عربي21:
2025-12-12@19:03:37 GMT

أسئلة غزة المحرمة

تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT

لم يسبق لغزة أن عاشت ما تعيش الآن، نحو تسعة أشهر انهار فيها كل شيء ليس على رؤوس أهلها فحسب، بل على رؤوس كل فرد في هذا العالم، من ينفعل بالحدث ومن ينأى بنفسه عنه. غزة تركت العالم في حالة عري غير مسبوق، عري من كل الأقنعة التي ارتداها المهرجون والقتلة ودعاة الأخلاق وحقوق الإنسان، حالة غير مسبوقة من ارتكاب جريمة جماعية مع عدد كامل من الشهود.



كتب لي صديق من بؤرة المكان يقول: "أتدري ماذا تعني الحياة دون مصدر رزق، ودون بيت، ودون محلات تجارية كانت تحت البيت، ودون سيارة، ودون ملابس ودون حذاء، ودون طعام؟ حين يكون لديك بنات في الجامعة وأولاد دون سن الرشد، وأحفاد من ابن شهيد، وكلهم يقول لك: هات، بدنا، اشتري لنا، أتدري ما لون الحياة في مثل هذه الحالة؟ أتدري أخي حلمي ماذا يعني الصباح، وكيف يعبر الليل؟ أتدري ماذا يعني أن تجد نفسك عاريا في هذه الدنيا، بعد أن كنت أميرا برزقك وصحتك وبيتك وعائلتك؟ هذا هو الوجه الآخر للحياة في غزة، والذي لا يمكن الحديث عنه إلا لمن هم ثقة، ومن هم جديرون بفهم الحالة الفلسطينية، الاحترام لك من موجوع ومفجوع حطت على رأسه الهموم والأحزان، ومع ذلك، لا يسمع الناس من حنجرتي إلا الصمود، والثقة، والأمل في المستقبل، شامخون مظهرا، ومرهقون محتوى"!

المعذرة صديقي، أستميحك عذرا في نشر بوحك الخاص على الملأ، مع أن شيئا مما قلت لم يعد سرا مكنونا في الصدور، بعد أن فضحته الصور والكاميرات والبث المباشر للجريمة. لم يعد في غزة ما يمكن ستره، ووسط هذا الحال الملتهب، تبرز الأسئلة المحرمة التي لا بد من طرحها، وأولها وأقساها وأكثرها إيلاما: هل من حق المقاومة أن تجر على غزة وأهلها كل ما يعانونه اليوم، وبإمكانها منذ الغد، بل اليوم، بل الآن؛ أن تطفئ النار التي تحرق قلوب الكبار والصغار، وتنهي الحرب؟ كم أحد منا دار في خلده هذا السؤال؟ كم تمنينا أن تتم "صفقة" تبادل الأسرى (بأي ثمن!) بعضنا يحسب أن غزة وأهلها طراز من البشر لا يتعب، وأنهم "مستمتعون" بالموت اليومي والتشريد والهرب والنزوح من مكان إلى آخر ليس أقل أمنافقط أن تعيش غزة ولو قليلا (أياما أو حتى ساعات!) بلا موت؟ ألم تكن مختبئة في كلمات الصديق المكلوم الذي يعيش (بل يموت حيا!) وسط أتون الحرب، "شامخون مظهرا، ومرهقون محتوى"، عبارة تختصر كل ما يجري؟!

بعضنا يحسب أن غزة وأهلها طراز من البشر لا يتعب، وأنهم "مستمتعون" بالموت اليومي والتشريد والهرب والنزوح من مكان إلى آخر ليس أقل أمنا. ماذا عن الفقد اليومي، وصلاة الجنازة التي غدت طقسا يفوق في تكرارها الصلوات الخمس؟ ماذا عن رؤية الأحبة أبناء وبنات وإخوة ووالدين مقطعي الأوصال، أو متفحمين حرقا، أو أشلاء يجمعون في كيس؟ ماذا عن النوم على أزيز الطائرات وقصف المدافع والصحو على جدران تنهار وسقوف تدفن تحت أنقاضها الأحلام والآمال والحياة كلها؟ هل من حق الغزي أن يقول: "أخ" تعبت، كفى؟ هل من حقه أن يصرخ بملء فمه الذي نسي مذاق الطعام الهنيء: أوقفوا الحرب بكل ما أوتيتم من "استسلام"؟ هل من حقه أن يقول لمقاومته: استسلموا، فلم نعد مستعدين لمزيد من التضحية؟ هل يجرؤ على أن يقول: ألقوا سلاحكم، فلم يعد لدينا متسع لموت إضافي؟

أهي أسئلة محرمة فعلا، بل هي مشروعة فعلا؟ أم أن هذا السؤال هو نفسه من ضمن الأسئلة المحرمة؟

أظن أن هناك في غزة تحديدا من يطرح مثل هذه الأسئلة، ولكننا لا نريد أن نسمعها، ولا نريد أن نتخيل أن هناك من يطرحها أصلا، فنحن المراقبون لما يجري نعيش حياتنا بكل ضجرها وروتينها، نذهب إلى الحمام في الوقت الذي نريد ونقضي حاجتنا بغير اهتمام، في الوقت الذي لا يجد الآلاف هناك من يقضون هذه الحاجة مكانا آمنا لقضائها، نشرب قهوتنا الصباحية باستمتاع، وآلاف يستيقظون على صوت القصف، فيلملمون من وما يستطيعون لملمته بحثا عن نزوح جديد!

