جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-12@23:48:42 GMT

عندما نكتب!

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

عندما نكتب!

 

 

سارة بنت علي البريكية

[email protected]

نحتاج للكتابة عندما تفيض أحاسيسنا وتسيل كسيل الدم الزائد، وإن لم يخرج ربما يحدث في أجسادنا مشكلة أخرى؛ لذا نحتاج أن نكتب كثيرا؛ فالكتابة تخرجنا من جو الرتابة الذي يعيشه أغلب البشر الذين يقفون في صف بعيد وينظرون للكاتب على أنه كائن قديم متقوقع بذاته وليس مثلهم، بينما الكاتب هو من يُعطي الحياة نورا عندما يخط ويكتب ويخرج هذه الأحاسيس التي تدور في مخيلته وتدور في العالم، يصوغها ويرتبها كصياغة خنجر عمانية سعيدية أو صياغة خاتم رصع بأحجار كريمة ولآلئ نادرة، فتظهر تلك الفكرة على هيئة كتابة أيًّا ما كان نوعها وحسها وطريقة بنائها وتوظيف مفرداتها بحروف اللغة العربية الفصحى.

إنَّنا ونحن نكتب للوطن نعيش حالة من الارتباط الروحي الذي يملأ قلوبنا وحياتنا، ومن نحن فنحن نخط الوطن ونرسم الخريطة ونحدِّد الرموز وننتقي بعناية الألوان والمفردات والقوافي لنصبح من كتابتنا نموذجًا مهمًّا لكل كاتب جديد.

يكتُب الطباخ كتاب الطبخ بحس لا يشبه كتابة الجغرافي الذي يكتب لنا بطريقة مختلفة تماماً، والذي يهتم بالتضاريس والبراكين ورحلة هجرة الشعوب من وإلى في صورة قريبة للكاتب التاريخي الذي رسم نجمة عالية وشكل تفاصيلها بعناية ودقة عالية جدًّا واختار حدودها الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة، بل تحتاج لمنظار.

هكذا هم الكُتَّاب يرون بُعدا آخر ويوصلون صورة مُعينة واضحين جدا، وما في عقولهم في أوراقهم، فهم لا يحبون التصنع ولا يجيدون ارتداء البدلات السوداء الأنيقة تلك التي يرتديها الممثلون في هوليود وبوليود وغيرها، فوضوحهم يجعلهم أناسًا بسطاء جدًا، وقوافيهم تعبر عن مكنونات العالم بداخلهم، وأمواج عباراتهم هي بحر من الحديث الساحر الذي يبعث في النفس شعور الحب والعاطفة والسكينة والهدوء والسلام.

عند أي حدث، تجد الكتاب أوَّل المعقبَّين، وعند أول خبر تقف بانتظار الكاتب الفلاني: ما هي وجهة نظره؟ وكيف يرى بُعد الأمور والأحداث؟ وربما تختلف نظرة الكُتَّاب عن بعضهم البعض، إلا أنَّ هناك نقاطًا مشتركة يتفق عليها الجميع دائما؛ كونهم يرون بمنظار لا يراه أي شخص آخر، ولولا تمسكنا بالكتابة لعشنا عالم السرعة الذي جعلنا مختلفين تماما وتافهين جدا ومفبركين للفت الصورة؛ من خلال ترويج إعلاني مفبرك، أو حادثة ما، وكل هم مقتاتو الشهرة هو الظهور سواء كان ظهورا كاذبا أو ساحبا للأضواء، حتى وإن كان خبرا لم يتعب بصياغته ولا كتابته، وهذا ما نراه ونتأسف عليه بشدة؛ فالناقل أصبح متابعًا وكل ما ينقله حديث المجتمع فيقال عنه إن فلان كتب وفلان أخبرنا أو رأينا بحساب فلان هذا الخبر، بغض النظر عن مصداقيته أو الطريقة التي نقل بها الموضوع. أما عن عملية النسخ واللصق فأصبحت كثيرة لا تُعد ولا تحصى بدون تأكد ولا اتباع الدقة في توصيل المعلومة للطرف الآخر بشكل صحيح، إنما الموجة تتسع لمتسلقين كثر ولمتصنعين أكثر، ويبقى الكاتب الحقيقى هو صاحب الفكرة وليس بالضرورة أن يكون هناك ناقلون محتالون يسرقون كلمات الآخرين ليصنعوا منها "ترند" أو بحثا عن "مشاهدات"، ولا يهم إن كان الخبر صحيحا أم كاذبا، المهم أنه خبر يغطي له الحيز الذي يتابعه الناس من خلاله، وقد كثُر متصنعو الكتابة وناقلو الأخبار ومتربصو الترندات الوهمية وغيرهم الكثير.

