في الوقت الحالي، لم يعد عمالقة التكنولوجيا المهيمنين مجرد شركات تقنية، بل أصبحوا محاور أساسية تدير شبكات معقدة من الخدمات.

ومع ذلك، هناك لاعب محوري يعمل في صمت مؤديًا دور الحارس الخفي الذي يحمي ويسرع حركة الإنترنت دون أن يدرك معظم المستخدمين وجوده.

وما بدأ كحل لمكافحة البريد المزعج تحوّل خلال أقل من عقدين إلى منصة بنية تحتية رقمية شاملة تجمع بين تسريع المحتوى، وحماية الشبكات، وتوفير خدمات الحوسبة الطرفية.

وبفضل شبكتها العالمية، برزت "كلاود فلير" (Cloudflare) بصفتها لاعبًا أساسيا في تشكيل البنية التحتية للإنترنت، وأصبحت العمود الفقري الخفي لملايين المواقع والتطبيقات.

واستطاعت هذه الشركة فرض نفسها كقوة لا يستهان بها في مجال الأمن والأداء من خلال خدمات تتجاوز أحيانًا قدرات منافسيها الأكبر.

من مشروع جامعي إلى عملاق تقني

في عام 2004، أنشأ ماثيو برينس و"لي هولواي" نظامًا يسمح لأي شخص يمتلك موقعا إلكترونيا بتتبع كيفية جمع مرسلي البريد العشوائي لعناوين البريد الإلكتروني، وهكذا ولد مشروع "هوني بوت" (Honey Pot).

ونما المشروع على مر السنين، واستطاع تتبع المزيد من التهديدات التي يواجهها مسؤولو الويب، وانضمت آلاف المواقع الإلكترونية من أكثر من 185 دولة للمشاركة في المشروع، الذي استطاع كشف السلوكيات الخبيثة وتتبعها، ولكن دون وجود حلول عملية للحماية من التهديدات.

وفي عام 2008، تلقى برينس اتصالًا من وزارة الأمن الداخلي الأميركية "دي إتش إس" (DHS) تطلب شراء بيانات مشروع "هوني بوت"، حيث مثل الاتصال لحظة فارقة، وأدرك أهمية المشروع وألهمه إمكانية الاستفادة منه.

وبعد عام، عرض برينس مشروعه خلال اجتماع في كلية هارفارد للأعمال على ميشيل زاتلين، التي أدركت وجود فرصة إنشاء خدمة تحسن أداء مشروع "هوني بوت" في تتبع تهديدات الإنترنت وإيقافها.

إعلان

وكانت هذه الرؤية بمثابة الشرارة التي قادت برينس وزاتلين وهولواي إلى تأسيس "كلاود فلير"، حيث طور هولواي نموذجًا أوليا يجمع بين الحماية والتسريع، وعرضه على مجموعة من مستخدمي "هوني بوت"، الذين شهدوا تحسينات كبيرة في سرعة الموقع، وانخفاض أوقات التحميل بنحو 30%، إلى جانب الحماية المحسنة من التهديدات.

وفي عام 2010، ظهرت "كلاود فلير" رسميًا لأول مرة في مؤتمر "تك كرانش ديسرابت" (TechCrunch Disrupt).

ومنذ ذلك الحين، أطلقت عشرات المنتجات ومئات الميزات على مدار السنوات، وافتتحت عشرات المكاتب في دول مختلفة، وأنشأت 330 مركز بيانات.

حارس الإنترنت في الظل

تتمثل مهمة "كلاود فلير" في بناء إنترنت أفضل من خلال جعله أسرع وأكثر أمانًا وموثوقية للجميع، حيث تلبي خدماتها احتياجات قاعدة عملاء متنوعة، من المدونات الصغيرة والمواقع الشخصية إلى الشركات الكبيرة والهيئات الحكومية.

وقد تطورت الشركة بمرور الوقت، وهي اليوم تقدم خدماتها لملايين المستخدمين بدءًا من التوجيه الذكي لحركة المرور، ووصولًا إلى الحماية المتطورة ضد التهديدات الإلكترونية، حيث تضمن الشركة تشغيل موقعك الإلكتروني بسلاسة مع حمايته من أي ضرر محتمل.

