جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-17@20:15:40 GMT

خريج بلا أمل منذ 2009

تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT

خريج بلا أمل منذ 2009

 

 

سلطان بن محمد القاسمي

تبدأ رحلة التعليم منذ الطفولة؛ حيث يخطو الطفل أولى خطواته في عالم المعرفة، بدءًا من الروضة، مرورًا بالمرحلة الابتدائية، ثم الإعدادية والثانوية. حيث يواجه الطلاب خلال هذه المراحل تحديات عديدة، لكنهم يستمرون في سعيهم لتحقيق أحلامهم. وعند الانتهاء من المرحلة الثانوية، يتجه الطلاب إلى التعليم العالي، حيث يختارون التخصص الذي يأملون أن يكون بوابتهم لمستقبل مهني مشرق.

وتعدُّ مرحلة التعليم العالي من المراحل الحاسمة في حياة الطلاب؛ حيث يتخصصون في مجالات معينة ويكتسبون المعرفة والمهارات اللازمة لدخول سوق العمل. لكن هذه الرحلة التعليمية التي تستغرق سنوات من الجهد والدراسة لا تضمن دائمًا وظيفة مضمونة بعد التخرج. حيث يعاني العديد من الخريجين من عدم وجود الوظائف، خاصة في التخصصات التي لا تحظى بفرص توظيف كبيرة مثل علم الاجتماع.

وهنا أقصُّ عليكم قصة شاب عُماني طموح، تخرج في العام 2009 من جامعة مرموقة حاملاً شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع. حيث كان ينظر إلى المستقبل بعينين متلألئتين بالأمل، ويرى في نفسه القدرة على المساهمة في بناء مجتمعه وخدمة وطنه. كانت تلك اللحظة التي حصل فيها على شهادته مليئة بالفخر والاعتزاز، لم يكن يعلم حينها أن الطريق أمامه سيكون مليئاً بالعقبات والأشواك.

فمنذ تخرجه، بدأ هذا الشاب رحلة طويلة وشاقة في البحث عن عمل، وقدم طلبات لا تُحصى إلى مؤسسات مختلفة، سواء كانت تلك الوظائف معلنة أو غير معلنة. كما خضع للعديد من الاختبارات والمقابلات، لكن النجاح كان دائماً بعيد المنال. فكلما ازداد عدد المتقدمين لكل وظيفة، ازدادت صعوبة المنافسة، وأصبحت الفرص تتلاشى أمام عينيه كسراب في صحراء قاحلة.

مرَّت سنوات طويلة وهو يحاول بجد وإصرار العثور على وظيفة تليق بمؤهلاته. وفي كل مرة كان يعود إلى بيته بخيبة أمل جديدة، كان يرى في عيون أسرته نظرات القلق والحزن، حيث تعب والديه وأفراد أسرته في دعمه مالياً ومعنوياً لتحقيق حلمه في الحصول على شهادة جامعية. كانوا يأملون أن يروا ابنهم موظفاً ناجحاً، قادراً على دعم نفسه والمساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للأسرة. لكن بدلاً من ذلك، وجدت الأسرة نفسها مضطرة لمواصلة دعمه في ظل ظروف معقدة وصعبة.

كان هذا الشاب يتساءل دوماً: ما ذنبي؟ ما ذنب أسرتي التي استثمرت كل ما لديها في تعليمي؟ كان يشعر بأن السنين تمر سريعاً، وكل يوم يمر يزيد من شعوره باليأس والإحباط. كان يرى أقرانه الذين تخرجوا في نفس الفترة وهم يحصلون على وظائف جيدة ويحققون نجاحات، بينما هو ما زال يبحث عن فرصة لتحقيق أحلامه.

ومع مرور الوقت، بدأت فكرة البحث عن عمل خارج عمان تراوده. ورغم أنه كان يأمل أن يخدم وطنه ويسهم في تطوير مجتمعه، إلا أن الواقع القاسي دفعه إلى التفكير في الاغتراب. حيث بدأ في تقديم طلبات للعمل في الدول المجاورة، لكنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة. البحث عن وظيفة في بلد غريب ليس بالأمر السهل، ويزيد من شعوره بالإحباط والظلم.

