أيهم المحظور المؤتمر الوطني أم القوى المدنية؟
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
أيهم المحظور المؤتمر الوطني أم القوى المدنية؟
خالد فضل
(1)
عند اندلاع حرب 15 ابريل 2023م، كان قد مضى على عودة عناصر النظام البائد للسلطة المطلقة نحو عام ونصف العام، فمنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م عاد الإسلاميون للظهور بقوة بعد فترة اختفاء قصيرة تحديدا من 30 يونيو 2019م إلى أكتوبر 2020م، التواريخ مهمة جدا في سياق ما نحن بصدده، ففي أكتوبر 2020م تم توقيع اتفاقية جوبا والتي ظهر بموجبها فصيل من فصائل الإسلاميين بقيادة د.
لقد ظل المؤتمر الوطني يسيطر ويحكم ليس عبر المنظومة العسكرية والأمنية فحسب بل عبر دولاب الخدمة المدنية، وعندما اندلعت الحرب كانت هذه هي الصورة الحقيقية للوضع، بكل واقعية، وقد نوه حميدتي إلى هذا الأمر أكثر من مرة، وأن عناصر العهد المباد قد سيطروا على السلطة عقب انقلاب 25 أكتوبر بما يخالف الاتفاق بينه وبين البرهان عندما تآمرا سوياً ونفذا الانقلاب، المهم حميدتي اعترف بالخطأ واعتذر عن مشاركته في ذلك الانقلاب، وكل أحاديثه في هذا الشأن متاحة عبر شبكة الإنترنيت، لست هنا في مقام تقييم كذبه من صدقه فيما قال وزعم، ولكن للتنبيه إلى أحد أهم جذور الحرب. وهو شعور الإسلاميين أن السلطة ربما تنتزع منهم سلمياً هذه المرة وإلى الأبد إذا تم التوقيع على الاتفاق الإطاري، وتم تنفيذه بجدية وصدق، فهو يشتمل على تجريدهم من أهم أداة للقهر والقمع، الجيش والأجهزة الأمنية، بتحويلهما إلى مؤسسات موحدة مهنية وطنية قومية احترافية تبتعد عن الحكم والاقتصاد! وهذا أمر دونه تدمير البلاد. كما صرحوا وقالوا ومنشور ومبذول لكل باحث عن الحقيقة.
(2)
لحظة اندلاع الحرب كان الوضع كالآتي: رأس مجلس سيادة انقلابي قائد الجيش، وكلاء وزارات وحكام ولايات ومسؤولين في أروقة الدولة عينهم قائد الانقلاب معظمهم من عناصر التنظيم المحظور اسميا المؤتمر الوطني، وبعض منسوبي حركات اتفاق جوبا- الغريب أن التوم هجو زعيم مسار الوسط عاد بعد أربعة أعوام على اتفاق جوبا ليسأل عن حصته في السلطة والسلاح- مجلس السيادة الانقلابي نفسه أبعد منه حميدتي (لتمرده) والطاهر حجر ود. الهادي إدريس لرفضهما الحرب ودعوتهما للسلام، بقي مكنكشاً فقط مالك عقار داعية الحرب ورافض السلام مع بقية عناصر المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية.
(3)
في سياق الحرب، ودعايتها المركزة، تم تجريم القوى المدنية والثورية التي كانت وما تزال تناهض الانقلاب وتتمسك بالانتقال المدني نحو الديمقراطية، وترفض الحرب، وفي استغلال تام لغرس الغيبوبة والتجهيل والتسطيح وتجريف العقول الذي رعاه الإسلاميون لأكثر من خمسين عاماً وحان وقت قطافه، تحول الثوار والثورة والقوى المدنية إلى مدانيين ومذنبين بتهمة إشعال الحرب التي يقودها الدعم السريع ضد كتائب ومليشيات الإسلاميين الرسمية، وشبه الرسمية، لقد بات الفعل المدني السلمي جريمة، وتبارى ولاة الولايات المنتمين للتنظيم والمعينين من قائد الانقلاب والحرب البرهان يصدرون الفرمانات بتجريم الانتماء لتنظيمات وقوى تحالف إعلان الحرية والتغيير(ق. ح. ت)، ومن بعد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بل صار العسكر التابعين للمليشيا الإسلامية يفتشون هواتف الصحفيين، كما حدث للصحفي صالح محمد عبد الله في أم درمان الاسبوع الفائت، وتحذيره بأنه يتعرض لتهم خطيرة لإنتمائه للحرية والتغيير- المجلس المركزي، وهو ما نفاه الزميل حسب إفاداته، لقد باتت قوى الثورة هي المحظورة بينما عناصر المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية هي المشروعة، والسبب المزعوم هو أنها ذراع سياسي للدعم السريع، يقرر المؤتمر الوطني وعناصره تعيين الخصوم مثلما يعينون الموالين، ينصبون هذا وطنيا مخلصا وذاك خائنا مجرما، يحظرون تلك القوى ويبيحون لهذه المليشيات المجال، يحدث ذلك طبعا في ولايات كسلا والبحر الأحمر والقضارف والشمالية بالكامل وبعض أنحاء الخرطوم والجزيرة ونهر النيل وشمال دارفور وكردفان والنيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار؛ أي في المناطق التي تسيطر عليها مليشياتهم الرسمية والجهوية والقبيلية والعقائدية، وتتبجح قائدتهم سناء حمد بتحديد من تتفاوض معهم ومن ترفض، ومع ذلك تجد من السودانيين من يغالط نفسه بإصرار نافياً مسؤولية الإسلاميين عن إشعال الحرب والدمار ويسندها مباشرة إلى القحاطة أو تقدم، ومع أن مأثور القول (من لم تجلبه قلائد الإحسان جذبته سلاسل الامتحان) بيد أن سلاسل الامتحان القاسي يبدو أنها فشلت حتى الآن في إنارة طريق ووعي بعض من رانت عليهم غشاوة العقود من التخريب للعقول ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الوسومالأجهزة الأمنية البرهان الجيش الخرطوم المؤتمر الوطني النيل الأبيض انقلاب 25 اكتوبر 2021 تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم جبريل إبراهيم حميدتي خالد فضل دارفور قوى الحرية والتغيير نهر النيلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأجهزة الأمنية البرهان الجيش الخرطوم المؤتمر الوطني النيل الأبيض انقلاب 25 اكتوبر 2021 تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم جبريل إبراهيم حميدتي خالد فضل دارفور قوى الحرية والتغيير نهر النيل المؤتمر الوطنی القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
د. علي عبدالحكيم الطحاوي يكتب: القوى العظمى في العالم إلي أين ..!!