إنَّ الكتابة الحقيقية والتي تحمل كل معاني السمو والأدب والثقافة والفكر والمعرفة هي التي تخرج من صميم كاتب مُحنَّك يُشار إليه بالبنان. أما النسخ واللصق فأصبح عُشَّاقه كُثر لأنه السلعة الرخيصة التي تتيح لمتسلقي الإبداع الظهور المؤقت.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات

صراحة نيوز- الاستاذ الدكتور فواز محمد العبد الحق الزبون _ رئيس الجامعة الهاشمية سابقاً.

يقدّم الدكتور صبري ربيحات في كتابه «وكأنني لازلت هناك» عملاً سرديًا يتجاوز حدود السيرة الذاتية إلى فضاء أرحب يدمج بين الذاكرة الفردية والتاريخ الاجتماعي. فالكتاب يشكّل شهادة حيّة على مسار إنساني حافل بالتجارب، يبدأ من الطفيلة وينفتح على فضاءات العمل الأكاديمي والإداري والثقافي والسياسي في الأردن. ومنذ الصفحات الأولى، يلمس القارئ صدق الكاتب، وحرصه على تسجيل التفاصيل بعمق إنساني يذكّر بأن السيرة ليست مجرد أحداث، بل هي رؤية إلى الحياة وإلى أثر المكان في تشكيل الإنسان.

يعود ربيحات إلى الطفيلة باعتبارها نقطة بدء تكوّنت فيها شخصيته وتبلورت قيمه الأولى. فهو ابن البيئة التي صاغت أبناءها على الصلابة والاعتداد بالنفس واحترام العمل. ولا يظهر المكان في الكتاب مجرد مساحة جغرافية، بل كذاكرة راسخة ومصدر للمعنى. إذ يُبرز المؤلف تأثير الطفولة المبكرة، والمدرسة، والعلاقات الاجتماعية، في بناء الإنسان، مستعيدًا مشاهد الحياة اليومية التي شكّلت خلفيته الثقافية والأخلاقية. ويتعامل مع تلك التفاصيل بحنان معرفي يجعل القارئ يشعر أنه أمام وثيقة صادقة تُدوّن تحولات المجتمع الأردني عبر صورة الفرد.

وإلى جانب البعد الاجتماعي، يكشف الكتاب عن مسيرة مهنية متشعبة تجمع بين الأكاديمية والعمل العام. فقد تنقّل الدكتور ربيحات بين مواقع متعددة، بدءًا من خدمته في الأمن العام، وصولًا إلى تولّيه حقائب وزارية مثل وزارة الثقافة ووزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية. ويعرض هذه التجربة بروح المسؤول الذي يرى في العمل العام التزامًا تجاه المجتمع، وليس موقعًا بروتوكوليًا. ومن خلال سرد هذه المحطات، تُقدَّم للقارئ صورة لرجل يؤمن بأن خدمة الدولة مهمة تتطلب المعرفة والانتماء معًا.