وتعمل "كلاود فلير" كحلقة وصل بين موقعك الإلكتروني وزواره، مما يضمن أمان وفعالية كل تفاعل.

هناك لاعب محوري يعمل في صمت مؤديًا دور الحارس الخفي الذي يحمي ويسرع حركة الإنترنت دون أن يدرك معظم المستخدمين وجوده (الجزيرة)البنية التحتية والتقنيات الأساسية

تعتمد "كلاود فلير" على شبكة عالمية موزعة، حيث تنتشر خوادمها في أكثر من 330 مدينة، مع وجودها في أكثر من 125 دولة حول العالم.

وتستخدم الشركة تقنيات توزيع متطورة للتوجيه ضمن الشبكة، مما يضمن توجيه الحركة عبر المسارات المثلى لتقليل زمن الانتقال وزيادة الموثوقية.

ومن خلال هذه الشبكة العالمية الموزعة، تخدم الشركة أكثر من 20% من مواقع الويب حول العالم، متجاوزة بذلك العديد من عمالقة التكنولوجيا مثل "غوغل" و"أمازون" في مجالات متخصصة.

ويستخدم 24 مليون موقع ويب نشط خدمات "كلاود فلير"، وتلبي الشركة في المتوسط أكثر من 78 مليون طلب لموقع إلكتروني في الثانية، وتستطيع استيعاب حركة المرور الضخمة ومعالجة كميات كبيرة من البيانات وامتصاص الهجمات.

الحماية من الهجمات

تشتهر الشركة بتقنيتها في الحد من هجمات "الحرمان من الخدمة الموزعة"، حيث تستغل شبكتها من أجل امتصاص وتوزيع حركة البيانات الضارة، مما يضمن بقاء مواقع الويب متاحة حتى في ظل الهجمات الإلكترونية الشديدة.

وتبنت "كلاود فلير" نموذج "الثقة الصفرية" (Zero Trust) في الحماية، الذي يفترض عدم الثقة بأي مستخدم أو جهاز داخل أو خارج الشبكة.

في حين يقدم جدار حماية تطبيقات الويب حماية متقدمة ضد الثغرات الشائعة في تطبيقات الويب، ويتميز بالتحديث التلقائي من أجل التصدي للتهديدات، الأمر الذي يضمن الحماية دون الحاجة إلى تدخل مستمر من المسؤولين.

يتعين على مستخدمي خدمات التخزين السحابي المجانية إجراء نسخ احتياطي للبيانات على أقراص صلبة خارجية بصورة منتظمة (وكالة الأنباء الألمانية)شبكة توصيل المحتوى

تشكل شبكة توصيل المحتوى عماد خدمات "كلاود فلير"، حيث توفر تسريعا لتوصيل المحتوى عبر التخزين المؤقت في مواقعها المنتشرة حول العالم.

إعلان

وتتميز هذه الشبكة بتقنية "التوجيه الذكي آرغون" (Argo Smart Routing)، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل حركة المرور على الإنترنت في الوقت الحقيقي، وتوجيهها عبر أسرع المسارات وأكثرها موثوقية.

الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي

تمتلك الشركة أداة تمنع الروبوتات من استخلاص بيانات مواقع الويب، حيث تحلل هذه الأداة روبوتات الذكاء الاصطناعي وحركة مرور برامج الزحف من أجل بناء نماذج آلية للكشف عن الروبوتات.

كما أطلقت أداة "تدقيق الذكاء الاصطناعي" (AI Audit)، التي توفر تحليلات لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تستخلص بيانات المواقع مع إمكانية حظرها تمامًا.

وأعلنت الشركة عن "متاهة الذكاء الاصطناعي" (AI Labyrinth)، وهي تقنية تكافح عمليات استخراج البيانات من خلال تقديم محتوى مزيف مولد بالذكاء الاصطناعي إلى روبوتات الذكاء الاصطناعي.

المواجهة الكبرى.. مقارعة العمالقة

تقدم "أمازون" عشرات الخدمات المختلفة، إلا أن "كلاود فلير" تتفوق في مجالات متخصصة مثل توصيل المحتوى والحماية من الهجمات.

وتتميز منصة "ووركيرز" (Workers) بزمن بدء شبه منعدم مقارنة بخدمة "لامبدا" (Lambda) من أمازون والتي قد يتجاوز زمن بدئها ثانيتين.

