توقفنا فيما هم يهرولون «الأخيرة»
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
سوق الألقاب والشهادات والتكريم والجوائز فى بلدنا كبير جدًا، وكما أشرت الأسبوع الماضى يمكن لمن أراد أن يشترى أى من هؤلاء بالمال، لأن الألقاب لها سحرها الخاص لدينا، متوارثة من أقدم عصور مصر القديمة وصولًا إلى عهد الاحتلال العثمانى لمصر وحتى الأن، ففى العهد التركى كان هناك لقب الخديو والوالى، وفى عهد الملكية، وضع الملك فؤاد الأول قوانين تتضمن ألقابًا لأسرته.
فلأخوة والأخوات والأبناء أمير أو أميرة، وزوجات وأزواج الأمراء يطلق عليهم لقب نبيل أو نبيلة، وفى عام 1915، بعد فرض الحماية البريطانية على مصر أصدر السلطان حسين كامل أمرًا بتعيين رتب جديدة تحل محل القديمة، وهى رتبة الامتياز، وهى خاصة بالوزراء ومن هم فى مقام الوزراء، رتبة الباشوية، رتبة البكوية، وهكذا.
وجاءت ثورة عام 1952 م والغت جميع هذه الألقاب، وتقرر أن يخاطب الناس جميعًا بلقب «السيد» إلا أن ألقاب رجال الدين وألقاب السلك الدبلوماسى بقيت، كما احتفظ أبناء الشعب بإطلاق لقب «فلان بك» و«فلان باشا» على أصحاب المراكز والنفوذ خاصة ضباط الجيش والشرطة، بجانب لقب «سعادة» على الوزراء وما تحتهم من مناصب.
لقد اصبح من الراسخ فى فكرنا أن الألقاب تمنح هالة من الأهمية للشخص سواء كان يستحق أو لا يستحق، وللأسف هذه الألقاب تؤدى مع استمرار تداولها إلى محو الماضى الحقيقى لصاحب اللقب، ليتربع على سطح المجتمع ويتصدر اهتمام الإعلام، فيتم اختياره من قبل قيادات الدولة على أساس عملية «النفخ الصناعي» التى تمت له وتسند له المناصب والمراكز، على حساب من الأجدر والأصلح، وهو ما يكشف أحد أسباب تدهور بل فشل أسلوب العمل والإدارة، وذلك على النقيض مما يحدث فى الدول المتقدمة.
ناهيك على الشهادات المزورة التى تجلب لقب دكتور لصاحبها، أو التى يتم شراؤها، والجمعيات المؤسسات التى تبيع شهادات التكريم التى تحمل ألقاب وأوصاف ضخمة وهائلة، وتصف من يدفع الثمن بأنه أهم شخصية لهذا العام أو ذاك، وأنه قائد التنوير ورائد التأثير فى الثقافة والفكر، وهكذا، يختلط الحابل بالنابل، والحابل فى الحروب القديمة هو الجندى الذى يصطاد أعناق الأعداء بالحبال وهو على ظهر الخيل، والنابل هو الجندى يصطاد الأعداء بإطلاق النبال، ومع اشتداد الحرب وتصاعد الغبار تغيم الرؤيا وتختلط الأمور، فلا يُعرف حابل من نابل، وهذا ما يحدث فى بلدنا.
فكارثة الكوارث فى أى بلد فى العالم أن يتولى من لا يستحق مكانة هامة فى المجتمع بسبب ما ألصقه بنفسه من ألقاب ومسميات، وما ادعاه لنفسه من خبرات هو فارغ منها حتى ينتفخ كبالونه، وتحت تأثير آلة الإعلام التى تصاب بالغباء دون قصد، أو بالتجاهل المدفوع الثمن بقصد، يتم دفع هؤلاء إلى الواجهة وتلميعهم، فيما يتم إزاحة أهل الخبرة للوراء مع تلال من الإحباط، ولعلنا نرى بأنفسنا نماذج كثيرة مما أشير إليه ممن يتولون المناصب الهامة فى بعض المصالح والمؤسسات والشركات، هؤلاء الذين صدقوا انفسهم وألقابهم وما ادعوه من علم وخبرة، فصدقهم الناس، وأصبحوا بمثابة وبال على المؤسسات التى تولوا إدارتها، وتسببوا فى خرابها وتدمير مقدراتها.