هي أسئلة محرمة، ولكنها مشروعة، وقاسية وحقيقية، لا نريد أن نسمعها أو حتى أن نفكر فيها، وإن كان هناك من يبحث عنها ويجتهد في إذاعتها ونشرها، عشرة أشهر مضت من "انتصار" مكلف جدا، ودام جدا، وكارثي جدا، نتغنى بها ونتيه فخرا، ونقولها بملء الفم: غزة رفعت رؤوسنا، ولكن ماذا عن رؤوس أهل غزة، من مات منهم تحت الأنقاض ومن ينتظر دوره في الحرق أو بتر أحد أعضائه، أو الموت جوعا أو مرضا أو قهرا؟ أسئلة محرمة، ولكنها مشروعة، وقاسية وحقيقية، لا نريد أن نسمعها أو حتى أن نفكر فيها، وإن كان هناك من يبحث عنها ويجتهد في إذاعتها ونشرها، عشرة أشهر مضت من "انتصار" مكلف جدا، ودام جدا، وكارثي جدا، نتغنى بها ونتيه فخرا، ونقولها بملء الفم: غزة رفعت رؤوسنا، ولكن ماذا عن رؤوس أهل غزةماذا عن الأسرى الذين جمعهم الاحتلال من طرقات ومشافي وبيوت غزة، ويذيقهم ألوانا من التعذيب الهمجي، والتجويع، والإهانة التي تصل حد هتك العرض على رؤوس الأشهاد؟ هل يتمنى هؤلاء استمرار الحرب مثلا "حتى تحقيق النصر الكامل"؟!

وهنا تحديدا، أمام كلمة "النصر"، بوسعنا أن نقول بملء الفم أن غزة انتصرت انتصارا مبهرا، ولم تزل تنتصر، ولكنه نصر مخيف، نصر جر رغبة مجنونة بإيقاع العقاب على كل ما في غزة من حجر وشجر وبشر لأنها انتصرت! غزة -في عرف المعتدي ومن يحمي ظهره ويمده بالصمود والأغذية والسلاح- انتصرت فعلا، ولهذا تجب معاقبتها عقابا مرا والتنكيل بها حتى لا يفكر أحد بعدها ولو مجرد تفكير بأن ينتصر، فالانتصار محظور على العربي والمسلم والغزي والفلسطيني، وأي انتصار كذاك الذي اجترحته غزة هو جريمة يستحق مرتكبه عقابا جهنميا كالذي تعيشه غزة اليوم، ويجر كل تلك الأسئلة المحرمة!

هي أسئلة محرمة فعلا، ولكن السؤال الأكثر إلحاحا: ألا يستحق النصر كل تلك المعاناة والعذاب؟ من يمنحك نصرا على طبق من راحة ودعة؟ ألم يكرم الله غزة بأن اصطفاها من بين خلقه لتكون "المخلص" من عسف محتل مغرور ومتعجرف، مرغت أنفه بالتراب، وجعلته مسخرة منبوذا كالكلب الأجرب بين الأمم؟

كلها أسئلة، ومن المشروع طرحها، وخاصة حين يتعلق الأمر بمعركة لا تحدد مصير فلسطين وغزة فقط، بل ربما بمصائر كثيرين في هذا العالم.  

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة الاحتلال النصر المعاناة غزة الاحتلال النصر المقاومة معاناة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا نرید أن ماذا عن هناک من فی غزة

إقرأ أيضاً:

سبعة أسئلة لكاميرون هدسون حول السودان والدبلوماسية وترامب

“ما زلتُ متشككًا في كيفية تحقيق السودانيين لقدرٍ من “الحرية والسلام والعدالة” التي دعت إليها ثورتهم الشعبية. لقد وقع السودان في دوامة من الانقلابات والحروب الأهلية والتحولات الديمقراطية منذ استقلاله. أشعر أن إبرام الصفقات على مستوى النخبة من إدارة ترامب لديه القدرة على إنهاء هذه الحرب الحالية وإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي، لكنه لن يُسهم في نهاية المطاف في كسر الحلقة الأوسع التي تقود البلاد إلى انقلاب جديد وحرب أهلية في وقتٍ ما مستقبلًا.” كاميرون هدسون

نشر أليكس ثورستون، وهو كاتب ومحلل سياسي أمريكي درس الإسلام والسياسة في شمال غرب أفريقيا، مُركزًا على القرنين العشرين والحادي والعشري وأجرى أبحاثًا ميدانية في نيجيريا والسنغال ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، مقالاً تحليلياُ، يوم الخميس الماضي(4 ديسمبر) قال فيه: “أرى أن ترامب يسعى إلى وقف إطلاق النار ويُسميه سلامًا، لكنه لا يُعالج فعليًا التصدعات الداخلية المعقدة العديدة في السودان والتي من شأنها أن تُمكّن من تحقيق سلام حقيقي طويل الأمد”.

