«سبع قمم» رحلة تقود لاكتشاف الذات
تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT
خالد بن مرضاح (جدة)
فيلم “سبع قمم” هي دراما وثائقية من المملكة العربية السعودية يشارك في مسابقة «السينما السعودية الجديدة» فئة الأفلام الطويلة. يوثّق الفيلم رحلة المغامر السعودي بدر الشيباني في تحدّي تسلّق أعلى قمة، في كلّ قارة من القارات السبع، في مغامرة تجمع بين اختبار البقاء، والرحلة التي تقود إلى اكتشاف الذات.
الفيلم من إخراج أمير الشناوي؛ وإنتاج رؤى المدني؛ ويُعد عرض الفيلم بمهرجان كبير مثل مهرجان البحر الأحمر نضجاً فنياً كبيراً في السينما الوثائقية السعودية؛ كما يعكس أهمية التجارب الإنسانية والثقافية التي أصبحت جزءاً مهماً من الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى أن عرضه بالمهرجان، الذي يعد منصة واسعة، يزيد من فرص انتشار العمل بين الجمهور العربي والدولي.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
موت السينما
استأجر المخرج الألماني فيم فندرز Wim Wenders خلال مهرجان كان السينمائي سنة 1982، غرفة في فندق «مارتينيز» -الغرفة رقم 666- ووضع فيها كاميرا ثابتة وتركها تعمل وحدها. استضاف كبار المخرجين واحدًا تلو الآخر، يدخلون الغرفة وحدهم، يجلسون أمام الكاميرا، ويجيبون عن سؤال واحد فقط: «هل السينما كما نعرفها اليوم (عام 1982) في طريقها إلى الموت؟»، كان هذا موضوع فيلم فيندرز «غرفة 666».
كان التلفزيون آنذاك قد استحوذ على اهتمام الجماهير. في غالب الظن أن السؤال بدأ من هنا. لكنه اشتبك في إجابات المخرجين المستضافين مع أسئلة أخرى، تتعلق بموت الفنون مثل موت الرواية، كما تحدثوا عن شركات الإنتاج الضخمة وتحكمها في السينما، وسردوا قصصًا عن شغفهم الشخصي بالسينما قبل رغبتهم في مشاركة هذه الأفلام مع المشاهدين.
كانت مشاهدتي للفيلم هذا الأسبوع مربكة. أحسستُ برغبة في الضحك بهستيرية، ثم الشعور بالخوف والخواء. لا بد وأن هذا السؤال اليوم يُعد تافها وإن لم يكن كذلك فهو «كرة» يتقاذفها صنّاع المحتوى عن مصرع الفنون أمام تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو فنائها مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي. سيأخذ السؤال تنويعات تشمل التلفزيون نفسه، الوسيط الذي لا يحتفظ بمكانته السابقة. مع ذلك كان الفيلم نفسه والذي يقع في ٤٥ دقيقة ساحرًا، يبدأ من شجرة معمرة في الطريق إلى كان في فرنسا، شجرة يتجاوز عمرها بدايات السينما، شهدت على انطلاقها، شجرة أرز قادمة من لبنان كما يُخبرنا فيندرز نفسه.
أفكرُ في مشاهدتي للسينما، ككاتبة مقالات انطباعية عن الأفلام، شاركتْ في تحكيم مسابقات سينمائية، أنا لا أتذكرُ مشاهدتها في صالة العرض، في الحقيقة أنا لم أشاهد فيلما في السينما منذ كورونا حتى اليوم عدا مرة واحدة دعيتُ فيها لتدشين فيلم عُماني قصير قبل نحو شهرين من كتابتي لهذه المقالة. لعلي استدعي في هذا السياق ما قالته الشاعرة فروغ فرخزاد في إحدى رسائلها، إنها تحب السينما ويؤسفها أنها لا تستطيع في هذه المدينة أن تشاهد فيلمًا جيدًا.
