لجريدة عمان:
2025-05-20@04:55:00 GMT

تحصين وعي الناشئة والتحليل المنطقي

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

تحصين وعي الناشئة والتحليل المنطقي

امتدح الله في كتابه العزيز الذين يعمِلون عقولهم وأفهامهم ويتدبرون في خلق الله في آيات كثيرة، وبألفاظ مختلفة، فقال: أفلا يعقلون، أفلا يتدبرون، لقوم يتفكرون، لأولي الألباب" وغيرها من الآيات الدالة على ضرورة أن يُعمل الإنسان عقله في كل عمل يقوم به، فهو مسؤول عن هذه الأعمال أمام الله سبحانه وتعالى، وعليها يكون مناط التكليف، وبناء على أعمال بني الإنسان الناتجة عن تفكيره وإرادته الحرة يكون الثواب والعقاب، فالمولى عز وجل يقول: " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ".

ولا يعفي الإنسان من المساءلة أن يكون تابعا مُعطلا لعقله، وقد وردت قصة عن الصحابة رضوان الله عليهم في صحيح البخاري ونصها: بعثَ النبي صلى الله عليه وسلم سريَّة فاستعمل رجلًا من الأنصار وأمرَهم أن يُطيعوه، فغضِبَ، فقال: أليس أمرَكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال : فاجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، فقال: أوقِدوا نارًا، فأوقدوها، فقال: ادخُلوها، فهمُّوا وجعل بعضُهم يُمسِك بعضًا، ويقولون: فرَرْنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدتِ النارُ، فسكَن غضبُه، فبلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «لو دخلوها ما خَرجوا منها إلى يومِ القيامة، الطاعةُ في المعروفِ».. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقتْل النفس هو معصية لله تعالى، فلا طاعة في المعصية ولو أمر بذلك شخص جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أميرا على الصحابة، ولولا أن الصحابة أعملوا عقولهم وأذهانهم، ولم يفعلوا هذا الأمر بدليل الحجة العقلية أنهم ما اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرارا من نار جهنم، أفيدخلوها بإرادتهم. وهو تحليل للموقف وإعمال للعقل، وهذا الذي ينبغي على المسلم أن يقوم به.

ولمهارة تحليل الأحداث والتفكير فيها بطريقة منطقية أهمية بالغة في الحياة اليومية، فهي تساعدنا في اتخاذ القرارات السليمة، ولكي تكون هذه المهارة ملَكة عند الشخص يستطيع أن يستعملها بطريقة تلقائية، فيجب أن يتم غرسها في عمر مبكرة من حياة الإنسان، لكي يستطيع أن يفكر تفكيرا تحليليا حرا قائم على جمع البيانات وتحليلها والقيام بالمواقف بناء على الأدلة والبراهين والحجج، وكذلك ينبغي أن تكون هذه الطرق حاضرة في المناهج الدراسية بشكل عملي ويتم تطبيقها، ففكرة عرض المعلومة أو تقديمها أصبح منهجا قديما لا تكتمل فائدته إلا من خلال تحليل تلك المعلومة ومناقشتها وتفسيرها والإحاطة بكل زواياها، لكي يتم تخزينها بناء على الفهم والإحاطة لا من خلال تكرارها الذي يؤدي إلى التخزين.

كما أنه على المربي أن يتبع هذه الطريقة مع أبنائه في كل الأحداث اليومية العابرة، ويتناقش معهم ويستعرض الأحداث العابرة ليس على أنها أحداث اعتيادية، ولكن من خلال مناقشتها وتحليلها وإبداء الآراء فيها فهذا يغذي هذه الملكة ويجعل كل فعل يقوم به الطفل أو الناشئ هو فعل مبرر قائم على دراية ورأي أصيل منبثق من خلال التحليل والتفكير والدراسة والمناقشة، وبهذه الطريقة تتكون هذه المَلكة عند الناشي ويصبح من الصعب استغفاله وجعله يفكر بتفكر القطيع، وأن لا ينجر أمام العواطف والتحيزات، وإنما يجب أن يُعمل العقل في كل خطة يخطوها.

كما أن على المربي وضع ميزان يزن فيه الناشئ أعماله بعد أن يصل إليها من خلال طريقة التفكير والتحليل، ليتساءل في المحصلة النهائية هل هذا الفعل يرضي الله أم أنه خالف أوامر الله ورسوله؟ وهذا لا يحصل إلا من خلال المعرفة المكتسبة والوصول إلى الحكمة التي قضاها الله في وجودنا على هذه الأرض، وكيف نكون أناسا ربانيين في أعمالنا، يغلب عليها جانب الحب والرحمة والعطف، ونحليها بالأخلاق الإنسانية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية والشرائع من قبلها.