وما كتبه ثورستون هو تلخيص لأسئلة طرحها علي السيد كامرون هديسون، الموظف السابق بالبيت الأبيض، و بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية،
ونُشرت الأسئلة والأجوبة في 4 ديسمبر 2025، على موقع سواحل- Swahil- الذي يُديره الكاتب، ويُقدم تحليلًا مُثيرًا للاهتمام للعديد من التطورات السياسية المتعلقة بالسودان، ولكن من منظور غربي.

ويقول الكاتب إنه ومع تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن إدارته ستسعى إلى وقف إطلاق النار في السودان، فقد سعى لطرح الأمر على كاميرون هدسون، وهو مراقب مخضرم للشأن السوداني، حول التطورات الدبلوماسية والسياسية الجارية، و يقول عن السيد هدسون أنه شغل مناصب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والمجلس الأطلسي، ومتحف الولايات المتحدة التذكاري للهولوكوست. كما شغل مناصب عدة في الحكومة الأمريكية، منها محلل في وكالة المخابرات المركزية، ومدير الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي ،خلال الفترة الثانية للرئيس جورج دبليو بوش، (ورئيس مكتب المبعوث الخاص إلى السودان) خلال الفترة الأولى للرئيس باراك أوباما، و في هذه المقابلة يشاركنا أفكاره حول بعض القضايا الشائكة المحيطة بالمفاوضات حول مستقبل السودان.

عن الرباعية:
يقول كاميرون هدسون: انبثقت الرباعية من إقرار الولايات المتحدة بأن الدول الإقليمية القوية هي المحرك الأساسية للحرب في السودان، وأن تنافسها على النفوذ يُزعزع استقرار المنطقة ويُقوّض أي فرصة لنجاح عملية السلام. وقد سرت شائعات بأن الرباعية نشأت لأن مصر و/أو المملكة العربية السعودية طلبتا سرًا من واشنطن تقديم مساعيها الحميدة لمساعدتهما ومساعدة الأطراف في السعي إلى وقف إطلاق النار وتسوية سلمية أوسع نطاقًا بوساطة.
داخل الرباعية، تواصل مصر والسعودية دعم انتصار القوات المسلحة السودانية على ميليشيا قوات الدعم السريع، التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة حصريًا.
وتتفق الدول الثلاث، على الأقل ظاهرياً، على ضرورة منع النظام الإسلامي السابق لعمر البشير، من العودة إلى السلطة. ومع ذلك، فإن الإمارات العربية المتحدة، أكثر من غيرها، هي التي ترى في عودة الإسلاميين تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقد بذلت قصارى جهدها لمنع ذلك من خلال دعمها الساحق لقوات الدعم السريع. ويبدو أن كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية تتبنى وجهة نظر أكثر شمولية تجاه الإسلاميين في السودان، إذ تُقرّ بتاريخهم السلبي، لكنهما تريان فيهم أيضاً قابلية للسيطرة تحت حكم عسكري أو مدني قوي، ربما على غرار هيكل السلطة في مصر.

في حين أعلنت الرباعية علناً أنه لا ينبغي لأيٍّ من الطرفين المتحاربين أن يلعب دوراً فاعلاً في حكم السودان بعد الحرب، يبدو أن مصر والمملكة العربية السعودية تعتبران القوات المسلحة السودانية جسراً لأي انتقال، ولا تُخفيان التهديدات الأمنية الوطنية التي يرونها في السودان تحت حكم قوات الدعم السريع. تشترك مصر والمملكة العربية السعودية في حدود مع السودان، الأولى برية والثانية على البحر الأحمر، وتعتبران نزوح المدنيين المصاحب لاستيلاء قوات الدعم السريع على الأراضي مزعزعاً لاستقرار سياساتهما الداخلية واقتصاداتهما. وبالمثل، تخشى الدولتان الآثار العابرة للحدود المزعزعة للاستقرار الناجمة عن جني الأموال غير المشروع من قبل قوات الدعم السريع، من الاتجار بالبشر إلى تهريب المخدرات والأسلحة، والتي تعتقدان أنها ستصاحب حكم قوات الدعم السريع؛ ناهيك عن مخاطر استغلال الإمارات العربية المتحدة لدولة سودانية تابعة لها في سعيها لتحقيق طموحاتها الإقليمية. لهذه الأسباب، تقف واشنطن وحدها كحَكَم بين أعضاء الرباعية أكثر من كونها وسيطًا بين الأطراف المتحاربة في السودان.

إتهامات البرهان للرباعية:
-سوال : رفض الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، مؤخرًا اقتراح الرباعية لوقف إطلاق النار، منتقدًا الإمارات العربية المتحدة تحديدًا لدعمها للطرف المسلح الرئيسي الآخر في الحرب الأهلية السودانية، قوات الدعم السريع. كما انتقد البرهان وأنصاره مستشار الرئيس دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، مسعد بولس. هل اتهامات البرهان للرباعية بالتحيز صحيحة؟

– كاميرون هدسون:تجدر الإشارة إلى أن إحدى أكثر أساليب السودان ثباتًا في مفاوضاته الخارجية هي إعلان تحيز الوسطاء الدوليين كجزء من مساعيه لكسب اليد العليا وتجنب تقديم أي تنازلات مؤلمة. على مدى عقود، استخدم السودان تهمة التحيز لإعلان، من بين آخرين، الممثلين المقيمين للأمم المتحدة من يناير 2011 أشخاصًا غير مرغوب فيهم. برونك (2006) إلى فولكر بيرثيس (2023). وبالمثل، اتهم السودان الرئيس الكيني ويليام روتو بالتحيز عندما حاول قيادة جهود الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية -إيغاد- للتوسط في وقف إطلاق النار في بداية الحرب، مؤكدةً قربها من كل من قوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة.

