا وغينيا وبوركينا فاسو.

في بعض الحالات، تسببت اشتباكات في مناجم الشركات في توقف الإنتاج لمدة تصل إلى شهر، مما دفع هذه الشركات إلى الضغط على الحكومات لتوفير مزيد من الحماية العسكرية.

عمليات التعدين غير الرسمية في أفريقيا جنوب الصحراء، توفر دخلا أساسيا لما يقرب من 10 ملايين شخص، وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في مايو/أيار الماضي.

إعلان

وفي غرب أفريقيا، يعتمد ما بين 3-5 ملايين شخص على التعدين غير المنظم، الذي يُمثل نحو 30% من إنتاج الذهب، وفقا لبيانات أخرى من قطاع التعدين، مما يُمثل شريان حياة اقتصاديا في منطقة تعاني من شح فرص العمل الرسمية.

ومثل فامانسون كيتا (52 عاما)، وهو من منطقة كيدوغو السنغالية الغنية بالذهب، نشأ عديد من السكان وهم يعملون في تعدين الذهب في مناطقهم.

منجم تاركوا الذهبي في جنوب غرب غانا (رويترز) الشركات أخلفت الوعود

وبأساليب بسيطة وتقليدية، تمكنوا من كسب دخل إضافي يُكمل دخلهم من الزراعة حتى وصول شركات التعدين، التي نقلتهم من مجتمعاتهم، واعدة بفرص عمل وتنمية سريعة.

يقول كيتا إن الشركات "لم تُوف بتلك الوعود. إذ يعمل عديد من شبابنا في وظائف متدنية المستوى وغير مُتعاقد عليها، بأجور زهيدة ودون استقرار. لا تكفي الزراعة الصغيرة وحدها لإعالة أسرنا".

ويصر عديد من السكان المحليين على كسب عيشهم من البحث عن الذهب على أطراف مناجم الشركات.

وإلى جانب ذلك، هناك كثير من الأنشطة غير المشروعة تُمارس الآن باستخدام معدات حفر وتجريف متطورة، وبتمويل من عصابات محلية وأجانب، بما في ذلك من الصين، وفق وكالة رويترز.

ضغوط اقتصادية ومواجهات عنيفة

أولف ليسينغ، وهو محلل في مجال الأمن والتعدين، يتوقع حدوث مزيد من المواجهات العنيفة حول عمليات التعدين الأشهر المقبلة.

ويضيف "كلما ارتفع سعر الذهب، زادت الصراعات التي سنشهدها بين عمال المناجم الصناعيين وغير الرسميين".

ووفقا لمصدر لم يكشف هويته، قُتل 9 عمال مناجم غير نظاميين بالرصاص في يناير/كانون الثاني في منجم أوبواسي التابع لشركة "إيه جي إيه" في غانا عندما اقتحموا منطقة الامتياز المُسيّجة التي تبلغ مساحتها 110 كيلومترات مربعة لاستخراج الذهب.

وفي منجم سيغويري التابع لشركة "إيه جي إيه"، شمال شرق غينيا، اقتحم مئات من عمال المناجم غير النظاميين منطقة الامتياز في فبراير/شباط، مما استدعى تدخلا عسكريا، وفقا لمصدر مطلع على عمليات المنجم.

وقالت الشرطة إن 3 عمال مناجم غير نظاميين على الأقل أصيبوا برصاص الحراس، بينما أصيب آخرون في موقع تعدين الذهب "أهافو" التابع لشركة نيومونت في شمال غرب غانا في يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي منطقة كايس الغنية بالذهب في مالي، صرّح عامل حفارة في موقع تعدين غير قانوني بأن العمليات توسّعت بسرعة هذا العام، حيث نشر صينيون مزيدا من المعدات في مواقع جديدة مع ارتفاع أسعار الذهب، على حد قوله.