كانت المعاناة لا تقتصر على الجانب المهني فقط، بل تجاوزت ذلك إلى الجانب الشخصي والنفسي. فقد كبر هذا الشاب وأصبح عمره يتقدم دون أن يرى أي تقدم في مسيرته المهنية. أصبحت الحياة بالنسبة له سلسلة من المحاولات الفاشلة والآمال المحبطة. كان يتساءل عن مستقبله ومستقبل أسرته التي تعبت وضحت من أجله. كيف يمكن أن يستمر في هذا الطريق المليء بالمعاناة؟ وما هو الأمل الذي يمكن أن يتمسك به؟

لم يكن الشاب وحده في هذه المعاناة، فقصته تعكس حال العديد من الشباب العماني الذين يواجهون نفس التحديات. إنهم يعانون في صمت، يبحثون عن فرص تليق بمؤهلاتهم وأحلامهم، لكن الواقع غالباً ما يكون قاسياً وظالماً. هذه القصص تجسد صوت جيل كامل يحتاج إلى دعم حقيقي من المجتمع والحكومة.

وعليه، ومن هذا المنبر أناشد الجهات المعنية في عمان أن تأخذ بعين الاعتبار الحالات الفردية مثل حالة هذا الشاب والعمل على إيجاد حلول مخصصة تلبي احتياجاتهم الفعلية. يجب أن تكون هناك مبادرات حكومية وشراكات مع القطاع الخاص تهدف إلى تحديد وتوظيف هؤلاء الخريجين في مجالات تتناسب مع مؤهلاتهم. يجب أن يتم إنشاء برامج دعم موجهة خصيصاً لهؤلاء الذين يعانون من البطالة طويلة الأمد، وتقديم الاستشارات المهنية والدعم النفسي لهم ولأسرهم.

كما يجب على المؤسسات التعليمية مراجعة وتحديث برامجها الأكاديمية لتتوافق مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، والعمل على إنشاء روابط أقوى مع الشركات والمؤسسات لتوفير فرص تدريبية وتعليمية تلبي احتياجات تلك الشركات. هذا من شأنه أن يقلل الفجوة بين ما يتعلمه الطلاب وما يتطلبه سوق العمل، وبالتالي تحسين فرص التوظيف لهم بعد التخرج.

وفي الختام.. يجب أن ندرك أن هذه المشكلة ليست فقط مشكلة فردية تخص الخريجين الذين يعانون منها، بل هي مشكلة مجتمعية تتطلب تضافر الجهود لحلها. كما يتطلب الوضع الراهن تضافر الجهود أيضا بين الحكومة والمؤسسات التعليمية والشركات لتحقيق حلول مستدامة وفعالة. هذا التعاون هو السبيل لضمان مستقبل أفضل للشباب العماني، مما يمكنهم من تحقيق أحلامهم والإسهام في بناء وطنهم. إن تطبيق هذه الجهود بشكل جدي يمكن أن يحدث تغييراً إيجابياً، ويوفر الدعم اللازم للشباب لتحقيق طموحاتهم المهنية والاقتصادية، وتعزز من فرصهم في سوق العمل داخل وطنهم، مما يخلق بيئة متكاملة تحقق النماء والتطور المستدام للمجتمع العماني بأسره.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خطوتان لتحقيق أهداف مستقبلية