كما اتهم السودان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السابق، موسى فكي، بالتحيز نظرًا لجنسيته التشادية وعلاقاته الوثيقة بالإمارات العربية المتحدة، ومُنع من القيام بدور وساطة للاتحاد الأفريقي.

ورغم هذا التاريخ، فإن اتهامات السودان بالتحيز من قبل الرباعية ليست بلا أساس، أولًا، من المهم أن نفهم أن الإمارات العربية المتحدة، من وجهة نظر القوات المسلحة السودانية، طرف فاعل في النزاع. وبصفتها الراعي الرئيسي لقوات الدعم السريع، يعتقد الجيش أنه ما كانت هناك حرب لولا الإمارات العربية المتحدة. وبالتالي، يرفض الجيش فكرة أن الإمارات العربية المتحدة يمكن أن تعمل في الوقت نفسه كطرف محارب فاعل ووسيط محايد كجزء من الرباعية، ومن هنا جاءت تهمة التحيز. ومما يؤكد هذا الادعاء، صور مسعد بولس وهو يزور أبوظبي مؤخرًا ويعرض جبهة موحدة مع الإمارات، بالإضافة إلى إدراج العديد من مطالب الإمارات الرئيسية في وثائق الرباعية. وتعكس الدعوة إلى رفض أي دور للجيش في الحكومة المستقبلية، إلى جانب اتهامات بتأثير الإخوان المسلمين على الجيش، مخاوف الإمارات تحديدًا. وقد بدأت الولايات المتحدة مؤخرًا في التعبير عن العديد من هذه المخاوف بشأن الدور المحتمل للإسلاميين في السودان، وفي سبتمبر فرضت عقوبات على وزير المالية جبريل إبراهيم، إلى جانب لواء إسلامي يقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية (البراؤون) وقد ترددت شائعات بأن هذه العقوبات جاءت، جزئيًا، بسبب من حثّ الإمارات لامريكا وهذا هو السبب الرئيسي وراء ضغط البرهان على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لطلب تدخل ترامب الشخصي في الوساطة، بدلًا من العمل من خلال الرباعية، لاعتقاده أنها ستحصل على نتيجة أقل انحيازًا وأكثر ميلًا إلى مصلحة الجيش.

إمكانية وقف لإطلاق النار:
-سوال هل تعتقد أن هناك حزمة وقف إطلاق نار مختلفة قد يقبلها البرهان؟ أم أنه ملتزم بالهزيمة العسكرية لقوات الدعم السريع؟

-كاميرون هدسون: يبدو أن الفريق برهان لا ينوي التفاوض مباشرةً مع قوات الدعم السريع، لأسباب تكتيكية وسياسية. حتى لو كان ميالاً للتفاوض مع قوات الدعم السريع بسبب الخسائر التكتيكية الأخيرة، فسيثير برهان استياءً شعبياً، ناهيك عن رد فعل عنيف محتمل من عناصر أكثر تشدداً وإسلاميين في صفوفه، وهو أمر لا يمكنه المخاطرة به. وقد أشار برهان مؤخراً إلى أنه إذا انسحبت قوات الدعم السريع من المدن والمناطق التي تسيطر عليها، وتجمعت في نقاط نزع السلاح، وسرّحت مقاتليها – أي أعادوا غالبيتهم إلى بلدانهم الأصلية – فسيكون ذلك أساساً لعملية تُفضي إلى تسريح مقاتلي قوات الدعم السريع المتبقين أو دمجهم في الجيش. ويرى أن المحادثات السياسية المباشرة في ظل التوزيع الحالي للقوات، كما تدعو إليه الرباعية، لن تؤدي إلا إلى رفع مكانة قوات الدعم السريع وإضفاء الشرعية عليها، وفتح الباب أمامها لبناء هوية سياسية لما بعد الحرب. هذا يتناقض تمامًا مع الاعتقاد الراسخ للجيش بأن حل قوات الدعم السريع لا يمكن أن يتحقق إلا لإنهاء الحرب وبدء عملية إعادة الإعمار والانتقال في نهاية المطاف. ومع ذلك، فإن احتمال قبول قوات الدعم السريع، وداعميها الإماراتيين، لموقف القوات المسلحة السودانية المتطرف لا يزال ضئيلًا للغاية.
بل يبدو أن القوات المسلحة السودانية تُدرك سرًا أن أي جهد لتسريح قوات الدعم السريع يتطلب أولًا نوعًا من التسوية التفاوضية بين الجيش والإمارات العربية المتحدة. ومن المرجح أن تتضمن هذه المناقشات، التي طلب الفريق أول برهان من المسؤولين الأمريكيين مرارًا وتكرارًا تنظيمها، والتي نجح أخيرًا في إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمناقشتها مع الرئيس ترامب، بنودًا لإنهاء الدعم الخارجي لأبوظبي، وتسريح قوات الدعم السريع وإعادة دمجها في الجيش، والموافقة على شكل من أشكال التعويضات المالية عن الدمار الذي سببته. في المقابل، قد يكون الجيش مستعدًا لمنح الإمارات حقوق تشغيل ميناء السودان الرئيسي، إلى جانب الامتيازات المعدنية والزراعية التي سعت إليها أبو ظبي منذ فترة طويلة. ومع ذلك، وبالنظر إلى الحرب الكلامية الحادة التي تخوضها الإمارات العربية المتحدة والقوات المسلحة السودانية حاليًا، فإن أي مفاوضات بينهما يجب أن تتم بعيدًا عن الإعلام، وأن تُتيح لكلا الجانبين سبيلًا يحفظ ماء الوجه لتهدئة الموقف. ومن المرجح أن يكون هذا هو الدور الذي طُلب من ترامب القيام به، ولكنه لم يفعله بعد.

