الملايين من البشر يتعرضون بشكل يومي لخطر الإصابة بالأمراض النفسية، كالتوتر والاكتئاب واليأس، والتي قد تؤدي للعجز والوفاة، وتحدث هذه المشاكل نتيجة تفاعل عوامل اجتماعية وبيولوجية وبيئية.
على الرغم من كثرة الضغوط النفسية التي يعاني منها كثيرون في مجتمعاتنا، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي تشهده، إلا أن بعض الأفراد يحجمون عن الذهاب إلى طبيب نفسي، كي يساعدهم على التغلب على أمراض عدة تحملها ضغوط الحياة اليومية، مثل الاكتئاب والقلق وغيرهما، معتبرين أن اللجوء إلى استشارة نفسية سيرتبط باتهامهم بالجنون، وغالبا ما يؤخرون تلك الخطوة ويخجلون من الإقدام عليها، فتتفاقم مشكلاتهم النفسية، ويقعون فريسة صراع بين نظرة المجتمع وضغوط الذات.


بعض الأمراض ينظر اليها المجتمع بطريقة تقلل من شأن صاحبها، فتستخدم أحيانا عبارات تضع الأشخاص المصابين بهذه الأمراض في خانة من التمييز السلبي، كأن يُقال مثلا "صاحبك مريض نفسي"، أو "ابنك مريض نفسي" يجب عرضه على الطبيب.
ومن جهة ثانية هناك عدم تقبل الأهل لهذه الحالات ورفض فكرة عرض المريض على الطبيب النفسي، مما يؤثر سلبا على الطفل وتقدمه في الحياة.
فلماذا هذا الخوف من الأمراض النفسية؟ وكيف يمكننا التعامل مع المجتمع والأهل لتقبل حالات المرض النفسي والعمل على معالجته؟
في حديث لـ " لبنان 24" قالت د. رندا وهبه، أخصائية ومعالجة نفسية أن "الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمخاطر الاضطراب النفسي، هم الذين يتعرضون لظروف شاقة، بما فيها الفقر والعنف ومشاكل صحية وعدم المساواة، وقد تجتمع في أي وقت من الأوقات مجموعة من العوامل الفردية والأسرية والمجتمعية والهيكلية التي تهدم الصحة النفسية".
وأكدت وهبه أنه "من الضروري تغيير التوجهات بشأن المرض النفسي، حيث يُنظَر إلى الأمراض النفسية حاليًا بوصفها اضطرابات في العقل، وهي اضطرابات يمكن في أغلب الأحيان علاجها بنجاح من خلال استخدام الأدوية".
وأشارت إلى أن "عددا كبيرا من المرضى النفسيين لا يطلبون المساعدة حيث تنتشر نظرة سلبية عن هذا المرض، والكثير من الحالات التي تتردد على الاطباء النفسيين تقوم بذلك في مراحل متأخرة، في حين أن العلاج المبكر يسهم في تماثلها للشفاء سريعاً".
وأوضحت انّ "علاجات الأمراض النفسية ليست إدمانية، هي أدوية عادية يمكن أن تُحَسّن من حال المريض النفسية، وحتى أن توصِله إلى الشفاء التام".
وقالت وهبه أنه "على الرغم من الانفتاح والوعي حول الصحة النفسية في مجتمعاتنا، لايزال المجتمع يجلد المريض النفسي مهما كانت حالته. لذا ما زال كثير من المرضى يترددون في زيارة طبيب أو معالج نفسي، وإن حصل فبتكتم شديد. إذ يكفي ما يعانيه المريض من أوجاع نفسية ليتحمل أحكام المجتمع ونظرته الفوقية له".
وأكدت أن "النساء هم اكثر عرضة للاصابة بالمرض النفسي من الرجال، وكلا الجنسين يعانيان من مشكلات نفسية متشابهة، مع اختلافات طفيفة في كيفية التعبير عنها وطرق علاجها، حيث أغلب الرجال يلجأون الى المخدرات وشرب الكحول".