لا يزال العالم يعيش حالة من التحول في موازين القوى الدولية فبعد عقود من الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، خصوصًا منذ نهاية الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تحديدًا بين عامي 1980 و1990 تغيرات جذرية في السياسة العالمية، مع انهيار الاتحاد السوفييتي وتوحيد ألمانيا وانسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان وأوروبا الشرقية، وتراجع الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
وأرى بعد نهاية الحرب الباردة بدأت ملامح تعددية قطبية تلوح في الأفق، مع بروز قوى أخرى تسعى لتأكيد حضورها العالمي، وإعادة تشكيل التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم هي القوة الأعظم من حيث التأثير العالمي، بما تمتلكه من أدوات تفوق على جميع المستويات: اقتصاد متنوع وضخم، نفوذ عسكري غير مسبوق، هيمنة تكنولوجية، وسيطرة نسبية على المؤسسات المالية الدولية ولكن هذا التفوق بات يواجه تحديات داخلية وخارجية واضحة فمن جهة هناك انقسامات داخلية حادة تؤثر على السياسة الخارجية، ومن جهة أخرى، تتصاعد قوة الصين وروسيا بشكل قوي مؤثر يصعب تجاهله.
لذلك الصين في المقابل، لا تسعى إلى الهيمنة بالشكل التقليدي في القرن الماضي، بل تتقدم باستراتيجية هادئة تعتمد على الاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمار طويل الأمد، كما نرى في مشروع الحزام والطريق الذي يربط الصين بقارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهذا الصعود لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى القوة العسكرية التي تشهد تطورًا لافتًا، والتأثير السياسي المتزايد في المنظمات الدولية، بل ومحاولات خلق نظام عالمي موازٍ يحدّ من تفرد الغرب بقيادة العالم.
أما بالنسبة لدولة روسيا، فتعتمد في إعادة بناء مكانتها على الإرث السوفييتي من حيث النفوذ الجيوسياسي والقدرات النووية ومن خلال التدخلات العسكرية في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا قبل ذلك، تحاول فرض نفسها كلاعب لا يمكن تجاوزه في المعادلات الدولية رغم ما تواجهه من عقوبات اقتصادية وعزلة غربية نسبية، فإن موسكو تراهن على تحالفاتها الجديدة وعلي مجموعة البريكس، وعلى استثمار التناقضات الدولية لإعادة تثبيت نفوذها.
بالنسبة للاتحاد الأوروبي لا يكتمل الواقع الجديد دون النظر إليه لإنه يمتلك قوة اقتصادية هائلة وقدرة تأثير دبلوماسي، لكنه يفتقر للوزن العسكري الموحد، ويعاني من تشتت في القرار السياسي، ما يُضعف من قدرته على لعب دور مستقل كقوة عظمى مكتملة الأركان ومع ذلك يظل فاعلًا مهمًا، وخاصة في ملفات حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
وهنا في خضم هذا المشهد الدولي المعقد للقوي العظمى تتأثر منطقة الشرق الأوسط تأثرًا مباشرًا بتحركات هذه القوى الولايات المتحدة، رغم تقليص وجودها العسكري، لا تزال تملك نفوذًا واسعًا عبر تحالفات استراتيجية مع دول كالسعودية ومصر.
أما روسيا، فقد عززت من موقعها الإقليمي من خلال تدخلها في سوريا سابقا.
بينما تسعى الصين إلى التغلغل الاقتصادي في المنطقة دون الدخول في صراعات مباشرة.
أما أوروبا، فتبقى حاضرة في القضايا الإنسانية والتنموية، ولكن بفعالية محدودة سياسيًا.
لذلك أرى بوضوح أن ما يمكن استنتاجه هو أننا نشهد تفككًا تدريجيًا لفكرة "القطب الواحد" وبداية مرحلة جديدة من تعددية القوى، حيث لا توجد دولة واحدة قادرة على فرض إرادتها منفردة، بل باتت المعادلات الدولية تقوم على التفاوض، توازن المصالح، وتقاطعات النفوذ هذا التحول يخلق تحديات وفرصًا في آن واحد، ويضع الدول الصغرى والمتوسطة أمام خيارين: إما التبعية لأحد الأقطاب، أو محاولة لعب دور مستقل يعتمد على التوازن والمرونة مثل مصر في ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
في النهاية، فإن صراع القوى العظمى ليس مجرد تنافس على النفوذ، بل هو معركة على شكل العالم القادم: هل سيكون عالمًا تعدديًا متوازنًا، أم سيعيد إنتاج أنماط الهيمنة بشكل جديد؟ هذا ما ستكشفه السنوات القليلة المقبلة.
ولكن أرجح التعددية القطبية لأنها أصبحت قوى لا يستهان بها.