كما أننا بزراعة هذه المهارة في أبنائنا نضمن أنهم سيكون عليهم رقيبا من أنفسهم، وهي الرقابة الداخلية، التي تمثل لهم خط الحماية الأقوى أمام كل المغريات والمشتتات في العالم العصري الحديث، فعندما لا تتوفر الرقابة الأبوية المباشرة، سوف تتوفر هذه الرقابة القائمة على إعمال العقل مع وجود الضمير الحي المشبع بالقيم الدينية والمجتمعية الصالحة، خاصة في ظل وجود الوسائل التقنية الحديثة، ووجود برامج التواصل الاجتماعي التي لها جانب سلبي في دخول الأفكار الدخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية، فأصبحت بعض هذه المواقع تعرض أفكارا الهدامة في قالب ترفيهي، يهدم القيم المجتمعية والأخلاق والأعراف.

ونحن لا نقول إن طريقة استخدام التفكير النقدي في الحياة اليومية سلسة، أمام ضغوطات الحياة السريعة، فالواحد منا لا يجد وقتا لنفسه، فكيف يقوم بهذه العملية مع أبنائه، إلا أن ذلك لا يعفيه من اقتناص الفرص في غرس هذه القيمة مع أبنائه حتى أثناء تناول الطعام، أو أثناء خروجه معهم في السيارة، فكل الأحداث الإنسانية قابلة للمناقشة والتفكير وطرح الأسئلة التي تتبلور من خلالها الأفكار، وفكرة طرح الأسئلة هي المفتاح الذي يجعل الدخول إلى المناقشة والتحليل أكثر سلاسة.

كما أن على المربي بناء علاقة صداقة وحوار مع أبنائه، يسرد عليهم بعضا من الأحداث التي يمر بها سواء في عمله، أو الأحداث التي تحصل له من خلال علاقاته المجتمعية، ويبرز لهم طريقة تعامله مع تلك الأحداث، وكيف كانت نتيجة تصرفه، فهو من خلال طرحه لهذه الأحداث سوف يجعل أفكارهم تتسع، لتعرف كيف يتم التعامل مع الأحداث والمواقف، فهو بذلك يكسبهم خبرة ويطلعهم على تجارب قام بها، كما أنه يجب عليه أن يستشيرهم في أفعاله، وما هي الطريقة الأنسب التي كان ينبغي عليه أن يتبعها في موقف معين، فأذهان الأبناء خلّاقة وقادرة على طرح الحلول التي يتم ولادتها من خلال المناقشة والحوار.

وفي المقابل يطلب من أبنائه أن يخبروه عن مواقف مروا بها سواء كانت هذه المواقف في المدرسة أو في الملعب، أو في المسجد أو في محيطهم الاجتماعية، وبعد سردهم للحدث بإمكانه أن يطرح عليهم أسئلة بسيطة سلسة يلفتهم فيها إلى بعض الجوانب القيمية والمنهجية في التعامل مع الأحداث والمواقف.

وكذلك يفعل إذا جلس معهم لمشاهدة التلفاز، فهذه العلاقة هي التي تبني الثقة بين الابن والمربي، وبهذا يطمئن الوالدان أنه إذا حدثت لابنهما مشكلة معينة، أو تواردت إليه أفكار دخيلة فإنه سوف يخبرهم بها ويعلم أنهم يستطيعان مساعدته، وقد ذابت الحواجز بينهم من خلال الأفعال السابقة، ويستطيع أن يأتمنهم على أسراره، ويكونان على معرفة بالأفكار التي تدور في ذهن ابنهما.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم مع أبنائه من خلال کما أن

إقرأ أيضاً:

ضوابط الألعاب الإلكترونية من الناحية الشرعية .. تعرف عليها

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه من المقرر في الشرع الشريف أنَّ الأصل في اللهو واللعب والترويح عن النفس هو الإباحة، ما لم يقترن اللعب بمحظور شرعي؛ فيُنْهَى عنه لعموم قول الله تعالى: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف: 12].

خبير يحذر من الألعاب الإلكترونية: بعض تحدياتها تؤدي إلى الوفاةشومان يشارك في مؤتمر «الفقه الإسلامي» بالدوحة.. ويُحدد ضوابط «الألعاب الإلكترونية»ضوابط الألعاب الإلكترونية

أضافت دار الإفتاء، في كشف ضوابط الألعاب الإلكترونية من الناحية الشرعية، أن الشريعة الإسلامية وإن كانت تُبيح اللعب واللهو، غير مفرقة في ذلك بين كبيرٍ وصغيرٍ؛ كُلٌّ بما يناسبه، إلا أنَّ لذلك ضوابط يجب مراعاتها.