ماذا عن الجرائم والانتهاكات ؟:
-سوال :في أكتوبر، جادل أمجد فريد الطيب في مقال رأي بموقع الجزيرة بأن “هناك ممارسة خبيثة بشكل خاص داخل الرباعية، أي مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن العاصمة، تتمثل في استحضار التكافؤ الأخلاقي والبلاغي، وتصوير قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية كخصمين متماثلين”. هل تتفق مع وصفه للخطاب في واشنطن؟

-كاميرون هدسون: ينظر الكثيرون في واشنطن إلى هذه الحرب بنظرة تفتقر إلى الدقة. حتى أولئك منا في مجتمع “مراقبي السودان” الذين يصفون أنفسهم بأنهم يأتون إلى هذا الصراع بتحيزاتهم الخاصة، والتي تشكل معظمها من خلال تجاربنا الخاصة في التعامل مع حكومة السودان في عهد عمر البشير لأكثر من 20 عامًا.
و لا يزال الكثير ممن تربطهم تلك العلاقة الطويلة بالسودان ينظرون إلى القوات المسلحة السودانية على أنها الذراع الرئيس لفساد الدولة والقمع والإسلاموية، مع أنني أعتقد أن دور الجيش كان دائمًا أكثر تعقيدًا من ذلك، وقد تطور بالتأكيد منذ إطاحة البشير عام 2019. ومع ذلك، يجادل المتشددون في واشنطن بأن قوات الدعم السريع هي ببساطة صنيعة القوات المسلحة السودانية، وبالتالي فإن الجيش يتحمل مسؤولية خطايا الوحش الذي خلقه. وبالمثل، يشيرون إلى انقلاب عام 2021 ضد الحكومة الانتقالية المدنية، الذي نفّذه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشكل مشترك، والذي أشعل سلسلة من النزاعات بينهما أدت إلى الصراع الحالي. لهذا السبب، دأبت واشنطن، في عهدي بايدن وترامب، على تصوير الطرفين على أنهما متساويان في المسؤولية عن الحرب وتجاوزاتها العديدة.
لكن هذا التحليل لطالما بدا لي مُختزلاً. فلا عجب أن يتحدث الجنرال برهان كثيرًا عن الحفاظ على وحدة الجيش، وأن تكون تحذيرات القوات المسلحة السودانية من تفككها وانقلاب القصر مصدرًا شبه دائم للتكهنات. فالقوات المسلحة السودانية كيان مُعقّد، يزخر بالعديد من النماذج المتنافسة – من المتشددين والإسلاميين الملتزمين إلى الجنود المحترفين الذين يُنفّذون تفويضًا دستوريًا.

ويزيد تحالف الجيش القتالي من تعقيده، إذ يضمّ متمردين سابقين من دارفور، وألوية إسلامية ذات هياكل قيادية موازية، ووحدات جنود مدنيين مُشكّلة حديثًا.
إن تصوير القوات المسلحة السودانية بضربات عريضة هو تحليل كسول. والأهم من ذلك، أنه لا توجد مقاييس موثوقة أو قابلة للقياس الكمي للانقسامات السياسية والأيديولوجية داخل الجيش أو توازن القوى بين هذه المعسكرات الداخلية المختلفة.