ومن ناحية التسعير، تفرض أمازون رسوما على نقل البيانات، في حين تقدم "كلاود فلير" العديد من خدماتها من دون هذه الرسوم، حيث تنافس خدمة "آر 2" (R2) خدمة "إس 3" (S3) من أمازون، ولكن من دون رسوم نقل البيانات.

وبالمقارنة مع "كلاود فونت" (CloudFront)، فإن شبكة توصيل المحتوى من "كلاود فلير" توفر زمن انتقال أقل في العديد من المناطق الجغرافية، كما أنها أكثر مرونة في التكامل مع مزودي الخدمات السحابية المختلفين.

ثم إن خدمة نظام أسماء النطاقات توفر أوقات استجابة أسرع في العديد من المناطق مقارنة بخدمة "روت 53″ (Route 53) من أمازون و"كلاود فانكشن" (Cloud Functions) من غوغل.

وبالمقارنة مع جدار حماية تطبيقات الويب من أمازون، فإن حل "كلاود فلير" يأتي مزودا بقواعد مسبقة الإعداد وتحديثات تلقائية، بينما يتطلب حل أمازون إعدادًا يدويا أكبر. كما أنه أكثر شفافية من ناحية التكلفة ومتضمن في الباقات الأساسية، في حين تتراكم التكاليف الإضافية في حل أمازون مع إضافة قواعد وميزات إضافية.

وتوفر خدمة نظام أسماء النطاقات من "كلاود فلير" تحليلاً سريعا للمواقع مع الحفاظ على خصوصية بيانات المستخدمين وعدم استخدامها لأغراض إعلانية، على عكس بعض خدمات غوغل التي تعتمد على تحليل بيانات المستخدمين لتحقيق إيرادات إعلانية.

كما طورت كلاود فلير بديلا لخدمة "كابتشا" (CAPTCHA) من غوغل يوفر تجربة تحقق أكثر سلاسة وسرية، مع الامتثال الكامل لقانون اللائحة العامة لحماية البيانات "جي دي بي آر" (GDPR).

ختامًا، استطاعت كلاود فلير أن تثبت نفسها بوصفها حارسا خفيا للإنترنت ولاعبا رئيسيا في مجال البنية التحتية الرقمية العالمية من خلال شبكتها العالمية الموزعة، وخدمات التسريع والأمان المتقدمة.

وفي معركتها مع العمالقة، تثبت كلاود فلير أن هناك مساحة للابتكار والتخصص، وأن الشركات التي تركز على احتياجات المستخدمين وتقدم قيمة حقيقية يمكنها أن تنافس حتى أكبر اللاعبين في السوق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الذکاء الاصطناعی کلاود فلیر العدید من من أمازون أکثر من من خلال

إقرأ أيضاً:

وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي أداة للتعليم والمعلم يظل البوصلة التي توجه المستقبل

أكد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن التكنولوجيا أصبحت المحرك الأساسي لتطوير العملية التعليمية، مشيرًا إلى أن دور الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في التعليم يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية تشمل إدارة المنظومات التعليمية رقميًا، وتطوير المحتوى التعليمي الموجه للطلاب، بجانب المنصات الرقمية التي توفر التعليم بأسلوب مرن يناسب احتياجات المتعلمين في مختلف المراحل.

جاءت تصريحات الوزير خلال ورشة العمل الوطنية للتصديق على إطار كفاءات الذكاء الاصطناعي للمعلمين (AI CFT)، والتي نظمتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بالتعاون مع المكتب الإقليمي لليونسكو بالقاهرة، بهدف إعداد المعلمين وتطوير قدراتهم وتمكينهم من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في دعم التعليم.

وأوضح طلعت أن منظومة التعليم لم تعد مقتصرة على الطالب والمعلم فقط، بل أصبحت تقوم على مثلث متكامل يضم الطالب والمعلم ومنظومات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي أصبحت توفر المعرفة وتدعم العملية التعليمية من الجانبين. وأضاف أن الذكاء الاصطناعي التوكِيلي يمثل الجيل الأكثر تطورًا من الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ما يعيد رسم ملامح التعليم حول العالم، مشددًا على أهمية استيعاب هذه التحولات في النظام التعليمي المصري.