أوضحت دار الإفتاء أن هذه الضوابط الشرعية، كما يلي:

- ألَّا يكون اللعب هو دأب اللاعب بحيث يصير ذلك إدمانًا يَعُود على صاحبه بالضرر الصحي والنفسي والإرهاق الذهني، ويشغله عن أعماله وواجباته وإنجازاته النافعة له؛ كالعمل أو الدراسة أو نحو ذلك.

- ألَّا تشتمل هذه الألعاب على الميسر أو القمار المنهي عنه شرعًا في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].

- ألَّا يقترن باللعب سلوكٌ محرَّمٌ؛ كتصوير العورات، أو الإيحاءات الممنوعة التي تدعو إلى التَّفلّت والانحلال القيمي والأخلاقي على المستوى الفردي أو الاجتماعي؛ لأنَّ الإسلام يدعو إلى محاسن الأخلاق وينهى عن مساوئها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» أخرجه الحميدي في "المسند"، والبخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي في "السنن" وصححه واللفظ له، وابن أبي الدنيا في "الحلم"، وابن حبان في "الصحيح" من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

- ألَّا تشتمل اللعبة على طقوس تعبدية تخالف ثوابت عقيدة المسلمين.

ألعاب التجسس

- ألَّا تكون اللعبة من ألعاب التجسس الممنوعة محليًّا أو دوليًّا.

- ألَّا يُؤدي اللعب إلى تضييع حقوق الله على المكلَّف من عبادات وصلوات ونحوها؛ حتى لا يدخل بذلك تحت قول الله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4-5]، وقد كان النَّبي صلّى الله عليه وآله وسلم إذا حضرت الصلاة وهو في خدمة أهل بيته ترك ما يعمله ثم ذهب للصلاة؛ فعن الأسْوَد قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصنع في بيته؟ قالت: "كَانَ يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ -أي: خِدْمَةِ أَهْلِه- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ" أخرجه البخاري في "الصحيح". وأخرجه ابن المظفر في "حديث شعبة" بلفظ: "فَإِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْنَا"؛ وذلك لمكانة الصلاة وعدم الانشغال عنها بما فيه مصلحة للأهل والبيت، فإن كان دون ذلك من اللعب أو اللهو كان عدم انشغاله به عن الصلاة أو العبادة أولى وآكد.

- وألَّا يؤدي كذلك إلى تضييع حقوق العباد عليه، وفي مقدمتهم الأهل ممَّن يعولهم ويقوم على رعايتهم؛ فإنهم في ذمته، وهو مسؤولٌ عنهم؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه، واللفظ للبخاري؛ فإذا قَصَّرَ الإنسان أو فرَّط في حقوق مَن يعولهم استحق الإثم والمؤاخذة؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» أخرجه النسائي في "السنن"، والحميدي في "المسند"، والحاكم في "المستدرك".

- ألَّا يشتمل اللعب على عُنفٍ أو يحثّ عليه أو يؤدي إلى استمرائه أو التهاون بشأنه، وألَّا يكون مؤديًا إلى النزاع والخصومة والبغضاء بين اللاعبين.

طباعة شارك الألعاب الإلكترونية ضوابط الألعاب الإلكترونية الشريعة الإسلامية دار الإفتاء اللهو واللعب ألعاب التجسس

مقالات مشابهة

  • هل الحج يكفر الكبائر ؟الشيخ الخثلان يجيب .. فيديو
  • ما يستحب فعله عند الاحتضار؟ 5 أمور تنفع الميت قبل الدفن
  • ضوابط الألعاب الإلكترونية من الناحية الشرعية .. تعرف عليها
  • ما حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب؟.. الإفتاء تجيب
  • دعاء نبوي إذا قاله أي شخص مكروب أو مهموم فرج الله عنه.. ردده الآن
  • أعمال العشر من ذي الحجة.. ماذا تفعل في هذه الأيام؟
  • دعاء ردده النبي بعد كل صلاة.. واظب عليه
  • لو ناسي إجابة في الامتحان .. ردّد 6 كلمات يذكّرك الله بكل شيء
  • ووكيل أوقاف الفيوم للواعظات: أنتن شركاء مع الأئمة والدعاة فى تحصين العقول من الأفكار المغلوطة
  • ما أسباب صيام عشر من ذي الحجة 2025؟.. بها تفوز بـ11 جائزة