أولئك الذين يدّعون، وكثيرون منهم على يقين تام، أن الجيش خاضع بالكامل لسيطرة القوى الإسلامية والمتشددة، إما أنهم يتكهنون أو مدفوعون باضطراب ما بعد الصدمة الذي أصابهم في عهد البشير.
ولكن للتوضيح، ارتكب كلا الجانبين انتهاكات مروعة في الحرب، بما في ذلك جرائم حرب. ولكن هنا أيضًا، أميل إلى اتخاذ وجهة نظر أكثر دقة بشأن تلك التجاوزات، والأهم من ذلك، وجهة نظر الجمهور بشأن سلوك كل جانب. في رأيي، تنتهي المقارنات هنا. تميل العديد من المحاولات لقياس مستويات العنف من كلا الجانبين إلى نسب ما يقرب من ثلثي العنف ضد المدنيين إلى قوات الدعم السريع، بينما تتحمل القوات المسلحة السودانية مسؤولية حوالي خُمس الضحايا المدنيين. في رأيي، هذا أمرٌ لا يُقارن. وبالمثل، يُتهم كلا الجانبين باستخدام الغذاء كسلاح حرب ومنع وصول المساعدات الإنسانية. كل هذا صحيح، ولكن عندما ننظر إلى المناطق التي تعاني من أشد المؤشرات الإنسانية وقيود الوصول، نجد أن هذه المناطق تميل إلى أن تكون أكثر خضوعًا لسيطرة قوات الدعم السريع. من المؤكد أن القوات المسلحة السودانية مسؤولة أيضًا عن منع الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وهو تكتيكٌ استخدمته مرارًا وتكرارًا منذ الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. ولكن على عكس الجيش، استهدفت قوات الدعم السريع بشكل ممنهج المستشفيات والقوافل الإنسانية وعمليات الإغاثة المختلفة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلًا.
بالإضافة إلى ذلك، عند مناقشة المسؤولية – من منظور سياسي لا قانوني – أعتقد أنه يجب دراسة طبيعة الجرائم المرتكبة، وليس فقط نطاقها. ارتكب الجيش عمليات قتل انتقامية واعتقالات جماعية، بل استهدف حتى فرق الاستجابة الأولية، مثل غرف الطوارئ في البلاد، لكن غالبية جرائم الجيش تأتي من الاستهداف العشوائي للمناطق المدنية بطائرات مسيرة مسلحة. إن سعي قوات الدعم السريع المتكرر للاحتماء داخل هذه المناطق المدنية ليس عذرًا لوفيات المدنيين، ولكنه تفسير.

على الجانب الآخر، يزخر السودان بقصص ومقاطع فيديو لجنود قوات الدعم السريع وهم يرتكبون مجازر وتعذيبًا واغتصابًا واستعبادًا جنسيًا وتطهيرًا عرقيًا واختطافًا على نطاق واسع في كل منطقة خاضعة لسيطرته. جرائمهم تتوالى بيتًا بيتًا، وشارعًا شارعًا، وشخصًا فردًا. لدرجة أن إدارة بايدن وصفت أفعال قوات الدعم السريع وحدها بالإبادة الجماعية.
وأخيرًا، عند تحديد المسؤولية، أعتقد أنه يجب علينا النظر إلى رد فعل السودانيين أنفسهم على التذبذب في السيطرة على الأراضي طوال الحرب، والاستماع إلى قصصهم عن الحياة تحت سيطرة قوات الدعم السريع أو القوات المسلحة السودانية. مرة أخرى، لا أعتقد أنه يمكنك القول بصدق إنهما متشابهان. أشعر أن معظم السودانيين العاديين يرون الجيش الكيان الوحيد المهتم بحمايتهم، على الرغم من الانتهاكات التي ارتكبها ضد من يُفترض أنهم معارضون. يكفي أن نشهد مشاهد ابتهاج السودانيين العاديين وهم يتدفقون إلى الشوارع، أحيانًا لأول مرة منذ شهور، عندما نجحت القوات المسلحة السودانية في تحرير مدنهم من سيطرة قوات الدعم السريع. لقد صوّت السودانيون بأقدامهم، ونحن…لا ينبغي أن نتجاهل تفضيلاتهم، حتى لو كانت مؤقتة. مرة أخرى، أظن أن معظم السودانيين لا يرغبون في العيش تحت الحكم العسكري ولو ليوم واحد أكثر من اللازم، ولكن إذا خُيّرنا اليوم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فإن خيارهم يبدو واضحًا، وينبغي لسياساتنا أن تُقرّ بذلك إلى حد ما.

هل تفضل واشنطن الجيش على الدعم السريع؟
-سوال : في الواقع، بدا لي أن المسؤولين في واشنطن (أي خبراء السياسة الخارجية داخل الحكومة وخارجها) يُظهرون تفضيلًا كبيرًا، أحيانًا مُعلنًا وأحيانًا أخرى غير مُعلنة، ولكنه واضح، للقوات المسلحة السودانية والبرهان على قوات الدعم السريع. من ناحية، فرضت إدارة الرئيس جو بايدن المنتهية ولايتها عقوبات على كل من البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. من ناحية أخرى، التقى المبعوث الخاص آنذاك توم بيرييلو بالبرهان خلال زيارته للسودان في نوفمبر الماضي. هل تعتقد أن إدارة بايدن كانت ستُفضل البرهان على حميدتي؟ وماذا عن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بشكل عام؟