ويتميّز الكتاب بلغته الرشيقة التي توازن بين بساطة التعبير وعمق الفكرة. فهو يكتب بلا مبالغة، وبلا مسافة بين الذاكرة والقارئ، مما يمنح السرد صدقه ودفئه. كما تتضح في أسلوبه خبرة الأكاديمي وقدرته على قراءة الأحداث وربطها بسياقاتها الثقافية والاجتماعية، وهو ما يضفي على السيرة قيمة معرفية مضاعفة. وفي الوقت نفسه، تحضر الإنسانية بوضوح في طريقته في استحضار العلاقات والتجارب، وفي قربه من الناس وتجاربهم اليومية.

وبالنظر إلى موضوعه وأسلوبه وأبعاده الفكرية والتربوية، يُعدّ الكتاب مادة ذات قيمة للتدريس في المدارس والجامعات، خصوصًا في مساقات التربية الوطنية، والدراسات الاجتماعية، وأدب السيرة الذاتية. فهو نموذج لكتابة تجمع بين التجربة الشخصية والتاريخ الوطني، وتساعد القارئ ،وخاصة الطالب ،على فهم كيفية تداخل السيرة الفردية مع تحولات المجتمع والدولة.

ملامح شخصية الدكتور صبري ربيحات كما تعكسها السيرة

تكشف صفحات الكتاب عن مجموعة من السمات التي تكوّن صورة واضحة لشخصية المؤلف، من أبرزها:
1. الانتماء للبيئة الأصلية
يظهر ربيحات ابنًا وفيًا للطفيلة، ممتنًا لتجربته الأولى، ومحمّلًا بقيم الجهد والنزاهة والاقتراب من الناس.
2. الصدق والشفافية
يكتب تجربته كما عاشها، دون تجميل أو مواربة، الأمر الذي يمنح السرد واقعيته ومصداقيته.
3. الرؤية الوطنية
لا ينظر إلى الأحداث من زاوية فردية فحسب، بل يربطها بالسياق الأردني العام، ويقدّم شهادة ناضجة على تاريخ اجتماعي وسياسي متحوّل.
4. العقل الأكاديمي
تظهر خبرته البحثية في قدرته على التحليل، وفي سلاسة الجمع بين التجربة الذاتية والمعطيات الموضوعية.
5. خبرة العمل العام
تمتزج في شخصيته ثقافة المثقف مع مسؤولية رجل الدولة، مما يجعل سيرته نموذجًا لفهم دور النخب في خدمة المجتمع.
6. البعد الإنساني
في كل التفاصيل، يحضر الإنسان القريب من الناس، والحريص على قراءة التجربة من منظور إنساني قبل أي شيء آخر.

خلاصة القول، يمثّل كتاب «وكأنني لازلت هناك» إضافة نوعية إلى أدب السيرة الذاتية في الأردن، لما يحمله من قيمة توثيقية وإنسانية، ولقدرته على الجمع بين سرد التجربة الفردية ورصد تحولات المجتمع. وهو عمل يستحق القراءة والتأمل، ويناسب أن يكون مرجعًا تربويًا يوظَّف في العملية التعليمية، لما يقدّمه من مضامين ثقافية ووطنية وأخلاقية راسخة. ويظلّ الكتاب شهادة صادقة لرجل حمل قيم بيئته معه أينما ذهب، وظلّ قريبًا من الناس ومن الحقيقة ومن فكرة الخدمة العامة.

 

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: هناك رموز ستختفي والحكومة ستتغير بعد الانتخابات.. فيديو
  • مصطفى بكري يُشيد بسرعة ضبط المتهمين بمحاولة اغتيال الكاتب الصحفي عبده مغربي
  • مصطفى بكري وأسرة تحرير «الأسبوع» يتقدمون بالعزاء لـ الكاتب الصحفي عماد الدين حسين في وفاة والدته
  • أسرة صدى البلد تنعى والدة الكاتب الصحفي عماد الدين حسين
  • فوائد واسعة لـالبابونج.. هل هناك أضرار في حال تناوله يوميا؟
  • قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • أسرة صدى البلد تنعى الكاتب الصحفي محمد عبدالواحد سكرتير تحرير الأخبار
  • هل هناك موت ثقافي في القدس؟
  • هل هناك فرق بين العراف والكاهن