وقالت وهبه أنه " يمكننا دعم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نفسي من خلال تفهم الحالة الصحية للمريض واستخدام لغة حوار تتسم بالاهتمام والتقدير، وبناء علاقة قوية معه بحيث يشعر بالراحة والطمأنينة والأمان، وأيضا الالتزام بالتواصل مع  الأطباء المعالجين بصورة مستمرة، مع توفير الرعاية الصحية الجيدة للمريض النفسي".
وتختم مشددة على أن "طلب المساعدة النفسية خطوة ضرورية للحفاظ على الصحة النفسية، بغض النظر عن الجنس. فالعلاج النفسي يساعد على فهم المشاعر، وتطوير مهارات التأقلم، والعيش حياة سعيدة ومنتجة".
أحمد شاب في الثلاثين من عمره، يتحدر من عائلة تعيش تحت خط الفقر في بيروت. يعاني "أحمد" من الفصام، وهو مرض نفسي مزمن قد يتجلى في الهلوسة والأفكار السلبية، ويمرّ عبر انتكاسات، مع واقع مؤلم ومقلق يعيشه المريض.
ويؤكد أحمد أنه ليس بخير، على الرغم من أنه لا يعاني من أي ألم، وفقط من أصيب يوماً بمرض نفسي يتمنى استبدال هذه المشاعر المتضاربة بأي ألم واضح المعالم، إذ إن غموض الأحاسيس وغرابتها تجعله أسير تلبّدات عاطفية وعصبية ونفسية ممزوجة ببعضها ومتفاوتة.
وقال أن موضوع الصحة النفسية موصوم بالعار، فالمجتمع اللبناني يهتم بالظاهر والشكل على حساب الجوهر والمضمون حتى اختل حكمنا على الأمور، لأننا أصبحنا لا نقيم وفق معايير ثابتة حقيقية، ولكن وفق استيفاء مظاهر الشكل".
وأكد أنه يتناول أدوية عصبية، ويواجه كثيراً من الأحكام والنصائح، إما لزيارة شيوخ وأن أحدهم صنع له (كتيبة)، أو أن جنّاً يلبّسه.
ويسعى أحمد لمعالجة ذاته وحده ولكن بحسب قوله أنه لم يفلح "الموضوع أكبر مني، ولا يمكن علاجه بسماع الموسيقى والمشي"، وبعدها استشار طبيب واكد له أن هناك إفرازات هرمونية تتسبب له بمشاعر مرعبة، ولا تتعدل إلا بتناول الدواء.
ويعتبر أحمد أن الدواء الذي يواظب عليه طوال هذه الفترة كان خشبة خلاصه، وسبباً في بداية فتح صفحة جديدة في حياته وحياة عائلته.
ويضيف، "بسبب الناس تتولد لدينا أزمات نفسية، وبسبب أحكامهم نخاف أن نتعالج، وهذه معضلة كبيرة. على المريض أن يفكر بصحته بغض النظر عن نظرة المجتمع".
لذلك يهدف العلاج النفسي إلى استقرار حالة الفرد النفسية، ومساعدته في التغلب على مشاكله ليستطيع المضي قدمًا في حياته، والتغلب على صعوبات التعامل مع الأحداث اليومية، كما يساعد على تغيير الأفكار أو السلوكيات غير الصحية، وقد يستخدم بمفرده أو بجانب العلاج الدوائي.
ويجب محاسبة بعض الجهلة الذين يشوشون أفكار عامة الناس. فمجرد انتشار الخبر في أن شخصاً ما يتعالج عند  طبيب نفسي. يبدأ المحيطون به بالابتعاد عنه، ويعتقدون أنه لن يُشفى أبداً. مع  العلم أنه مثله مثل المرض الجلدي يمكن علاجه وقابل للتعافي.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الأمراض النفسیة الصحة النفسیة على الرغم من

إقرأ أيضاً:

ما حكم صرف أدوية لا يحتاجها المريض؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا تقول صاحبته: ما حكم صرف أدوية لا يحتاجها المريض؛ فأنا طبيبة أعالج موظفي الشركات العامة وذلك عن طريق تعاقدي مع مستشفى حكومي، وكثيرًا ما يطلب مني المرضى أن أساعدهم بأن أصف ما لا تحتاجه حالتهم؛ لأن شركاتهم لا تدفع مصاريف علاجهم كاملة. فما رأي الدين في ذلك؟