-كاميرون هدسون: أعتقد أنه من الصعب القول إن واشنطن تُفضّل أيًا من الجانبين. بل أعتقد أن هذا ما جعل دبلوماسية واشنطن غير فعّالة منذ بداية الحرب. ولأننا ننظر إلى كلا الجانبين على أنهما طرفان سيئان، لم نكن قادرين على الدفع نحو نتيجة واضحة. وبينما لا شك في أن الديمقراطيين والجمهوريين لا يتقبلون فكرة قيادة قوات الدعم السريع للسودان، لا يمكن لأحد أن يأخذ على محمل الجد خطاب قوات الدعم السريع حول قتال الإسلاميين، أو استعادة الحكم المدني، أو حتى الموافقة على وقف إطلاق النار. فجرائمهم كثيرة، وتكتيكاتهم وحشية للغاية، وتاريخهم معروفٌ جدًا لدرجة أن أي شخص في واشنطن لا يستطيع قبول انتصار قوات الدعم السريع.
ومع ذلك، يصعب أن نُحب القوات المسلحة السودانية. سواءً بسبب تاريخهم وسمعتهم الإسلامية وانتهاكاتهم، أو استخدامهم المزعوم للأسلحة الكيميائية وجرائم حرب أخرى في الصراع الحالي، أو علاقاتهم المتقطعة مع منافسين خبثاء مثل روسيا وإيران، لم تجد واشنطن بعدُ سبيلًا أو سببًا للعمل مع القوات المسلحة السودانية لإنهاء هذا الصراع. وهنا أيضًا، أعتقد أن التاريخ عبء. فلأكثر من ثلاثين عامًا، اعتبر المسؤولون والمدافعون ووسائل الإعلام الأمريكية السودان، والجيش بالتبعية، مسؤولًا عن استضافة أسامة بن لادن، ورعاية الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة، وتنفيذ الإبادة الجماعية في جنوب السودان ودارفور، وتطبيق نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية شهدت اضطهاد المسيحيين وإساءة معاملة النساء. لا يزال تأثير واشنطن على حكام السودان قويًا، وقد ثبت أن التغلب عليه، حتى عندما يكون الخيار الآخر هو ميليشيات إبادة جماعية، صعب.

مدى قدرة ترامب على صنع السلام:
– سوال: سَبق ان قلت لشبكة CNN مؤخرًا بأن “[ترامب] مُهيأٌ لعقد صفقات النخبة بين كبار الشخصيات. ما لم يُهيأ له هو التشمير عن سواعده والانخراط في تفاصيل السياسة السودانية”. هل تتوقع أن يُقوّض إهماله للتفاصيل قدرة إدارته على صنع السلام؟

-كاميرون هدسون: أعتقد، كما هو الحال مع ترامب، أن قدرة واشنطن على صنع السلام في السودان تعتمد على أفقها الزمني. أعتقد أن ترامب مهتمٌّ بالعنوان الرئيسي القريب الذي يُشير إلى تحقيق السلام، وأن السودان يُمثّل نقطةً أساسيةً أخرى في طلبه لجائزة نوبل للسلام. لكن هناك فرقٌ بين وقف إطلاق النار والسلام؛ تمامًا كما يوجد فرقٌ بين عقد الصفقات وصنع السلام. يأمل المتحاربون في السودان أن يعيشوا للقتال يومًا آخر، تمامًا كما ستواصل الجهات الفاعلة الإقليمية الخارجية البحث عن سبلٍ لتشكيل مستقبل السودان بطرقٍ تُعزّز مصالحها الاستراتيجية ومصالحها الأمنية الوطنية بعد توقيع أي وقف إطلاق نار بوقتٍ طويل. يُمكّن وقف إطلاق النار جميع الأطراف من مواصلة السعي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية بوسائل أخرى غير العسكرية. مع ذلك، يبدو أن عملية سلام حقيقية لا تصب في مصلحة أحد، إلا الشعب السوداني نفسه. فالسلام الحقيقي سيتطلب بالضرورة معالجة أوجه القصور في “دولة 1956″، بما في ذلك دور الدين والجيش، وبناء هوية وطنية، وإصلاح مؤسسات الدولة وإعادة بنائها. إنها عملية مكثفة تستغرق سنوات طويلة، تُطلق عليها واشنطن بازدراء اسم “بناء الأمة”، وهو ما لم نعد نملك الجرأة ولا الصبر الكافيين له. لهذه الأسباب، أرى ترامب يدفع باتجاه وقف إطلاق النار ويُسميه سلامًا، لكنه لا يُعالج فعليًا التصدعات الداخلية المعقدة العديدة في السودان، والتي من شأنها أن تُمكّن من تحقيق سلام حقيقي طويل الأمد يمكن أن يستمر بعد انتهاء ولايته.

دعم المسار الديمقراطي:
-سوال: في شهادتك أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في مايو، اختتمت حديثك بالقول: “يستحق شعب السودان أن تدعم تطلعاته الديمقراطية وأن يتحقق وعد ثورته الشعبية”. ما الذي يجب أن يحدث حتى يكون هناك سودان ديمقراطي يحكمه مدنيون؟ ما هي الخطوات التي يتعين على الولايات المتحدة اتخاذها لدعم هذا المسار؟

