ياسر عرمان

في ٢٠ يوليو ٢٠٢٤ وفي مبارة تاريخيّة كاد عمالقة كرة السلة من دولة جنوب السودان ان ينتزعوا نصراً غالياً من فريق الولايات المتحدة الأميركية كما فعلوا من قبل مع فريق الصين، وهم بحق يمثلون دولتي السودان ويمثلون افريقيا وبلدان جنوب الكرة الارضية التي هي رمز للمعاناة والصراع من أجل النهوض وبناء مجتمعات جديدة وتحقيق مصالحة انسانية في الرياضة والإبداع والثقافة، فيالها من مبارة ودية ممتعة جسدت نبل الرياضة في بذر الصلات بين المجتمعات.



من قال لك ان الجنوب ليس لديه ما يقدمه إلى العالم الفسيح! ومن قال لك ان الجنوب لا يمتلك إلا قصص الحروب وصراعات القبائل وإشكاليات البناء الوطني المعقدة! وهي التي لا تخصه وحده بل تخص افريقيا وبلدان الجنوب وتخص العالم الأول أيضاً مع الفارق والتوقيت. ومن قال لك ان نقص السعرات الحرارية والعناية الصحية وانقطاع الريف عن المدينة سيمنع الجنوبي من ان يطل فارعاً، يعانق الأبنوس والسماء، ويسجل حضوره في دفاتر القنوات الفضائية العالمية ويحرر كرة السلة من الانتماء للعالم الاول وحده، مثل ما فعل الافارقة من قبل مراراً في مختلف دروب الرياضة ومثل ما أطل منوت بول من ضيق حذاء القرية الأنيق وريفنا المهمل إلى فضاء العالم الملون، كان منوت بول ناطحة سحاب وفي دربه أطل لوال الدو اجو، ان النيلين كانوا قبل ناطحات السحاب والنيل هو من امد البشرية بالعلوم في البدايات. لا تزدري الجنوبي ففي حربه الطويلة من أجل الحقوق حكمة، ويومها كنا حضور، غالبية الجنوبيين يحترمون خصمهم بعد انقضاء الحروب لا يضمرون الحقد، لا يخونون، يأخذون من موارد الكرم والإقدام ولا يسيؤون لمن احسن اليهم، وبالطبع لكل قاعدة استثناء.
ولدت وترعرت في شمال السودان ولكن الجنوب والشمال بالنسبة لي مجرد جغرافيا لا تعطي عمق المعاني على الدوام وفي عقلي وقلبي احتل الجنوب والشمال نفس المساحة ومن حسن حظي انني التقيت الشهداء الذين عرفوني بصورة الجنوبي الحقة خارج الصور الذهنية التي رسمتها له وكالات الأنباء الحكومية وأضابير مؤسسات الدولة ذات الغرض.
اعلم ما يمر به الجنوب من مصاعب واتابع اخباره حلوها ومرها، ولم يأتي يوم تناقص فيه إيماني بان الجنوبي سيكون يوماً ما يريد بصموده المعهود وان للشمال والجنوب فرصة أخرى ليصححوا أخطاء الماضي ومواجع التاريخ وسيرسمان لوحة جديدة في اتحاد سوداني بين دولتين ذوي سيادة وللوحدة أشكال عديدة، انظر كيف توحدت اوربا بعد الحروب واحتفظت بالدول والملوك والجمهوريات جنباً إلى جنب في اتحاد أوربي.
شكرا للجنوبين وهم يستقبلون الآف الشماليين بالترحاب وشكراً للمهنيين الشماليين الذين اختاروا العمل في دولة الجنوب فهم رأس مال معنوي مدخر. الفقراء هم من ينتجون القيم الانسانية الحقة والنبيلة، فألزم جانب الفقراء تكسب.
فريق العمالقة لكرة السلة أدخلوا البهجة والفخر إلى نفوس الجنوبيين وكل السودانيين والأفارقة وان الرياضة فضاء للمحبة في هذا العالم المضطرب وشكراً للابرون جيمس اخانا الامريكي الذي اشاد بالشباب ومنتخب الجنوب وأعترف بصعوبة الفوز الذي تحصل عليه بشق الأنفس في اخر دقيقة.
في الرياضة أكد الجنوبيين ان المهمشين لهم القدرة في منافسة المحتكرين وان لجنوب العالم شيئاً يقدمه ليدخل البهجة والفرح في النفوس.
هذا الفريق يستحق اهتمام الدولة حتى لا يتوزع دمه في عولمة الرياضة المتوحشة التي اصبحت سلعة لا تهتم باعلام الدول، ان للجنوب مستقبلاً واعداً في الرياضة والثقافة والإبداع، والثقافة النفيسة أكثر تأثيراً من المعادن النفيسة.
في شهر يونيو الماضي وفي إستاد جوبا وفي المباراة بين فريقي السودان وجنوب السودان والتي انتصر فيها فريق السودان على فريق جنوب السودان، شدتني محبة الجنوبيين وسخريتهم وتضامنهم مع فريق السودان الذي تحيط به الحرب من كل جانب وتوقفت عند ما خطه دينق كوج بسخرية لاذعة وحديث الشابة سمحة النفس والمحيا مشاعر ستيفن التي قالت بانها تحتفي بالفرح الذي دخل قلوب السودانين من حزن الحرب واعطاهم امل جديد واضافت في الاخير نحن شعب واحد، وهذا صحيح اننا في الأصل رغم التنوع نأخذ من معين نفس القيم والتقاليد الراسخة وتربطنا الثقافة والدماء والمجتمعات والتاريخ والجغرافيا والمصالح في وحدة لا انفصام لعراها سنرسخها على اساس جديد مهما طال الزمن، ان الانتقاص من تاريخ السودان هو الذي ينتقص من جغرافيته.
ان رحلت عن هذا العالم يوماً فتأكدوا ان حبي لكم كان من غير حدود ولا ضفاف له، ومن غير أختام الجوازات والهجرة، ان الشمال والجنوب سيبتدران مولداً جديداً بينهم ومع جيرانهم الأقربين ومع الانسانية في البحث عن الإخاء والمحبة والمساواة وعن عالم عادل ومنصف للجميع دون تحيزات وظلم واطماع. ان فريق كرة السلة قد حقق حلم من احلام الجنوبيين وحتى تتوقف اجهزة البث العالمية عن الإسقاطات واسقاط جنوب السودان من ذاكرتها وان تذكره دون اخبار الحروب وليكن جنوب السودان مباركاً في الارض وفي السماء.