وهذا العام، دهمت السلطات الغانية عشرات مواقع التعدين غير الرسمية، واعتقلت مئات السكان المحليين والأجانب، خاصة الصينيين، الذين يديرون عمليات تعدين غير منظمة في غابات البلاد الشاسعة، بما في ذلك المناطق المحمية والمسطحات المائية.

الدول الأفريقية تلتزم باستخدام القوة لحماية امتيازات الشركات في مناجم التعدين (رويترز) التهريب والخسائر

يقول الباحث مارك أوميل "بسبب الحدود غير المحكمة وضعف اللوائح، يتم تهريب معظم منتجاتهم.. مما يحرم الدول من الاستفادة الكاملة".

خسرت غانا أكثر من 229 طنا متريا من الذهب، الذي يُستخرج في معظمه يدويا، بسبب التهريب بين عامي 2019 و2023، وفقا لمنظمة سويس إيد، التي حللت بيانات التصدير خلال تلك الفترة.

إعلان

وقال أداما سورو، رئيس اتحاد غرف المناجم في غرب أفريقيا، إن عمال المناجم الحرفيين يتنافسون أيضا مع عمال المناجم الكبار على الخام، مما يُقصّر عمر المناجم.

وأضاف "نرى عمال مناجم حرفيين يحفرون حتى عمق 100 متر، مما يُؤثر على كتلة خام عمال المناجم الكبار، ما يُسبب لنا خسائر مالية".

وقد صرّح رئيس شركة تعدين في غانا بأن عمال المناجم يلجؤون إلى أساليب غير تقليدية ويزيدون الإنفاق على حساب الاستثمار والمشاريع المجتمعية.

التكنولوجيا في مواجهة الفقراء

وأضاف المصدر أن المنجم ينفق نحو نصف مليون دولار سنويا على إجراءات، تشمل مراقبة الطائرات بدون طيار لمكافحة التعدين العشوائي، لكنه لا يزال يتعرض لهجمات متكررة.

وكثفت شركات التعدين الكبرى في غانا حملتها لتوفير الحماية العسكرية لمواقع التعدين هذا العام. وقُدّمت طلبات مماثلة في بوركينا فاسو ومالي.

وقال أحمد داسانا نانتوغماه -الرئيس التنفيذي للعمليات في غرفة مناجم غانا- "من الناحية المثالية، نرغب في وجود عسكري في جميع عمليات التعدين، لكننا نتفهم ضرورة إعطاء الأولوية للمواقع التي تتعرض لهجمات متكررة مع تنفيذ دوريات منتظمة في مواقع أخرى".

وأضاف "أن قادة القطاع التقوا مسؤولين حكوميين في منتصف أبريل/نيسان الماضي لطرح قضيتهم، وقد أسفرت المناقشات عن نتائج إيجابية".

وتُحرز هيئة المعادن، وهي الجهة المنظمة لقطاع التعدين في غانا، تقدما تكنولوجيا كبيرا، إذ أنشأت غرفة تحكم تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من 28 طائرة بدون طيار مُنتشرة في مناطق التعدين غير القانونية.

ويشمل النظام أجهزة تتبع على الحفارات ونظام تحكم يُمكنه تعطيل الحفارات التي تعمل خارج الحدود المسموح بها عن بُعد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات عمال المناجم التعدین غیر تعدین غیر عدید من فی غانا

إقرأ أيضاً:

في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة

تحلّ اليوم ذكرى وفاة المخرج المصري الكبير عاطف الطيب، أحد أبرز رواد الواقعية الجديدة في السينما المصرية، والذي نجح خلال مسيرته القصيرة نسبيًا في أن يترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن السابع بأفلامه التي نبضت بالصدق والهم الإنساني، استطاع أن يحول الشاشة إلى مرآة تعكس وجع المواطن البسيط وأحلامه المهدورة في زحام الحياة. 

 

في هذا التقرير، نعيد تسليط الضوء على حياة عاطف الطيب وأعماله الخالدة، التي لا تزال تُعرض وتُناقش بعد ما يقرب من ثلاثة عقود على رحيله.