اعتمدتُ منذ البداية على قرصنة الأفلام، ولولا ذلك لما شاهدتُ في حياتي سينما فنية، انتظرتُ مع أصدقائي تحديثات بخصوص جودة النسخ المنشورة والتي تبدأ عادة مع النشر الأول رديئة للغاية. ثم كتبنا عن الأفلام هنا وهناك، أنا نفسي في أول برنامج إذاعي لي على إذاعة سلطنة عُمان قدمتُ برنامجًا عنوانه «انطباعات سينمائية». لكن أين أقف أنا والرفاق من هذا الآن؟ نحن أبناء جيلنا وفترتنا الزمنية، حيث منصات العرض كنتفليكس وأمازون وغيرها أكثر توفرًا وأسهلُ وصولًا. أما المواقع التي اعتدنا عليها ففقدنا معظمها مع شهادات رثاء تتوالى طوال الوقت. كان مؤسفًا أن يغلق موقع الترجمة الأشهر للأفلام «SUBSCENE» قبل سنة من الآن؛ كان هذا الموقع ملاذنا لتحميل الترجمات، بالإضافة لكونه نافذة لمطالعة الأفلام التي يفضلها المترجمون المفضلون لنا، فيوفر لكل منهم مكتبة بترجماتهم، فما إن تجد من تتفق معه في الذائقة حتى تهتدي بما يختار دون أن تعرف شيئًا عن الفيلم.
سافرتُ السنة الماضية لألمانيا، تركتُ «اللاب توب» مفتوحًا بينما اقرأ، لم أكن أعرف أنني لم أغلق تطبيق «تورنت» وهو تطبيق وسيط بمثابة منصة تقوم بتحميل الأفلام المقرصنة، لكن هذه الأفلام ليست في مكان واحد، بل هي في أجهزة من قام بتحميلها. وبعد تحميل الفيلم، تتاح خاصية «البذر» وهي الإبقاء على الفيلم متاحًا لمستخدمين آخرين، كما لو أننا نزرع تربة وراء أخرى. فاتني إغلاق هذه الخاصية. وصل لمكان سكني خلال يومين من هذه الحادثة إنذار غرامة بقيمة (٣٠٠٠ يورو) لرفع فيلمين على الإنترنت. كدتُ أفقد عقلي حينها، لكن هذا ليس أكثر من بداية لممارسات أكثر تشددًا حول ملكية الحقوق الفكرية للأفلام. لم تعد الأفلام متاحة كما كانت في السابق، السينما تموت لا لخيارات الترفيه والفن الأخرى بل لأنها حصرية وغير مشاعية وبعيدة جدًا.
غابت الأسماء التي كانت تدون عن السينما في الخليج، البعض انخرط في أعمال مؤسسية داخل بلدانهم، لتصبح أعمالهم إدارية، تتعلق بالتخطيط لمهرجانات لا يبدو أنها تؤتي ثمارها، فالسينما في وضع سيئ للغاية في الخليج -هكذا على الأقل بعد مشاهدتي لأفلام مهرجان الخليج السينمائي في الرياض قبل سنتين من الآن- يتعامل صنّاع السينما الخليجية مع الأفلام غالبًا بوصفها مشاريع للنشر في منصات البث المشهورة التي أشرتُ إليها. أو باعتبارها طريقة للمرور إلى مهرجانات لا يسمع بها إلا القلة، ولا يصل إليها الشغوفون بالسينما منتظرين نسخة مقرصنة من فيلم أشيد به.
تتجه الكثير من شركات الإنتاج في الخليج والتي بدت واعدة عند إنشائها لإنتاج المحتوى الرقمي للإعلانات التجارية، فهي مربحة وأقل كلفة تشغيلية. وتزداد الرقابة على الأفلام بسبب موظفي أجهزة الرقابة الذين لا علاقة لهم بالسينما، ويقرأون الأعمال بحرفية. قال لي مخرج عُماني إن فيلمه لم يتخط الرقابة لأن فيه إشارات للسحر.
ينتهي فيلم فيندرز بالشجرة نفسها في مشهد إظلام، ذلك بعد أن يظهر هو ليضع أمام الكاميرا شريطا مسجلا في جهاز راديو صغير، للمخرج التركي يِلماز غوني الذي اعتقل بسبب أعماله ولم يتمكن من الوصول للغرفة ٦٦٦.
أريدُ حقًا أن أجمع صنّاع السينما في غرفة صغيرة أمام كاميرا ربما تكون غالبًا كاميرا «الموبايل» وأسألهم: هل ما زالت السينما حية في مكان ما؟