وأشار الوزير إلى أن التحول الرقمي في التعليم لا يمكن تحقيقه بمعزل عن التعاون بين وزارتي الاتصالات والتعليم، موضحًا أن هذا التعاون يمثل ركيزة أساسية لتطويع التقنيات الحديثة بما يخدم تطوير التعليم وبناء أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة في المستقبل.

 وأكد أن مصر تعمل بخطى ثابتة على تطبيق المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، بما يتماشى مع المعايير العالمية، مع تكييفها بما يتناسب مع الثقافة المصرية ومنظومة التعليم الوطنية.

وخلال كلمته، هنأ طلعت معهد تكنولوجيا المعلومات على فوز منصة مهارة-تك بجائزة اليونسكو لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم لعام 2025، واصفًا المنصة بأنها نموذج يحتذى به في تقديم محتوى تدريبي متطور يخدم مختلف القطاعات ويساهم في نشر ثقافة التعلم الرقمي وتعزيز المهارات التكنولوجية لدى الشباب والمعلمين.

وأكد الوزير أن إطار كفاءات الذكاء الاصطناعي للمعلمين لا يقتصر على التدريب التقني فقط، بل يهدف إلى ضمان تمكين المعلمين من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ومبتكر لدعم العملية التعليمية، مع تزويدهم بالمهارات التي تساعدهم على توجيه الطلاب نحو الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات.

وأشار إلى أن هناك تعاونًا مستمرًا بين وزارتي الاتصالات والتعليم لتأهيل المعلمين في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال برامج تدريبية متقدمة، لافتًا إلى التعاون مع شركة HP مصر لتنفيذ برنامج أكاديمية الابتكار والتعليم الرقمي في مدارس WE للتكنولوجيا التطبيقية، إلى جانب الشراكة مع مايكروسوفت وIBM وهواوي لتقديم منظومات تدريبية متطورة لرفع كفاءة الطلاب والمعلمين في هذا المجال.

كما استعرض الوزير مبادرة Digitopia السنوية التي أطلقتها الوزارة لاكتشاف ودعم الأفكار والمشروعات الابتكارية التي تسهم في تطوير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، موضحًا أن المسابقة تستهدف فئات عمرية تبدأ من الصف الرابع الابتدائي وحتى سن 35 عامًا، من أجل تحفيز الشباب على ابتكار حلول تكنولوجية تخدم المجتمع وتواجه تحدياته اليومية.

وفي ختام كلمته، شدد الدكتور عمرو طلعت على أن الذكاء الاصطناعي يمثل الأداة التي تعزز قدرات المعلم وتفتح آفاقًا جديدة للتعلم، لكنه لا يمكن أن يحل محله، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي هو الأداة، والمعلم هو البوصلة التي توجه عقول الأجيال القادمة نحو المستقبل.

بهذا التوجه، ترسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات معالم مرحلة جديدة من التحول الرقمي في التعليم المصري، تقوم على تمكين المعلمين بالمهارات الرقمية، وبناء منظومة تعليمية حديثة تواكب التطورات التكنولوجية وتؤسس لجيل قادر على قيادة اقتصاد المعرفة.

مقالات مشابهة

  • وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي أداة للتعليم والمعلم يظل البوصلة التي توجه المستقبل
  • محمد بن راشد يفتتح «جيتكس جلوبال 2025» ويطّلع على أحدث حلول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
  • «دبي الرقمية» تعرض في «جيتكس» مبادراتها الرائدة بمجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
  • غوغل: قانون أستراليا الجديد لن يجعل الأطفال أكثر أماناً على الإنترنت
  • 7 فرص لغرف الأخبار في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ما الذي يريده الجمهور؟
  • إطلاق "هاكاثون" للذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا المالية تحت مظلة "فينتك إيچيبت"
  • تحت رعاية بنك «saib» ومظلة «فينتك إيچيبت».. إطلاق «هاكاثون» للذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا المالية
  • دراسة: معظم الناس يواجهون صعوبة في التفريق بين الأصوات البشرية وتلك التي يولدها الذكاء الاصطناعي
  • توسع أمازون في تسويق أدوات المراقبة والذكاء الاصطناعي للشرطة