هناك خطوتان يجب أن تتحققّا في اللحظة الراهنة التي تعيشها الأمة العربية، وذلك لأنهما مدخلان رئيسيان لتحقق أية أحلام وأهداف كبرى مستقبلية. واحدة من الخطوتين تتعلق بالنظام الرسمي العربي، والثانية تتعلق بالمجتمعات المدنية العربية.
أولاً، في غياب أو تراجع الحماس الرسمي العربي لأية خطوات وحدوية أو تضامنية ما بين الأقطار العربية، كما كان الحال في الخمسينيات من القرن الماضي، وبسبب الضمور أو التشّوه الذي حل بالتجمعات العربية، مثل الاتحاد المغاربي الذي يحتضر، أو حتى مجلس التعاون الخليج، الذي يترنّح تحت الهيمنة الخارجية، أو ذلك العبث من هذه الجهة الداخلية أو تلك، أصبح الطريق الوحدوي العربي الرسمي الباقي هو طريق الجامعة العربية.
ولكي يكون طريق الجامعة العربية طريقاً يقود إلى مشاريع تكاملية وتضامنية وحدوية عربية، أو يبني ويقوي شتّى أنواع الأمان العربي، في وجه المؤامرات والانتهاكات الاستعمارية الصهيونية المتعاظمة، لا بد من البدء بجعل الجامعة العربية قوية وفاعلة وكفؤة، بعد أن أصابها مؤخراً الوهن والعجز وقلة الحيلة. وهذا سيستدعي إجراء إصلاحات جذرية لأهداف وتركيبات الجامعة، تجعلها قادرة على طرح المبادرات، من دون انتظار هذه الدولة العضو، أو تلك لتقوم بذلك، وبالتالي جعلها تملك حقوقاً قانونية وسياسية أكبر، وتتحمل مسؤوليات أثقل بكثير، أي جعلها مؤسسةَ فعلٍ في الواقع العربي، وليس مؤسسة كلام فقط، كما فرض عليها طيلة تاريخها.
وأعتقد أن هذه الخطوة يمكن بدؤها بأحد الطريقين التاليين: قيام أحد أو مجموعة من الدول الأعضاء، بطرح اقتراح إجراء ذلك الإصلاح، أو قيام الجامعة العربية نفسها بدعوة مجموعة من المفكرين والمثقفين والمناضلين السياسيين العرب، ومن بعض المؤسسات العربية البحثية، المشهود لها بالبحوث الرّصينة، من أجل تدارس الأمر ووضع تصور متكامل عن عملية الإصلاح، ومن ثم تقديمه لمجلس الجامعة لمناقشته وتفعيله. إن جامعة جرى إصلاحها وتوسعة مسؤولياتها، وتجديد روحيتها وأنشطتها، وربط أهدافها بتغيير الواقع العربي المريض المجزّأ المنتهك يومياً من أوروبا والكيان الصهيوني، ومع الأسف من بعض دول الإقليم المجاورة، هي المدخل الوحيد الرسمي المتبقي حالياً. من دون ذلك فإن مستقبل الوجود العربي في هذا الإقليم سيكون غامضاً ومعرّضاً لمخاطر خارجية جمة، وهو ما يجب أن تعيه كل أنظمة الحكم العربية، وذلك قبل أن تنفجر حمم الغضب في وجوهها. وأتمنى أن يساهم بعض الأخوة من المفكرين والكتاب والمثقفين، في مناقشة صواب أو خطأ أو مشاكل هذا الاقتراح المتصّور.
ثانياً، إن تضعضع وضعف الكثير من الأحزاب والحركات القومية الوحدوية في منشئها القطري، وامتداداتها القطرية، عبر الخمسين سنة الماضية قد قاد إلى فراغ سياسي وحدوي، ملأته قوى حاملة لشعارات أخرى غير وحدوية التوجه. لقد تراجع الزخم النضالي الوحدوي كثيراً، وتكالبت عليه قوى الاستعمار والصهيونية تشويهاً وإخراجاً من الذاكرة الجمعية الشعبية العربية، خصوصاً بعد أن تساقطت عدة أنظمة حكم عربية رافعة لشعار الوحدة العربية، وداعمة لقوى المجتمعات العربية القومية.
وهكذا فمثلما أن المجال العربي الرسمي يحتاج إلى تفعيل الجامعة العربية، لإعادة الحياة للتوجهات الوحدوية التكاملية كخطوة أولى، فكذلك ستحتاج المجتمعات العربية المدنية لتكوين حركة أو جبهة شعبية تنسيقية تضامنية يحسب لها ويشعر بوجودها المجتمع الدولي وترجع التوازن ما بين الدولة والمجتمع.
هذان مثلان من خطوات، إن فُعّلت ولم تترك في سكونها الحالي المخجل، فإن الأمل هو الانتقال إلى الأهداف الكبرى للأمة وللزّخم الجماهيري الضروري للخروج من الموت البطيء الذي نعيشه.

مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس السيادة السوداني: نعمل على إلتزام الحكومةبتنفيذ خارطة الطريق التي تم تقديمها للامم المتحدة
  • عاجل || الأمن يمنع شاباً من الانتحار على جسر عبدون في عمّان
  • محمد العلي يشارك في فيلم «لم يأتي وحيدًا»
  • وزير الإعلام يبحث مع مديري المؤسسات الإعلامية التحديات التي تواجه العمل الإعلامي
  • 168 خريجًا من 43 دولة يحتفلون بإتقان العربية في مركز أبجد بالرياض .. فيديو
  • بعد الانخفاض الحاد .. النفط يرتفع ويتجه لتحقيق مكاسب اسبوعية
  • أدعية شهر ذي الحجة لتحقيق الأمنيات
  • خطوتان لتحقيق أهداف مستقبلية
  • الكلية التقنية التطبيقية والكلية التقنية للبنات بينبع تحتفلان بتخريج 417 خريجًا وخريجة
  • أمير القصيم يرعى حفل تخريج 598 خريجًا من طلبة كليات عنيزة الأهلية