النشأة والبدايات

 

وُلد عاطف الطيب في 26 ديسمبر عام 1947 في مركز المراغة بمحافظة سوهاج. نشأ في بيئة صعيدية بسيطة ساهمت في تشكيل وعيه الاجتماعي والسياسي، وظهر ذلك لاحقًا في أعماله السينمائية. التحق بالمعهد العالي للسينما، قسم الإخراج، وتخرج منه عام 1970، ليبدأ رحلة طويلة من العمل خلف الكاميرا كمساعد مخرج مع أسماء لامعة مثل مدحت بكير وشادي عبد السلام ويوسف شاهين.

بدايته في الإخراج وتأسيس واقعية جديدة

 

في عام 1982، أخرج عاطف الطيب أول أفلامه الطويلة "الغيرة القاتلة"، ثم تلاه مباشرة فيلم "سواق الأتوبيس"، الذي شكّل بداية حقيقية لتكوينه السينمائي. 

تميزت أفلام الطيب بأنها تناولت قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب جريء وإنساني، وساهم في ترسيخ ما عُرف بـ "الواقعية الجديدة"، التي تحررت من الرومانسية الزائفة وواجهت الواقع بوجهه القاسي.

قائمة بأهم أعماله

 

رغم قصر مشواره الفني، الذي لم يتجاوز 15 عامًا، قدم عاطف الطيب أكثر من 20 فيلمًا من علامات السينما المصرية. من أبرزها: سواق الأتوبيس (1982)، التخشيبة (1984)، الزمار (1985)، البريء (1986)، الحب فوق هضبة الهرم (1986)، ملف في الآداب (1986)، الهروب (1991)، ضد الحكومة (1992)، ناجي العلي (1992)، ليلة ساخنة (1995)، جبر الخواطر (عُرض بعد وفاته في 1998).

 

كل عمل من هذه الأعمال لم يكن مجرد فيلم، بل شهادة اجتماعية وسياسية على مرحلة كاملة في تاريخ مصر الحديث.

زواجه وحياته الخاصة

 

ارتبط عاطف الطيب بزوجته "أشرف" التي تعرف عليها أثناء عمله، وكان اللقاء الأول بينهما بداية لعلاقة حب نادرة في الوسط الفني.

 

عرف عنه التزامه العائلي وهدوءه في حياته الشخصية، وكان يرى في زوجته سندًا وشريكًا في الحياة والصورة.

رحيله المفاجئ وصدمة الوسط الفني

 

في 23 يونيو 1995، رحل عاطف الطيب عن عمر 47 عامًا بعد مضاعفات صحية إثر جراحة قلب، ليُخيم الحزن على الوسط الفني والثقافي.

 

وقد عُرض فيلمه الأخير "جبر الخواطر" بعد وفاته، كتحية وداعية لمخرج حمل هموم الناس على كتفه حتى لحظة رحيله.

مقالات مشابهة

  • الفوسفات الأردنية.. قصة نجاح وطنية تتجدد
  • كينيا والسنغال تتقاسمان المركز الأول على مؤشر تنظيم الكهرباء بأفريقيا
  • في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة
  • 6 من 10.. هيمنة أفريقية على عمالقة منتجي الألماس
  • محكمة بأفريقيا الوسطى تصدر أحكاما بسجن 6 قادة للمتمردين
  • ممثل المستأجرين: تعديلات قانون الإيجار القديم تفتقر إلى العدالة وتتجاهل ظروف البسطاء
  • أسماء الشركات النفطية والشحن والقيادات الحوثية التي طالتها عقوبات أمريكا الأخيرة
  • منظومة تسويق جديدة.. مصر فى طريقها لاستعادة بريق القطن عالميًا | فيديو
  • عدوى تأميم المناجم تصل النيجر وتدشن خلافا جديدا مع فرنسا