٢١ يوليو ٢٠٢٤  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جنوب السودان ان الجنوب

إقرأ أيضاً:

سقوط قذائف داخل أحياء الدلنج إثر قصف لقوات الدعم السريع أمس

القصف تم من الاتجاهات الشرقية للمدينة، وسقطت عدة قذائف في حي الصفاء الواقع شرق الدلنج، في وقت أثارت الانفجارات العنيفة حالة من الهلع وسط السكان..

التغيير: الدلنج

قصفت قوات الدعم السريع أمس السبت مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، ما أدى إلى سقوط عدد من القذائف داخل الأحياء السكنية.

وقال مصدر محلي تحدث إلى «التغيير» إن القصف تم من الاتجاهات الشرقية للمدينة، وسقطت عدة قذائف في حي الصفاء الواقع شرق الدلنج، مؤكدًا أن أصوات الانفجارات كانت عنيفة وأثارت حالة من الهلع وسط السكان.

وأضاف المصدر أن المدينة شهدت عقب القصف حالة من التوتر والهلع بين السكان قبل أن تعود تدريجيًا إلى الهدوء الحذر حيث استأنف المواطنون صباح الأحد أنشطتهم اليومية بشكل شبه طبيعي.

وتتمركز قوات الدعم السريع في بلدة طيبة الواقعة في ملتقى الطرق المؤدية إلى الدلنج والدبيبات وأبو زبد، حيث اتخذتها قاعدة لشنّ هجمات برية على الدلنج قبل تحالفها مع الحركة الشعبية ــ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.

مقتل 11 شخص

وذكرت شبكة أطباء السودان أن الحركة الشعبية ــ شمال شنّت قصفًا على الدلنج تسبب في إصابة 11 شخصًا، بينهم ثلاثة في حالة حرجة، جرى إسعافهم لتلقي العلاج في مستشفيات المدينة.

وتحالفت الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال مع قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش منذ منتصف ابريل 2023، وتوافقا مع بقية قوى تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” على تشكيل ما سمي حكومة الوحدة والسلام وعاصمتها نيالا، وتقلد الحلو منصب نائب رئيس التحالف، قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وأدانت شبكة أطباء السودان، بأشد العبارات، ما أسمته “القصف المتعمد” الذي نفذته الحركة الشعبية المتحالفة مع الدعم السريع على المدينة.

وأكدت أن هذا الاعتداء امتدادًا لسلسلة من الانتهاكات التي تستهدف المدنيين في المدن والقرى، وقالت إنه يكشف بوضوح عن الاستهتار التام بحياة الأبرياء والانتهاك الصارخ للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المدنيين والمرافق الحيوية.

وتقع مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، وتبعد نحو 498 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم، وتعد ثاني أكبر مدن الولاية، إذ تتوسط منطقة جغرافية ذات طبيعة متنوعة بين التلال والوديان الموسمية.

ويشهد السودان منذ منتصف أبريل 2023 حربًا مدمّرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، امتدت إلى ولايات عدة بينها جنوب كردفان، حيث تصاعدت في الأسابيع الأخيرة الهجمات المتبادلة على المدن والمناطق المدنية، وسط أوضاع إنسانية متدهورة ونزوح متزايد للسكان.

الوسومالحركة الشعبية الدلنج حرب الجيش والدعم السريع قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • النيل الأبيض تبحث الترتيبات الخاصة باستئناف تبديل العملة في المحليات التي لم تشملها عملية الاستبدال
  • يراقب المرء بأسى التدهور العقلي الذي اصاب كاتب رصين مثل النور حمد
  • في الذكرى الـ62 لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة .. جنوب الوطن بين الاحتلال والتواطؤ
  • 300 ألف شخص يفرون من جنوب السودان بسبب العنف وسط مخاوف من حرب أهلية جديدة
  • جمهورية النيل ليست جديدة
  • سلطات الخرطوم تبعد أكثر من «100» مواطنة من جنوب السودان
  • تحقيق: وصول مروحيات جنوب إفريقية إلى حفتر عبر روسيا
  • سقوط قذائف داخل أحياء الدلنج إثر قصف لقوات الدعم السريع أمس
  • كلاود فلير.. حارس الإنترنت الذي يتحدى عمالقة التكنولوجيا
  • عند الحدود في الجنوب.. تفجير إسرائيلي وسماع صوت قويّ