فيما بالبلدان المتقدمة، الخبرة الفعلية والشهادات العلمية الحقيقية هى المعيار للتأهيل للوظائف الهامة وقيادة المؤسسات والمصالح وغيرها، وتعيين أى شخص فى وظيفة مهمة أو حتى غير مهمة، لا يتم قبل خوضه عدة اختبارات قاسية عليه اجتيازها بجدارة ليستحق الوظيفة أو المنصب، ومن هنا كان التقدم والنجاح لمؤسسات تلك الدول ولا يزالوا يهرولون للأمام، لأن القيادات هم من أصحاب الخبرة والعقل المتطور، لا من أصحاب الألقاب الوهمية والشهادات المدفوعة الثمن ولا من أهل الوساطة والمحسوبية ولا من أهل الثقة، وإن لم يتغير كل هذا لدينا، سنواصل التأخر، وسيواصلون الهرولة للتقدم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد
إقرأ أيضاً:
ميراث.. "البنات"
استغاثة عبر أحد المواقع ومقطع فيديو منتشر على السوشيال ميديا، لفتاة تدعى "الدكتورة هبة" تشكو فيها من التهديدات التى باتت تلاحقها من عائلة والدها الذين يطالبون بحقهم فى الميراث، على الرغم من أن كل الممتلكات نقلت بعقود رسمية لها فى حياة والدها.
الفتاة هى الابنة الوحيدة للمستشار الراحل يحيى عبد المجيد، محافظ الشرقية وأمين عام مجلس الدولة الأسبق، والتى أكدت، عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، تعرضها لمحاولات نزع ممتلكاتها من قبل بعض الأقارب الذين يستغلون نفوذهم.
وأوضحت أنها تواجه أحكامًا غيابية صدرت دون إخطارها، وقضايا كيدية تهدف إلى إجبارها على التنازل عن حقوقها.
وأعربت عن قلقها من التهديدات المباشرة والمراقبة والتتبع الذي تتعرض له، مما يهدد سلامتها الشخصية ومستقبلها، وأرفقت مستندات قانونية تؤكد ملكيتها الشرعية للممتلكات، وأن بعضها لم يكن ملك والدها الراحل، بل تم تسجيله باسمها مباشرة.
الفتاة الشابة قالت إنها غير متزوجة وهى تنفق من عوائد إيجار ممتلكاتها، وأضافت: "هذه الثروة جمعها أبي من سنوات عمله فى إحدى الدول العربية، ونقلها باسمي حتى لا أحتاج لأحد، وتساءلت لو أخذوها مني أترمي فى الشارع؟
الفتاة التى أبدت تخوفها من نفس مصير حفيد عائلة الدجوي، الذي لقي مصرعه في ظروف مأساوية مرتبطة بنزاع على الميراث، تفاعل معها الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكل حكي تجربته المماثلة والتى غالبا ما يعاني منها نسبة كبيرة من البنات فى مجتمعنا.
بالطبع الشرع والقانون يحدد الأنصبة فى الميراث عند وفاة الوالد، لكن غالبا ما يستحوذ الأخوة الذكور على كل الممتلكات ويماطلون فى إعطاء أخواتهم البنات نصيبهن من الميراث، بحجة أن ثروة العائلة يجب ألا تخرج لـ"الغريب" وهو زوج وأبناء الابنة، يحدث هذا فى القرى فاذا كان الميراث بيت أو قطعة أرض، فيتم فى أفضل الأحوال إعطاء البنت مبلغا زهيدا مقابل حقها، وهى ترضخ لذلك مراعاة لصلة الرحم، ولذلك تصر العائلات فى القرى والصعيد على تزويج البنات لأبناء عمومتها، حكت لى سيدة ريفية بأن والدها يصر على نقل ملكية قطعة أرض صغيرة إلى ابنه الذكر الوحيد، وحرمانها هى وأخواتها البنات الثلاثة من الميراث، بحجة أن الابن هو من يحمل اسمه وبالتالي ميراثه.
الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق، كان له رأى حاسم فى هذا الأمر، حيث أكد أن تقسيم الميراث بحسب الشريعة الإسلامية مختلف عن تصرف المالك في ماله وأملاكه وهو على قيد الحياة. مؤكدا أيضا على عدم المساس بأحكام المواريث التى تدخل حيز التطبيق بعد الموت وليس قبله، حيث يتمتع المالك أثناء حياته بحق التصرف في أمواله كيفما يشاء دون عدوان أو إهدار، وأيّد قيام الأب بكتابة أملاكه لبناته لحماية حقوقهن وسترهن في الدنيا.
في 5 ديسمبر 2017 وافق مجلس النواب على تعديل قانون المواريث، حيث تم النص على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، كما تعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثاً بالحبس 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه.
قصص كثيرة مليئة بالشجن فى قضية الميراث، فالقوانين لن تفلح فى تغيير صفات البشر الذين تربوا على معتقدات وعادات ينقصها الانصاف، ويعززها الظلم.