-كاميرون هدسون: هذا سؤالٌ قديمٌ بقدم البلاد نفسها. يبدو أن الكثيرين اليوم، مثل الإمارات العربية المتحدة، يعتقدون أن السبيل الوحيد لوضع السودان على مسار الحكم المدني الديمقراطي هو إحراق الدولة ومؤسساتها والبدء من جديد. هذا هو جوهر ما تفعله قوات الدعم السريع – تدمير المؤسسات والمحفوظات والآثار والسجلات الإدارية – التي فُقد معظمها إلى الأبد، وبعضها عُرض للبيع على موقع إيباي (حرفيًا).
كما هو الحال مع معظم الأسئلة في السودان، أجد نفسي في صراع بين المثالية والواقعية. في الوضع المثالي، كان من المفترض أن تُكرّس الولايات المتحدة وشركاؤها الوقت والموارد لخلق مساحاتٍ للجهات الفاعلة الرئيسية في السياسة والمجتمع المدني في السودان لتنظيم وتطوير خططها الخاصة لما يبدو عليه توزيع السلطة في السودان بعد الحرب. دعا بيان الرباعية الصادر في سبتمبر إلى انتقالٍ مدته تسعة أشهر إلى حكم مدني، لكن هذا يبدو طموحًا للغاية في غياب خطة منسقة أو أي دعم خارجي مستدام. سنتخذ أيضًا خطواتٍ لمنع أيٍّ من الطرفين المتحاربين من ترسيخ سيطرتهما على السلطة على المدى الطويل، إما من خلال انخراط دبلوماسي منسق أو عقوبات ثنائية. وبالطبع، ستُصاغ جميع هذه الإجراءات ضمن استراتيجية أمريكية تجاه البلاد والمنطقة، تُحدد المصالح الأمريكية طويلة الأجل، ويقودها فريق رفيع المستوى يتمتع بمصداقية في جميع أنحاء المنطقة وإمكانية الوصول إلى كبار صناع القرار في واشنطن. أعتقد أنني كنتُ مشاركًا في السياسة الأمريكية السودانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما اتُبع هذا المسار تحديدًا، وتمكنا من تحقيق قدرٍ ضئيل من النجاح في إخماد النزاعات التي عصفت بالبلاد آنذاك. لكن هذا لا يختلف أيضًا عن الإجراءات التي استخدمها ترامب في صراع غزة، إلا أن ضرورة الأمن القومي الأمريكي هناك أكثر وضوحًا مما هي عليه في السودان. وبالمثل، في عالم ما بعد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث جُرّدت وزارة الخارجية نفسها من خبراتها، وكان الوسيط الأمريكي الرئيسي الحالي يبيع شاحنات مستعملة في لاغوس قبل عام، علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن تحقيقه وكيفية تعريف النجاح. أولاً، إن إنهاء القتال على المدى القريب، واستئناف المساعدات الإنسانية على مستوى البلاد، وتمكين الناس من العودة إلى ديارهم والبدء في إعادة البناء بسلام، لن يكون إنجازًا هينًا. أعتقد أن هذا ممكن. لكن ما زلتُ متشككًا في كيفية تحقيق السودانيين لقدرٍ من “الحرية والسلام والعدالة” التي دعت إليها ثورتهم الشعبية. لقد وقع السودان في دوامة من الانقلابات والحروب الأهلية والتحولات الديمقراطية منذ استقلاله. أشعر أن إبرام الصفقات على مستوى النخبة من إدارة ترامب لديه القدرة على إنهاء هذه الحرب الحالية وإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي، لكنه لن يُسهم في نهاية المطاف في كسر الحلقة الأوسع التي تقود البلاد إلى انقلاب جديد وحرب أهلية في وقتٍ ما مستقبلًا. يبدو أن السودانيين سيفعلون ذلك بأنفسهم، على الأرجح بدعم أمريكي محدود.

المحقق – محمد عثمان آدم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/12 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة «السودان».. أكبر أزمة نزوح فى العالم..!2025/12/12 الخرطوم تنهض من تحت الركام2025/12/12 إقتراب موعد اقالة رئيس الوزراء كامل إدريس عبارة عن منقولات(ساذجة)2025/12/12 إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع2025/12/12 وداع إفريقيا في “أقصر حرب في التاريخ”!2025/12/11 «المستشارة التى أرادت أن تصبح السيدة الأولى».. قصة لونا الشبل مع النظام السورى بعد فيديوهات مسربة مع بشار2025/12/09شاهد أيضاً إغلاق تحقيقات وتقارير السيسي يحبط خطة “تاجر الشاي المزيف في السودان”.. كيف أفشل الرئيس المصري تحرك الموساد؟ 2025/12/09

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • سبعة أسئلة لكاميرون هدسون حول السودان والدبلوماسية وترامب
  • “الدولية للهجرة” تجدد دعوتها لوصول المساعدات بشكل آمن ودون أي عوائق إلى غزة
  • هل تتحرك واشنطن لإسقاط مادورو؟.. أسئلة حول استراتيجية ترامب المتصاعدة في فنزويلا
  • 4 أسئلة تشرح كيف يؤثر إلغاء قانون قيصر على معيشة السوريين؟
  • يلا سبووورت ⛹️ بث مباشر الآن لمباراة فلسطين والسعودية في كأس العرب بجودة عالية ودون تقطيع
  • الدبيبة يجيب عن أسئلة المواطنين مباشرة!
  • مجانا ودون اشتراك.. شاهد مباراة ريال مدريد ومانشستر سيتي اليوم دون تقطيع بث مباشر - دوري أبطال أوروبا
  • “كروموسوم الذكورة” بين التلاشي والاستقرار التطوري.. ماذا يقول العلم؟!
  • ضبط 14 مقاول للبناء المخالف خارج الحيز ودون ترخيص في المنصورة وعرضهم على النيابة العسكرية
  • 10 أسئلة لا بد منها لفهم تحولات نماذج العمل والأعمال