هل يجوز للمرأة أن تصلى فى المكتب أمام الرجال؟..الإفتاء تجيبما حكم إجراء عملية ربط المبايض حفاظا على استقرار صحة الأم؟.. الإفتاء تجيبحكم إجراء جراحة للمريض فاقد الوعي بتفويض من أهله.. الإفتاء تردحكم رهن الأسهم للحصول على قرض.. الإفتاء توضح

وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: من المقرر شرعًا أن الـمُعِينَ على المعصية شريك فيها، وحيث إن هؤلاء المرضى يطلبون أدوية وغيرها مما لا تحتاج إليه حالتهم الـمَرَضية فإن ذلك من قبيل أكل أموال الناس بالباطل المحرم شرعًا؛ لأن هذا من المال العام الذي ينتفع به الأرامل واليتامى وذوو العاهات وغيرهم، ومن ثم تكون إعانة هذه الطبيبة لهؤلاء المرضى وصرف ما لا تحتاجه حالتهم المرضية من الأدوية حرامًا شرعًا. وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.

حكم استبدال علاج التأمين الصحي بمال أو بأدوية أخرى

قال الدكتور محمد سيد سلطان، أستاذ بجامعة الأزهر، إن الأدوية التي يصرفها التأمين الصحي وغيره من الهيئات والجهات العلاجية لا تُصرَف إلا لمن يحتاجها من المرضى المشتركين في التأمين؛ وذلك وفقًا للشروط واللوائح المنصوص عليها في عقود التأمين مع تلك الجهات، وحينئذٍ فلا يجوز شرعًا تجاوز شرط هذا العقد بأخذ ما لا يحتاجه الإنسان من الأدوية، سواء أكان ذلك لنفسه أم لغيره.

وأضاف "سلطان" ، فى إجابته عن سؤال ( ما حكم قيام الموظف غير المريض بإستبدال علاج التأمين الصحي بمال أو بأدوية اخرى؟)، أن هذا لا يجوز لأن التأمين الصحي هذا جعل للمرضى فقط وليس لتبديل العلاج بالمال أو بالكماليات بمعجون الأسنان أو حفاظات الأطفال، وحتى فى قانون التأمين لو اطلع الطبيب على هذا لعاقب من يفعل ذلك.

وأشار إلى أن بعض الصيادلة يقومون بالاتجار في أدوية التأمين الصحي المدعومة والمخصصة لذوي الحاجة من خلال صيدلياتهم العامة حرامٌ شرعًا؛ لما فيه من اعتداءٍ على المال العام، وظلمٍ وعدوانٍ على حقوق الناس وأكلِها بالباطل، ومخالفةٍ لوليِّ الأمر الذي جعل الله تعالى طاعتَه في غير المعصية مقارِنةً لطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما أن معاونتُهم على ذلك من قِبَل بعض العاملين بوزارة الصحة أو المستَأمنين على إيصال هذا الدواء إلى مواضعه المخصصة له تعدُّ من خيانة الأمانة.

طباعة شارك صرف أدوية لا يحتاجها المريض حكم صرف أدوية لا يحتاجها المريض أدوية المريض مريض

مقالات مشابهة

  • هل المريض النفسي مسؤول عن تصرفاته؟
  • العار.. تعليق مثير من فتحي سند على خروج منتخب مصر من كأس العرب
  • معرض للتوعية بأهمية الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض
  • الحصول على لقاح الإنفلونزا أمر مهم خاصة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والتنفسية
  • شهادتي على لقاء الأسد ومشهد العار في جامع المسلمين
  • الأمراض النفسية ... أزمة صامتة تهدد العالم
  • فيلم جريء ومؤثر نفسيًا.. أحمد حاتم يروي تجربته في "الملحد"
  • «العار والألم».. المعركة المزدوجة لمرضى الإيدز
  • المسؤولية المجتمعية يشدد على أهمية منظومة الوقف التعليمي داخل الجامعات العربية
  • ما حكم صرف أدوية لا يحتاجها المريض؟.. الإفتاء تجيب